السيمر / الخميس 05 . 10 . 2017
عبد الجبار نوري*
توطئة/ التغيير — دولة مدنية ديمقراطية أتحادية وعدالة أجتماعية ( شعارالمؤتمر الوطني العاشر للحزب الشيوعي العراقي ) ، أن الطريق إلى الدولة المدنية — دولة المواطنة والديمقراطية الحقّة المفلترة من شوائب الديمقراطية المتأمركة الأستحواذية والمستلبة لحقوق الشعوب المقهورة ، يتحقق عبر نضال متواصل وتحالفات وأصطفافات وطنية عابرة للطائفية والأثنية والمناطقية ، وتسعى لترسيخ المصالحة الوطنية والوحدة الجغرافية ، وعدم توظيف الدين لأغراضٍ سياسية ، والتأكيد على مبدأ ترسيخ متطلبات الأنسنة والسلام العالمي ، والأستبعاد الكلي عن أي شكلٍ من أشكال التعصّبْ ، ورفض الترويج للعنصرية الشوفينية والأنغلاق والتخندق الطائفي والأثني ، وترسيخ ” ثقافة المواطنة ” الحقة والسلم المجتمعي فتكون الدولة المدنية الديمقراطية هي الحل(من برنامج الحزب الشيوعي العراقي)
وما أجملها من أيام أن يكون الدين للديان والوطن للجميع ، وأن تكون تلك العلمانية اللبرالية المنبثقة من مفهوم الحرية بمعناها الأشتقاقي ، والتي هي عبارة عن أنعدام القسر الخارجي ، ويكون فيه الأنسان الحر من لم يكن عبداً أو أسيراً ، والحذر من أنحدار المجتمع البشري إلى حضيض الفزع الكارثي لمطبقي العلمانية بوجهها الرأسمالي المزيّفْ الذي وُلد من رحم الأعلام الديماغوجي السلطوي في عهد العولمة المعصرنة اليوم ، ويبدو على مدار السنوات الماضية غياب الوعي السياسي المرتكز على الوعي الوطني في أستخدام الحقوق لطموحات غير مشروعة يراد منها تقسيم العراق ، فكفى — كفى دماً وجنائزاً ودموعاً ، لنبحث جميعاً عن البديل الذي هو التغيير ، لكونهِ الوطن الوحيد المشتت على خرائط الزمن — وموتى دونما كفن ، والأغرب في عالم غيتس الأبله أنهُ لم يكتشف جغرافيتنا ولا حتى تأريخنا وكان تصريحهُ اليتيم (لقد ألقي القبض على وطنكم المقتول وأطلق سراح القاتل ) وهو الوطن الوحيد المتشظي بين متاهات العالم المأساوية التراجيدية والمرعبة — وتبدو وكأنّها تفتقد لمسك الختام بل محرّمٌ عليها ، وأتساءل وبمرارة وأحباط — وأحياناً تصل لبكاء الرجال الصامت على وطنٍ مستباح في زمن المسخ وزمن السيرك دفعتني أن ألوّحْ بكلمات الجواهري العظيم : أن العراق لساني قلبهُ ، ودمي فراتهُ وكياني منهُ أشطارُ .
