السيمر / الاحد 19 . 11 . 2017
ثامر الحجامي
في أرض عم فيها القتل والجهل، ولم تعد تسكنها سوى وحوش البيداء، وقبائل مشتتة متصارعة فيما بينها، ساد عليها قوم جهلة، جعلوا الناس رقيق لهم وعبيد عندهم، ومجتمع غارق في الجهالة يعبد آلهة من حجر وخشب وتمر، لا يمنعه سلوكه الحيواني من قتل أخيه والزواج بزوجته، وقتل مولوده إذا كانت بنتا، ظهر بينهم أشرفهم نسبا وأعرقهم حسبا، طاهر المولد طيب النشأة، هو ( الصادق الأمين )، حاملا رسالته السماوية لكل البشرية، هاديا ومبشرا ونذيرا.
رسالة جاءت لتحطم الأصنام وتزيح الظلام، الذي سكن الوادي المقدس، وتجعل العبيد أحرار، وتزيل القيود والأغلال من معاصم البشرية، تقضي على البؤس والشقاء، الذي سكن في شبه جزيرة العرب، وجعل قلوب سكانها كصخر جبالها، فكانت رسالة محمد (ص)، الماء المهل ينزل في الأرض الجرداء ليحييها، وأعذب من ماء زمزم يسقي القلوب العطاشى فيرويها، وشمس بزغت تنير سماء الدنيا بنورها، فتمحو ظلام الفقر والقهر والجوع والكفر، الذي خيم على الإنسانية، فأعاد لها الأمل بحياة ملئها السعادة والحرية.
لكن حامل هذه الرسالة، نبي الرحمة الذي أرسل للأمة، لم يسلم من الطواغيت وحكام الظلم والكفر، فتصدوا بكل ما استطاعوا من قوة لهذه الرسالة الإلهية، فحملوا مشاعل الحطب والنار يلقونها على رسول الله في طرقات مكة، ثم أدموه بالحجارة في الطائف، ثم حاصروه وقومه الذين اتبعوا رسالته، في شعب أبي طالب سنين عدة، لكن جميع محاولاتهم لم تفلح، أمام عظمة الصبر وقوة العقيدة وتأييد الرسالة، فكان إجماع شذاذ الآفاق وعبدة الأحجار، على قتل رسول الله بأي وسيلة كانت، ولم يهدأ لهم بال، إلا بعد أن تحقق مرادهم.
كانت أهم محاولاتهم لاغتياله، حين أراد النبي الهجرة الى المدينة المنورة، فعقدوا عزمهم على اغتياله في فراشه، جامعين من كل عشيرة رذيلا، لإضاعة دمه بين القبائل بحسب تفكيرهم، ولكن التأييد الإلهي لنبيه كان حاضرا، ومر من بينهم دون أن يروه، تاركا شبيهه وفدائيه ابن عمه علي بن طالب نائما في فراشه، فخابت مساعي القوم وفشلت محاولتهم، ليصل النبي المدينة وينشر منها الإسلام، الذي دخلوه صاغرين خائفين وطامعين، لكنهم لم ينسوا مشروعهم، الذي تعاهدوا عليه.
ثم عادوا في مؤامرة ثانية متقنة، حين عودة الرسول من معركة تبوك، حيث عرفوا أن الني الأكرم (ص) سيمر ليلا من طريق الجبل، بينما يمر الجيش من طريق حول الجبل، وكانت خطتهم أن يكمنوا فوق عقبة الجبل، حتى إذا ما مر الرسول في المضيق، القوا عليه ما استطاعوا من الصخور لتنحدر عليه وتقتله، ثم يكرون عائدين الى الجيش يتباكون معه على رسولهم، ويستولون على خلافته، فخاب سعيهم وفشلت مؤامرتهم وعادوا يجرون أذيال الخيبة.
لكن المحاولة الأخيرة التي جرت في المدينة المنورة، والتي أدت الى استشهاده عليه الصلاة والسلام، كانت مؤامرة كبرى استخدمت فيها أطراف داخلية، كانت تعيش مع النبي وتسكن بيته وقريبة منه، ولها الإمكانية على دس السم له، فاتفق المنافقون على القيام بجريمة الاغتيال الكبرى لأقدس نفس بشرية، وظهرت أعراض السم على وجه وبدن رسول الله (ص) قبيل وبعد وفاته، وذلك ما أكدته المصادر الشيعية والسنية معا، التي اتفقت على أن النبي مات مسموما، لكنها اختلفت في من قام بتسميمه.
ولكنهم يقينا هم من ترك النبي الأكرم مسجى على فراش الموت، وذهبوا الى سقيفة بني ساعدة يتنازعون الملك فيما بينهم، على خلافة رسول الله والاستيلاء على دولته وميراثه، حيث لم يكن حوله (ص) في لحظاته الأخيرة إلا علي بن أبي طالب (ع) وبنو هاشم ونساؤه، حيث تولى علي تغسيله وتكفينه، فيما كان القوم يتصارعون على خلافة النبي (ص)، ولم يحضروا حتى دفنه، بعد أن تحقق مرادهم ونجح مسعاهم الشنيع، في رزية الخميس وما أعظمها من رزية.