السيمر / السبت 20 . 01 . 2018
د. فائز عزيز أسعد
تمهيد
لم يُكتَب الكثيرُ عن التاريخ العربي المسيحي، والذي كُتِبَ لم يرقَ إلى المستوى العلمي التاريخي المطلوب، باستثناء القليل من الكتّاب العرب، ربَّما، منهم الأب لويس شيخو اليسوعي والأب د. جورج شحاتة قنواتي، وهذا امتدادٌ للنقص في كتابة التاريخ العربي كله. إلا أنَّ هناك طمساً لا يخلو من غرابة للتاريخ العربي المسيحي، يُضاف إلى النقص العام للتاريخ العربي، سواء في كُتب التاريخ العربي أو مناهج الدراسة العربية أو حتّى في الدراما العربية، التاريخية منها والمعاصرة.
إنَّ أية كتابة علمية عن تاريخ العرب المسيحيين ينبغي أن تحدِّد، بدقّة مقبولة، أصولهم ومواقع سكناهم وانتشارهم، والتواريخ الصحيحة لقبولهم الإيمان المسيحي، والكيانات السياسية التي أوجدوها عبرَ المراحل التاريخية، ودورَهم في الحياة العامة، ومصيرهم الحالي. لقد وجدتُ خبطاً غير مقبول في تحديد من هو “العربي المسيحي”، ووجدتُ في الكتابات التي تطالعنا على مواقع “الإنترنت”، تسرُّعاً وخلطاً لا يمكن قبوله. فمِن رافض لفكرة الوجود العربي المسيحي، وكأنه يرفض التاريخ نفسه، إلى مغالٍ في وصف هذا الوجود، وكأنَّ كلَّ من وجِدَ على الأرض العربية، كان عربياً مسيحياً في الأصل.
لذلك سأحاول أن أُعطي صورة أقرب إلى الواقع، بالقدر الذي توفره المراجع العربية، المسيحية منها والإسلامية، والمراجع اليونانية والرومانية والسريانية التي استندت إليها المراجع العربية، والتي تتسم بدقة أكثر من المراجع العربية نفسها، وهذه هي المفارقة الغريبة.
إنَّ مدخلاً سيكون ضرورياً للحديث عن مَن هُم العرب وأين قطنوا، وما هي عقائدهم وما مستوى حضارتهم.
وإنَّ البداية تتناول العرب المسيحيين قبل الإسلام وكيف دخلوا المسيحية، ومتى، وما هي مذاهبهم، وما هي مناطق انتشارهم، وما حضارتهم وما هي الكيانات السياسية التي أسسوها.
وبعد هذا ما هو مصيرهم، وما هو دَورهم في مرحلة المَد الإسلامي حتى سقوط دولة الخلفاء الراشدين، ومن ثَمَّ، ما كان واقعهم في ظل الدولتين الأُموية والعباسية.
ثم ما آل إليه مصيرهم في ظل الحكم الإسلامي غير العربي حتى بداية القرن العشرين.
ثم ما هو دَورُهم في النهضة العربية الحديثة وظهور الحكم العربي الوطني.
وأخيراً ما هو واقعهم الحالي وما ذا ينبغي أن يكون.
من هنا سيتناول هذا البحث المسائل الآتية:
المدخل: موطن العرب وانتشارهم.
البند الأول: العرب المسيحيون قبل الإسلام.
البند الثاني: العرب المسيحيون في العهد العربي الإسلامي.
البند الثالث: العرب المسيحيون في العهد الإسلامي غير العربي.
البند الرابع: العرب المسيحيون والنهضة العربية.
الخاتمة:
***
المدخـل: موطن العرب وانتشارهم.
اختلف الجغرافيون في تحديد الأقسام التي تشتمل عليها ما يمكن تسميتها “الأراضي العربية”. ولكن طبقاً للاتجاه العام فإنَّ الأراضي العربية الأصلية تحتل مساحة شاسعة مركزها “شبه جزيرة العرب” التي تزيد على مليون ميل مربع، وتمتد من بحر العرب جنوباً حتى أقصى حدود ما يسمى حالياً المملكة العربية السعودية. ويغلب على تكوينها الصحارى والسهول الرملية التي تجرى تحت سطحها المياه، ومنها بادية الشام وبادية العراق “1”. وعلى هذا فالأراضي العربية تشمل صحارى نجد والحجاز واليمن وحضرموت ومهرة والبحرين وعمان والجوف واليمامة والاحساء وأجزاء من العراق ومن بلاد الشام وباديتها إلى حوران واللجا والصفا والبلقاء والجولان وإلى برية طور سيناء “2”.
ولكن من هم العرب؟.
يكاد يُجمِع الباحثون على أنَّ العرب هم من اكثر الشعوب اقترابا وتمثيلا للجنس السامي، الذي ظهر حوالي الألف الرابع قبل الميلاد، وصفاته: الشعر الأسود والوجه البيضاوي والأنف المستقيم أو المحدَّب “3”. وهناك تقسيم للعرب قد لا يتفق عليه المؤرخون ولكنه يبدو وكأنه هو السائد، وهو التقسيم الثلاثي: العرب البائدة الذين لم يصلنا من آثارهم شيء ومنهم قيدار وميديان وعاد وثمود، والعرب العاربة وهم عرب شمال وجنوب الجزيرة العربية ويعرفون بالقحطانيين، وهم سكّان اليمن وحضرموت، وهم العرب المتحضِّرون الذين أنشأوا دول معين وسبأ وحمير وتدمر والبتراء والرها. وكان الحميريون في اليمن يكتبون بالخط المسند وهو أقدم الخطوط العربية، ومن قبائلهم: جرهم والأوس والخزرج والغساسنة وقضاعة وأياد وتغلب وعذرة. وسنرى أن العرب المسيحيين، في غالبيتهم، من العرب العاربة، وأخيراً العرب المستعربة وهم عرب وسط الجزيرة العربية، ويُعرفون بالعدنانيين، وهم سكان الحجاز وتهامة ونجد، وهم العرب البدو الرحل”4″.
ديانات العرب
لقد توزَّع العرب في عقائدهم الدينية، ولكنَّ الغالب عليهم كان عبادة آلهة متعددة أُخذ بعضها من عبادات الشعوب المجاورة بعد تعريب أسمائها، كهُبل وإساف ونائلة وود وسواع والعزّى والفُلس وذو الكعبات واللات ومناة ، بل عبَد بعضهم الظواهر كالشمس والقمر والزهرة، ومنهم من عبَد الجماد كالحجارة البيضاء والسوداء، والنبات كالنخل، والحيوان كالنسر. وكانت القبائل تختص كل منها في عبادة إله بعينه، وكان البدو الرحَّل يعبدون آلهتهم في الهواء الطلق، أما الحَضر كالحميريين والنبطيين والحيرة وكندة وغسان فكانوا يقيمون لها أماكن ثابتة دعيت مساجد وكعبات ولها حرَم. وكانت هناك عبادات دخيلة كالمجوسية والصابئية الحرانية والمندائية والمانوية “5”.
ومع ذلك كانت عقيدة “التوحيد” أي الإيمان بالله الواحد، قد تسرَّبت إليهم ربما عن طريق اليهود الذين دخلوا شمال الجزيرة العربية واستوطنوا وسط الجزيرة العربية، وفي مناطق من الحجاز بخاصة بعد هجرتهم من فلسطين بسبب القرار الروماني بطردهم بعـد فشل ثورتهم على السلطة الرومانية والتي بلغت ذروتها في
السنة السبعين للميلاد، وعن طريق الاحتكاك التجاري بمسيحيي الشام والحبشة والبيزنطيين. ومن هنا، ربّما، جاءت عقيدة (الشرك) التي جمعت بين الإيمان بالله والإيمان بآلهة وثنية تختص كل قبيلة بواحد منها، كعامل تمييز.