العرض/الدولة المدنية وشروط نجاحها وأستمرارها :
الدولة هي تجمع سياسي وكيان بأختصاص سيادي ضمن جغرافية محددة ، وتمارس سلطاتها عبر الدولة المؤسساتية ، يكون أصحاب القرار فيها طلاب دولة لا من طلاب سلطة وحقائب وأشغال مراكز في الحكومة ، شهد وطننا العراق خلال العقد والنيّف من سنين ما بعد الأحتلال الأمريكي البغيض 2003 تطورات وأحداث مهمة أشرّتْ بأستمرار الأزمة الشاملة والمستعصية وتعدد تجلياتها التي أبرزت على الساحة الداخلية والخارجية نتائج تلك التطورات المكللة بالأحباط والفشل وتبخر آمال الشعب وتطلعاته من أقامة بديل جدي ديمقراطي حقيقي للنظام الدكتاتوري المقبور ، ومحو ذلك النظام الشمولي الأستبدادي القمعي من أذهان الناس ، أن الأزمة البنيوية المستعصية على أصحاب القرار السياسي تطحن بلادنا عبر النهج المحاصصاتي الطائفي الأثني المناطقي وغياب دولة المؤسسات التي هي ركيزة الديمقراطية الحقة وغياب ثقافة المواطنة وتغليب السمة الهوياتية الفرعية على المواطنة الجامعة ، والكارثة الكبرى فرض ظاهرة تسييس الدين وتوظيفهُ في فرض الأمر الواقع ، وما تعرض لهُ وطننا من عنف وتخريب على أيدي العصابات الأرهابية الداعشية أحرقت الأخضر فالأخضر واليابس وكل هذا الأرث الثقيل يضاف أليه الأقتصاد المتعثر والفاشل المرتكز على أحادية اقتصادية وهو يتجه ألى الخراب في طابعه الريعي الأستهلاكي ، وأعتماد السوق المفتوحة ، والذي زاد الطين بلّة دستور 2005 الملغوم في بعض فقراته حمالة أوجه حيث مورستْ عليه العجلة والأنتقائية والممارسات الخاطئة في تفسير وتطبيق مواده ، وهو الذي فتح أبواب جهنم بين الحكومة المركزية والأقليم ، وأحتدام الصراعات السياسية بين الكتل المتنفذة ، فتقف الحكومة اليوم عاجزة في تلبية متطلبات الناس في ضروريات الحياة الكهرباء وماء الشرب ، والتدهور الأمني وعجزها من التصدي للصوص المال العام وهم يهربون علناً حاملين معهم أرصدة رقمية مرعبة وألى موطن جنسيتهم الثانية قافزين على الدستور الذي يمنع مزدوجي الجنسية من أستلام مراكز قيادية في الدولة ، وعلى العموم يشهد الوطن فرزاً أجتماعياً وطبقياً متواتراً تتنامى خلالها فئات وشرائح طفيلية وبيروقراطية وكمبرودارية معرقلة لأي أصلاح جدي لكونها تهدد مصالحها وأمتيازاتها ، وبالتأكيد السبب الحقيقي لهذا الكم الكارثي من الخراب هو أعتماد نهج المحاصصة التي أدت ألى المزيد من التشظي المجتمعي وأضعاف الوحدة الوطنية وتمزيق النسيج الأجتماعي الذي قاد البعض ألى تقسيم الدولة العراقية .
أذاً ما الحل؟؟؟
منذُ نشأتي وأنا أعايش ذلك الصراع المرير والمرعب بين أنصار الدولة المدنية ومريدي الدولة الدينية ، وترقى – مع تقدم الزمن – ألى مناظرة علنية لأمور الدولة المدنية في زمكنةٍ ما !؟ ترتفع أصوات الجماعات الدينية وهم يمارسون جميع الأسلحة المتاحة والمحرمة أخلاقياً بحجة الثوابت الدينية ، ومارسوا كل أسقاطاتهم في ألغاء التنويريين وتكسير أقلامهم الحرّة وتغييبهم بمقصلة الدين ، وعند أستحضار وتقييم الأفضل والفرز بين الغث والسمين نجد أن كفة الأجيال الشبابية المثقفة أدركتْ خلع جلباب اليأس والقنوط والزمن يبشر بولادة شمس الحرية والديمقراطية وفيصل صندوق الأقتراع في فلترة الأفضل وأخضاعهِ للمراقبة والمحاسبة ورفع شعار (لا) معجزة تتحقق ألا بالعمل والعلم والأجتهاد للحصول على رجال دولة لا رجال حكم ، والحروب ليست بالسيف والرماح بل بالحوار وقبول الآخر وتناوب السلطة سلمياً أذاً علينا أن نتجه ألى الخيار الوحيد المتاح للشعب العراقي في خوض تجربة البناء المدني الديمقراطي للدولة المدنية الديمقراطية كحل عقلاني لأجل أنتشال الوطن من وضعه المتردي.
والبحث في مثل هذا الموضوع الشائك وجوب النظرإلى مصطلحين مفاهيميين في نظام الحكم هما { الدولة المدنية بأطارها العلماني والدولة الدينية }والحاجة للتمييز بينهما } :
العلمانية هي نظام فلسفي أجتماعي أو سياسي في فصل الدين عن السياسة الحياتية على الأرض وأنهُ لا يرفض الدين كتنزيل سماوي ، ولا تدعو ألى عدم التديّنْ كما يروّج البعض ، ليس هذا هدفها أو غايتها أنما ، تهتم بأدارة شؤون الفرد تنظر للجميع بالتساوي في حق المواطنة ، فالفرد بحاجة ماسة لضرورة وجود ( الوطن والدين ) ، وأن العلمانية من معطيات تجليات الحداثة والعصرنة الحالية التي تعني بناء ومادة وتكنلوجية عبر مقتربات تنمية أجتماعية وأقتصادية وسياسية تصنع الأنسان وتستشرق المستقبل ، بخطا واعية ونظرة حصيفة وقدرة على الأبتكار وبدون قيود وتكون لها رافعة واحدة هي ( التعليم ) .
