الرئيسية / مقالات / النظام الدولي الجديد

النظام الدولي الجديد

السيمر / الاحد 24 . 09 . 2017

د. ماجد احمد الزاملي

النظام الدولي الجديد يثير اهتماماً كبيرا لدى الأوساط السياسية والأكاديمية في العالم من خلال متابعة تطوراته والأفكار التي جاء بها. و انشغلت هذه الأوساط بدراسة أبعاده وانعكاساته على مختلف الاصعد سواء كانت الداخلية أو الإقليمية والدولية أو السياسية والاقتصادية والعسكرية. انهار الاتحاد السوفياتي عام 1992 وبدأت فكرة الاستقطاب العالمي اي انفراد قوة كبري وحيدة في العالم تستحوذ عليها الولايات المتحدة الامريكية التي تبشر بنظام عالمي جديد. وهذا النظام لا كما يربطه البعض بـ النظام الدولي ! فهو سعي امريكي لاحداث البديل واقراره على العالم ليقبل به صاغراً او مستسلماً أو معجباً في القرن الحادي والعشرين ! .فمنذ سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار المعسكر الاشتراكي لولادة نظام دولي جديد تفردت فيه أمريكا بالقيادة وزعامة العالم، مع عجز دول العالم الثالث وبعض القوى الصاعدة عن تطوير فكرة “عدم الانحياز”، وتقديمها خيارا منافسا قادرا على استثمار تركة المعسكر الاشتراكي في سبيل بروز قطب عالمي موازي للقطب الليبرالي.
؟ إذن ماهو النظام الدولي الجديد، وما ملامحه وهل يقوم على الاحادية أم التعددية؟
يقوم النظام الدولي الجديد على ثلاثة عناصر: وجود قواعد تنظم العلاقات الدولية، والدول والمنظمات، والتفاعلات بين أجزاء النظام الدولي. ولفكرة النظام الدولي تاريخ عريق ينطلق من رغبة الانسان في الوحدة الانسانية. والنظام الدولي في القرنين الاخيرين بدأت مرحلته الاولى في مؤتمر فينا في مطلع القرن التاسع عشر، وهو الذي أعاد التوازن الدولي للمجموعة الاوربية، وفي هذه المرحلة تكونت الدولة الرأسمالية وحرية السوق. والثانية هي الفترة مابين الحربين العالميتين، وتميزت بعدم الاستقرار ونشأت في ظل مؤتمر الصلح في فرساي، والثالثة هي التي نشأت مع الحرب العالمية الثانية ووصفت بأنها مرحلة الحرب الباردة وتميزت بثنائية القطبية. ثم ظهرت مرحلة النظام الدولي الجديد في منتصف الثمانينات.
ووثيقة استراتيجية الامن القومي لبوش الابن تؤكد أن ثمة شيئا جديدا بدأ يظهر على الساحة الدولية، وله آثاره على المجال السياسي، والعسكري، والجيوسياسي، والاقتصادي. والمنطقة الاسلامية أكثر المناطق تأثراً بالمتغيرات الدولية الاخيرة. لقد أصبحت فكرة استباق العدو والحرب الوقائية مكرسة في السياسة الأمريكية ، بل أصبحت جزءا من استراتجيتها الجديدة . فالولايات المتحدة الأمريكية في استراتيجيتها السابقة كانت تقوم بحروب إما بالأصالة وإما بالإنابة . ولكن بغطاء من الشرعية الدولية إلا في بعض الحالات في أمريكا اللاتينية التي كانت تعد في أثناء الحرب الباردة مجال امريكا الحيوي،و هو ما يوازي التدخل السوفيتي في المجر وتشكوسلوفاكيا.أما الآن فقد كرست الولايات المتحدة فكرة التدخل المباشر وبقرار أمريكي صرف فالولايات المتحدة ترى أن الحروب الإستباقية من الآن فصاعدا قرار أمريكي تمليه مصالح الأمن القومي وضرورته.و أنها لم تعد بحاجة إلى الحلفاء والأصدقاء ، أو حتى العملاء وخاصة بعد حرب العراق 2003 وكذلك لم تعد العناصر الثقافية والإجتماعية للتدخل الأمريكي منفصلة عن العناصر العسكرية والإقتصادية.
