السيمر / الجمعة 15 . 09 . 2017
صالح الطائي
إن العمل الرديء ومهما كان متسافلا سيبدو أحيانا في عين فاعله صحيحا، ولذا لا يلوم فاعله نفسه على النتائج المترتبة على ذلك العمل؛ مهما ألحقت من أذى بالناس، بل نراه غالبا يلوم الذين تسبب لهم بالأذى، وأنا هنا لن أتحدث عن الدواعش وجرائمهم الحمقاء لمجرد أنهم يعتقدون بصحة منهجهم وبطلان المناهج الأخرى، وسأكتفي بأن أضرب لك مثالا ذكره (دايل كارنيج) في كتابه (فن التعامل مع الناس)، فقال: في السابع من مايو سنة 1931 وفي مدينة نيويورك تم القبض على (كرولي ذو المسدسين) السفاح بعد هجوم بالغازات السامة والأسلحة الرشاشة على بيت صديقته الذي كان متواجدا فيه. وفي الوقت الذي كان رجال الشرطة مشغولون بحصار ومهاجمة المنزل كان هو منكبا على كتابة رسالة عنونها (إلى من يهمه الأمر) قال فيها: “إن بين ضلوعي قلبا حزينا، ولكنه ينبض بالرحمة، قلبا لا يحمل حقدا ولا يضمر أذى لأحد”. وحينما أرادوا تنفيذ حكم الإعدام فيه، قال: “هذا هو جزائي لقاء دفاعي عن نفسي”.
ثم نقل قول المجرم (آل كابوني) زعيم أخطر عصابة أمريكية: “لقد أمضيت كل حياتي في إسعاد الناس ومساعدتهم لقضاء أوقات فراغهم فكان ثوابي سعي الشرطة لاعتقالي وسفك دمي”. فهو حتى مع كل تلك الجرائم القبيحة يرى نفسه مصلحا اجتماعيا ولكن الناس لم يفهموه.
معنى هذا أن العمل الذي تقوم به يوجب عليك أن تتحمل النتائج التي تترتب عليه، وهذا ليس في الجانب السلبي فحسب، بل وفي الجانب المادي أيضا، فأنت حينما تتبرع بمبلغ من المال إلى أحد الفقراء أو إلى مؤسسة خيرية أو جهة ثقافية سوف تشعر براحة في أعماقك وسعادة غريبة لذيذة وممتعة قد تعجز الكثير من الأمور الأخرى عن تحقيقها لك. كذلك حينما تقوم بمخالفة مرورية أو إلحاق الأذى بشخص أو التحايل على القانون، أو التهرب وظيفيا، أو سرقة المال العام، أو التقصير الوظيفي، سوف تشعر بتأنيب الضمير والإزعاج حتى ولو لم يلمك أحد على فعلتك، وحتى لو لم يشاهدك أحد تقوم بها.
معنى هذا أن أمام النجاحات المتاحة لك هناك الكثير من محطات الفشل، وأن النجاح الدائم لا يُحصنك ضد الفشل في أحيان أخرى، وأن قبالة الصحيح الذي تقوم به هناك خطأ محتمل قد تقع فيه، المهم أن تعرف كيف تحافظ على نجاحاتك، وتصحح أخطائك، وتفيد من الخطأ الذي ارتكبته، وأن لا تلم أحدا على خطأ أنت ارتكبته، ولا تبقى حبيس هذا الشعور زمنا طويلا، فتخسر أشياء أخرى لا تتمنى خسرانها، فالحياة تجربة مستمرة، وأنت بيدك أن تكون فأر التجارب فيها، أو تكون القائم بالتجربة.