وتقوم الدولة المدنية الحديثة على أساس حقيقة المواطنة التي محورها الفرد الذي يستحق لقب أثمن رأسمال لكونه هدف النظام السياسي وصانعهُ وصائغهُ يكون المواطن فيه مصدر السلطات دون تدخل والتحرر من فلسفة اللاهوت السياسي ومحاكم التفتيش والأسلام السياسي ، وتقوم على أساس العقلانية التي آثر المفكرون اللبراليون بتحديد وظيفتها الأهتمام بالأمور ( الدنيوية ) ، وفي الدولة المدنية تكفل العلمانية فصل الحكومة والسلطة السياسية عن السلطة الدينية ، وتعني عدم أجبار الشخص في أعتناق دينٍ معيّنْ أو معتقد مُعيّنْ أو تقليد مُعيُنٍ ، وعدم أخضاع الدولة ألى دينٍ معيّن وهي تهتم بالمفهوم السوسيولوجي الجمعي ، والأهتمام بما يدور من المستجدات والموروثات حول الأمور الدنيوية الأرضية ، تكون بعيدة عن تأثيرات المؤسسات الدينية ، فالدولة المدنية هي عكس مفهوم الدولة الدينية الثيوقراطية ، وبالتالي يعتبر النظام العلماني فيها ( حكماً مدنياً ) ، وتعني كذلك أدارة شؤون الحياة بعيداً عن الكهنوت بأي شكلٍ من الأشكال ، وظهر نجم العلمانية ألى حيّز الوجود بعد أن كان آفلاً نجمهُ في عصر التنوير أي عصر النهضة الأوربية ، وخرجت بمفهومها الحديث على يد عدد من المفكرين أمثال توماس جيفرسون وفولتيرولا تتصف العلمانية بالجمود بل هي قابلة للتجديد والتحديث والتكييف حسب ظروف الدولة التي تتبناها ، والعلمانية لا تكتمل تطبيقياً ألا بعد أقترانها بالديمقراطية اللبرالية التي تفصل جميع المعتقدات الشمولية عن الدولة سواءاً كانت دينية ام غير دينية والتي أظهرها لنا التأريخ في الوجه الثاني ، لعملة العلمانية المستلبة لحقوق الأمة وحرياتها مثل الحكم النازي في ألمانيا .
فالدولة المدنية الديمقراطية وبنظامها العلماني التي توفر جميع مسلمات هذه الكلمة من حرية الرأي وحق الفرد في الدولة المدنية ، فأذاً لا يمكن الجمع بين الدين والسياسة مطلقاً لأن الآيديولوجية الدينية تتعارض مع التنوع الفكري السياسي والثقافي ومنظومة القيم والعادات والأخلاق وبالتالي تتعارض مع الدولة المدنية العادلة ، ومن أهم ما حققتهُ العلمانية على الصعيد الحضاري هو أنها { أنهتْ الصراعات والحروب الدينية والأضطهاد الطائفي والصراعات بين البروتستانت والكاثوليك في بعض دول أوربا والخلافات الطاحنة في نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ودكتاتورية بينوشيت في تشيلي والنازية في ألمانيا والنظام الصدامي المقبور } .
أما الدولة الدينية الثيوقراطية تعني حكم حكم الكهنة أورجال الدين ، وكانت تنتمي ألى الله في الزمن الماضي البعيد وهو نظام حكم يستمد الحاكم فيه سلطتهُ مباشرة من الألهة ، وهم يمثلون لتعاليم سماوية مثل دولة الخلافة الأسلامية والأمبراطورية البيزنطية ، ودول معاصرة تحمل سمات الحكم الثيوقراطي مثل الفاتيكان وجمهورية أيران الأسلامية والسعودية وباكستان ، فالمرجعية في الدولة الدينيةلأمور خارج نطاق البشر وفوق عقولهم ، أي أدارة شؤون العباد آخرويا وروحيا وغيبيا ً .
