الرئيسية / مقالات / قانون شركة النفط الوطنية العراقية هل هو قانون لشركة نفط وطنية أم لتهديد وتبديد العوائد النفطية؟

قانون شركة النفط الوطنية العراقية هل هو قانون لشركة نفط وطنية أم لتهديد وتبديد العوائد النفطية؟

السيمر / 27 . 03 . 2018

فؤاد قاسم الأمير

قام مجلس النواب بجلسته (4) في 5/3/2018 بالتصويت النهائي وتمرير قانون “شركة النفط الوطنية العراقية”، وذلك قبل حوالي ثلاثة أسابيع فقط من انتهاء دورته الأخيرة والنهائية، وأثناء اهتمام المواطنين بمسألة تمرير موازنة 2018، والتي تأخرت كثيرا، تم تمرير قانون الشركة رغم أهميته والمواضيع الخطيرة التي تضمنها، بشكل مفاجئ وبعجالة تثير التساؤلات والشكوك، وسارعت رئاسة الجمهورية بالمصادقة عليه رغم حملة الاعتراضات التي أثارها أهم الخبراء النفطيين.
فقد نشر الأستاذ أحمد موسى جياد ورقة قيمة في 8/3/2018 تحت عنوان “التقييم الأولي: شركة النفط الوطنية العراقية”(1) اعتمادا على ما سميت “النسخة النهائية” للقانون، والتي أرسلت إليه من ثلاثة نواب، واعتمدها في التقييم بعد التأكد من تطابق النسخ الثلاثة.
وبرغم ان التقييم كان أوليا، ولكنه كان موضوعيا وواضحا، بين فيه أن القانون الحالي يختلف جذريا وكليا عن مسودة القانون الذي قدمته الحكومة في نيسان 2017. وبسبب تمرير القانون على عجالة وبوقت حرج (أي نهاية الدورة البرلمانية الحالية)، “لذا فإنه يعاني من فجوات خطيرة وعدم التناسق… وتعارضه السافر للدستور وتحويله العوائد السيادية إلى عوائد عامة مما يفقدها الحماية السيادية تحت طائلة القانون الدولي، ويحّمل القانون الشركة مهام لا تتعلق مطلقا بطبيعتها”، ودعا السلطة التنفيذية بالتحرك الفوري لإيقاف إجراءات إدخال القانون حيز التنفيذ، والطعن بدستورية القانون أمام المحكمة الدستورية العليا، وقيام مجلس الوزراء بالطلب من مجلس شورى الدولة تدقيق مشروعية القانون.
كما نشر السيد أحمد موسى جياد مقالا قيما آخر في 15/3/2018 و تحت عنوان “قانون شركة النفط الوطنية العراقية يشرعن تفكيك العراق، ويقضي على الشركة ذاتها”(2)، قام فيه بتحليل الحسابات الاقتصادية لجدوى “صندوق المواطن” في القانون، والعقلية التي حشرت الصناديق الأربعة في القانون وخطرها على وحدة العراق والشركة ذاتها.
وقام السيد حمزة الجواهري، بكتابة مقال قيم في 8/3/2018 بعنوان “قانون شبكة النفط الجديدة أضاع الطريق”(3) وتحدث فيه عن المسودة التي أرسلتها وزارة النفط التي أهملت من قبل مجلس النواب، وتحدث أيضاً عن مخاطر القانون الذي صدر على السيادة الوطنية وعلى الشركة نفسها، وتطرق إلى الفقرة التي هلل لها من قاموا بتمرير القانون، وهي “أسهم المواطنين”، وحدد أن ما يوزع على المواطنين لا يتجاوز (50) دولار سنويا!!.
وأصدر السيد منير الجلبي دراسة ممتازة حول الموضوع بتاريخ 21/3/2018، كذلك صدرت أكثر من مقالة عن السيد صائب خليل سنتحدث عنها في سياق حديثنا هذا.
ومع تأييدي الكامل لما طرحه الإخوة من تحفظات على هذا القانون فأنني أكتب هذه الملاحظات لأركز على المفاهيم الاقتصادية والسياسية والنفطية التي تثير التساؤلات التي نشرها مصممو “القانون” واعتبروا تمرير القانون انتصارا نهائيا لمفاهيمهم وجهدهم الكبير في هذه العملية. وأشير بهذا الخصوص إلى مقالة السيد النائب عدنان الجنابي بعنوان “قانون شركة النفط الوطنية ثورة على الدولة الريعية” في10/3/2018 (٤)، ومقالة السيد عادل عبد المهدي، السياسي البارز ووزير نفط سابق، في موقع “منبر العراق الحر” في 7/3/2018 تحت عنوان “شركة النفط الوطنية …الحلقة المفقودة (القوة المجتمعية)”(5). وكذلك مقابلة الدكتور إبراهيم بحر العلوم النائب ووزير نفط سابق، مع النشرة النفطية المهمة “تقرير نفط العراق Iraqi Oil Report “ بتاريخ 7/3/2018(٦). والسادة الثلاثة مؤثرون في العمل السياسي العراقي وفي السياسة النفطية العراقية.
كما وإن احد أسباب كتابتي هذه هو الصمت المطبق المثير للتساؤل للأحزاب والكتل السياسية في التعليق على هذا القانون الخطير الذي يهدد مصير العراق، وهي تتحدث بصوت عال جدا في أمور أقل أهمية وخطورة من ذلك بكثير.
