السيمر / الخميس 05 . 10 . 2017
نصيف جاسم الحجاج
زارني الاخ عقيل حبش في بغداد مرتين , تداولنا خلالها تفاصيل العملية البطولية الخاصة بهروب السجناء الشيوعيين من سجن الحلة عام 1967.
وسلمني ما كتبه الاخوان الهاربون وغير الهاربون عن العملية : محمد علي محي الدين ونعيم الزهيري وكمال كماله وحميد غني جعفر ( جدو ) المتضمنة تفاصيل دقيقة عن العملية وما قام به كل واحد منهم من المهام المكلف بها قدر ما تعلق بذاكرتهم من معلومات . كما اطلعت على ما كتبه الرفيق المرحوم حسين سلطان في مذكراته التي نقلها ولده ( خالد ) في كتابه الموسوم ( اوراق من حياة شيوعي ) وقرأت التفاصيل الدقيقة لما اختزنته ذاكرة الاخ جاسم المطير في مقالاته البالغة 24 مقالا, عدا رده العنيف لما اورده الاخوين محمد علي محي الدين وحميد غني واطلعت كذلك على كتيب الاخ عقيل حبش يحمل عنوان ( الطريق الى الحرية ) والمتضمن معلومات دقيقة ومفردات يومية مفصلة . ولم اطلع على ما كتبه الاخرون في الصحف والمجلات ولم اشاهد الفلم الذي عرضته فضائية الحرية حول الموضوع . ثم سألني الاخ عقيل خمسين سؤالا تحريريا تتضمن مختلف جوانب العملية وبعض القضايا السجنية ,
وطلب الاجابة عليها والكتابة عن بدايات وتفاصيل عملية الهروب كما عاصرتها . فاخبرته بان الاجابة ستكون من خلال ما اورته من معلومات في هذا البحث , وما عدا ذلك فيتعذر علي الاجابة والدخول في تفاصيل ربما لم اسمع بها , او دخلت في حيز النسيان . وبعد اطلاعي على مقالات الاخوة المذكورين فقد لاحظت بأن الفترة الطويلة المتباعدة بين وقوع عملية الهروب والتحضير لها وبين كتابة هذه المقالات والبالغة لاكثر من ( 41 ) عاما ربما أدت الى ارتباك ذاكرة البعض في تثبيت الوقائع والجنوح بها نحو المبالغات والمكابرات , وقد اكون واحد منهم , لهذا سأتجنب الدخول في التفاصيل الدقيقه والجأ الى ذكر الوقائع الهامة التي لا تزال مطبوعة بالذاكرة واسفت لاسلوب المساجلات والمناوشات الحاده المتبادلة بين بعض الاخوة بعيدا عن النقاش الهادئ والنقد البناء , وقد اوصلوها الى الصحافة ووسائل الاعلام , فالاخ حميد غني تولى المرحوم حسين سلطان بالمدح والتمجيد و وتناول الاخ جاسم المطير بالقدح والتنديد . اماالاخ جاسم المطير فقد استخدم في رده العنيف مساميره الحادة وبياناته الرنانة !! ثم ان الاخ جاسم نعتني في بعض مقالاته باوصاف تتجاوز حجمي الحقيقي في قيادة المنظمة وخاصة في مقالة رقم 16.
وما دمنا بصدد هذه العملية , فقد استغربت من عدم الاشارة اليها في كتاب الاخ عزيز اسباهي الموسوم ( عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي )الصادر عام 2003 الطبعة الاولى , فقد تطرق في الصفحة من 116 الى 118 من الجزء الثاني الى عمليات الهروب الجماعية التي وقعت في سجني الكوت عام 1952 وبعقوبة عام 1955 رغم عدم اكتمال نجاهما وكذلك الهروب من سجن بغداد عام 1952 الا انه لم يتطرق الى عملية الهروب الجريئة في سجن الحلة عام 1967
ونعود الى موضوع واقع السجناء في سجن الحلة والتخطيط لعملية الهروب ومدى مساهمتي في العملية بأعتباري مسؤول المنظمة الحزبية في السجن منذ بداية عام 1966 ولغاية 1 / 10 / 1967 كما سيأتي تفصيله .