البند الأول: العرب المسيحيون قبل الإسلام
يختلف المؤرخون في تحديد تاريخ دخول المسيحية كعقيدة إيمانية إلى بلاد العرب. ولكنَّ الكتاب المقدس في العهد الجديد يشير إلى أنَّ بعضاً من العرب الأدوميين وما وراء نهر الأردن تقاطروا لسماع تعاليم السيد المسيح (متى 4/24 ومرقس 3/7) كما أنَّ السيد المسيح عَبر نهر الأردن وتجوَّل في المدن العشر (متى 8/31) وفيهم العرب من أهل المدر. وفي سفر أعمال الرسل (2/41) تحديداً، يذكر وجود عرب بين المجتمعين في أورشليم (القدس) يوم “العنصرة” أي يوم حلول الروح القدس على تلاميذ السيد المسيح في اليوم الخمسين بعد ارتفاعه بحسب وعده لهم، ما يعني احتمال أن يكون هؤلاء أو بعضاً منهم أول مَن نقل الإيمان المسيحي إلى العرب، ويعني دخول المسيحية بلاد العرب منذ القرن الأول الميلادي، وفي القرن الرابع كانت المسيحية قد انتشرت بينهم “6”
وتُشير المراجع التاريخية إلى أنَّ التبشير بالمسيحية لدى القبائل العربية تمَّ، أساساً، على يد كنائس المشرق في بلاد وادي الرافدين التي تعتمد اللغة السريانية وكنائس بلاد الشام التي تعتمد بعضها اللغة اليونانية وهي كنائس الروم وبعضها اللغة السريانية وهي كنائس أنطاكيا. كما لا يمكن إنكار دور كنائس الحبشة أيضاً. ومن هنا نجد أنَّ العرب الذين دخلوا المسيحية لم يؤسسوا “كنيسة عربية” برغم وجود أُسقفيات عربية، بمعنى أنهم لم يعتمدوا اللغة العربية كلغة طقسية خاصة بهم، وقد يكون هذا واحداً من العوامل التي أضعفت الوجود العربي المسيحي، فلقد اعتمدوا اللغتين السريانية واليونانية في كنائسهم التي هي امتداد للكنائس ذات الطقس السرياني واليوناني ولحد الآن، برغم تعريب طقوسهم لاحقاً. وهذا ما يقود إلى التساؤل عن سبب عدم اعتماد اللغة العربية في كنائسهم، فهل هو بسبب هيمنة الكنائس السريانية واليونانية أم بسبب أنَّ اللغة العربية لم تكن قد ثبتت كلغة كتابة حين دخل العرب في المسيحية؟. ولكن لماذا استمر الحال حتى بعد انتشار الكتابة العربية التي كان للمسيحيين قصب السبق في نشأتها؟.
وعلى أية حال فإنَّ دخول المسيحية إلى أرض العرب كان دخولاً متقدماَ، أي
في وقت يرجع إلى القرن الميلادي الأول، وبطرق مختلفة وعلى يد مبشرين من كنائس مختلفة وبلغات مختلفة، وهذا ما كان سبباً في انتشار المذاهب المسيحية المختلفة بين العرب المسيحيين كالنسطورية التي وصلت إلى مسيحيي اليمن، في نجران بخاصة، واليعقوبية والمونوفيزية في الشام، إضافة إلى الهرطقات والبدع كالآريوسية والأبيونية وبدعة المريميين التي كان لها وجود لدى بعض نصارى وسط الجزيرة العربية، برغم تحريمها من المجامع الكنسية المسكونية “7”.
القبائل العربية المسيحية وانتشارها
بالرجوع إلى المصادر نجد أنَّ المسيحية انتشرت بين العديد من القبائل العربية، بمستوى أوسع مما يعتقد الكثيرون، وكان انتشارها قد شمل بلاد الشام في دمشق وتدمر وحمص وحماة وحلب والبوادي حتى نهر الفرات، ومن بين سكانها العرب النبطيون وقبائل بادية الشام وأغلبهم انحدروا من اليمن ومنهم: قضاعة وسُليم وغسان وطي وبهراء وتنوخ ولخم وكندة وأياد وتغلب، وانتشروا في الغور والسلط والبلقاء والكرك وغزة وصحارى موأب، وشمل مصر في النجب وجبل موسى وفاران وشبه جزيرة سيناء. وفي اليمن في الجنوب الشرقي من جزيرة العرب ومنها عسير ومهرة وحضرموت والشمر ومأرب وظفار وصنعاء ونجران واليمامة والبحرين وقطر وزبيد ودمار وعدن وعُمان.
أما في العراق، فقد انتشرت المسيحية بين عربها منذ القرن الأول عن طريق القوافل في الجزيرة والموصل وأرض السواد، فقد دخلتها القبائل اليمنية من الأزد وأياد ولخم وتغلب وبنو الحارث بن كعب وربيعة والمناذرة وأسسوا دولة المناذرة واستقروا في الأنبار ثم في الحيرة وبابل والسواد وعاقولا (الكوفة لاحقاً) والجزيرة والموصل والمناطق الواقعة بين بادية الشام والعراق كجزيرة بن عمر وديار بكر بن وائل حيث عُثر على كتابات ورموز ونقوش عربية مسيحية منحوتة تعود للقرن الأول الميلادي”8″.
أما في الحجاز، أي وسط الجزيرة العربية، فقد وجد المسيحيون العرب في مكة والمدينة وأيلة وتيماء والطائف وتبوك ومعان ووادي القرى، وهم مـن قبائل جرباء
وأذرح وقضاعة وبني الحرث وبني شظية والأوس والخزرج وجُرهم وأسد، إلا أنَّ هذا الوجود كان ضعيفاً. ووجدوا في بلاد نجد، وأكبر مراكزهم في دومة الجندل، وهم من قبائل طي والسكون والسكاسك وبني كلب وتغلب وتنوخ وكندة “9”.
التكوين السياسي العربي المسيحي
بسبب توزُّع العرب المسيحيين جغرافياً وتنوّع انتمائهم القبلي، لا يمكن القول بوجود تكوين سياسي بارز وجامع، إضافة إلى الهيمنة الرومانية في الشام والهيمنة الفارسية في العراق التي حالت دون بروز العرب كقوة سياسية متحدة وفاعلة. وكل ما يمكن قوله هو وجود كيانات صغيرة يغلب عليها الطابع القبلي في بادية الشام بوجه خاص وهي التي كانت تحت رعاية الدولة الرومانية. لقد ظهرت كيانات يقودها زعماء محليون أُطلق عليهم لقب “فيلارك” وهو أقرب ما يكون إلى شيخ أو مقدَّم وإن سموا أنفسهم، تجاوزاً، ملوكاً أو أمراء، ولعل من أبرز هذه الكيانات القبلية مملكة كندة وإمارة دومة الجندل بين الشام والحجاز، إضافة إلى مملكة اليمن.
إلا إنَّ العرب المسيحيين استطاعوا أن يوجدوا ما يمكن تسميته “دولة”، واحدة في الشام وهي دولة الغساسنة وعاصمتها “بُصرى”، وأُخرى في العراق وهي دولة المناذرة وعاصمتها “الحيرة”. ولكن يجب ملاحظة أن هاتين الدولتين تكونتا قبل تحول ملوكها إلى المسيحية في القرن السادس على الأرجح، كما أنَّ رعاياها لم يكونوا كلهم من العرب بل فيهم السريان من السكان الأصليين وفيهم جماعات من أُصول رومانية ويونانية.