والسبب الأهم الآخر الذي يثير أكثر من علامة استفهام هو الدور المريب الذي مارسته وزارة النفط في كل هذه العملية. فبعد أن استمزجت الوزارة آراء خبراء النفط منذ…. في الصيغة المقترحة لقانون شركة النفط الوطنية، وأعدت مشروعا يتضمن أهم الأسس الوطنية لمشروع القانون، الذي أقره مجلس الوزراء وأحاله إلى المجلس النيابي. وبعد أن قام مصممو القانون الجديد بإلقاء النسخة التي أعدتها الوزارة وصادق عليها مجلس الوزراء في سهلة المهملات، وعملوا طوال شهور عديدة على صياغة وتشريع قانونهم ذو الآفاق التدميرية للعراق ووحدة أراضيه، وإذا بهذه الوزارة تهلل وتهنئ الشعب العراقي على ما طبخ بليل بعيدا عن كل رقابة وفي ظروف الانشغال بالميزانية والانتخابات، والتصديق عليه ولفلفته في الوقت الضائع من عمر المجلس النيابي، وهي تعرف جيدا أن جميع المآخذ التي تضمنها القانون قد نوقشت واستبعدت كمفاهيم وأسس لأي قانون لشركة نفط وطنية مهنية…فما عدا مما بدا؟

1- المادة (١٣) من قانون شركة النفط الوطنية العراقية (٧)
وهي المادة المتعلقة بملكية النفط وواردات الشركة المالية، وكيفية توزيع أرباح الشركة. وهي أهم المواد المعترض عليها.
ولأهمية هذه المادة سنورد نصها كاملا لغرض مناقشتها:
المادة(١٣) ـ
أولا: تتكون الإيرادات المالية للشركة من الإيرادات المتأتية من بيع النفط الخام والغاز وأية منتجات أخرى. يضاف إليها أية إيرادات قد تحصل عليها الشركة.
ثانيا: تتكون أرباح الشركة من الإيرادات الإجمالية مطروحا منها النفقات كما وردت في المادة السابقة (يقصد المادة “١٢” والتي سنعود إليها).
ثالثا: توزيع أرباح الشركة على الوجه التالي:
(١)- خزينة الدولة: تؤول نسبة لا تتجاوز ٩٠٪ تسعون بالمئة من أرباح الشركة إلى خزينة الدولة وتحدد نسبتها في قانون الموازنة الاتحادية.
(٢)- توزيع باقي أرباح الشركة بعد استقطاع النسبة المخصصة في (١) من هذا البند على الشكل التالي:

آ – نسبة من الأرباح لاحتياطي رأس مال الشركة، ولمجلس الإدارة تحديد آليات ومجالات التصرف بالاحتياطي لتحقيق مصالح وأهداف الشركة.
ب – نسبة من الأرباح لـ (صندوق المواطن) حيث توزع على أسهم متساوية القيمة لجميع المواطنين المقيمين في العراق، وحسب الأولوية لشرائح المجتمع. ولا يجوز بيع وشراء أو توريث الأسهم وتسقط عند الوفاة.
ج – أسهم العراقيين المقيمين في الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم التي تمتنع عن تسليم عائدات النفط والغاز المنتج إلى الشركة تحرم من الأرباح ويضاف استحقاقها إلى باقي المساهمين.
د – نسبة من الأرباح لـ(صندوق الأجيال)، وبهدف الاستثمار لصالح الأجيال.
هـ – نسبة من الأرباح تخصص لـ(صندوق الإعمار)، بهدف تنفيذ مشاريع استراتيجية في المحافظات التي يمارس فها نشاط نفطي للشركة.
نلاحظ ان القانون نصب شركة النفط الوطنية كجهة قيمة على العراق فوق الدولة تستلم عمليا كل عوائد العراق المالية المتأتية من تصدير النفط والغاز، وتعود ملكيتها جميعها إليها، في حين كانت جميع العوائد تعود إلى وزارة المالية. هذا الأمر يناقض الدستور حيث أن النفط والغاز (وعوائدهما) ملك للشعب العراقي وليس عائد مالي لشركة عامة تشغيلية. بالرغم من ان القانون جعل رئيس الشركة بمنصب وزير وعضو في مجلس الوزراء، ولكن الشركة في كل الاعتبارات تعتبر شركة / وزارة تشغيلية تجارية وغير سيادية، وهي في كل الأحوال شركة عامة. وإن اعتبار عوائد الصادرات النفطية والغازية إيرادات لها يجرد هذه العائدات من الصفة السيادية، وقد تتعرض للحجز او المصادرة خارج العراق نتيجة أية مشكلة قضائية تتعرض لها الشركة.
إضافة لذلك فإن القانون أعطى الشركة حق توزيع أرباحها للدولة وخلق صناديق مختلفة، وتحديد حجم المبالغ المصروفة لخزينة الدولة، وأصبحت الشركة كيان يتجاوز بكل المقاييس الوزارات السيادية كوزارات النفط والمالية والتخطيط مجتمعة.
السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا حُشرت هذه الفقرات في قانون شركة النفط، والجواب قد نجده في المقالات التي كتبها السادة عدنان الجنابي وعادل عبد المهدي وإبراهيم بحر العلوم.
2 – خرافة الثورة على الدولة الريعية بفرض الضرائب على شركة النفط الوطنية
يقول السيد عدنان الجنابي في مقاله :”قانون شركة النفط الوطنية العراقية – ثورة على الدولة الريعية”(٤):”الفقرة الأهم في هذا القانون الجديد هو تفعيل المادة (١١١) من الدستور التي نصت على أن (النفط والغاز ملك للشعب العراقي)، فلقد نصت المادة (١٢- ثالثا) على جعل نسبة من أرباح الشركة تقرر بموجب الموازنة السنوية توزع على أسهم متساوية القيمة لجميع المواطنين المقيمين في العراق (ولا يجوز بيع أو شراء أو توريث الأسهم، وتسقط عند الوفاة) وتقرر هذه النسبة على ضوء ما تحدده الموازنة الاتحادية لحصة خزينة الدولة”.