ثم اني ساتناول مجريات الامور والواقع بصورة عامه كما ذكرت . اما التفاصيل الدقيقة والمداولات اليومية فقد تناولها الاخوان اللذين اشبعوا الموضوع بحثا بكل تفصيلاته ووقائعه. ثم ان هيئة التخطيط والاشراف . التي سيأتي ذكرها – كانت مؤلفة من ابرز الرفاق المتحمسين للعملية والمتقدمين حزبيا وهي مخولة بصلاحيات مطلقة في الاشراف والمتابعة في كل ما يخص العملية من بدايتها وحتى نهايتها دون الرجوع الى لجنة التنظيم الا لماما , وكان يجري الاتصال بها مباشرة من قبل المعنيين بالعملية عند الاقتضاء .
لهذا فأني سأقول : بداية الشهر تشرين الثاني من عام 1965 نقلت من سجن نقرة السلمان الى سجن الرمادي موقتا ( حيث كان النقل المباشر من سجن نقرة السلمان الى سجن الحلة ممنوعا انذاك ) وبعد ان امضيت به حوالي الشهر تم نقلي الى سجن الحلة . وفي سجن الحلة كانت المنظمة الحزبية التي تدير شؤون السجناء مكونة من ثلاثة رفاق هم , الرفيق محمود عزيز وشاطي عوده , ورفيق ثالث كان من محلية الكاظمية ( لم اتذكر اسمه الان واعتذر له لهذا النسيان ) . وبعد فترة قصيرة انهى الرفيق شاطي عوده محكوميته وغادر السجن . فقرر اعضاء اللجنة الاخرين ضمي الى عضوية اللجنة وانتخبتني مسؤولا عنها . بعدها اعتذر عضو اللجنة الثالث عن مواصلة العمل فأستقال من اللجنة . كما غادرنا العضو الاخر الرفيق محمود عزيز لانتهاء محكوميته . لهذا اخترت كلا من الرفيقين النشيطين انور علوش من السجن الجديد وشهاب احمد ( ابو تحرير ) من السجن القديم عضوين في اللجنة . واستمرت اللجنة في عملها الحزبي والاداري في تنظيم شؤون السجناء ورغم ان ظروف واوضاع السجناء في سجن الحلة افضل مما هي في السجون السياسية الاخرى . الا ان السجن لا يخلو من بعض المشاكل والتعقيدات بسبب طول الاقامة . فقد طرح بعض السجناء وخاصة الضباط العسكريين امام اللجنة بعض من هذه المشاكل , وقد اوصلها اخرون الى الحزب في بغداد عن طريق المواجهات . فوردنا من الحزب توجيها يدعونا فيه الى اجراء انتخاب هيئة ادارية داخل السجن – ( الذي كان تعداده انذاك اكثر من 600 سجينا ) . لغرض ادارة كافة النشاطات الاداريه والمعاشية . فتم ذلك وجرت الانتخابات بحرية تامة , ورشح من رشح .حيث تم انتخاب احد عشر عضوا خمسة منهم من السجن الجديد وستة من السجن القديم . وكان بينهم اثنان من لجنة التنظيم هما : مسؤول اللجنة والرفيق انور علوش . واجتمعت الهيئة الادارية بكامل اعضائها وانتخبتني رئيس لها . كما كما انتخبت الرفيق انور علوش مسؤولا لادارية السجن الجديد والاخ الفريد سمعان مسؤولا لهيئة السجن القديم . وتم تقسيم كافة الاعمال والنشاطات الادارية والثقافية والمعاشية وغيرها بين اعضاء اللجنتين . واخبرنا الحزب بتفاصيل ذلك . وسارت الامور والاحوال – الى حد ما – بصورة منتظمة رغم بعض المعوقات التي لا بد منها .
