السيمر / الجمعة 15 . 09 . 2017
*عبد الجبار نوري
توطئة/ عيناكِ يا بغداد منذُ طفولتي شمسان نائمتان في أهدابي . بغداد طرتُ على حرير عباءةٍ وعلى ضفائر زينبٍ وربابِ . لم أغتربْ أبداً فكل سحابة بيضاء فيها كبرياء سحابي . ماذا سأكتب عنك يا فيروزتي فهواكِ لا يكفيهِ ألف كتابِ (شاعر الياسمين-نزارقباني ) ، كانت بغداد ولا تزال هي المد بدون جزر وهي البدر بدون محاق وهي المن والسلوى تلك هي بغداد حبيبتي التي عشقتها ، عبث بها الحصار الظالم والحروب العبثية لنظام البعث الشمولي ، ولوّثتْ قوى الظلام الداعشية جدران صومعتها المقدسة ، وباعها جملة من سموا أنفسهم ( للنكتة) بالسياسيين بعد السقوط ، جُلّ هذهِ الجروح العميقة والغائرة لم تسقط بغداد لكون جيناتها سومرية وأكدية وآشورية غائرة جذورها في أعماق التأريخ ، لا ضير حين تنفض عن نفسها غبار الزمن ، وتقف شامخة كنخيلها الباسقة لتحيا اليوم كرنفال الأنتصار على أعتى شراذم الأرهاب الداعشي ، وتعيشُ حاضرها في معالجة الأشكالات الداخلية ، في البناء والأعمار ومواجهة مشكلة ” السكن العشوائي ” .
الموضوع / يقصد السكن العشوائي أوتسمى بالمناطق الغير آمنة ، وهي المناطق التي يُرى أنها تمثّلْ تهديداً لحياة السكان وصحتهم وأنهُ ظاهرة نمو الأسكان الحرْ ، وذلك من منطق محايّد ، فقد نشأ بأرادة كاملة من الشعب ، وتنمو طبقأ ًلأنماط محددة ومتكررة ولا تتغيّر تقريباً ، سواءاً بالنسبة لتخطيطها الخيطي وعروض شوارعها أو أبعاد قطع الأراضي فيها ، وقد أستُعمل التعبير العشوائي الغير رسمي لكونه بدون تراخيص رسمية ، فهذه المجمعات ناشئة من تجاوزات على أملاك الدولة من أراضي وحدائق عامة وبساتين النخيل وأراضي زراعية ومعسكرات ،فهي موزّعة في الزعفرانية وبغداد الجديدة والشعب و9 نيسان ، أما بالنسبة للخدمات العامة فأن هذه المناطق تعاني من قلّة معاني الخدمات العامة وسوء حالة الموجودة منها وعدم كفاءتها في تأدية المطلوب في معالجة عشوائية التوزيع ، فهي مشكلة ذات أبعاد ، أقتصادية وأجتماعية تعبّر بوضوح عن عجز الحكومة الأتحادية والحكومات المحلية عن مواجهتها وحلّها ، وأظهرت نتائج المسح الشامل للعشوائيات في العراق والذي نفذهُ الجهاز المركزي للأحصاء بالتعاون مع مديريات البلديات في المحافظات عام 2013 : أن عدد سكان العشوائيات على مستوى محافظات العراق – عدا أقليم كردستان – والبالغة 34688 مسكناً بنسبة قدرها 3-7% من أجمالي عدد سكان العراق يسكنون العشوائيات ، في حين سجلت بغداد الأعلى في عدد سكان العشوائيات بلغت 1/ 31% تليها البصرة بنسبة 41% ، تشوهتْ وجهها الجميل بهذه العشوائيات المقززة بعد أن كانت في أبهى صورها فشوهها المخربون الجهلة والطامعون فأصبحت في ظل هّذه العشوائيات تعيش فلتاناً أمنياً تجوب أزقتها الحلوة عصابات الحواسم والبلطجية ، وقد تجاوز ساكنو العشوائيات مليونين ونصف المليون في نشرة وزارة التخطيط وحصة بغداد منها أكثر من 40% ما يقارب 800 ألف نسمة ، وقد وصل عدد العشوائيات في بغداد ألى 235وأرتفع الرقم نهايات 2017 ألى 350 منطقة عشوائية عدد ساكنيها 700 نسمة أي 280 ألف في كل عشوائية (حسب آخر تقريرلمجلس محافظة بغداد 2017 )، والساكنين من فئات مختلفة وبالأخص من الطبقات الفقيرة تعمل ليومها لأجل الخبز وسقفٍ يحميها ، وهم من أصحاب الدخل المحدود قد تحصل على 5 دولارات في اليوم وأحياناً قد لا تحصل !؟ ، وأن العراق يحتاج ألى أربعة ملايين وحدة سكنية للأنفجار السكاني في السنوات العشرة الأخيرة ، أذ تشهد البلاد نمواً بمعدل 3-4 % سنوياً مما أدى ألى تشظي الدور السكنية وتقسيم قطعة الأرض تنازلياً للوصول ل50م2 في العشوائيات والتجاوزات ، وتعد ظاهرة العسشوائيات من أكثر القضايا المهمة نظراً لما لها من أنعكاسات سلبية أجتماعية وأقتصادية وأمنية تهدد أمن وأستقرار المجتمع ، وأصبحت معالجتها مطلباً ملحاً تتطلب تظافر جميع الجهود للحد منها ، حيث تحتاج بغداد ألى المزيد من الدراسات والسعي لتدشين ” عقد أجتماعي ” جديد على طريقة الرئيس الأمريكي : روزفيلت ” ؟؟ * !؟.