لقد ذكر المادة (١١١) من الدستور، ليختصرها في جعل نسبة من الأرباح كأسهم للمواطنين كتفعيل لها، واعتبرها الفقرة الأهم في هذا القانون. ولو كان يريد بحق أن يطبق هذه المادة الدستورية لكان الأحرى أن ينص على أن عقود المشاركة بالإنتاج التي وقعت في إقليم كردستان هي عقود غير شرعية لمعارضتها هذه المادة، ولكان قد طلب إلغاءها أو تعديلها.
يستمر النائب الاقتصادي عدنان الجنابي بالحديث (٤)”…أن كل عراقي مقيم في العراق يصبح عندما يولد مساهماً بأسهم متساوية القيمة في أرباح شركة النفط الوطنية المتبقية بعد فرض ضريبة يحددها مجلس النواب عند إقرار الموازنة السنوية الاتحادية. وهذا المبدأ قلب معادلة الدولة الريعية بأن جعل الريع لا يذهب مباشرة إلى حساب وزارة المالية بل إلى المواطن … بفضل القانون فإن المواطن (ونوابه) بعد اليوم سوف يتسابقون في زيادة حصة (صندوق المواطن) وتعطيل (ضريبة) الحكومة. ومن ثم متابعة ومحاسبة السلطة التنفيذية”.
لقد تحدث السيد عادل عبد المهدي (٥) بنفس المعنى حين قال: ”صوّت البرلمان على قانون شركة النفط الوطنية. قد لا يدرك البعض أهمية ذلك الآن …. فهذا أهم واخطر ما شرع من قوانين…. وقد يشكل خطوة مهمة لمبدأ الانتقال من الدولة الريعية إلى دولة جبايات “. ودولة الجبايات هي دولة الضرائب.
ان السيد عدنان الجنابي يعرف بالضبط معنى الريعية، لذلك لم يستخدم تعبير “الاقتصاد الريعي” بل “الدولة الريعية”. ولغرض اطلاع القارئ أكثر سنتحدث عن كلا التعبيرين.
الريع هو الترجمة الحرفية لكلمة ROYALTIES، والتي استخدمت لتعني حقوق الملكية أو الإيجار أو أتاوة استخدام المناجم (وضمنها النفط). تطورت التسمية عندما اعتمدت الدول، وبالأخص الخليجية، ومنها العراق، في تمويل كامل موازناتها على ما تحصل عليه من عائدات النفط، وليس لها مصدر آخر للتمويل أو أن المصادر الأخرى ضعيفة جداً.
ومشكلة هكذا اقتصاد (أي الاقتصاد الريعي) هو كونه اقتصاد أحادي يعتمد بالكامل على مورد واحد في تمويل الموازنات، ويزداد الأمر سوءا وعدم استقرارا، عندما تكون أسعار هذا المورد (النفط) متقلبة ومعرضة للانهيار (كما حدث في ٢٠١٤)، إضافة إلى أن النفط مادة ناضبة، وإن انتهائه أو قلة إنتاجه تعرض الموازنات وبالتالي حياة ورفاهية المواطنين واقتصاد البلد إلى الانهيار. والحل في هكذا اقتصاد أحادي ريعي، هو الاستثمار لجزء كبير من العوائد النفطية في مجالات إنتاجية أخرى في الصناعات التحويلية، وفي الزراعة والري والمشاريع الزراعية، وفي قطاعات خدمية والبنية التحتية، والأهم الاستثمار في الإنسان بما يتعلق بالتعليم والصحة والثقافة. إن استثمار الدولة في هكذا قطاعات يزيد في استقرار الاقتصاد وتنميته وبنفس الوقت يخلف بيئة مشجعة للقطاع الخاص والأجنبي في الاستثمار الآمن. وبدون استثمار الدولة، وبدون خلق بيئة آمنة وغير فاسدة، فإن القطاع الخاص والأجنبي الرصينين لن يتجرءا بالاستثمار في مشاريع إنتاجية، وإن مثال الاستثمار الأجنبي في قطاع مصافي النفط في العراق واضح، إذ لم يقم بذلك حتى بعد إصدار قانون خاص به.
إن قيام الدولة بالاستثمار، وبنفس الوقت دعم استثمار القطاع الخاص في جميع القطاعات وبالأخص الإنتاجية، وحصول نمو اقتصادي يؤدي بالنتيجة إلى إمكانية الدولة للحصول على ضرائب من القطاعين الخاص والعام والأجنبي. وتكون الضرائب مورداً آخر للموازنات التشغيلية والموازنات الاستثمارية. وبهذا يتم الحصول على اقتصاد مستقر متنامي خصوصا اذا كانت إدارة الاقتصاد تتم بكفاءة ونزاهة عاليتين، وتحل بنفس الوقت مسألة تراكم الثروة، وبالتالي زيادة الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي والارتفاع المستمر في النمو.