وفي منتصف عام 1966 دعوت الكادر الحزبي المتقدم في السجن لحضور ( كونفرنس ) حزبي موسع لمعالجة بعض الامور الحزبية والمشاكل الادارية وانتخاب لجنة تنظيم حزبية جديدة فحضر الاجتماع – في السجن الجديد –حوالي العشرين من الرفاق المتقدمين حزبيا ومنهم عدد من الضباط العسكريين وعلى رأسهم العميد ابراهيم الجبوري , الملقب ب ( الخال ) .واستمر الاجتماع ليومين اتخذت فيه القرارات الجماعية لحل كافة المشاكل المطروحة . وفي ختام الاجتماع طلبت من المجتمعين انتخاب لاهيئة تنظيم حزبية جديدة . ولثقتهم الوطيدة باللجنة الحالية فقد تم انتخابها بالاجماع . وهكذا استمرت اللجنة في عملها …
وبعد فترة وجيزة وصلنا بالبريد الحزبي طلبا مفرحا يبين فيه بأن الحزب على ابواب القيام ( بعمل حاسم ) ويدعونا للعمل على الحاق عدد من الضباط العسكريين بالحزب لحاجته اليهم .
ورغم سرورنا لهذا الموقف الهام الذي ننتظره الا اننا بقينا في حيرة من امرنا . حيث ان لجنتنا – واقولها بصراحة – ليست بمستوى مسؤولية القيام بمثل هذا العمل الجبار وغير مؤهله له , ولا تملك التجارب في مجالات الهروب الجماعي . كما ليست لدينا اتصال بمنظمة مدينة الحلة لامكان مساعدتنا في هذا العمل , الا انه بامكاننا القيام بعمليات انفرادية , كما حصل فعلا والذي سيأتي ذكره . وبقينا على هذا الحال لغاية وصول عدد من الرفاق المتقدمين المؤهلين للقيام بمثل هذه المهمات , فقد وصل السجن في نيسان من عام 1967 الرفيق الفقيد حسين سلطان منقولا من سجن نقرة السلمان , فاستبشرنا بوصوله خيرا ولكونه عضوا في االجنة المركزية للحزب فقد طلبت اليه استلام مسؤولية لجنة التنظيم الحزبية , ذلك طبقا لاحكام النظام الداخلي للحزب والاعراف التنظيمية الحزبية , فاستلمها مثمنا هذا الموقف الحزبي الاصيل . وحيث انني اعلم به انه متحمس للهروب وله خبرة واسعة بهذا الشأن فقد عرضت عليه رأي الحزب تهريب عدد من الضباط للمشاركه في ( عمل حاسم ) ونظرا لمكانته الحزبية وحاجة الحزب اليه فقد فكرت في امكانية تهريبه لوحده خاصة اذا تعذر الهروب الجماعي فطلبت اليه التخفي عن انظار حراس السجن , وخاصة اثناء التعداد اليومي لامكان القيام بعملية هروبه اثناء المواجهة , كما جرى من قبل تهريب الضابط حامد مكصود الذي كان محالا الى المجلس العرفي العسكري بتهمة عقوبتها الاعدام , ويعتقد بأن السلطة كانت متحمسة لاعدامه لمواقفه الشجاعة . وقد قام الرفيق مظفر النواب بمهمة تنكره بالملابس العربية مع ختم يده بختم المواجهين الذي صنعه النواب بدقة متناهية , وبعد خروجه من السجن مع المواجهين فقد تم التمويه لعملية التعداد اليومي ولمدة ثلاثة ايام حتى علمنا من احد اقاربه وهو الرفيق نوح الربيعي انه وصل الى مكان أمين . عندئذ تقرر ضبط التعداد فأنكشف النقص . فجرى التضيق والتشديد على السجناء ولفترة قصيرة اعيدت الامور الى ما كانت عليه , وعلمت بعد عدة ايام من الربيعي بوصوله الى براغ , ففرحت للامر .