الأسباب/1*-من أكبر أسباب ظهور ونمو مناطق الأسكان العشوائي في العراق: الهجرة من الأرياف ألى المدن ، وخاصة للعاصمة بغداد فتتشعبتْ منها المؤثرات السلبية المباشرة والغير مباشرة في الأضافات السكانية . *- كما أن الكثير من الأجراءات لم تتُخذْ في مواجهة ظهور وأنتشارمناطق الأسكان العشوائي . *- أضافة ألى عدم وضع المخططات الهيكلية والتفصيلية للمدن الكبرى أو أحكام الرقابة على شاغليها ، كذلك عدم أتخاذ الحكومة أجراءات رادعة نحو هذه الظاهرة المخيفة منذ بداياتها لوقفها وخاصة بعد الأحتلال الأمريكي 2003 ، وضعف هيبة الحكومة المركزية والفلتان الأمني .*- شجعت الأسباب السياسية على أنتشار تلك العشوائيات في أهتمام الحكومات المتعاقبة عبر السنوات الطويلة بتنمية الحضر وأهمال الريف العراقي ، مما دفع الكثير من أبناء الريف لسوء الأحوال الأقتصادية ألى المدن الكبرى وخاصة للعاصمة بغداد للبحث عن فرص عمل .
*خصصتْ الحكومة الأتحادية في 2014 ستة مليارات دولار لغرض الأسكان في المحافظات ومنحت 421 أجازة أستثمار في قطاع الأسكان لكن الفسادى المستشري الواسع حال دون تنفيذ أية مشاريع ، وأن حلحلة هذه الأشكالات تكمن في التخفيف عن ظاهرة الفقر ، فكانت مكانتها في موازنة 2014 في الأولوية أيضاً بتخصيص 200 مليار دينار عراقي لبناء وحدات سكنية بيد أنها أصبحت في خبر كان وأخواتها في جيوب حيتان المال العام . * فشل جلسة مجلس النواب في 11-3-2017 لمعالجة ظاهرة العشوائيات فكانت مجرد مقترحانت أعلامية لغايات أنتخابية وأنتهت بلا شيء للجدالات والمناكفات الفئوية والكتلوية الشخصية .*ولغاية اليوم لم يتم أيجاد بدائل كحلول سريعة لغياب الجهد الحكومي الجاد في الوقوف أمام هذا الطوفان التسونامي ، لعدم وجود خطة سكانية مدروسة . وعند دراسة هذه الظاهرة المقززة والمرفوضة والغير مسبوقة وجود مشاكل أجتماعية سوسيولوجية في عموم المجتمع في تدني ثقافة التمدن والتحضر وكثرة حالات الطلاق والزواج بأكثر من واحدة – ربما لزيادة أرتفاع الدخل – وأرتفاع عدد أفراد الأسرة ليصل ألى ستة أفراد بالمعدل . * تسييس هذه المشكلة لأغراض أنتخابية حيث تسوّقها الأحزاب بأسلوب ديماغوجي في كسب الأصوات مدعين حماية العشوائيات من تأثيرات الحكومة .