عيوب الدولة الدينية /* فرض السلوك الديني والقوانين الدينية واللباس الديني والعقوبات الدينية .* قدسية الدولة وحاكمها بثوابت دينية مشرعنة تكون تأويلاتها وفتاواها وأجتهاداتها ملزمة وغير قابلة للنقاش مطلقًاً لكون مصدرها ألهي ، فتكون مناقشتها من قبل الغير ضرباً من الكفر والأنفراد والواحدية . * معاداتها للحقوق والحريات الفردية والجماعية وتفتح أبواباً للفتنة الفئوية . * غياب حيادية الدولة الدينية تجاه الأديان الأخرى وعقائدها ومذاهبها . * محاربة المفكرين والمصلحين ، ونتفق كلياً مع المفكر الأسلامي الدكتور ” فرج فوده ” في دفاعهِ عن الدولة المدنية مبيناً مساويء وعيوب الدولة الدينية الأسلامية : من أن دولة الخلافة فقدت صيغة الرشد بعد موت الخلفاء الراشدين ، وأصبحت خلافة فقط لأن الشورى فيها مغيبة ومشوّهة ولأن صاحب السلطة فيها يستطيع أن يجتهد ويفتي ويملي أرادتهُ على الملّة وأضاف : أن الخلافة الأموية حكمتْ البلاد تسعين سنة بدون دستور ، وأصبح المُلكْ وراثياً ، والخليفة مطلقاً مستبداً ، أما الدولة العباسية حكمت أكثر من 300 سنة بحكمٍ جائرْ توالت فيها المؤامرات والأغتيالات والقتل للخلفاء والتحكم بالنفوذ والثروات ، ولم يتحقق العدل في تلك الدولة الأسلامية ، وأردف فوده: كان في المجتمع الأسلامي 1% فقط من مناصري الدولة الدينية و99% يريدون أن تكون الدولة غير دينية لسوء الحالة المعاشية للعباد والذى دفع الرجل حياته ثمناً لأفكاره المتحررة أغتيالاً وغدراً على يد الأرهاب الأسلامي ، وكذا على ما حدث في السودان في عهد الأخونة وبتحريض من الأزهر في أعدام المفكر الأسلامي المتحرر ” محمود محمد طه ” في محاكم التفتيش النميرية ( عن مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي )
*ونرى اليوم أمامنا – ونحن نعايشها – مثالاً حيّاً لحكم دولة الخلافة الأسلامية بقيادة السفاح ” أبو بكر البغدادي ” خليفة المسلمين المزعوم في ما يسمى بدولة الخلافة الأسلامية في العراق والشام وسياستهُ التي تقوم على غزوات وأحتلال مدن وأراضي لدول ، والأعتماد على سياسة التوحش والترهيب المرعب في القتل والسبي وأغتصاب النساء وبيعهن في أسواق النخاسة بثمنٍ بخس بدراهم معدودات وسرقة ثروات البلاد والعباد وفرض الأتاوات على الناس والتجار والمقاولين وأتباع سياسة الأرض المحروقة والقتل والتعذيب الوحشي بحرق الأحياء وتقطيع الأشلاء وقطع الرقاب والأطراف بالسيف والجلد المبرح أستناداً إلى أحكام فتاوى الظلالة لمحاكم التفتيش الوهابية التيمية . * أتخاذ نظام الدولة الدينية بصيغتها المطلقة الثيوقراطية وحتى الراديكالية أساساً للحكم هو أظهار وتقوية النعرات الطائفية والأثنية وتغذية للتعصّبْ .* وتكون المرجعية في الدولة الدينية لأمور خارج نطاق البشروفوق عقولهم .
وأن العلمانية لم تنشأ كمذهب فكري ألا في القرن السابع عشر ، ولعل الفيلسوف ( سبينوزا ) كان أول من أشار أليها قائلاً : ” أن الدين يحوّلْ قوانين الدولة إلى مجرد قوانين تأديبية ، وأن الدولة كيان متطوّرْ تحتاج دوماً للتطوير والتحديث عكس الثوابت الدينية التي ترفض التدخل والتغيير ، بالوقت الذي أظهرت فكرة العلمانية وتطبيقاتها تجليات أيجابية في أبراز معطيات الأنسنة وتكريس مباديء السلم العالمي ، وفلاسفة علمانيون أدانوا الحروب وهاجموا رؤساء أمريكا أمثال : برتراند رسل وسارتر وأنشتاين – بالرغم من أنهُ موسوي الديانة – ووسيجموند فرويد الذي رفض وعارض وقيام دولة أسرائيل كوطن لليهود في أرضٍ ليستْ لهم .