ولقد كان للرومان في الشام وللفرس في العراق مصلحة في تكوين هاتين الدولتين ومدهما بالدعم والرعاية وهي أن تتولى الدولتان حماية الأراضي الواقعة تحت النفوذ الروماني والفارسي من أية هجمات بدوية تأتي من داخل الجزيرة العربية، ولهذا كانت دولة الغساسنة تحت النفوذ الروماني البيزنطي ودولة المناذرة تحت النفوذ الفارسي “10”.
إلا أنَّ المفارقة الكبرى هي أنه في الوقت الذي برزت قوة أهل نجد والحجاز بظهور الإسلام بداية القـرن السابع، كانـت الإمبراطورية الرومانية قد قللت مـن
دعمها لدولة الغساسنة بسبب خلافات مذهبية، وكانت الإمبراطورية الفارسية قد خلخلت دولة المناذرة بسبب تمرّد الملك النعمان بن المنذر عليها، فكان هذان السببان من عوامل نجاح الفتح العربي الإسلامي القادم من وسط الجزيرة العربية لبلاد الشام والعراق من جهة، وإضعاف النفوذ البيزنطي وتراجعه في المنطقة وسقوط الإمبراطورية الفارسية من جهة أُخرى. وكان سقوط دولتي الغساسنة في الشام والمناذرة في العراق بدايةً لضمور الدَور العربي المسيحي.
التكوين الحضاري العربي المسيحي
ظلَّ العرب المسيحيون في هذه المرحلة، كباقي العرب، يتوزعون بين البداوة والحضارة. ولهذا كان قسم كبير منهم يعيش حياة البداوة والترحال في باديتي الشام والعراق وأطراف الجزيرة العربية. ولكنَّ القسم الآخر دخل الحضارة واعتاد حياة المدينة ومارس المهن المستقرة من زراعة وتجارة وحِرَف أبدعوا فيها بعد أن خبروها من البيزنطيين والفرس بشكل رئيس، سواء في حواضر الشام والعراق واليمن وبعض مناطق الحجاز ونجد كدومة الجندل.
ومع ذلك لا يمكن القول أنَّ العرب المسيحيين من سكان الحواضر قد برزوا في العلوم، ولا يمكن القول أنهم ساهموا بوضوح في تطوير هذه العلوم، ولكنهم هضموها واستفادوا منها وطوروا حياتهم في ظل الحضارة المستوردة. ولهذا ظلوا يعتبرون الشعر والخطابة مناخهم الثقافي الأول، برغم تراجع هذا المجال في دولتي الغساسنة والمناذرة بسبب احتكاكهم اليومي باللغتين السريانية واليونانية اللتين كانتا لغتي الحضارة والكنيسة في ذلك الوقت، إلى الحد الذي جعل بعض العرب المسيحيين يتحولون إلى السريانية أي “تسرينوا” على حد وصف الأب قنواتي “11”.
لقد برز شعراء وخطباء مجيدون، ومن غير المغالاة في اعتبار أكثر شعراء هذه المرحلة، التي سبقت الإسلام، من المسيحيين، بمن فيهم أكثر شعراء المعلقات، فإنه يمكن القول بلا تردد أنهم تأثروا بالمسيحية بدليل احتواء أشعارهم على ذكر للرموز المسيحية ووصف لدور عبادتهم من كنائس وأديرة ورهبانهم، بل والتأثر بعقائدهم، كأمية بن أبي الصلت وأمروء القيس والنابغة الذبياني وعمرو بن كلثوم وكثيرون آخرون. إلا أننا نذكر ثلاثة من فحول الشعر العربي لا مجال للشك في نصرانيتهم: الأول قس بن ساعدة الأيادي، أسقف نجران، فهو
أخطب خطباء العرب قبل الإسلام وأكبر شعرائهم، والثاني عَدي بن زيد وزير النعمان ملك المناذرة الأخير في العراق وزوج ابنته هند، والثالث عثمان بن الحويرث بن أسد من قريش .
إلا أنَّ الدَور الأكبر الذي برز فيه العرب المسيحيون في هذه المرحلة، ويمكن اعتباره إنجازاً تاريخياً ومفصلاً بارزاً في التاريخ العربي، بل والحضارة العربية، هو “اختراع” الحرف العربي الحديث، الذي نقل اللغة العربية نقلةً نوعية من لغة مَحكيَّة إلى لغة كتابة، ففتح أمام العرب أفقاً جديداً لجعل اللغة العربية لغة رائدة، وهذا ما أثبته التاريخ اللاحق.
لقد كان عرب الجنوب في اليمن يستخدمون نوعاً من الكتابة يسمونها “المُسند”، وحروفها منفصلة وتصويرية بدائية قريبة من الحرف الحبشي، ويمكن كتابتها من اليمين إلى اليسار ومن الأعلى إلى الأسفل، وهي التي عرفها العرب الجنوبيون “الحميريون” حتى القرن السادس، ولم تنتشر بين العرب الآخرين إلا بقدرٍ محدود لا يكاد يذكر.
وفي وقت لاحق، بدأ النصارى العرب في شمال الجزيرة العربية يستخدمون حرفاً جديداً اصطنعوه من الحرف السرياني الآرامي، الذي كان سائداً لدى “النبط” وهم حلقة الوصل بين العرب والسريان. وقد نُسب الحرف الجديد الذي سُمي “الجَزم” إلى رجال مسيحيين ثلاثة من “بولان” من قبيلة طي، يسكنون “الأنبار” في العراق، وهم “مرامر بن مرّة وأسلم بن سدرة وعامر بن جدرة”، فقد وضع هؤلاء الخط الجديد، وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية، وعلَّموه أهلَ الأنبار وانتقل إلى الحيرة، وبعدها إلى داخل الجزيرة العربية. (وفي الكوفة تمَّ تطويره لاحقاً بعد الإسلام). فهو خطٌ وحرفٌ وكتابةٌ من صُنع العراقيين العرب المسيحيين، وقد أكدتَّ هذا الكثير من المصادر والمراجع العربية، كالسيوطي في المزهر، والفهرست عن أبن عباس، والعقد الفريد عن أبن عبد ربه، والبلاذري في فتوح البلدان، كما أنَّ المعلقات كتبت بالحرف العربي الجديد ووضعت على أستار الكعبة في مكة. ووجد أقدم أثرين لهذه الكتابة، يرجع الأول إلى سنة 512 ميلادية في جوار الفرات، والثاني إلى سنة 568 للميلاد في حرّان. ولقد أكد علماء مستشرقون هذا الرأي ومنهم المستشرق “دي سي” الذي أثبت أنَّ فنَّ الكتابة العربية هو من صنع نصارى العرب العراقيين “12”.
البند الثاني: العرب المسيحيون في العهد العربي الإسلامي
يمكن تقسيم هذا العهد إلى مراحلَ تاريخية ثلاث هي: مرحلة صدر الإسلام وتشمل عهد الدعوة حتى وفاة الرسول وعهد الخلفاء الراشدين، ومرحلة الخلافة الأُموية، ومرحلة الخلافة العباسية.