التداعيات/*هناك مشاريع عديدة تعطلتْ بسبب هذه العشوائيات المنتشرة في أطراف بغداد كمشروع (الخنساء) الذي يعد خطاً ناقلاً لمياه الصرف الصحي والذي شأنهُ أنقاذ جانب الرصافة من الغرق الذي يحصل كل عام أذ ينقل المياه الثقيلة ألى الرستمية بطول 17 كم وكذلك عُطل هو الآخر شأنهُ شأن الكثير من المشاريع الأستراتيجية .* أن بعض التجاوزات هناك عوائل تسكن على أراضي بنى تحتية وفوق مجاري ثقيلة مما أثرت على تصريف الفيضانات وعلى جهود مشاريع أمانة بغداد . * أنخفاض الخدمات اليومية من ماء وكهرباء ومجاري ومدارس ومراكز صحية .* صعوبة التواصل بين أجزاء تلك العشوائيات لأنتشارها الكيفي . * أفواج من خطوط الهجرة من الريف يفتقدون لأبسط متطلبات الحياة اليومية منذ 2003 مما أدى ألى مزاحمة سكان المدن في العيش فهو خلل في التوزيع السكاني .* فهي مشكلة أقتصادية وأجتماعية وعمرانية تشمل آثارها السلبية على عمران المنطقة بأسرها . * أنتشار المناطق العشوائية خلق مواطناً عشوائياً وأحياناً مسؤولين عشوائيين *زيادة معدلات الجريمة وتدني مستوى الوعي الثقافي والتعليمي . * عند تحليل عناصر المشكلة سيتضح لنا جلياً : أن الشخص الذي نشأ في العشوائية سيصبح خارجا عن القانون فتبقى المشكلة قائمة في ظل أختزال أدمية الأنسان طالما هو أثمن رأسمال !؟ فستظل تلك العشوائية تُخرّجْ أجيالاً من المعوّقين فكرياً فاقدي ثقافة المواطنة والعقل والوعي والأخلاق يمارسون كل أعمال العنف والبلطجية ويتجلببون برداء ( الحواسم ) كما عانينا نحن سكان حي المعلمين في بغداد الجديدة – بعد السقوط – من عشوائية معسكر قوات الحدود.
الحل/* تدخل الحكومة المركزية بالشكل الرئيسي ولا تنتظر الهبات والمساعدات الدولية في أعداد خظة تتضمن بناء مجموعة من المجمعات السكنية في بغداد والمحافظات وفي مناطق العشوائيات بالذات ، بعد مكافحة الأشكالات البيروقراطية مع دوائر ومؤسسات الدولة .*- شمول القرى والأرياف بالأعمار وتطوير الزراعة والثروة الحيوانية بالطرق العلمية الحديثة ، وتسويق الدولة لمحاصيل الأستراتيجية للفلاحين كالحنطة والتمور ، وتوفير الخدمات اليومية أسوة بأهل الحضر . * طرح فكرة أستحداث دائرة مختصة بالعشوائيات في بغداد مشابهة لدائرة ( تعويض ضحايا الأرهاب ) تكون واجبها جرد العشوائيات والساكنين فيها ومتابعة أيجاد البدائل المقدمة هي أنشاء مدن في أطراف بغداد عند الأقضية المحيطة بالمدينة وهي المجمودية وأبو غريب والتاجي والأستقلال والحسينية والرشاد يكون تصميمها بطرق حديثة مهيأة بكامل الخدمات المطلوبة والبنى التحتية اللازمة لها ( تقرير وزارة التخطيط العراقية ) . * توزيع العشوائيات على شكل قطع أراضي بمساحة 200م 2 على ساكنيها مع قرض من صندوق الأسكان لبنائها . * وبأعتقادي أن هذه الظاهرة ليست بعصيّةٍ لو نظرت الحكومة ألي نماذج في الدول النامية والتي تعاني من نفس المشكلة كالبرازيل وتنزانيا والتي أنهت هذه المشكلة عند بناء المجمعات السكنية المنتظمة وربما يكون عندنا سهلا في ضرب الفساد بيد من حديد والمشرعنة من المرجعية الدينية ومن الحراك الشعبي، وكذلك توسيع صلاحيات الحكومات المحلية .*ويكون الحل في بناء المجمعات السكنية من قبل وزارة الأسكان لموظفيعا كحلٍ أدنى ، وتعممهُ على جميع الوزارات وبطريقة الأستثمار . * تصريح منظمة حقوق الأنسان في هيئة الأمم المتحدة تعلن : ينبغي منح سكان المناطق العشوائية في العراق الفرصة لأبداء آرائهم فيما يتعلق بأيجاد حلول لظروف السكن المؤلمة والفضيعة التي يعانون منها أذا كانت الحكومة ديمقراطية تحترم حقوق الأنسان!؟ . *بناء عاصمة أدارية في جانب الرصافة في منطقة الشماسية شمال غرب بغداد تنتقل أليها مقارحكومية ووحدات سكنية وقد تبدو الفكرة خيالية بعض الشيء ولكنها مطروحة من خبراء الأسكان المدني وجائتني الفكرة من أطلاعي على محاولات وزارة الأعمار المصرية في زمن السيسي الأن في تشييد عاصمة أدارية بجانب القاهرة في منطقة سته أكتوبر، وهناك نماذج وتجارب عالمية بهذا الخصوص كما في بناء برازيليا في البرازيل سنة 1960 وكانبيرا في أستراليا عام 1913 ، وأستانة التي أصبحت العاصمة الأدارية لكازاخستان1967
*روز فيلت رئيس أمريكي رقم 32 صاحب العقد الأجتماعي الأمريكي والتي سميت بالصفقة الجديدة في حزمة أصلاحات في مجموعة من البرامج الأقتصادية والأجتماعية والقانونية والعمرانية ، وهو زعيم دولة ورجل سياسة ومن الحزب الديمقراطي ….
* كاتب وباحث عراقي مغترب
المحور/ دراسة بحثية