أذاً الدولة المدنية الديمقراطية وحدها المتمكنة من حماية الفرد ومعتقدهِ ، وهي مظلّة مشرعنة قانونية يتعايش تحتها الجميع بدون أقصاء أو تهميش أو ألغاء ، لكون هذا النظام السياسي الديمقراطي يستند على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة ، وفيها الأحزاب السياسية ركيزة النهج السياسي الديمقراطي وحرية تكوين الأحزاب مكفولة ، وثقافة العلمانية تهدف ألى توفير الرفاه والعيش الكريم البني البشر عبر الأهتمام بأموره الدنيوية ، أما الآخروية الغيبية تدخل ضمن خصوصيات الفرد ،
وقد أبدو سوداوياً حين أقول : ان تطبيقاتها في العراق سوف تعاني عوائق ومطباتٍ سياسية وموروثات وأشكالات مزمنة في أحتدام الصراعات الفئوية ، ومئات من دكاكين الأحزاب بعضها ذات ولاءات أقليمية ودولية ، وحالات الأستعصاء السياسي التي يمرُ بها العراق منذ 9-4-2003الناجم عن طبيعة الدولة وشكل الأقتصاد بأعتباره أقتصاداً ريعياً يعتمدُ على النفط وهو العائق الرئيسي أمام الأصلاحات المطلوبة وبناء ديمقراطية حقّة ، والخلاص من تلك الديمقراطية المستوردة المشوّهة والناقصة الذي يفترض أن تقوم لترتكز على ثقافة المواطنة وليس على الشكل الهوياتي كما هو عليه اليوم والتي تقوم على ألغاء الآخر بغياب عدم تداول السلطة بشكلٍ سلمي وأحتكارها ، والأشكالية الثانية التي دمرت كيان العراق وضيعتهُ أرضاً وشعباً ألا وهي مبدأ المحاصصة البغيضة ،
فأصبح النظام منبوذاً بعد 2005 ومرفوضاً من قبل الأغلبية الساحقة من الشعب ومع هذا ليس أمامنا سوى هذا الحل الديمقراطي بأستحضار وأستذكار حكمة في القيادة العربية ( العدو من أمامكم والبحر من ورائكم ) فعلينا فلترة هذا النظام ونحتهِ من حيث :
-الحذر من الوجه الآخر للعلمانية برفع شعارات آيديولوجية وطائفية وعرقية فوق المصلحة العامة فتتحوّلْ إلى دول دكتاتورية .
– والحذرمن أستبداد الأغلبية بالسلطة والثروة كما هو في حكم العراق بفوضى موجة الحكم الراديكال بعد 2003 سنة الأحتلال .
– رفض أعتماد قانون سانت ليغو 9 —1 في الأنتخابات العامة والذي رُفض من قبل أغلبية الشعب العراقي والكتل والأحزاب والمرجعية الدينية وتظاهرات الحراك المدني ومن المحررالسياسي لجريدة طريق الشعب الغراء .
– الخلاص من المحاصصة ألى تشكيل حكومة كفاءات في أختيار العناصر النزيهة والمؤهلة قيادياً ، وبشرط أن تشمل الهيئات المستقلة والدرجات الخاصّة .
– تشكيل مجلس الخدمة لتطبيق ضوابطها ومعاييرها النزيهة في أختيارالشخص المناسب في المكان المناسب في التحصيل العلمي والكفاءة والخبرة .
– أعادة هيكلة مؤسسات الدولة في أبعاد الجيش والمؤسسات الدينية عن التحزب والسياسة والمحاصصة .
– تبني أعلام ذو خطابٍ موحد في الولاء للوطن فقط والتأكيد على وحدة جغرافية هذا الوطن صاحب التأريخ الطويل .
– مكافحة الأرهاب الداعشي وأستثمار الأنتصارات الأخيرة لجيشنا الباسل في حب الوطن والولاء لهُ وعلى تماسك وحدتهِ.
– مواجهة التحديات التي تنتظرنا بعد هزيمة داعش في : ( تنفيذ المادة 140 من الدستور ، ومصير المناطق المتنازع عليها ) ، وبناء السلم الأهلي ، والوقوف بحزم أمام تقسيم البلاد ، أرجاع النازحين ألى مواطن سكناهم ، أعمار المناطق المدمرة ، دمج التشكيلات الميليشياوية مع الجيش وحصر السلاح بيد الحكومة المركزية ) .