البديل الآخر هو إنهاء قيام الدولة بالاستثمار، وإبعادها عن قطاعات الإنتاج، وترك هذا الأمر للقطاع الخاص والأجنبي والاعتماد فقط على الضرائب في تمويل الموازنات، والذي يعني تقليل دور الدولة في تقديم الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية، لأن الإيرادات محددة بالضرائب فقط. إن الشكل الأكثر تطرفا هوما حدث ومستمر حدوثه على مستوى العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهو ما يتم في سياسات الرأسمالية المنفلتة أو المتوحشة والمسماة بالليبرالية الجديدة، التي تعمل على خصخصة كل الممتلكات والقطاعات الإنتاجية والخدمية العامة، وأضعاف الدولة وتحديد أعمالها وخدماتها في الحدود الدنيا المتمثلة بالدفاع والأمن وبعض البنى التحتية. أما جميع الأمور الأخرى فيقوم بها القطاع الخاص والأجنبي، والذي تجبى منه الضرائب (التي يعمل على تقليلها للحدود الدنيا)، لأضعاف الدولة. والنتيجة عدم المساواة الهائلة التي حدثت في المجتمعات داخل الدولة الواحدة، وكذلك بين الدول المختلفة حيث انتهت اقتصاديات الدول الضعيفة بانتهاء صناعتها وزراعتها، وانفتحت على العالم في استيراد جميع البضائع والتي كانت تصنع الكثير منها. وكان نتيجة سيادة هذا النوع من الرأسمالية، ان تحول العالم إلى قلة قليلة جدا في ثراء فاحش لم يتصوره احد، وفي فقر مدقع للغالبية العظمى، وفي انتهاء الدول الضعيفة إلى الإفلاس والفشل، وإلى أزمة مالية عالمية في ٢٠٠٨ لم يسبق ان شهد مثلها العالم منذ كساد ثلاثينيات القرن الماضي، ولا تزال آثارها المدمرة لحد الآن.
وفي العراق، وبسبب الحرص الأمريكي على تطبيق سياسة اللبرلة (الليبرالية الجديدة)، فلم تستثمر الدولة، رغم رفع الحصار وارتفاع أسعار النفط، ووفرة الأموال. فالاحتلال وبعده الحكومات العراقية، لم يعملا على إعادة تأهيل وتشغيل المصانع والمزارع والخدمات. ولم يعملا على الاستثمار الجديد في القطاعات الإنتاجية. كذلك لم يساعدوا القطاع الخاص بإعادة تشغيل معامله ومنشآته الإنتاجية المتوقفة. ثم فتح باب الاستيراد على مصراعيه، وأصبح العراق يستورد كل شئ.
أصبح الاقتصاد العراقي ليس فقط اقتصاد ريعي، وإنما جميع ما يأتي من ريع نفطي يذهب إلى رواتب وأجور، وبالتالي إلى شراء واستهلاك بضاعة مستوردة بمجملها، ولم يضف إلى الاقتصاد الحقيقي أية إضافة، والقانون الحالي يزيد من هذا الأمر، فهو يعطي أموالا أخرى للتبذير والاستهلاك،
إن ما جاء بالقانون الحالي لا يعمل على تحويل العراق من الاقتصاد الريعي أو الدولة الريعية إلى اقتصاد ضرائب أو جباية حتى لو تم توزيع أضعاف النسب المحددة في القانون كأسهم للمواطنين إذ ستبقى دولة ريعية معتمدة بالكامل على إنتاج وبيع مادة واحدة ناضبة وأسعارها متذبذبة. وللخروج من الدولة الريعية هو استثمار أكثر ما يمكن من العائدات في اقتصاديات صناعية وزراعية موازية للنفط.
إذا ما المقصود بأن قانون شركة النفط الوطنية هو ثورة على الدولة الريعية، والتأكيد على أن القانون يحول العراق إلى دولة ضرائب أو جباية !!
3 – ملكية الشعب للنفط والغاز وخصخصة شركة النفط الوطنية
طرح السيد إياد علاوي في أيلول 2004 مشروع تشكيل شركة النفط الوطنية العراقية (١٠). واقترح فيه خصخصة الشركة جزئيا في البداية وكليا فيما بعد، وذلك من خلال بيع أسهمها في سوق الأوراق المالية !!.وبهذا أراد استنساخ التجربة الروسية في زمن الرئيس الروسي الفاسد يلتسن في أوائل تسعينيات القرن الماضي، واستيلاء “الأوليغاركية” الروسية وبالتعاون مع الشركات الأجنبية على الجزء الأكبر من قطاع النفط والغاز في روسيا.
كنت اعتقد – ولا أزال – إن إدخال المادة (١١١) في الدستور العراقي “النفط والغاز ملك الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات” قد انهى المناقشة حول العودة عن تأميم الثروة النفطية والغازية العراقية كليا أو جزئيا، وذلك حسب ما أراده غالبريث وغيره قبيل الاحتلال وبعده.
أدخلت المادة (١١١) من الدستور، وحسب معلوماتي الخاصة، بتأثير السيد علي السيستاني بوجوب تحديد مواد دستورية واضحة لا لبس فيها تبين أن “النفط والماء” هما ملك الشعب العراقي في كافة الأقاليم والمحافظات، لقطع الطريق عمن يريد الالتفاف على قرارات تأميم جميع النفط والغاز العراقي(١١).
اول من أخل بالمادة الدستورية (١١١) كانت حكومة إقليم كردستان، إذ وقعت عدداً كبيراً من عقود المشاركة بالإنتاج، وسعت ولا تزال تسعى ومعها الشركات الأجنبية والبعض من المعنيين العراقيين بأن تقوم الحكومة الاتحادية بتوقيع ولو عقد واحد بشكل عقود مشاركة بالإنتاج لتعطي لعقودها الشرعية – كما تعتقد-!!.
يقول السيد عادل عبد المهدي (٥): “تبنى الدستور مبدأ ملكية الشعب لثروته النفطية والغازية… فالهدف قلب المعادلة، فالشعب هو صاحب الحق الأساس، والدولة لا شرعية ولا ملكية وكلمة لها إلا باسمه. فهو من يجب أن يقرر حصتها النفطية لتكون جزءاً من موازنتها السنوية، لا تستفرد بالثروات ثم لا تترك للشعب إلا الفتات”.(٥)
إن حديث السيد عادل أعلاه ليس أمرا جديدا وقاله سابقا عندما كان وزيرا للنفط، حيث عقدت وزارة النفط في أواخر كانون ثاني ٢٠١٦، ما سمي الملتقى الشهري الأول تحت عنوان “شركة النفط الوطنية وآفاق النهوض بالصناعة النفطية”، وقال وزير النفط السيد عادل عبد المهدي في كلمته في الندوة “إننا اليوم في مرحلة الإعداد لتأسيس الشركة ويجب أن نضع أهدافنا، منها أن تكون الشركة ملكا للشعب العراقي وما ينسجم مع ما جاء في الدستور العراقي، وان يكون لكل مواطن سهم في هذه الشركة. وهنا يجب التمييز بين ملكية الدولة والملكية العامة، ومن هو صاحب الحق”(١٢).