بعد حوالي الاسبوعين من استلام الرفيق حسين سلطان مسؤولية اللجنة الحزبية جأني معتذرا عن القيام بهذه المهمة وحتى من عضوية اللجنة واعادها لي مجددا مبررا ذلك بكونه مريض ويتعذر عليه الاستمرار بالمسؤولية وفي هذا السجن المعقد وكان مصابا بمرض الربو الشديد وقد تعرض في بعض الاحيان الى نوبات حادة , ولما طلبت منه البقاء بالمسؤوليه ونحن على استعداد للتنفيذ تحت اشرافه وتوجيهه الا انه اصر على رايه فتبادر الى ذهني بانه يفكر في مشروع هام يشغل باله . وخلال هذه الفترة وصل السجن منقولا من سجن نقرة السلمان الرفيق حافظ رسن ولمعرفتي بدرجته الحزبية من بعض الرفاق فقد طلبت اليه الانظمام الى لجنة التنظيم , فاعتذر هو الاخر , واوضح بانه رهن اشارة اللجنه بالقيام باي عمل يكلف به . ويبدو بانه كان يفكر بما يفكر به حسين سلطان .
ووصل الى السجن الرفيق حسين ياسين محكوما بثلاث سنوات من قبل المجلس العسكري وحيث انه كان مسؤول تنظيم محلية الناصرية وعضو الفرات الاوسط كما اخبرني الرفيق عقيل حبش فقد تم ضمه الى لجنة التنظيم فلم يعتذر ! ثم وصل الرفيق جاسم المطير من سجن نقرة السلمان وهو رفيق وصديق شخصي قديم ( وبهذا الصدد فأني اعتذر عن تسلسل وصول الرفاق المذكورين الى السجن ) . وبوصول هؤلاء الرفاق , فقد بدأت التحركات والمداولات بسريه تامه حول الاعداد لعملية الهروب الجماعي لابرز الرفاق للالتحاق بركب الحزب وكان اكثرالمتحمسين لهذه العمليه :حسين ساطان وحافظ رسن وحسين ياسين ومظفر النواب وجاسم المطيروعقيل حبش وبعد التداول مع مسؤول المنظمه فقد تقرر تشكيل هيئه تخطيط قوامها : كل من الرفاق : حافظ رسن وحسين ياسين ومظفر النواب على ان يكون الرفيق حافظ رسن منسقا لها, مهمتها التخطيط والاشراف والمتابعه للعمليه وايجاد الموقع المناسب لها .ويجري الاتصا ل المستمربالرفيق حسين سلطان من قبل كل من حافظ رسن وحسين ياسين للارترشاد بارائه وتوجيهاته في كل ما يتعلق بالعمليه لخبرته وتجاربه بهذا الشان , كما طلبت من منسق الهيئة والرفيق مظفر النواب الاتصال بالرفيق جاسم المطير للمشاركه بأرائه ومقترحاته .
كان من رأي الرفيق حسين سلطان وبعض الرفاق الاخرين – كما اعلمني الرفيق حافظ رسن – ان يكون مشروع حفر النفق يبدأ من خارج السجن عن طريق احد البيوت المجاوره . ا و من اي محل تجاري قريب من السجن وسيكون نجاح العملية عن هذا الطريق مضمونا , كما اعلمني ان الرفيق حسين سلطان قد فاتح محلية مدينة الحلة للحزب . وفاتح كذلك اللجنة المركزية حول الموضوع .الا انه لم يلتق الاجابة من الجهتين . فتم صرف النظر عن هذا المشروع , وبدأ التفكير في ايجاد مكان اخرمن داخل السجن .لهذا فقد زاد التوجه لدى البعض ان يتم حفر النفق من قسم المطبخ لقربه من الشارع العام .وجرت بعض الاستعدادات للتهيؤ لهذا المشروع ,الا ان هذا الموقع قد استبعد هو الاخر بسبب وجود ربيه لحرس السجن تشرف على الموقع وبتوجيه من بعض الرفاق ( لا اتذكر من هم ) فقد اختير موقع الصيدلية في السجن الجديد القريبة من كراج ( مرآب) السيارا ت المحاذي لسور السجن , فتم نقل الصيدلية الى السجن القديم بعد استحصال موافقة ادارة السجن على هذا النقل .وكلف المهندس علي حسين السالم لتحديد المسافة بين موقع الحفر في الصيدلية ومنفذ الخروج من الكراج ( المرأب ) فصعد الى السطح – والحجج كثيره – وقدرها بحوالي عشرة امتار طولا .عدى مسافة النزول والصعود .