مرحلة صدر الإسلام
في بداية الدعوة الإسلامية في “مكة”، كان عديد العرب المسيحيين فيها قليلاً، وكان صاحب الدعوة “محمد بن عبد الله” يمتد بالنَسَب إلى جدِّه الخامس “قصي بن كلاب” الذي كان على علاقة طيبة بالغساسنة والروم من خلال عيشه جزءً من حياته بينهم في الشام وإسنادهم له في تولي سدانة الكعبة من خزاعة، وبالتالي الزعامة الأدبية على مكة، وهو في الوقت نفسه الجدُّ الرابع لكلِّ من: القس ورقة بن نوفل الذي كان على علاقة وثيقة بصاحب الدعوة الإسلامية، ولخديجة بنت خويلد زوجة الرسول محمد صاحب الدعوة. ومن هذه القاعدة بُنيت علاقة طيبة مع نصارى مكة، ولهذا السبب، ربَّما، لم يتخذ نصارى مكة موقفاً عدائياً من محمد رسول الإسلام ولا من دعوته، وقد يضاف سببٌ آخر هو عدم ظهور تعارض واضح بين الدعوة الجديدة والعقيدة المسيحية القائمة على التوحيد والإيمان بالله وباليوم الأخر. وكانت الآيات المكّية من القرآن تدعو إلى المودة مع النصارى (المائدة: 82) والجدال معهم بالتي هي أحسن (العنكبوت: 46) وتوقير القسيسين والرهبان (المائدة:82) وتبجيل عيسى بن مريم وتكريم أمه والإقرار بمولده المُعجزي، ولهذا لا يذكر التاريخ في هذه المرحلة أيَّ صدام من أيِّ نوع بين النصارى في مكة والمسلمين.
وبعد الهجرة إلى المدينة تطورت الدعوة وقويت واستقطبت شخصيات قوية ومتشددة، وفي الوقت نفسه وجد المسلمون أنَّ هناك تجمعات مسيحية تكاد تكون أشبه بالإمارات، كدومة الجندل في نجد على طريق الشام، ونجران في اليمن، لذلك حصل احتكاك معها، ودعيت هذه التجمعات إلى الدخول في الإسلام، فأسلم القليل منها، ولكنَّ غالبيتها طلبت أن تبقى على مسيحيتها، وانتهى الأمر بعقد معاهدة مع رسول الإسلام بأن تبقى على دينها وتدفع جزية معلومة، وقد أقرت هذه التجمعات (الإمارات) بزعامته السياسية “13”. ولهذا يمكن القول أنَّ المسالمة بين المسلمين والمسيحيين في جزيرة العرب كانت هي الغالبة حتى وفاة الرسول.
ولكن بعد تولَّى “أبو بكر الصديق” شؤون المسلمين كخليفة أول، وبسبب “الردّات” التي حدثت بعد وفاة الرسول، بدأت تحصل مصادمات مع هذه التجمعات، فقد توجه خالد بن الوليد سنة 12 هجرية إلى قبيلة بني كلب في دومة الجندل، برغم المعاهدة التي كانت قد أبرمت في عهد الرسول، وحصلت مواجهة عسكرية انتهت بقتل الكثير من المسيحيين من بني كلب ومَن ناصرهم من قبائل مسيحية أتت من الشام. وكانت هذه أول مواجهة بين عرب مسلمين وعرب مسيحيين.
وفي خلافة عمر بن الخطاب، وفي العام 13 للهجرة، تمَّ طرد مسيحيي نجران في اليمن وتوزعوا بين الشام والعراق، وقام الخليفة عثمان بي عفان بتخفيف الجزية عنهم، وحين طلبوا من الخليفة علي بن أبي طالب إعادتهم إلى موطنهم في اليمن رفض طلبهم، فبدءوا يتجهون شمالاً داخل العراق.
أما في عُمان، فقد دخل مسيحيوها الإسلام للتخلص من الجزية التي كانت تعادل نصف ثروتهم.
وفي العراق، توجه خالد بن الوليد نحو الحيرة سنة 12 هجرية، وعرض على أهلها الإسلام أو الجزية أو المنابذة، فاختاروا الجزية. ولكنَّ مسيحيي بكر بن وائل يساندهم بعض عرب الضاحية في الحيرة واجهوا خالد بن الوليد، وحين خسروا المعركة قام بقتل من تمَّ أسره منهم. أما بقية العرب من مسيحيي العراق فقد قاتلوا إلى جانب المسلمين العرب ضد الفرس في معركتي الجسر والبويب سنة 13 هجرية، ومنهم فرسان من قبيلتي النمر وتغلب، وكان مقتل “مهران” قائد الفرس على يد غلام تغلبي.
أما في بلاد الشام، فقد انقسم العرب المسيحيون بين محارب للمسلمين الفاتحين وبين مساند لهم. فجماعات من قبائل بهراء وكلب وسليح وتنوخ ولخم وجذام وغسان حاربوا إلى جانب الروم، في حين ساندت قبائل عاملة والقيس وقضاعة وجماعات أُخرى من لخم وجذام وغسان العرب المسلمين بدافع قومي. ويمكن القول أنَّ وضع مسيحيي الشام من العرب كان معقَّداً، وقد انتهى قسم منهم إلى الهجرة وقسم آخر دفع الجزية والقسم الثالث دخل في الإسلام “14”.
ونخلص من هذا إلى أنَّ الوجود العربي المسيحي قد تضعضع في عهد الخلفاء الراشدين في أنحاء الجزيرة العربية واليمن والعراق والشام، وتفرقت القبائل عن كنائسها، ولكن بقيت لهم بعض القوّة في بلاد الشام أكثر من باقي الأقطار العربية.
مرحلة الخلافة الأُموية
أدى استيلاء معاوية بن أبي سفيان على الخلافة، إلى تأسيس دولة إسلامية ذات توجّه “عروبي”، وتحوّل الحكم إلى ما يمكن وصفه بالملكي الوراثي. فالخلافة انحصرت بالأُمويين يتناقلونها باختيار الخليفة لولي عهده من الأُسرة الأُموية، وتأتي المبايعة من الناس لاحقاً بعد تولي الخلافة، فأصبحت مبايعة شكليّة. وجاء اختيار “دمشق” عاصمة للدولة الجديدة ليخلق أوضاعاً جديدة. فدمشق مركز حضاري ومفتاح الاتصال بالعالم الخارجي وبالحضارة الغربية وبالتراث اليوناني بالذات. وفي دمشق اتصل المسلمون، للمرة الأُُولى، بالفكر المسيحي وبالمسيحية الحقيقية غير المشوَّهة بالبدع والهرطقات التي سادت جزيرة العرب “15”.
لقد جاء التوجه العروبي للدولة الجديدة، والطبيعة البراغمتية لمعاوية، ورغبته في تأسيس دولة على النمط الحديث المتعارف عليه آنذاك والذي تمثله الدولة الرومانية، لينصبَّ في اتجاه مريحٍ للعرب المسيحيين، بل وللمسيحيين السريان أيضاً، خاصة بعد استقرار الأوضاع السياسية وتوقف هذه الدولة عن الحملات والفتوحات. فقد تمَّ توفير قدر من الحرية الدينية، برغم تحديد عدد الكنائس، وأخذت السلطة الجديدة تقرِّب المسيحيين وبدأ بعضهم يتولى مسؤوليات في الدولة، فطبيب معاوية الأول كان مسيحياً، وكان وزير ماليته “يوحنا الدمشقي” الجَد مسيحياً، وكان “الأخطل” الشاعر الرسمي لبني أُمية مسيحياً. وعلى الصعيد الديني حصل تلاقح وتواصل بين الفكر المسيحي والإسلامي، وحصلت مناظرات دينية، وتأثر المتصوفة المسلمون بالنسّاك المسيحيين “16”.
وفي هذه المرحلة بدأت اللغة العربية تنتشر بين المسيحيين من غير العرب على حساب اللغة السريانية (بلهجتيها الشرقية والغربية)، ويمكن القول أنَّ بعض السريان بدأ ” يستعرب” إي يتحولون إلى العربية، على عكس ما كان حاصلاً في عهد الدولة الغسانية. وعاد الشعر العربي يزدهر، وكان من بين الشعراء العرب مسيحيون، أبرزهم الأخطل (غياث التغلبي) الذي اعتبروه شاعر بني أُمية كما ذكرنا، وكان من أبرز الشعراء العرب، حتّى أنّ جرير الشاعر الكبير قال عنه للتدليل على فحولته الشعرية: “أدركته وله ناب ولو كان له نابان لأكلني”، وكـان يتمتع بمكانة اجتماعية
مرموقة بين المسلمين. وكذلك نذكر الشاعر أعشى بني تغلب وهدبة بن الخشرم وشمعلة التغلبي وهناك غيرهم كثيرون “17”.