وفي ندوة عقدها معهد التقدم حول شركة النفط الوطنية في 6/2/2016، قال السيد عادل (وكان وزير النفط في ذلك الوقت). “هناك صراع تاريخي بين الدولة كمالكة لكل شئ والرعية أو المواطنين كأنهم مستأجرين أو تابعين أو موظفين لدى الدولة وهي فطرة موروثة من المرحلة العثمانية”(١٣). وتحدث عن شركة النفط الوطنية وإعطاء كل عراقي سهم فيها، إذ -حسب قوله- “إن المادة (١١١) نصت على ان النفط ملكية الشعب العراقي ولم يقل ملكية الحكومة”. واكمل “إعطاء سهم واحد لكل مواطن عراقي او أحد أفراد أسرته خاضع للضريبة فيما يتم طرح باقي الأسهم للاكتتاب الداخلي، وهو مقترح مطروح للنقاش لأن فيه الكثير من العدل والإنصاف” (١٣).
وبنفس الوقت كانت هناك مشاريع قوانين للشركة، أرسلتها الوزارة للمختصين (وسحبتها بعد فترة قصيرة) تتحدث عن شركة نفط وطنية ترتبط بمجلس النواب !!، (لأنها مملوكة للشعب العراقي وليس للحكومة!!)، وتعطي كل فرد عراقي سهم لا يورث ولا يباع. وتذهب أرباحها بنسب ٤٠٪ للميزانية التشغيلية للحكومة الاتحادية (والذي يعني عدم قيام الحكومة بتمويل المشاريع، أي لا يوجد منهاج استثماري لها). و٥٪ احتياط رأسمال الشركة، و٥٪ للمحافظات المنتجة، و١٠٪ نقدا للمساهمين، و٤٠٪ إلى صندوق الإعمار والتنمية العراقية. ويقوم الصندوق بتمويل وإنشاء المشاريع المختلفة (وهو بهذا ينوب عن الحكومة في المنهاج الاستثماري)، ولكن بنفس الوقت خوّل مجلس إدارة هذا الصندوق بيع كل المشاريع المنجزة إلى الجهات الحكومية – بضمنها حكومة الإقليم ومجالس المحافظات – وإلى شركات القطاع الخاص العراقي، وإلى الشركات الأجنبية، والدفع بأقساط سنوية !!! “والذي يعني عمليا خصخصة عائدات النفط (اي النفط) بصورة غير مباشرة”.
السيد عادل عبد المهدي يريد شركة نفط وطنية لكل عراقي فيها سهم، ولكن باقي الأسهم للاكتتاب الداخلي
إن الكثير جدا من الشركات السوفياتية بيعت بهذه الطريقة. فالشركات كانت ملكية عامة، فقررت الحكومة وكذلك البرلمان إن هذه الشركات هي ملك الشعب السوفياتي، لهذا أعطيت كأسهم لكل منتسب في الشركات، و”الباقي” بيع في أسواق الأسهم. وانتهى الأمر أن أصبحت ملكية جميع هذه الشركات بيد المليارديرية الروس الحاليين والمستثمرين الأجانب.
إن رئيس الحكومة في الوقت الحالي لا يملك المنشآت الحكومية وإن تعبير ملكية الدولة أو شركات الدولة State Own companies ليست ملكا لحكومة محددة حتى إن كانت هذه الحكومة دكتاتورية، إلا اذا سجلت بأسماء شخصية محددة.
لماذا نعتبر أن الشعب أصبح مالكا للنفط، عند تحديد مجلس النواب – بقانون – إن ملكية النفط تعود إلى شركة (هي جزء من السلطة التنفيذية)، ولا نعتبره ملكا للشعب عندما تكون ملكية النفط لوزارة النفط، والشركات التابعة له (كما هو الحال سابقا)، أو مثلا إلى وزارة المالية، أو أية جهة أخرى حكومية تحددها السلطة التنفيذية ويوافق عليها مجلس النواب، ويتلاءم مع الدستور بتأييد من اعلى سلطة قضائية.
إن ملكية الشعب هي ملكية الدولة، وإن الشركات المملوكة من الدولة، هي شركات مملوكة من الشعب. وكل نقاش بغير ذلك هو نقاش لامعنى له، ويمكن وصفه بنقاش سفسطائي في أحسن الأحوال. هل نسمي الشركات العامة الأخرى في النفط والكهرباء والصناعة والزراعة والخدمات، هل هي غير مملوكة من الشعب؟ وماذا عن الأبنية الحكومية والمدارس والمستشفيات والجامعات هل هي غير مملوكة من الشعب؟
لقد أثيرت الشكوك والتساؤلات بين بعض المعنيين عندما طرح السيد عادل عبد المهدي مشروعه حول شركة النفط الوطنية، هل أن هناك خصخصة لشركة النفط الوطنية بحجة ملكية الشعب؟
ولكن رجعنا إلى القانون لمشرع فأن الشكوك والتساؤلات تظهر من جديد. هل ان هناك نية لخصخصة الشركة؟ وقد تكون على الشكل التالي:
تبدأ بصندوق المواطن في أسهم لاتباع ولا تشترى ولا تورث، وتزداد حصة الصندوق في الخطوة الأولى من ٢،٥٪ إلى مثلا ١٠٪ (وهو أمر يسمح القانون به). ثم يأتي مجلس نيابي على قياس الذين يفكرون بخصخصة الشركة، ليقرر إمكانية بيع وشراء هذه الأسهم معتمدين على نفس الصيغة الدستورية أعلاه، إذ لو كان النفط ملك الشعب العراقي، فإن الملك يباع ويشترى ويورث!!. وبعد ذلك يخصص نسبة أخرى تباع في أسواق الأسهم للعراقيين باعتبارهم جزء من الشعب العراقي، والمادة (١١١) لا تعارض ذلك!! وثم يذهب إلى تفسير آخر لكيفية بيع الأسهم للأجانب!!.
