السيمر / الأربعاء 20 . 09 . 2017
هند بشير يونس
يقول البعض بان القران يجب ان يدرس بالمنهج الادبي دراسة تلغي او تبطل اي منهج اخر سواء كان ذلك المنهج دينيا لاهوتيا فلسفيا او اخلاقيا او صوفيا او شرعيا. وقد طرح الكاتب نصر حامد ابو زيد نموذجا من تلك القراءة يجرد فيها القران من قدسيته ويجعله بشريا ويتوسل بمناهج علوم الانسان والمجتمع ولاسيما اللسانيات والسيميائيات وعلم التأريخ والاجتماع وغيرها فيطبقها على النص القراني. في حين اننا نرى ان الاهم في التفسير هو الذي يكون محققا لمفهوم الهداية والرحمة ومبينا لحكمة التشريع في العقائد والاخلاق والاحكام, وهذا هو مفهوم الكثيرين ومنهم (محمد عبده). وقد جاء بعده (أمين الخولي) ليقره على ذلك ولكن ليقرر اسبقية هدف اخر وهو اعتبار القران كتاب العربية الاكبر وأثرها الادبي الاعظم. وهذا هو مذهب شيللرماخر الذي أرسى اسس التفسير الأدبي للنصوص المقدسة. وقد اقترح الخولي منهجا للتفسير هو (المنهج الاجرائي) وخلاصته كما ذكرها الباحث عمر حسن القيام في كتابه ( ادبية النص القراني, بحث في نظرية التفسير) هي ان يفسر القران موضوعا موضوعا وان تجمع ايات الموضوع الواحد جمعا احصائيا مستقصيا مع معرفة ترتيبها الزمني ومناسباتها لتفهم الاية على ضوء ذلك مع استحضار شرطين ومنهجين اخرين هما: اولا معرفة ما رافق النزول من تاريخ وعلوم وبيئة, سواءا البيئة المادية او المعنوية, وثانيا النظر في القران نفسه وذلك بدراسة المفردة مع مراعاة الظواهر النفسية والاجتماعية والعوامل الحضارية المؤثرة في التطور الدلالي وطبيعة البنية اللغوية حتى يصل لترجيح المعنى اللغوي للكلمة. وهذه هي (الدراسة المعجمية). ثم الخطوة الثانية وهي تحرير الدلالة التداولية للكلمة داخل القران نفسه, وهذه هي (الدراسة التداولية). ثم يتم الانتقال للنظر في المركبات مستعينا بالعلوم الادبية من نحو وبلاغة, مع التامل في خصائص الاساليب القرانية.
القراءة الحداثية للقران لدى المفكرين المغربيين ( محمد اركون و عبد الرزاق هرماس و عبد المجيد الشرفي و الصادق الينهوم و محمد عابد الجابري) رسمت صورة جديدة للقران تختلف عن القراءات السائدة. فالصلاة, حسب قراءتهم, مسألة شخصية وليست واجبة وتغني عنها رياضة اليوغا, الزكاة ليست واجبة وانما اختيارية لانها وضعت أصلا لمجتمع ليس فيه فروق طبقية كبيرة , والصوم ليس فرضا وانما هو للتخيير, والحج كذلك من الطقوس الوثنية التي أقرها الاسلام مراعاة لحال العرب!!
الإسلام -حسب التيار العلماني في القراءة الحداثية للقرآن الكريم- عبارة عن مقتبسات من شعائر وطقوس الجاهلية وغيرها من أساطير الشعوب القديمة ، وهو لا يختلف عن بقية الأديان كالمسيحية، في كونه نتاجًا للقوى المحسوسة التي تشكله عقاديًا وأيديولوجيا ، وهو يقع ضمن الإطار المعرفي للقرون الوسطى ، وسيصبح الإسلام بفعل العولمة والحداثة شيئًا باليًا لامعنى له، وسينهار الإسلام المثالي، ويبقى الإسلام التاريخي للذكرى والدراسة فقط كما حصل للمسيحية ، ولاينبغي عدُّ قيم الإسلام حقائق مطلقة، لأن الإسلام رسالة موجهة إلى أناس بأعيانهم في القرن السابع الميلادي!
هذا ما توصل اليه الحداثيون: دين جديد قابل لكل الافهام والتأويلات, لا يشبه من قريب ولا بعيد الاسلام الرباني الذي ارسل به النبي محمد (ص). واخيرا ينبغي القول ان مجال دراسة القران مفتوح لكل الباحثين على ان لا ننسى ان القران هو كتاب هداية وليس كتابا في التأريخ او السياسة او العلوم. وهذا يعني الايمان بانه كتاب الهي ونص مقدس. وعندما ننزع عنه قدسيّته ونعتبره بشريّا فهذا يعني اننا نفترض وجود أخطاء فيه, لان البشر ليسوا معصومين من الخطأ. وحينئذ فلن يصلح لكي يكون كتاب هداية يهتدي به الانسان فيعيش معناه في عقله وروحه وسلوكه.