– المصالحة الحقيقية في جمع المتخاصمين ألى دائرة الحوار—والحوار فقط والسعي ألى توسيع دائرة المشاركة بشمول جميع من يؤمنون بالعملية السياسية بتوجهاتها الديمقراطية وبالعمل السلمي بموجب الدستور وقبول الآخر(عدا) من تلطخت يدهُ بدماء العراقيين – مكافحة الفساد الأداري والمالي ، وأن نبتدأ من قمة الهرم أي قمة السلطة وأن تشمل جميع السيئين والمتلاعبين بالمال العام بغض النظر عن مواقعهم الوظيفية ومسؤولياتهم السياسية والأجتماعية والدينية .
– التكفل الجدي بالحراك الجماعيري الأحتجاجي المنادي بالأصلاح والتغيير منذُ أكثر من ستة سنوات ونبذ الفساد والمحاصصة والشيء المفرح في حركة الشارع العراقي في ذلك التوافق بين الحراك المدني والحراك الديني والتي كشفت سلامة الوجهة التي تبناها حزبنا الشيوعي العراقي في سلمية التظاهرات وحصر الشعارات الوطنية ومواصلة الحراك واالتأكيد على الحاجة الملحة ألى التغيير !! والأصلاح الحقيقي الذي هو المدخل الرئيسي لأجراء التغيير في البنية السياسية والأجتمناعية والأقتصادية ، ولا يمكن الحصول عليه ألا بالضغط الشعبي المتصاعد وهو النفس الطويل في المطاولة التي يتمتع بها التأريخ النضالي للحزب الشيوعي العراقي .
– الترشيق الوزاري والنيابي وتقزيم المستشارين وألغاء الأيفادات العبثية وتخفيض رواتب ومخصصات الدرجات الخاصة وتقليص حماياتهم .
– أصدار قانون أنتخابي عادل ونزيه ومنصف ليس على شاكلة سانت ليغو الظالم ، وتشريع قانون من أين لك هذا ؟؟؟وتفعيلهُ وأن يشمل الجميع وأنتاج مفوضية مستقلة للأنتخابات .
الأتشار الواسع لنظام الدولة المدنية الديمقراطية
في نهايات القرن العشرين أصبحت العلمانية من المصطلحات والنظم الفكرية المنتشرة على نطاق واسع ، فعجلت ضرورة أستخدام هذا النمط الفكري العقلاني في ديمومة الدولة المدنية الحديثة كانت للأسباب التالية:
أولاً/ أن الأسلام السياسي قد فشل تطبيقهً في العراق وما آل أليه من دمار المنظومة المادية والمنظومة الروحية الأخلاقية للمجتمع العراقي بالذات ، ولم يصمد عند الأخوان في مصر لسنة واحدة ويذكرنا التأريخ فشل الكنيسة في القرون الوسطى ، وبأعتقادي أنها تبقى كأشكالية واقفة في الضد من العلمانية التقدمية في الحاضر والمستقبل رافضة الأستسلام فتتحول المسؤولية الحوارية والتنظيرية ألى المثقفين والأعلام الهادف الوطني وأقلام اليسار التقدمي في توعية الجماهير ديمقراطياً في توضيح التجليات السلبية للدولة الدينية عبر تأريخ العالم في مفهومها عدم الفصل بين الدين الأسلامي والدولة وبدستورٍ مستوحى من روح الدين وأن يعلم الفرد بأن رجال الدين في الدولة الدينية هم نخبة مقدسة مفروضة على النظام في أحيانٍ كثيرة ، وليس من الضروري أن تكون منتخبة وربما وراثية في أحيانٍ كثيرة ، وتكون على الأغلب جاهلة غير كفوءة في أدارة الدولة وعيبها الأكثر شيوعاً هو أنها مطلقة الصلاحية وغير مقيدة
ثانياً/المحفزات التأريخية في الثورة الفرنسية 1791 في أعلان شعار حقوق الأنسان والمواطنة في الحرية والمساوات وتأكيد الدستور في ضمان حق التعبير ، والأنسان لا يمكن أن يكون حراً ألا في مجتمع ، وليس للفرد حقوق ألا بوصفهِ مواطناً ، ولا مجال للأعتراف بسيادة تستند ألى الحق اللألهي ، فجاءت في المادة -1- من الدستور الفرنسي ( يولد الناس يعيشون أحراراً ومتساوين في الحقوق والواجبات ).
