أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / حلال على أمريكا حرام على غيرها

حلال على أمريكا حرام على غيرها

السيمر / الأحد 18 . 03 . 2018

صالح الطائي

انتقلنا بعد التغيير في 2003 من نظام السوق الموجه (المسيطر عليه) إلى نظام السوق المفتوح بناء على توصيات خارجية إكراهية كان آخرها البنك الدولي وشروطه المجحفة، والمعروف أن نظام السوق يعد عاملا مكملا للأنظمة السياسية والاجتماعية، ولا يرتبط بأفكار معينة أو قوانين تقنية بحد ذاتها، مثلما يرى الأستاذ بجامعة “ييل” المتخصص في الاقتصاد والسياسة والكاتب والمؤلف “تشارلز ليندبلوم”.
ولإنجاز هذا التوجيه، كان مطلوبا منا الانتقال الفوري من نظام إلى نظام آخر دون النظر إلى خلفية مجتمعنا وثقافته وعلاقته بدول الجوار والحقبة الطويلة التي عاشها في كنف السوق الموجه؛ الذي كان يعرف باسم (القطاع الاشتراكي) المسيطر عليه، والذي تتتحكم به الدولة ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية، وقد أحدث هذا التغيير إرباكا يكاد يكون مشابها كليا للإرباك الذي سببه الانتقال الفوري من النظام الدكتاتوري الفردي والحكم المطلق إلى نظام ديمقراطي انتخابي.
المهم اننا وبعد أربعة عشر عاما على التغيير، لم ننجح في بناء قاعدة اقتصادية متزنة لها قدرة السيطرة على السوق وتوجيهه نحو الانفتاح، مما أحدث حالة من الإرباك ادت إلى دخول بضائع ومنتجات رديئة ومخالفة للمواصفات ومضرة بالصحة العامة، أصبحت تنافس المنتج المحلي الذي يفوقها جودة ومطابقة للمواصفات، مما أدى إلى غلق الكثير من المصانع والمعامل والورش، وقضى على عدد لا بأس به من المهن، فضلا عن تسببها بهدر مليارات الدولارات على تلك البضائع الكمالية المستوردة من بلدان مجاورة لا تقابلنا بالمثل ولا تستورد من منتجاتنا شيئا، وتضمر بعضها لنا العداء وتتحكم بمصائرنا ومواردنا المائية وامننا وسلامتنا.
وخلال تلك المدة الطويلة كانت الأسئلة الحائرة التي تدور في عقل مواطننا تبحث عن جواب ولا تجد سوى تبريرات فارغة، وحينما يحرج المسؤول يتعلل بشروط البنك الدولي وطبيعة السياسة الجديدة التي يتبعها البلد، أو بحجة أن الأمريكان الذين يتحكمون بسياسة بلدنا يرفضون أي إجراء علاجي، ولم نجد سعيا جادا لمعالجة هذه المشكلة الكبيرة إلا فيما يخص بعض المنتجات الزراعية حيث يتم وقف الاستيراد بعضها مدة محدودة لتسويق المنتج المحلي، ثم سرعان ما يرفع الحظر.
وفي هذه الأيام تسبب فائض الإنتاج الدولي من الصلب والألمنيوم في خفض مبيعات وأرباح الشركات الأمريكية، التي سارعت باتخاذ إجراء فوري بفرض رسوم جمركية على استيراد هاتين المادتين بنسبة 25% على الصلب و10% على الألمنيوم لحماية منتجها المحلي من المنافسة على أن تعفى كندا والمكسيك من هذا الإجراء، ولم تلتفت إلى مصير علاقتها بدول العالم الأخرى التي تنتج هاتين المادتين وتصدر جزء من إنتاجها إلى أمريكا، وتستورد من أمريكا سلعا بمليارات الدولارات!
أما في العراق فإن أغلب المنتجات العراقية التي تسد بعضها الحاجة المحلية ويفيض منها جزء صالح للتصدير، تشكو منافسة البضائع المستوردة، وزيادة كلفة الانتاج مما تسبب بارتفاع أسعارها قبالة المادة المنتجة، ولا ندري لماذا لا تفرض الحكومة رسوما جمركية على المنتجات المشابهة المستوردة لتحمي المنتج المحلي.
إن الوضع الاقتصادي العراقي يحتاج اليوم إلى معالجة جادة وحقيقية بدل أن تضيع ثروات أجيالنا بسبب تكاسل المتخصصين وإهمال الحكام وتقصيرهم وجشع التجار والجهل الذي يسيطر على شرائح واسعة من شعبنا قبل أن تلعننا الأجيال القادمة لأننا فرطنا بحقوقهم، ولنا بالأنموذج الأمريكي إسوة ما دامت أمريكا تتحكم بحاضرنا.

اترك تعليقاً