السيمر / الأحد 27 . 08 . 2017
*عبد الجبار نوري
توطئة / رحماك وطني —كأنني ذنبٌ وأنت عقابُ (الشاعر قاسم والي )— لِمَ أحبك حد البكاء الذي يجعل السماء تمطر ؟ ، لأن حبك ذاكرة أمّة وضمير وطن ، ستبقى أيقونة عشقنا التأريخي الأبدي الذي نستدل بأنواره متاهات دروب التبانة في كبد السماء ربما ألهمتنا الصبر وثم الصبر في أحتواء كأس حرماناتك التراجيدية المرْة حد الثمالة ، ونترقبُ نهاية مأساتنا الملهاتية حتى وأن بدتْ تفتقد مسك الختام بل حتى وأن تكون محرّم عليها .
النص / صوّت البرلمان العراقي في جلسته المنعقدة يوم الخميس 17-8-2017 بالموافقة الكاملة على مواد مشروع ” قانون العفو العام ” بعد أتفاقات مسبقة بين الأطراف والكتل السياسية خارج البرلمان عبر صراعات فئوية تحت عباءة المحاصصة البغيضة بغياب المصلحة العامة وحقوق الأنسان وحق الوطن ومستقبل الأجيال ، وبالرغم من وجود بعض النقاط الخلافية بين هذه الكتل بعد سنتين وللأسف تمخض الجبل فولد فأراً !!!.
قبل الولوج في تفاصيل هذا الحدث المهم الذي يرقى بأعتقادي إلى الأحداث الديناميكية والمطبات المصيرية للأمة ، نرى العجب في العلاقات بين السلطات الثلاثة بأتفاقهم على أن لا يتفقوا ، أو أن يختلفوا أي نعم أنها الديمقراطية ولكن أن تصل إلى حد الأستخفاف في قلب الأمور حسب الأرادات الكتلوية والفئوية كما جرى في ” مسودة العفو العام ” المرسلة من قبل السلطة التنفيذية ألى السلطة التشريعية ( البرلمان ) خالية من كلمة ( العفو ) عن الأرهابيين وجرائم الخطف وسرقة المال العام ، والعجيب أن هذه الفقرات تبدلت بقدرة قادر فور دخولها البرلمان ، وخرجت بديباجة رهيبة تثير القلق تبرز فيها كلمة ( العفو ) متحدية السلطة التنفيذية والقضائية ولكنهم أقروا مشروع العفو العام وأرسل إلى الجريدة الرسمية .
التداعيات والثغرات والمآخذ الخطيرة للقانون !!!
-لا يشمل العفو دعاوى الجنح البسيطة للذين غلطوا مرة في حياتهم ويرغبون الرجوع ألى المجتمع وألى عوائلهم ، وهي دعاوى بسيطة لا تحتاج تنازل المشتكي ، وأحيانا ترقى لدعاوى كيدية من المخبر السري .
– أن أطلاق سراح بعض المجرمين الخطرين من السجون عن طريق أقرار قانون العفو العام الجديد يسبب أرباكاً ونزاعات عشائرية وأزدياد حالات الثأر وأحتمال وارد أن تقع أصطدامات بين الجناة وذوي الضحايا .
– شمول العفو جرائم المخدرات والخطف بدون عاهة سوف يخرجون أكثر من 300 ألف متهم ومدان ، للعلم أن الحكومة أستثنت جرائم الأرهاب والخطف ولكن البرلمان أعاد تغيير فقراته ألى الشمول بالعفو العام وهو بمثابتة مخالفة صريحة وغير عادلة وغير منصفة بل يعتبر تجاوز البرلمان على السلطة القضائية ، ومخالفة صريحة لفقرات الدستور في البند 47 الذي يؤكد فصل السلطات .
– وهنا ثغرة قانونية خطيرة في المادة ( 1 ) من القانون الذي ينص : يعفى عفواً عاماً عن العراقي المحكوم بالأعدام أو السجن المؤبد في حال موافقة الضحايا وذويهم ، وهو تجاوز على القانون والأحتكام بالتقاليد العشائرية وقوة المال .
– المادة ( 4) تتضمن ( 13 ) أستثناء منها جرائم الأرهاب الذي لم تنتج منها قتول وفشلت في أنجاز مهمتها أو تم أعتقاله قبل تنفيذ الجريمة سيطلق سراحهُ بموجب القانون ، وهنا يمكن القول في الأرهابي الذي فخخ سيارة ملغمة وأنفجرت ولم تسفر عن ضحايا سيطلق سراحهُ ثم يعود ثانية لأنجاز المهمة المكلف بها ، ونفس الشيء في الفقرة ( 6 ) التي تسمح بأطلاق سراح المتهمين بجرائم الأختطاف التي لم تسفر عن موت المخطوف أو أحداث عاهة مستديمة ، وللعلم أن النسخة التي قدمتها الحكومة والقضاء لم تتضمن هذه الفقرة .
– المتهمون بالفساد الأداري والمالي كانت لهم حصة دسمة من قانون العفو العام حيث أن الفقرة (10) سيتم أطلاق سراح المتهمين بجرائم سرقة أموال الدولة أذا قام المتهم بتسديد ما بذمته من الأموال المسروقة ، والمشكلة هنا أن المتهمين بالفساد غالباً ما هم مسؤولون كبارقد يتحايلون لتقليل حجم الأموال المسروقة وأعادة جزء منها ألى الدولة مقابل أطلاق سراحهم ، فيما سيتنعم بباقي المبالغ التي سرقها دون خوف من العقوبة لمئات من أجياله وذرياته .
– الفقرة 13 تسمح بأطلاق سراح الذين قاموا بتزوير الوثائق الرسمية للحصول على وظيفة أو أمتيازات مالية من الدولة ، وللتذكير أن النسخة الحكومية والقضائية لم تتضمن هذه الفقرة .
الخلاصة/ جاءت فقراته داعمة للفساد المالي والأداري ، وهو أنتشال مسؤولين متورطين من المساءلة القانونية ، وجاءت فقراته داعمة للأرهاب والفساد المالي والأداري ، وأن القانون الذي صوت عليه البرلمان في 2016 لم يشمل من أرتكب جريمة تخريب مؤسسات الدولة وجريمة محاربة القوات المسلحة ولم يشمل الجرائم الأرهابية ، لذا أن التعديل الأخير الجائر يسبب أرباكاً أمنياً وأستهدافا لأمن المواطن والبنى التحتية ، وأن هذا التساهل يضعف جهود مكافحة الأرهاب وأجراءات الردع ضد الأرهاب وعصاباته الأجرامية ، وبالنهاية تعتبر التعديلات الأخيرة وأقرارها من قبل البرلمان غير مقبولة ، وهذا يعني أن المساومات السياسية غلبت القانون والدستور وحقوق الشعب ، فهي رسالة ألى تيارات الحراك المدني والقوى الديمقراطية والأعلام الحر والأقلام الوطنية أن تقف صفاً واحدا في الرفض والشجب لهذا التعديل الظالم والبائس والمتهافت —
*كاتب ومحلل سياسي عراقي مقيم في السويد