ثالثاً / نجاح تطبيقها الواسع في الدول الأوربية ، وكان لعصر التنوير عصر النهضة الأوربية أثراً بالغاً في الأنتشار الواسع وخاصة في نهايات القرن العشرين أصبحت منتشرة على نطاقٍ واسع حيث ظهرتْ أولى أفكارها في فرنسا 1879 ، وظهرت في أسبانيا في ظل الحكم الجمهوري1866 – 1876 ، والمكسيك أصبحت في منتصف القرن التاسع عشر دولة مدنية علمانية ، وأنتشرت بعدها ألى تركيا مع حكم أتاتورك ، وعبرت البحار والمحيطات لتسكن أمريكا ودول أمريكا اللاتينية، وفي آسيا حيث لم نسمع بدولة دينية
ومن خلال ما أستعرضتهُ وبينتهُ من المعاناة والأستلاب الروحي والمادي للشعب العراقي المظلوم من تلك الحكومات الرّثة والمتهافتة منذ تأسيس هذا الوطن المبتلى والمبتلين به – ربما ذلك فيضٌ من غيظ – يدفعنا أن نأخذ بصيغة الدولة المدنية الديمقراطية ، وقبل أتخاذها كنظام يجب الفرز بين الدولة المدنية العلمانيمن جهة وبين الدولة الدينية من جهة أخرى، وعلى ضوء ما ورد في أول البحث، فأن الدولة المدنية تقوم على أساس القانون وتتبنى النظام الديمقراطي وهي الدولة التي تقوم على أساس المواطنة ، أما العلمانية فهي المكملة للدولة المدنية الديمقراطية ، ولا نفاجأ بعاصفة أعلامية مناهضة من التيارات الدينية الأسلاموية والكتل السلطوية لكلمة ” العلمانية “لكونها تبدو ثقيلة عليهم ولأنها مرفوضة عند أصحاب الديانات السماوية ، ولتجاوز هذا المطب فليس من الضرورة ذكر الكلمة في مانشيست العنوان وأن الموضوع لا يشكل عائقاً لأن الكلمتين ( المدنية والعلمانية ) ذات مضمون واحد ، وأن كلمة المدنية أكثر مقبولية ، ويكون النموذج المختار للدولة العراقية { الدولة المدنية الديمقراطية } .
الخاتمة/ وسوف أمرر موضوع البحث الذي هو رسم نموذج الدولة المدنية الديمقراطية للعراق المتأزّمْ – من خلال المدرسة الماركسية كي نرفد من مدرسته الثرة والثرية بعض الشذرات من أفكارهذا العالم والفيلسوف الأقتصدي الشهير.
وفي النظرية الماركسية للدولة:
لم يكن ماركس مجرد فيلسوف بل كان داعية ( لأنقلاب سياسي أجتماعي ) ،وشهد على ذلك أنشاؤهُ الجمعية الدولية للعمال في لندن عام 1868 ونادى بشعاره الأممي ( يا عمال العالم أتحدوا )
*-يرى ماركس أن الدولة الحديثة قد نشأت من الحاجة إلى تحجيم صراع الطبقات ولأجل منع هذا التصادم بين الطبقات ذات المصالح المتنافرة ، أتفقت ضمناً على أنشاء قوّة تسن لها القوانين هي ( الدولة) ، ولتكملة مفهوم الدولة أنّها بحاجةٍ إلى قوّةٍ تحميها ومصالحها فكونت لها ( جيشاً) ، ولأجل ديمومة السلطة ظهرت ( الضرائب ) ، ونتيجة لأنحسار المعركة النهائية مع الطبقة الثورية النامية من رحم الرأسمالية والتي وقع عليها الظلم الرأسمالي وهي الطبقة التي تقود عجلة ( العمل والأنتاج ) وهي طبقة البروليتاريا ، وينتهي الصراع بزوال الطبقة الشائخة نتيجة لأنتهاء أسباب وجودها — كما زالت طبقة الأقطاع (ماركس- مؤلفه-الثامن عشر من برومير – لويس بونابارت ).
*فالثورة بنظر ماركس نقلة نوعية موضوعية مؤثرة في المفاصل السياسية والأقتصادية والجتماعية كالثورة الفرنسية المتمثلة بكومونة باريس 1789 والثورة البلشفية في أكتوبر 1917 **- أكد ماركس العلاقة الصميمية بين المجتمع المدني والدولة لكونهِ يمثّلٍ العلاقات المادية للأفراد وهو مجتمع الأنتاج والأقتصاد للطبقات الأجتماعية ، وأن التغيير المادي للتأريخ بنظرهِ : أن التأريخ لن يصنعهُ العقل المطلق ولا الرجال العظماء بمجهوداتهم لوحدهم ، ولكن تصنعهُ عملية تطور أجتماعي داخلي في كيان كل أمّةٍ مع صراع طبقاته وكذا في الأنتاج والثروة وأمتلاك وسائل الأنتاج .**- ويقول في نفس المصدر( أن الدولة والبيروقراطية تشكلان أدوات لأدارة مجتمع مقسّم وآيل للسقوط عاجلاً أم آجلا)ً.