وجرى اختيار هيئه التنفيذ من الابطال : الضابط فاضل عباس وعقيل حبش وكمال كماله وحميد غني (جدو ) على ان يتناوبو بالحفر كل اثنين سوية وبدأ التنفيذ في شهر حزيران من عام 1967بصوره سريه ولغرض التمويه فقد كلف المتنفذون الاربعه باعداد نشرة الاخبار الصباحيه عن طريق الانصات ليلا من ا لغرفه المجاوره للصيديه وكتابة الاخبار صباحا وتهيئتها قبيل الظهر لتقرأ على السجناء في القاووش واصبحت الصيدليه هي مكان لاجتماع الهيئه الاداريه ولجنة المنظمه وكتابة الاخبار وبعد بدا الحفر اصبحت غرفة التصنت هي غرفة الاجتماعات اما الصيدلية فانها حددة انها للحفر وكتابة الاخبار وقد كانت تردني عن مراحل الحفر من الرفيق الضابط الحفار ( فاضل عباس ) والذي كان يسكن معي في نفس القاعة وفراشه مجاور لفراشه في السجن القديم . وقعت اثناء ذلك بعض المفاجئات المقلقه كالتفتيش والزيارات لبعض المسؤولين كما اثيرت مشكلة اخفاء التراب ,وقد فصلها الاخوه في مقالاتهم وخاصة مقالات الرفيق جاسم المطير .وبعد توقف لبضعة ايام فقد تم حل مشكلة التراب المستعصية عن طريق تسقيف أكشاك مجاورة للصيدلية ووافقت ادارة السجن بجلب كمية من التراب وتم تصريف تراب النفق مع هذ التراب . وقد ابتكر الرفاق وسائل اخرى متعددة لتصريف التراب ,كما توقف الحفر لبعض الوقت عندما حصل انشقاق القيادة المركزيه في شهر ايلول من عام 1967 وحول الموضوع لا بد من القول : انه تم في مواجهة اليوم الاول من شهر تشرين الاول استلامنا :: نشريات الجهتين للجنه المركزيه للحزب والقيادة المركزية .وبعد اطلاعي عليهما فقد دعوت جميع الكادر المتقدم في السجن وعلى رأسه الرفيق حسين سلطان الى حضور اجتماع عاجل تم في مساء نفس اليوم بالسجن القديم وكان السجن يموج بالاراء والنقاشات الحاده نتيجة سماعه اخبار الانشقاق في موعد المواجهة –وجرى خلال الاجتماع تلاوة نشريات اللجنة المركزيه والقيادة المركزيه , فانقسم الحاضرون الى قسمين : بين مؤيد ومعارض وقد سألني الرفيق صاحب الحميري اثناء الاجتماع عن موقفي فاجابه الرفيق حسين سلطان الا تراه يميل الى القيادة المركزية .واستمر الاجتماع الى ساعة متأخرة من الليل ودارت فيه مختلف النقاشات . فتقرر دعوة كافة السجناء لاجتماع عام لاطلاعهم على نشريات الطرفين وتحديد موقف كل سجين منها .
وعند صباح اليوم التالي حضر كافة السجناء للاجتماع في قاعة السجن القديم وتليت نشرات الجهتين فانشق الحزب الى فريقين – وسادالحزن والالم وحتى البكاء لما حل بالحزب . والحقيقة اننا لن نتعظ للفشل التي آلت اليه كافة الانشقاقات والتكتلات السابقة التي تعرض لها الحزب طيلة حياته المديدة والتي ادت الى اضعافه وافرحت أعدائه ثم عادة اليه .والامر المستغرب ان هذا الانشقاق وقع في غير اوانه ولو انه وقع بعد اعلان خط آب 1964 اليميني لكن هناك مبرر لوقوعه ولنال التأييد الواسع من منظمات الحزب وقواعده .اما انه وقع بعد تصحيح هذا الخط والتحول الى الكفاح المسلح والعمل الحاسم واستمرت الاجتماعات والتحضيرات في الداخل والخارج حول طريقة تنفيذه حوالي السنتين فلا نعتقد هناك موجبا لهذا الموقف الانشقاقي الذي فشل مثل غيره بعد فترة وجيزة حيث عاد المنشقون الى صفوف الحزب نادمين . وقد نال الانشقاق صدى واسعا لدى السجناء في كافة السجون السياسية في العراق . كون أوضاع ومزاج السجناء المكبلين بالقيود والمحصورين خلف الجدران لمدد طويلة تستهويهم مثل هذه التيارات المتطرفه .