وفيما يتعلق بالنظام الدولي ذاته أو نظام الدول فأبعاده متعددة. هناك البعد العسكري، وكذلك البعد الاقتصادي، وقبلهما البعد العلمي والتكنولوجي، و كذلك البعد الدبلوماسي، والبعد الإعلامي فضلا عن البعد الثقافي. ولكل من هذه الأبعاد مؤسساته وتوزيع القوة الخاصة به. وإذا كانت الفوارق شاسعة بين الدول الرئيسية في نظام الدول في البعد العسكري، فقد أصبحت هذه الفوارق تضيق في البعد الاقتصادي وحتى في البعد الدبلوماسي مما يجيز القول بأن النظام الدولي هو نظام أحادى القطبية في بعده العسكري، ولكنه أصبح يقترب من تعدد الأقطاب في المجالات الأخرى وخصوصا الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية، وحتى في المجال العسكري، فإذا كانت علامات الوصول إلى مركز القطب الأعظم فيه امتلاك السلاح النووي والصواريخ الباليستية وإرسال مركبة فضائية إلى الفضاء الخارجي، فهناك ثلاث دول بلغت هذا المركز هي كل من الولايات المتحدة والإتحاد الروسي ولحقت بهما مؤخرا جمهورية الصين الشعبية.
تسببت الحرب العالمية الأولى في زوال أربع إمبراطوريات كبيرة، أبرزها الإمبراطورية العثمانية والنمساوية المجرية والإمبراطورية الروسية، وهو ما أسفر عن بروز عدد كبير من الدول القومية في أوروبا مثل اليونان ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا وغيرها، استفادت من شيوع مفهوم “تقرير المصير” واستغلاله من قبل القوى الكبرى في التنافس السياسي والإستراتيجي على سيادة أوروبا والعالم.
وفي النصف الثاني من العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، باتت الصين قوة اقتصادية عالمية يُحسب لها حسابها، لاسيما بعد تحقيقها نموا اقتصاديا سريعا يُؤهلها لتصدر العالم اقتصاديا في النصف الثاني من هذا القرن، كما برزت كوريا الجنوبية وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة (النمور الآسيوية) ومعها الهند والبرازيل قوى اقتصادية هامة تمثل جزءا معتبرا من التجارة الدولية.
سابقا كانت القوة العسكرية تتمتع بمزايا لا مثيل لها في تحقيق الفائدة السياسية والاقتصادية للدولة. لكن تحولات العصر وتطوراته قد جعلت الأداة الاقتصادية في سلم أدوات السياسة الخارجية، فلم تعد الأداة العسكرية تحتفظ بميزتها السابقة ولم تعد نتائجها مضمونة، وإنما تبدلت وأصبحت غير مجدية ولا تحقق الأهداف السياسية للدولة نظراً لارتفاع تكاليف تلك الأداة، ووقوفها كحجر عثرة في وجه تحقيق التنمية الشاملة في مجتمع الدولة، لأنها تشكل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد الوطني، هذا فضلاً عن إمكانية ردعها، فقد كانت الأداة العسكرية التقليدية والنووية يردعها احد الاقطاب اما الاتحاد السوفيتي، أوالأميركي، فلا يجرؤ أي طرف منهما على استخدامها، وبذلك انعدمت جدواها السياسية، وكان الحسم للقوة الاقتصادية التي كانت تتميز بها الولايات المتحدة ومعسكرها الغربي، حيث ركزوا على القوة الكامنة (الاقتصادية، والتكنولوجية) وعملوا كذلك على ترتيب عناصر هذه القوة، فكانت الغلبة لهم حيث انهار الاتحاد السوفيتي رغم امتلاكه لقوة عسكرية هائلة على الصعيدين التقليدي والنووي لانه لم يستطع الصمود أمام الاقتصاد الهائل لامريكا.