*وأعتبر ماركس : أن التفكير بأنعدام العلاقة بين توزيع الملكية وبنيان السلطة السياسية هو أمرٌ مستحيل ( البيان الشيوعي – ماركس أنجلس ) . **وفي نظر ماركس وأنجلس : أن الدولة المدنية ترتكز على أساسين مهمين هما : الأشتراكية العلمية والديمقراطية (ماركس – نقد برنامج غوته 1875 وكتاب الحرب الأهلية في فرنسا 1871 و أصل العائلة لأنجلس) .
*فتنصب آمال ماركس وتطلعاته المستقبلي على :1-أن المجتمع الرأسمالي سيتحول حتماً ألى مجتمع أشتراكي .2- التقدم الأنفجاري في النصف الأخير من القرن التاسع عشر لنسب رأس المال بأعتقاده هو الأساس المادي الرئيسي لمجيء الأشتراكية والذي لا مناصّ لها .3- أفهم العامل والشغيلة الكادحة بنظرية فائض القيمة بوسيلة أيضاحٍ سهلة ومبسطة ( أذاأشتغل القن أسبوعاً في مزارع الرأسمالي ، فأنهُ يوفي أجر عملهِ في اليوم الأول وستة أيام الباقية أنتاجاً مجانياً للمالك الأقطاعي ) .4- أنقاص يوم العمل لتفادي تضخّمٍ أنتاجية العمل . 5- العمل الأنتاجي التعاوني المتقن محلْ بقايا الأنتاج الصغير المبعثر . 6- وضع حد لعزلة الريف وما يعانيه من عزلة وتخلف وتوحش . 7- أتحاد الصناعة والزراعة لأن كلاً منهما يكمل الآخر .
والمطلوب من نظرية كارل ماركس — يجب الأخذ بنظر الأعتبار – قدر أمكانية الظروف الموضوعية المحيطة ببلدنا وحكوماتنا ذات السياسات الغيبية بعد الأحتلال أن نؤطر دولتنا المدنية الديمقراطية ب{التخطيط المركزي والأشتراكية العلمية والملكية الجماعية لوسائل الأنتاج والديمقراطية المباشرة هي الأفكار المركزية التي تشكل المفاهيم الماركسية للدولة الحديثة المدنية على أسس صلبة في جناحيها الأشتراكي والديمقراطي ، وعند رسم صياغة الدولة المدنية أقترانها بالديمقراطية ، وأبعاد ظاهة البيروقراطية عن مؤسسات الدولة لكونها – كما يقول ماركس- أنها من الطفيليات المدمرة للدولة ، كما يعاني منها المواطن اليوم }
الهوامش والمصادر:
-د/عامر حسن فياض-دراسة في أشكالية مفهوم المجتمع المدني
– فالح عبدالجبار- الدولة والمجتمع المدني والتحول الديمقراطي في العراق – القاهرة 1995 ص42
– عزيز بشاره –المجتمع المدني- لبنان 1998 ص12
– محمد اسد – الأسلام على مفترق الطرق ص31
– أحمد فرج – جذور العلمانية ص109-112
– د/فتحي القاسمي- العلمانية أنتشارها شرقا وغربا ص47
– د/ صلاح يعقوب العلمانيون والقرآن – رسالة دكتوراه – جامعة الأزهر ص39
– ماركس – الثامن عشر من برومير لويس بونابارت،والبيان الشيوعي – ماركس أنجلس ، ولينين – ما العمل؟ ص12 ، وماركس – نقد برنامج غوته ، أنجلس- أصل العائلة- ماركس – صراع الطبقات في فرنسا 1848-1850 – ماركس / رأسالمالالمجلد الأول –لينين / الدولة والثورة / ترجمه موسكو 1970 – لينين / ما العمل ؟!ص12
– المورد –منير بعلبكي
– ويكيبيديا الحرة /أقتباسات بتصرف
*كاتب وباحث ومحلل سياسي عراقي مغترب
المحور/بحث في الجيوسياسي العراقي