4- هل يوحي القانون عدم ممانعته قيام الإقليم والمحافظات المنتجة للنفط بالتصدير المستقل للنفط
تقول الفقرة (13- أولا- ج) من القانون أن “أسهم العراقيين المقيمين في الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم التي تمتنع عن تسليم عائدات النفط والغاز المنتج إلى الشركة تحرم من الأرباح ويضاف استحقاقها إلى باقي المساهمين…ويقول السيد عدنان الجنابي(4): ” وسيؤدي هذا إلى ضغط المواطنين في الإقليم على تسليم عوائد النفط إلى الموازنة الاتحادية ليحصلوا على قيمة أسهمهم في أرباح شركة النفط العراقية.
ويتحدث النائب الدكتور إبراهيم العلوم (6) بتفصيل اكثر عن هذه الفقرة وهو يتحدث عن حالة نفط محافظة البصرة “… اذا قررت البصرة غدا أن تكون مستقله وتبيع نفطها وغازها خارج شركة النفط الوطنية … جيد، فهذا قرراكم (هو هنا كان يخاطب محافظة البصرة) ولكن سوف لا تحصلوا على حصتكم في هذا الصندوق”، ثم يستمر بالحديث ليقول “أنها تنطبق على إقليم كوردستان… ولهذا فان المواطنين سوف يدفعون باتجاه تسليم النفط والغاز إلى الشركة”(6).
أن السيدين عدنان وإبراهيم يتحدثان بجدية وكان الأمر بالنسبة اليهم امرأ بسيطا، جماهير البصرة أو الإقليم ستضغط على مسؤوليهما لتسليم العوائد لأنها سوف لن تستلم أرباحها. هذه المبالغ التافهة جدا من يسعى إلى متابعة استلامها؟
يظهر انه السيدين نسيا أن مسألة الصادرات النفطية هي مسألة تختص حصريا باختصاصات السلطة الاتحادية حسب المادة (110 أولا) فالنفط يمثل التجارة الخارجية السيادية للعراق ولا يمكن بالمرة ترك الأمر إلى الأقاليم والمحافظات المنتجة في التصدير المستقل. تصدير النفط هو اختصاص (سومو) حصا، وهي الوحيدة المخولة بهذا الأمر.
لا اعرف كيف تمت صياغة هذه الفقرة في القانون، إلا أنها تكاد تنطق: لا مانع من التصدير المستقل، ولكن سوف لن نعطيكم أرباح الأسهم!!
إن عدم تسليم النفط والغاز إلى سومو هو تمرد على الدولة بكل معنى الكلمة، وتأثيره مدمر اكثر من التمرد العسكري. على الدولة أن تنهيه في مهده وحال حدوثه. وأمامنا تمرد الإقليم في التصدير المستقل. إن الجهة التي تريد التمرد باتخاذ طريق التصدير المستقل لن يوقفها تهديد مضحك بإيقاف حصتها من صندوق المواطن، ومن يضن غير ذلك هو واهم وفي منتهى السذاجة السياسية والاقتصادية. يجب تقديم أي جهة مسؤولة عن التصدير المستقل، أو تروج له، للمحاكم، ويجب أن تطالها أقسى العقوبات للتخريب الاقتصادي الهائل الذي ترتكبه.
5- هل يقلل القانون الفوارق الصارخة في الدخل؟
يقول النائب عدنان الجنابي في مقاله (4) : “كما أن وجود الأسهم المتساوية القيمة يؤدي خلال سنوات قليلة إلى القضاء على الفقر الشديد وتقليص الفوارق الصارخة في الدخل ”
لقد وضح السيد حمزة الجواهري في مقاله (3) أن ما يصيب الفرد العراقي هو (50) دولار/السنه في احسن الأحوال، أي (4,2) دولار في للفرد في الشهر.
وعند التوسع في هذه الحسابات لأخذ احتمالات مختلفة لكميات النفط المصدر ولمعدل أسعار تصدير النفط العراقي واحتساب كلفة إنتاج وتوصيل النفط إلى نقطة التصدير واعتماد (40) مليون عراقي مشمولين بهذا الصندوق، نجد أن ما يصيب المواطن حسب الأرقام التخمينية لميزانية 2018، بتصدير (3,888) مليون برميل يوميا بسعر التصدير (46) دولار للبرميل لا يتجاوز (32) دولار/السنه أي (32) دولار/السنه أي (2,7) دولار /الشهر. وفي أعلى افتراض بتصدير 5 ملايين طن يوميا وبسعر 80 دولار للطن، وهي أرقام متفائلة قد نصلها في العقد القادم، فأن المواطن العراقي سيحصل على 80 دولار في السنة، أي 6,7 دولار شهريا!!.