أما من الناحية السياسية، فلا يمكن القول أنَّ عموم المسيحيين تمتعوا بمراكز مرموقة في الدولة، ولهذا فقد اتجهوا إلى التجارة والزراعة والحرَف والمهن والعلوم “18”، والترجمة من اليونانية والسريانية إلى العربية. وحتّى المناصب القليلة التي حصل بعضهم عليها تمَّ سحبها منهم في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، الذي أصدر أمرين: الأول منع غير المسلمين من تولي الوظائف العامة، مما أدى إلى تخلي وزيره “يوحنا الدمشقي” الحفيد عن منصبه، والثاني مضاعفة الجزية عليهم مما أُضطرَّ الكثير من فقرائهم إلى الدخول في الإسلام.
والخلاصة أن العرب المسيحيين لم يواجهوا مصادمات خلال المرحلة الأُموية، باستثناء عملية القضاء على “المقاومين”، الذين رفضوا القبول بالحكم الإسلامي بعد انتصار العرب المسلمين في معركة اليرموك، فانسحبوا إلى السواحل اللبنانية وشكَّلوا قوّة مقاومة كانت تتألف من أثني عشر ألف رجل تحت اسم “المَرَدة”، وقائدهم “الياس”، وكانت نهايتهم المأساوية، بقتل قادتهم وتشريد عناصرهم، نتيجة اتفاق “سياسي” بين الخليفة عبد الملك بن مروان وقيصر الروم آنذاك.
مرحلة الخلافة العباسية
أدى سقوط الدولة الأُموية أو إسقاطها على يد العباسيين إلى انتقال مركز الخلافة الإسلامية إلى العراق. وفي وقت لاحق أنشأ الخليفة أبو جعفر المنصور مدينة بغداد لتكون عاصمة الخلافة الجديدة. وبما أنَّ العباسيين اعتمدوا على المسلمين غير العرب في تحقيق انتصار دعوتهم، فقد حصل تحوُّل في سياسة الدولة الإسلامية أضعف الدّور العربي لحساب القوى الإسلامية غير العربية، والفرس بخاصة.
لقد انعكس هذا سلباً على العرب المسيحيين، وكان العباسيون ينظرون إليهم بحذر باعتبارهم موالين للأُمويين، أو هكذا صوِّر لهم. ومن هنا تم استبعاد العرب المسيحيين وتقريب المسيحيين من غير العرب، ومن الذين يقطنون الأراضي الفارسية، فلم يبرز عرب مسيحيون في المرحلة العباسية باستثناء القليل منهم.
ومن الناحية الدينية، تعرَّض المسيحيون لبعض المضايقات بتأثير آراء بعض الفقهاء الذين قويت شوكتهم في المرحلة العباسية، وكانت أوضاعهم تتأرجح بين التسامح والتشديد بحسب تأثر الخلفاء بهذه الآراء أو الفتاوى. لقد وصل الأمـر إلى
حدِّ فرض بعض القيود على نشاطهم الكنسي، وإجبارهم على ارتداء أزياء خاصة بهم تميزهم عن المسلمين، وتحديد تنقلاتهم وإقامتهم، إلا أنَّ هذا لم يطبَّق بصورة دائمة “19”.
إلا أنَّ التشدد الأكبر الذي واجه العرب المسيحيين كان في عهد الخليفة العباسي “المهدي”، فقد تمكن من تحويل الرجال من نصارى تنوخ المقيمين في حلب إلى الإسلام بعد أن ضرب عنق سيدَّهم “ابن محطة” ثم هدم كنائسهم، حسب رواية ابن الكلبي، وهربت نساؤهم إلى الغرب. وفي عهده أيضاً تم تحويل بني سليح المقيمين في “قنسرين” إلى الإسلام . ولهذا ما أن انتهى القرن العاشر الميلادي حتى كانت التجمعات القبلية العربية المسيحية قد تفرقت واندمج من بقي منها بمسيحيي الشام والعراق باستثناء بعض العشائر في حوران وشرق الأردن “20” التي ينتسب إليها الكثير من مسيحيي الأردن الآن.
وبتشتت القبائل العربية المسيحية تشتت الأسقفيات العربية، فقد لجأ من تبقى منهم إلى الكنائس القائمة في العراق والشام وانتسبوا إليها، وهي الكنيسة اليعقوبية وكنيسة المشرق النسطورية، اللتين تمتعتا بقدر من الحرية تجاه الدولة بسبب عدم ارتباطهما بكنائس خارجية، وكذلك كنيسة الروم الملكيين التي تعتبر كنيسة العرب الأصليين ومازالت، ومعها الكنيسة المارونية لاحقاً. ومن خلال هذه الكنائس مارس العرب المسيحيون شعائرهم، وكانوا ما يزالون يحتفظون ببعض أبرشياتهم العربية في العراق من خلال الكنيسة النسطورية والكنيسة اليعقوبية ومنها: أبرشية التغالبة وأبرشية نجران والكوفة وأبرشية القبائل وأبرشية الحيرة وأبرشية الأنبار. إلا أن هذه الأبرشيات بدأت تختفي مرحلة بعد مرحلة حتى لم يعد لها وجود فعلي بعد القرن العاشر الميلادي”21″.
ومع ذلك، ساهم العرب المسيحيون في تحقيق النهضة العلمية والأدبية في العهد العباسي، حين أصبحت بغداد منارة الحضارة، وكان عدد المسيحيين المستعربين من أُصولٍ آرامية وآشورية، قد ازداد واندمجوا بالعرب المسيحيين الأصليين، وقد ساهم العرب المسيحيون في نقل التراث اليوناني إلى العربية ومنهم: يحي بن عَدي وعيسى بن علي ويحيي بن البطريق وثابت بن قرّة. وبرز فيهم أطباء منهم: حنين بن اسحق العبادي وأبو الحسن عيسى وعيسى بن يحي وعيسى بن العطار وأبو الفرج بن القف وغيرهم كثيرون، وبرز شعراء مُجيدون منهم: أبو قابوس عمرو بن سليمان وبشر بن هارون، ومثلهم فعل المسيحيون المستعربون، بل فاقوهم في النقل والترجمة “22”.
البند الثالث: العرب المسيحيون في العهد الإسلامي غير العربي
المرحلة المغولية
إنَّ العامل الأساس في نجاح الحركة العباسية وتأسيس الخلافة العباسية، هو العامل نفسه الذي ساهم في تفتيت وإنهاء هذه الخلافة، أعني به العنصر غير العربي، والفارسي تحديداً. لقد لعب المسلمون غير العرب دوراً كبيراً في إضعاف الخلافة العباسية من خلال محاولاتهم المتكررة للسيطرة على الحكم، مباشرةً أو مداورة. ومن أهم الأساليب التي اُستخدمت تأجيج الصراع بين بني العباس أنفسهم، والذي بلغ أوجَه بين الأمين والمأمون. ولهذا فإنَّ سلطة الخلافة كانت قد ضعفت بعد هذا الصراع وسيطرت جماعات غير عربية على السلطة في مناطق متعددة من دولة الخلافة، وانتهى الأمر بأن فقد الخليفة سلطته الفعلية ولم يبق له، فعلياً، سوى بغداد، ودعاءٌ باسمه على المنابر في المساجد.