وقد أصبحنا أمام نظام عالمي جديد بكل معنى الكلمة يحمل في باطنه خصائص وسمات لم تألفها البشرية من قبل. وبالتالي فــإن هذه الخصائــص والسمات هي التي تتحكم في سلوك الدولة الحالي والمستقبلي، وبالتالي فإن أي سياسة فاعلة لأية دولة لا بد أن تنسجم مع هذه المعطيات الدولية الجديدة، لأنه من الصعوبة بمكان على أية جهة مهما كانت (دولة أو فردا) التمسك بالمبادئ الجامدة والثابتة في ضوء التحولات الكبرى التي تحصل في عالم السياسة في وقتنا الحاضر.
ليس من الحكمة أن تكون علاقات هذه الدولة بالدولة التي تحتل المكانة الأولى في المجال العسكري على مستوى العالم هي علاقات تتسم بالعداء، أو يشوبها التوتر. ولا يعني ذلك أن تكون سياستها الخارجية تابعة لسياسات الدولة الأقوى عسكريا، ولكنها ينبغي أن تتحاشى تعدد القضايا الخلافية التي قد تؤدى إلى الصراع معها، وخصوصا إذا كانت هذه القوة تحتل أيضا مكانة متفوقة على الأصعدة الدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية ولها أنصار كثيرون في المجتمع العالمي سواء كانوا شركات أو منظمات مجتمع مدني.
النظام الدولي الجديد بعد الحرب الباردة تنعدم فيه امكانية سيطرة دولة على مجمل التفاعلات الدولية ومن ثم فالنظام أقرب الى التعددية منه الى القطبية الواحدة مع التأكيد على اختلاف هيكل التعددية. ومع ذلك فان القوى الدولية الخمسه ( الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوروبي واليابان والصين وروسيا ) في النظام الدولي الحالي لاتوجد قوة واحدة منهم تتفوق في جميع العناصر ، فالولايات المتحدة وان تفوقت في معظم العناصر الا أنها تعاني في المجال الاقتصادي من مشكلات كبيرة وتدهور في أدائها مقارنة بالاتحاد الأوروبي واليابان ، كما أن الاتحاد الأوروبي المتفوق اقتصاديآ يعاني من نقص في القدرات العسكرية وأيضآ القدرة على العمل السياسي المستقل كما تبين ذلك خلال أزمات البلقان المختلفة حيث عجزت الدول الأوروبية عن وقف الصراعات عسكريآ في كل من البوسنه وكوسوفا الا بعد أن قررت الولايات المتحدة الأمريكية التدخل . وايضآ اليابان فرغم تقدمها الاقتصادي وتفوقها في مجالات شتى الا أنها غير مؤهلة للقيام بدور قيادي في النظام العالمي نتيجة ضعفها العسكري وضعف سيادتها وحضارتها في النظام العالمي ، وما ينطبق على اليابان ينطبق على الصين التي تتفوق بشريآ وحضاريآ وذات قدرات عسكرية لا بأس بها الا أنها اقتصاديآ لا تضاهي الولايات المتحدة الامريكية ,وكذلك روسيا الاتحادية فرغم قوتها العسكرية الهائلة الا أنها لاتزال تصارع التخلف الاقتصادي ومشاكلها الداخلية واقتصادها الذي يعتمد بنائه على المعونات والخبرات الغربية والدولية. الأمر الذي يقودنا الى القول بأن النظام العالمي الراهن في مطلع الألفية الثالثة وهو في بداية تكوينه حتى الآن هو نظام عالمي أحادي القطبية المتكتلة لأنه اذا أخذنا في الاعتبار باقي المؤثرات الاقتصادية والثقافية الى جانب القدرات العسكرية فان هذا القطب الأحادي عبارة عن كتلة دولية متكاملة هي المنظومة الرأسمالية التي تعبر عنها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والاتحاد الأوروبي.

اترك تعليقاً