ولو أراد مجلس النواب أن يقلل حصه الخزينة إلى 80٪ بدلا من 90٪ ليوفر مبالغ الصندوق المواطن فانه الأرقام أعلاه لحصة الفرد المواطن ستتضاعف. وحتى اذا قلصت حصة الخزينة إلى 70٪ فإن الأرقام أعلاه ستصل إلى ثلاث مرات وهي أرقام تافهة جدا ومضحكة ولا تؤثر جديا في رفاه حياة المواطن.
لهذا ليس من المنطق ولا في أي معيار اقتصادي (أو أنساني) أن يتحدث احد عن تقليل الفوارق الصارخة في الدخل بسبب وجود الأسهم متساوية القيمة، أو القضاء على الفقر الشديد خلال سنوات بفضل هذه الفقرة.
ولكن مبالغ هذه الفقرة ستكون ذات تأثير كبير، رغم قلتها، لو استخدمت في مناهج اجتماعية أو استثمارية، فهي قد تصل إلى (2,26) مليار سنويا بتصدير 4,5 مليون برميل يوميا بسعر 65 دولار للبرميل، أو (2,74) مليار سنويا بتصدير 5 مليون برميل يوميا بشعر 70 دولار للبرميل أي أنها تجمع مبلغ حوالي (10) مليار دولار في اربع سنوات، وهذا المبلغ مثلا يحل مشكله تأهيل بناء المدارس في جميع أنحاء العراق، حيث تقدر الحاجة إلى (3500) مدرسة جديدة. كذلك تحل مشكله بناء المراكز الطبية وغيرها من الأمور الخدمية. وان أردنا استثمارها في النفط مثلا، فأنها تحل مشكله تمويل مصفى كربلاء، أو التوسع في استثمار الغاز الذي يحرق هباء وهناك حاجة إلى مبالغ كبيرة للإسراع في إنهاء حرقه.
إن القضاء على الفقر الشديد او تقليل الفوارق الصارخة في الدخل لا يأتي من إعطاء بعض المال إلى المواطنين، وإنما يأتي من توفير العمل، أي بدل إعطاء احدهم سمكة، وفر له الشبكة التي تصيد السمك!!
إضافة لذلك فان القانون يقول ان صندوق الإعمار هذا “يهدف إلى تنفيذ مشاريع استراتيجية في المحافظات التي يمارس فيها نشاط نفطي للشركة”. فهو أولا قصر الصندوق على أماكن نشاط الشركة وليس العراق ككل، رغم انه اخذ كل أموال العراق وتدخل في كل قضايا العراق والتي ليس لها علاقة بقانون لشركة عامة إنتاجيه. وعندما وصل الأمر للاستثمار والتنمية توقف!! هل الأمر مقصود؟ باعتقادي نعم. لأنه لا يريد أصلا إن تدخل الحكومة ومنشآتها (بضمنها شركة النفط الوطنية) في أي استثمار تنموي في قطاعات الاقتصاد الحقيقي الإنتاجي والخدمي… أنها سياسه الليبرالية الجديدة!!.
إضافة لأعلاه ماهي المشاريع الاستراتيجية التي يمكن تنفيذها بهذه المبالغ الزهيدة. نحن بالتأكيد نحتاج إلى استثمار ما لا يقل عن 30٪ من عائدات النفط في مشاريع التنمية لكي نحل مشكله الفقر في العراق. ولو كانت حكومات ما بعد الاحتلال قد قامت بذلك لكان قد صرفت ما يزيد عن(250) مليار دولار في إعادة تأهيل وتشغيل المنشآت الإنتاجية السابقة في القطاع العام والخاص والمختلط، ولكانت قد توسعت بشكل كبير جدا في مشاريع تنموية جديدة تنهي البطالة وترفع من مستوى المعيشة للفقراء. ولكن سياسات الاحتلال وسياسات الساسة الذين جاءوا بعده، لم يريدوا ذلك قطعا. أعيدُ مجددا، إنها سياسات الليبرالية الجديدة التي تريد إبعاد الحكومات عن الاقتصاد والاستثمار، وتريد إن يهدر العراق ثرواته على الاستهلاك والاستيراد المنفتح بالكامل، وان ينهب من قبل قطاعات تعتاش على الفساد وتهريب أموالها خارج العراق وبدون إن تستثمر فيه.
6- هل ستعتمد أرباح الشركة على كفاءة الأداء وتقليل الكلفة
يقول النائب الأستاذ عدنان الجنابي(4): “والمبدأ المهم الأخر في هذا القانون هو أن تستقطع الشركة مبلغا عن كل برميل تنتجه لتغطيه كلفة الإنتاج، ويقر هذا المبلغ بالاتفاق مع وزير المالية ووزير النفط ووزير التخطيط ويقره مجلس الوزراء ويستمر هذا المبلغ لمده ثلاث سنوات. وهذا يعني إن أرباح الشركة ستعتمد على كفاءة الأداء وتقليل الكلفة ولا يكون عملها على أساس كلفة زائد (cost plus) مما قد يسبب في التسيب والتبذير”(4).
ولكن هل الأمر كذلك؟ لنرجع إلى نصوص القانون بما يتعلق بالكلف والنفقات، وذلك في الفقرة (12) منه.
المادة (12) أولا: تستقطع الشركة مبلغا يغطي جميع الكلف الاستثمارية والتشغيلية ولا يقل عن معدل الكلفة في جميع الحقول المستثمرة، عن كل برميل من النفط والغاز المنتج مضافا إليه نسبة معينة من الربح، ويتم تحديد ذلك بالاتفاق بين الشركة ووزارات المالية والنفط والتخطيط، ويصادق عليه مجلس الوزراء، وتمم مراجعته كل ثلاث سنوات، ويستقطع مباشره من حساب وزارة المالية لدى البنك المركزي عن عوائد النفط والغاز
ثانيا: يتم تسويه الحسابات بين الشركة ووزارة المالية بعد نهاية السنة المالية للشركة وبعد إكمال الحسابات النهائية ومصادقه ديوان الرقابة المالية.