في هذا الجو المشحون، كانت قوة عظيمة وغاشمة وطامعة، هي المغول، تتحرك باتجاه بغداد، بعد أن احتلَّت مناطق شاسعة من أراضي الخلافة. وفي العام 1258 طوَّق “هولاكو” القائد المغولي غير المسلم وحفيد “جينكيزخان” مدينة بغداد ودخلها في 10 شباط 1258 وقتل الخليفة “المستعصم” ناكثاًً عهد الأمان الذي أُعطي له، واستُبيحت بغداد وأُبيد ما يقرب من ثمانمائة ألف من أهلها. وبرغم دخول أكثرية المغول في الإسلام إلا أنهم بقوا على خشونتهم وغلظتهم وأخذوا يتنازعون على السلطة وانقسمت البلاد إلى دويلات وتعاقبت السلالات الحاكمة، وسادت الصراعات، وبهذا دخل العالم العربي كلّه عهد الظلام “23”.
هناك زعم بأنَّ “هولاكو” لم يتعرَّض للمسيحيين عند دخوله بغداد وطيلة حكمه تأثراً بوالدته وزوجته المسيحيتين، ولكنَّ الحكم القاسي لا يستطيع أن يستثني فئة من ظلمه، فهو حكم غاشم بطبيعته. وعلى أية حال فإنه باستلام السلطان المسلم “غازان خان” الحكم السنة 1295، حدث انقلاب في التعامل مع المسيحيين ( وهنا لا يمكن فرز المسيحيين العرب عن غيرهم من المسيحيين لأنَّ السلطة الجديدة تميّز على أساس العرق المغولي من غيره فقط، وعلى أساس الدين) إذ بدأ هو خلفاؤه من بعده، عملية اضطهاد سافرة بهدم الكنائس، واعتقال الرؤساء من المسيحيين، وطمغ الوجوه بعلامات مميَّزة، وإزالة اللحى، بل وقلع العين وغير هذا من أعمال الاضطهاد، فهاجر الكثيرون إلى شمال العراق وتركيا. وحين احتل “تيمورلنك” بغداد في العام 1400، أتى على البقية الباقية من سكانها المسيحيين. ولقد انتهى الحكم المغولي على يد الفاتح العثماني في العام 1516. “24” وكان هذا عهداً مظلماً على العرب، المسلمين والمسيحيين.
المرحلة العثمانية
عندما تقع بلادٌ ما فريسة لغاصب شرس، وعندما تفقد القدرة على التخلص منه، فإنَّ الطريق الوحيد الباقي هو إطاحته من غاصب أقوى منه. وهذا ما حصل للبلاد العربية والعراق منها. فقد توجهت قوة غاشمة أُخرى وطردت الحكّام المغول الذين انشغلوا بصراعاتهم، وحلَّت محلهم. هذه القوّة كانت “بني عثمان” الذين قويت شوكتهم وسيطروا، تدريجيا،ً على مناطق شاسعة ومنها بلاد العرب، وكانوا قد دانوا بالإسلام، واستخدموا الدين غطاءً لنواياهم السياسية، فمنحوا سلطانهم صفة خليفة المسلمين ليكسبوا ودَّ المسلمين، واعتبروا أنفسهم امتداداً للخلافة الإسلامية، فأسسوا الدولة العثمانية، وكان السلطان العثماني خليفة المسلمين.
لقد أحدث العثمانيون تغييرات مهمة في النظام السياسي والاجتماعي، فقسموا السلطنة إلى ولايات، وبات العراق، مثلاً، ولايات ثلاث هي بغداد والموصل والبصرة، وقسَّموا شعبهم والشعوب التي أخضعوها على أساس ديني: مسلمين وذميين (مسيحيين ويهود)، الذين طبِّق عليهم نظام “الملَّة أو الطائفة”. أما القومية فلم تكن محل اعتبار من الناحية النظرية، ولهذا فقَدَ العرب، المسلمون والمسيحيون، أهم عنصر من عناصر الهوية التاريخية وجذور الشخصية، وضَعف معها الاهتمام باللغة العربية التي هي الخاصية الأولى للقومية. ولكن من الناحية الواقعية سيطر العنصر التركي على كلِّ مفاصل السلطة والإدارة والجيش، ثمَّ تحوَّلت الناحية الواقعية إلى نظام مكشوف بسيطرة حزب تركيا الفتاة على السلطة في العام 1908 حين أُعلنت سياسية التتريك، وكانت الشرارة الأخيرة التي انطلقت منها حركة التحرر العربية كردِّ فعلٍ مضاد، وبعد إعدام كوكبة كبيرة من العرب في ساحات دمشق وبيروت بخاصّة.
لقد تعرَّض المسيحيون إلى تقلبات في التعامل معهم من السلطات العثمانية والولاة. ولم يسلموا من جور التعصب الديني في الكثير من المراحل، ونُعتوا بالكفار، وتعرضوا للإهانات الشخصية، والتضييق في ممارسة الشعائر الدينية وتقييد بناء وترميم الكنائس والأديرة، ومضاعفة الجزية، والمنع من ركوب الخيل، وتقلّد السيوف، وارتداء اللباس الملون، وغيرها من الموانع الغريبة “25”، إضافة إلـى الاضطهادات الدامية التي تعرَّض لها المسيحيون من الأرمن والسـريان والآشوريين “26” “، مما حدا ببعض الفقهاء المسلمين المستنيرين إلى استنكار هذه الممارسات.
ولكن في المرحلة التي تولى فيها محمد على باشا الكبير الحكم في مصر والشام، لقي المسيحيون في هذين القطرين معاملة جديدة اتسمت برفع القيود الكثيرة عنهم وتمكينهم من ممارسة حياتهم بصورة مشَّرفة وطبيعية، وقد سار ابنه إبراهيم باشا على نهجه “27”، فكانت هذه مرحلة إيجابية من مراحل التاريخ العثماني، ولكنَّ هذا بفضل انفتاح هذا الوالي وابنه وقدرتهما على ممارسة سلطة فيها قدر من الاستقلال عن الباب العالي. ويمكن إضافة الحرية الجزئية التي مارسها أهالي جبل لبنان من خلال نظام “المتصرفية” الذي طُبِّق هناك.
ولكن عموماً، لم يكن للعرب المسيحيين خاصيَّة معينة، ودمجوا بالمسيحيين من القوميات الأُخرى، فهم ذميون لهم حقوق أهل الذمة وعليهم واجباتها، وبهذا كانت خسارتهم مزدوجة، فقوميتهم ليس لها اعتبار (وفي هذا يشتركون مع العرب المسلمين) فهم “رعايا” من الدرجة الثانية، ولكن بما أنهم ذميون بحكم انتمائهم الديني، فهم كنتيجة فعلية “رعايا” من الدرجة الثالثة. ومن هنا كانوا يحسّون بالغبن أكثر من غيرهم. ممّا ساعد في أن يكون دَورهم رائداً في حركة التحرر العربية التي توِّجت بالثورة العربية الكبرى وانتهت بانسلاخ البلاد العربية عن الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى، بل وسقوط الدولة العثمانية نفسها لأسباب أكبر أهمها الهزيمة في هذه الحرب ورغبة الأتراك أنفسهم بالتغيير.
البند الرابع: العرب المسيحيون والنهضة العربية
ريادة حركة النهضة العربية
إنَّ الغبن الذي لحق العرب المسيحيين في حقوقهم الدينية والقومية والاجتماعية والسياسية كان عاملاُ رئيساً، كما رأينا، في التفكير في التحرر من الحكم العثماني، ولكنّه كان عاملاً مشتركاً مع المسيحيين الآخرين ومع العرب المسلمين.