بعد ان انقسم السجن الى فريقين فقد عين كل فريق لجنه تنظيم حزبيه خاصه به . واستمرت الشؤون الادارية مشتركة كما كانت عليه .وحيث ان محكوميتي قاربت الانتهاء , اذ لم يبقى منها سوى شهر واحد لهذا فقد اعتذرت من الانظمام الى لجنة تنظيم القيادة .واخبرتهم بأني
طوع اوامرهم . وبعد فترة وجيزة تم الاتفاق بين اللجنتين على استأناف عملية الحفر في النفق الذي كان قد وصل الى مرحلة متقدمة .واعلمني الرفيق فاضل عباس بالاستمرار في اعمال الحفر لرغبة الطرفين في الالتحاق كل الى الجهة التي ينتمي اليها ,وفي نهاية تشرين الاول اعلمني بنتهاء عملية الحفر وبلوغ منفذ الخروج من الكراج .وستقرر الجنتان الحزبيتان موعد الانطلاق الى فضاء الحريه .
كان اتجاه السلطة انذاك حجز من تنتهي محكوميته من السجناء الشيوعيين وخاصة المعروفين منهم وابقاءه في سجنه او حجزه في سجن نقرة السلمان او استدعاءه الى مديرية الامن العامه وكنت اتوقع هذا الحجز .وقد تم ذلك فبانتهاء محكوميتي في الثاني من تشرين الثاني من عام 1967 (اي قبل القيام بعملية الهروب باربعة ايام ) تم نقلي الى مديرية الامن العامة .واثناء وجودي في موقف الامن , فقد علمت من بعض القادمين من الموقوفين بعملية هروب السجناء التي تمت في مساء 6 / 10 /1967 . وبهذا الصدد لا بد من توضيح موقف المنظمة الحزبية في مدينة الحلة استنادا الى استفسارات بعض الاخوة :
ان منظمة مدينة الحلة –وحسب علمي وموقعي –وانا مسؤول لجنة تنظيم السجن – لم تقم باي دورفي المساعدة بحفر النفق او في عملية الهروب , ولو انها بادرت بالمساهمة لكان بالامكان ابعاد حارس المرأب ( الكراج ) لاي سبب كان والسيطرة على الكراج الذي كان خاليا من الناس وتهيأة السيارات لنقل اكبر عدد ممكن , ولخرج اكثر من نصف السجناء الا أن ذلك لم يحصل حتى ان منظمة ( مدينة الحلة ) لم تستقبل الرفيق حسين سلطان عند خروجه من النفق والكراج واخذ يبحث عن سيارة توصله الى مدينة النجف كما حاء بمذكراته .ولكن لا بد من القول وحسب ما قاله الاخ محمد علي محي الدين في مقاله المؤرخ 2 1 / 4 / 2008 بأن منظمة مدينة الحلة قد قامت بدور مشرف وشجاع بعد عملية الهروب حيث انها يادرت بنشر مفارزها على الطرق العام لاحتواء الهاربين ومساعدتهم وتمكنت من ايصال الكثير ممن ضاقت بهم السبل الى اماكن امنة هذا ما رغبت بتوضيحه
للاخوة المعنيين والمهتمين بهذا الموضوع الخطير وهو صورة واضحة لا تزال مطبوعة في ذاكرة من بلغ الثلاثة والثمانين من العمر وقد راجعت ما كتبته مرارا للتأكد من صحة المعلومات التي اورتها خشية من وقوعي في بعض الهفوات لهذا السفر الخالد