إلا أن عاملاً آخر، بالغ الأهمية، ساهم في قدرتهم على ريادة حركة النهضة العربية والتحرر العربي فكرياً وثقافياُ، وفي أن تكون هذه الريادة مبكِّرة وسبّاقة، وهي اتصالهم بالثقافة الغربية وبالأفكار القومية التي سادت الغرب في القرن التاسع عشر. وقد لعب المثقفون السوريون واللبنانيون الدور الأكبر في هذا المجال، ومنهم الأُدباء والشعراء المغتربون كجبران خليل جبران وإيليا أبي ماضي وميخائيل نعيمة، والكتّاب الذين كانوا من دعاة القومية العربية بمنظور حضاري وثقافي نهضوي وليس من منظور عنصري، ودعاة للوحدة العربية وللإصلاح السياسي والاجتماعي والتوجه الليبرالي ومنهم: أديب اسحق وسليم سركيس وشبلي شميل ونجيب عازوري وغيرهم.
ولم يقتصر الأمر على النشاط الفردي بل تعداه إلى تأسيس الجمعيات الفكرية والثقافية والعلمية، في بلاد الشام بخاصة، التي لعبت دوراُ بارزاً في النهضة العربية منذ العام 1846 وما بعده ومنها: مجمع التهذيب والجمعية السورية لاكتساب العلوم والفنون والجمعية المشرقية والجمعية العلمية السورية.
وفي مجال اللغة العربية، كان للمسيحيين العرب القدح المعلّى، بلا مبالغة، في الدعوة إلى الحفاظ والترويج للغة العربية وإحياء التراث العربي، بل اعتبروا التراث العربي الإسلامي جزءً مهماً منه. ولقد برع آل اليازجي وآل البستاني في هذا المجال، ولا يمكن نسيان قصائدهم الداعية إلى نهضة العرب ومنها القصيدة البائية لناصيف اليازجي التي فيها: (تنبَّهوا واستفيقوا أيها العربُ فقد طمى السيلُ حتى غاصت الرُكَب) “28”. كما لعبت الرهبانيات اللبنانية دوراً مهماً في الحفاظ على اللغة العربية والعناية بها. ولا يمكن نسيان الأب أنستاس ماري الكرملي في العراق الذي كان علَماً من أعلام اللغة العربية ومدافعاً قوياً عن سلامتها”.
أما في مجال الفكر فقد برز مفكرون كثيرون من العرب المسيحيين منهم: قسطنطين زريق وسلامة موسى وفرح أنطون ونقولا زيادة وإدوارد سعيد. وفي مجال الصحافة والفنون والمسرح والسينما أيضاً كان العرب المسيحيون رواداً بارزين فيها في سوريا ولبنان ومصر والعراق، ففي الصحافة أنطوان الجميل وجرجي زيدان في مصر وروفائيل بطي وتوفيق السمعاني وآل جبران في العراق وآل تويني في لبنان، وفي المسرح والسينما جورج أبيض ودولت أبيض ونجيب الريحاني (الموصلي الأصل) وآسيا داغر وهنري بركات ويوسف شاهين في الإنتاج والإخراج السينمائي، والرواد والمبدعون كثيرون في العراق وبلاد الشام (سوريا ولبنان والأردن وفلسطين) وفي مصر. ولعل من المفيد التذكير بأنَّ الموصل في العراق كانت السباقة في ظهور الفن المسرحي تأليفاً وإخراجاً وتمثيلاً، فبإشراف كنائس الموصل والمدارس التابعة لها قدمت مسرحيات عديدة ابتداء من العام 1882. “29”
وفي مجال الطباعة كانت الموصل في العراق هي السبّاقة أيضاً. ومن المفارقات أن تكون أول مطبعة باللغة العربية تدخل الموصل في بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر على يد الآباء الدومينيكان الفرنسيين، فكانت عاملاً مهماً من عوامل إحياء اللغة العربية.
أما في مجال السياسة، فقد برز سياسيون كبار من نتاج النهضة العربية، ومنهم فارس الخوري في سوريا الذي تقلَّد رئاسة مجلس النواب وربمّا رئاسة الوزارة، وبشارة الخوري وأميل أدة وكميل شمعون وآل فرنجية وآل الجميل في لبنان، ويوسف غنيمة وحنا خياط في العراق، وبطرس غالي الجد الذي تولى رئاسة الوزارة ومكرم عبيد سكرتير حزب الوفد في مصر.
والخلاصة إنَّ هذا الدور الريادي المبَّكر لحركة النهوض العربي لدى العرب المسيحيين يسمح لنا بالقول بأنه: إذا كان العرب المسلمون قد قادوا الثورة العربية والنهضة العربية عسكرياً، فإنَّ العرب المسيحيين كانوا روادَّ هذه النهضة فكرياً وثقافياً.
ضمور الدور الريادي
دام هذا الدور الريادي للعرب المسيحيين منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى خمسينيات القرن العشرين، حين بدأ يضمر ويتضاءل. لقد دخلت عوامل عديدة لتقود العرب المسيحيين إلى هذه النتيجة، لعلَّ من أبرزها: تولّي النخب العسكرية للسلطة السياسية في بعض البلدان وفرضهم نظماً شمولية تتعارض والفكر الليبرالي الذي قامت عليه أفكار النهضة العربية، وتنامي الفكر القومي المنغلق الذي يتعارض والفكر القومي عند النهضويين العرب القائم على اعتبار “العروبة” انتماءً فكرياً وحضارياً، وتنامي الفكر الإسلامي المتشدد الذي لا يتعامل بروح المساواة مع الآخرين. وكانت النتيجة إن أُهملَ العرب المسيحيون في الميدان السياسي، وقابله خوف من جانب العرب المسيحيين من طغيان هذا المَد الجديد فعزلوا أنفسهم، وكان هذا خطأً كبيراً. إنَّ رجلاً وسياسياً بارزاً مثل “كميل شمعون” رئيس جمهورية لبنان الأسبق، والذي كان يوصف بفتى العرب الأغر، والذي كان قد جعل لبنان محطة تصالح العرب في خلافاتهم، قد دُفع دفعاً إلى التحوَّل في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي إلى صاحب فكر يكاد يكون انعزالياً حين اعتقد أنَّ الفكر العربي الجديد مصدر تهديد للوجود المسيحي، وحالفه سليمان فرنجية رئيس جمهورية لبنان اللاحق برغم بقائه مدافعاً قوياً عن العروبة. ونشهد اليوم في لبنان صراعاً بين المسيحيين أنفسهم حول هويتهم العربية، وما كان هذا ليكون موضع جدل لولا الخوف من الأفكار والاتجاهات الجديدة.
وفي العراق تمَّ إنكار الوجود العربي المسيحي منذ أن سقطت بغداد في العام 2003،فنظام التوزيع العرقي والطائفي الغريب لا يعترف بالوجود العربي المسيحي، والوجود العربي المسيحي لا يعترف بنظام التوزيع العرقي والطائفي فهو ما زال يحافظ على فكره الوطني وعقيدته العربية، وهذه تسجل له. ومن المؤسف أن تيارات مسيحية غير عربية ساهمت في هذا التغييب، وجرَّت معها قيادات كنسية ما كان لها أن تقف هذا الموقف، وعسى أن تتراجع. ولهذا انكفأ العرب المسيحيون في العراق على أنفسهم، ولكن إلى حين، فالفكر الوطني والفكر العربي الحضاري والثقافي المنفتح لن يخمد.
تجديد الدَور العربي المسيحي
إنَّ النتيجة التي نخلص منها هي أنَّ تراجع الدور العربي المسيحي لم يخدم الأمة العربية، لأنه أفقدها عنصراً نشيطاً ومفكراً وعاملاً في حركة بناء الوطن العربي. وإذا كان البعض من قليلي الخبرة في الحياة العامة والذين تحكمهم مصالح ذاتية أو نظرة فكرية ضيقة، قد يجدون هذا التراجع مفيداً لهم ولأفكارهم، فإنَّ الأكثرية المستنيرة من الشعوب العربية والشعوب المتآخية معها تعرف مدى الخسارة التي لحقت بهذه الشعوب وبمصالحها الوطنية بل وبحقوقها أمام القوى المعادية.
فعلى سبيل المثال، ماذا كسب الفلسطينيون من تراجع الدور العربي المسيحي في حركة النضال الوطني الفلسطيني؟. ولماذا يتم تغييب القيادات العربية المسيحية أو تهميشها؟. وهل كانت الحركة التحررية الفلسطينية أقوى أم أضعف بوجود كمال ناصر وجورج حبش ونايف حواتمة وحنان عشراوي (وهي الحاضر الغائب)؟. أستطيع أن أجزم بأنه لو أُعطي للفلسطينيين المسيحيين دوراً أكبر لاستطاعوا تحقيق ما فشل فيه من يتصارع الآن على سلطة وهمية.
وفي مصر، ألم يساهم تغييب العنصر العربي المسيحي عن العمل العام في خلق بوادر فتنة طائفية يستغلها أعداء مصر العربية، ألم يساهم هذا التغييب في ضعف الأداء الحكومي؟. ألم يساهم هذا التغييب في تمكين القوى الغريبة في تشجيع الدعوة للفرعونية والقبطية أو الدعوة لتكوين دولة قبطية، التي رفضتها الكنيسة والغالبية الساحقة من أقباط مصر بإحساس وطني عال، مؤكدين انتمائهم العربي وتمسكهم بوحدة الأراضي المصرية.
إنَّ الدعوة لتجديد الدور العربي المسيحي في تحقيق نهضة عربية جديدة ، موجهة إلى العرب المسيحيين أنفسهم، فهي رسالتهم كعرب وكمسيحيين، وموجهة إلى العرب المسلمين لأنها تخدم مستقبلهم، وموجهة إلى المسيحيين غير العرب لأنها تشاركهم الحلم في نهضة فكرية وحضارية للبلاد التي نشترك جميعنا في الإخلاص لها. والنهضة العربية الجديدة هي امتداد للنهضة الأُولى التي تم إجهاضها. وهي ليست منفصلة عن النهضة الوطنية الشاملة التي لا تقوم إلا ببناء الدولة الوطنية التحررية التي تحتضن الجميع من خلال وطنيتهم، دون أن تلغي خصائصهم الذاتية.
إنه حُلمٌ ، وكلَّ الوقائع تبدأ بحُلم.
الخاتمة
إنَّ استعراض التاريخ العربي المسيحي، ولو بقدر محدود، ليس هدفاً بحدِّ ذاته، بل هو استرجاع للتاريخ ليكون درساً لمستقبل آت. ولقد وجدنا أنَّ الدور العربي المسيحي كان مساهماً فاعلاً في نهضة البلاد العربية وتحررها، برغم النكسات التي تعرَّض لها العرب المسيحيون والتشتت الكبير لقبائلهم، فمن بقي منهم ظلَّ مخلصاً لأرضه وأهله، ويومَ تراجع هذا الدور تراجعَ معه دور الآخرين من الأهل، وضعفت قدراتنا جميعاً وبتنا هدفاً للغريب.
وما يُطلب هو استيعاب الدرس البدء بعملية مراجعة وتقويم لأنه بدون المراجعة والتقويم لن نستطيع التحرك نحو اتجاه صحيح. وعلينا الاعتراف بأننا لسنا خبراء في مجال المراجعة والتقويم بل لا نملك الجرأة على القيام بها، وهذا واحدٌ من أسرار تأخرنا. ومن أجل هذا علينا أن نخلق أجواءً جديدة ونبني جسوراً ثابتة لنكون مستحقين هذه الأرض وهذه الأوطان.
ـــــــــــ
1. للتفصيل أنظر: د. حسين الشيخ ـ العرب قبل الإسلام ـ دار المعرفة الجامعية،
الأسكندرية ص 59 ـ 63.
2. أنظر: لويس شيخو اليسوعي ـ النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية ـ ط2، دار المشرق، 1989 ص 4.
3. د, حسين الشيخ، المرجع أعلاه، ص 66 ـ 67.
4. د. حسين الشيخ، المرجع أعلاه، ص 69 ـ 70.
5. لويس شيخو، المرجع أعلاه، ص 5 ـ 18 .
6. لويس شيخو، المرجع أعلاه، ص 19.
7. للتفصيل أنظر: الأب د. جورج شحاتة قنواتي ـ المسيحية والحضارة العربية ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، بيروت، 1984، ص 25 وما بعدها.
8. للتفصيل أنظر: د. سحر نافع شاكر ـ وثائق آثارية لبدايات المسيحية في العراق ـ مجلة الفكر المسيحي، العدد 447/448، بغداد، 2009، ص 177 ـ 183.
9. أنظر: لويس شيخو، المرجع أعلاه، ص 19 وما بعدها. وكذلك: الأرشمندريت أغناطيوس ديك ـ القبائل العربية المسيحية في بلاد الشام ـ موقع كنيسة القديسة تيريزيا بحلب، ص 2 ـ9، نقلاً عن: د. سلوى الحاج صالح ـ المسيحية العربية وتطوراتها من نشأتها إلى القرن العاشر الميلادي ـ بيروت، 1997.
10. للتفصيل أنظر: د. جورج شحاتة قنواتي، المرجع أعلاه، ص 47 ـ 62.
11. د. جورج شحاتة قنواتي، المرجع أعلاه، ص 53.
12. أنظر: لويس شيخو، المرجع أعلاه، ص 151 ـ 156.
13. أنظر: أغناطيوس ديك، المرجع أعلاه، ص 9 ـ 13.
14. أنظر: أغناطيوس ديك، المرجع أعلاه، ص 13 ـ 18.
15. د. جورج شحاتة قنواتي، المرجع أعلاه، ص 96.
16. د. جورج شحاتة قنواتي، المرجع أعلاه، ص 97.
17. أنظر: د. جورج شحاتة قنواتي، المرجع أعلاه، ص 130 ـ 134.
18. أغناطيوس ديك، المرجع أعلاه، ص 22.
7. أغناطيوس ديك، المرجع أعلاه، ص 23 ـ 24.
8. أغناطيوس ديك، المرجع أعلاه، ص 24 ـ 26.
21. أغناطيوس ديك، المرجع أعلاه، ص 19 وما بعدها.
22. د. جورج شحاتة قنواتي، المرجع أعلاه، ص 99 وما بعدها.
23. العراق تحت حكم المغول، www.iraqnaa.com ، ص 1-2.
24. حبيب حنونا ـ محنة المسيحيين في العراق عبر التاريخ ـ www.Karemlash.com
ص 2.
25. أنظر: فدوى أحمد محمود نصيرات ـ المسيحيون العرب وفكرة القومية العربية ـ
موقع الجريدة، www.aljaredah.com، ص 1ـ2.
26. للتفصيل في هذا الموضوع أنظر: د. جي. سي. جي. ساندرس ـ المسيحيون
الآشوريون / الكلدان في تركيا الشرقية وإيران والعراق ـ ترجمة نافع توسا، مراجعة
وتحقيق الأب د. يوسف توما، بغداد، 2007.
27. فدوى أحمد محمود نصيرات، المرجع أعلاه، ص 2.
28. أنظر: فدوى أحمد محمود نصيرات، المرجع أعلاه، ص 3 ـ 6.
29. الأب بطرس حداد ـ حصاد المسرح الكنسي في الموصل ـ مجلة نجم المشرق، العدد
59، بغداد، 2009، ص 275 ـ 280. وكذلك: د. عمر الطالب ـ المسرح العربي
والترجمة ـ مجلة بين النهرين، العدد 129/130، بغداد، 2005، ص 100 ـ 126.