ومن أعلاه يظهر، وبنص واضح في القانون، إن أرباح الشركة هي بإضافة نسب معينة إلى الكلفة المقطوعة. قد يكون المقصود بحديث السيد عدنان الجنابي إنه بالإضافة لهذه النسب يضاف الوفر الناجم عن الكلفة المقطوعة لكل برميل عن المصروف الفعلي، وهو امر غريب أذا صح، إذ من المفروض وحسب منطق الصيغة أعلاه – حسب فهمي – فان الوفرة ستكون ضمن الأرباح العامة الصافية التي تجري توزيعها بعد استقطاع جميع الكلف (ويضمها نسبة الأرباح أعلاه) من عائدات الشركة الكلية المتأتية من تصدير كل النفط والغاز.
إن الطريقة التي تعمل بها الشركات العامة، وكذلك شركات وزارة النفط الحالية، هي نفس الطريقة التي تعتمدها الدولة العراقية في حساباتها وإعداد موازناتها التخمينية السنوية، على أساس أن يتم الصرف لها من وزارة المالية. إذ يتم إعداد النفقات التشغيلية والرأسمالية حسب فقرات محددة في النظام المحاسبي الموحد في الدولة، ويحسب ذلك لكل شركة، وتضاف هذه النفقات إلى الميزانية التخمينية للوزارة التي تتبع لها الشركة، وتدخل في الموازنة الاتحادية للدولة وبعد مناقشتها وإقرارها من جميع الجهات المعينة، ومصادقه مجلس الوزراء لرفعها إلى مجلس النواب لإقرارها.
الآن جاء مبدا حسابي جديد لا ينسجم مع طريقة إعداد الموازنات حيث ستكون النفقات رقم مكور، يعتمد كمية الإنتاج الفعلي للنفط مضروبا بكلفه محددة للبرميل الواحد تعتمد معدل كلفه إنتاج البرميل في السنه الأخيرة أو السنوات الأخيرة حسب الاتفاق. وهذا الأمر لا أناقشه الآن فهو من مسؤولية وزارة المالية والجهات الحسابية العراقية الأعلى وكذلك مسؤولية رئاسة الوزراء، وكل هذه الجهات مشلولة في الوقت الحالي بسبب الانتخابات المقبلة في أيار القادم، إلا أن هذا الأمر سيحمل السلطة التنفيذية القادمة مسؤوليات قانونية ومالية عديدة.
ستلاقي الشركة مشاكل في الحصول على نفقاتها الاستثمارية المقبلة. إذ ستحتاج – بالتأكيد – في المستقبل القريب جدا، وبعده، إلى استثمارات عالية جدا لتنفيذ أعمالها الجسام التي تحتاج مبالغ كبيرة، مثل مشروع حقن الماء في البصرة أو توسيع الخزانات أو توسيع التصدير أو أنبوب نفط حقول كركوك إلى الموانئ التركية. إن كلفة إنتاج البرميل لا تغطي مثل هذه الاستثمارات، وإنما تغطي حساب كلف اندثار الاستثمارات. وحسب نظام الاندثارت سنحتاج في فقرات منها إلى سنوات طويلة (قد تصل إلى اكثر من 10سنوات) لتغطيتها رغم أنها صرفت في سنوات تنفيذ المشاريع، أي بحدود 3 – 4 سنوات.
هل ستعتمد الشركة على اعتبار هذه المشاريع مجال استثماري وتدخل في نفق ارتهان الإنتاج النفطي للشركات الأجنبية، كما اقترحت وزارة النفط وأيدها مجلس الوزراء، بمشروع ماء حقن الماء في الجنوب، والذي أوضح السيد احمد موسى جياد مخاطره الجسيمة. وحتى لو قبلنا وذلك (وهو امر مرفوض)، وقبلنا – جدلا- بمخاطر تحكم الشركة المستثمرة في صلب الإنتاج النفطي وغير ذلك من الاحتمالات، إلا أن هناك العديد من مشاريع شركة النفط الوطنية لا يمكن تنفيذها بمبدأ الاستثمار بسبب التداخل الكبير مع منشآت وفعاليات الشركة، مثل توسيع الطاقة الخزنية للشركة وتوسيع موانئ التصدير ومد شبكات الأنابيب للنفط والغاز. السؤال الذي يطرح كيف ستحصل الشركة على مبالغ هذه الاستثمارات اذا لم تكن قد وضعتها أصلا في موازنتها الاستثمارية السنوية، اذا إن كلفة إنتاج البرميل لا تغطيها؟!.
لقد أضاف القانون نسبة من الأرباح إلى الشركة، لا اعرف لماذا أضيفت هذه النسبة والشركة جزء من الحكومة. هل إن هناك نية أن تكون أجور و رواتب عمال وموظفي الشركة أعلى بمراحل من بقيه أجهزه الدولة، كما قد يدفع لمسؤوليها مكافآت عالية بحجة تحقيق أرباح عالية؟! وبالتأكيد هناك أرباح عالية، ولكن ليس بسبب الكفاءة ولكن بسبب طبيعة سوق النفط. من الممكن إن تكون هناك حوافر – كما في بقيه المنشآت الإنتاجية – وذلك في حالات تحسين كفاءة الإنتاج وتقليل الكلف مقارنة بالسنوات السابقة وهذا الأمر موجود ضمن الأنظمة الموجودة حاليا وهي في كل الأحوال لا تستدعي إضافة نسبة للأرباح والتي ستكون مبالغ كبيره مهما كان صغر هذه النسبة.
من الخطأ الكبير خلق كيان في الدولة له ميزات عالية جدا تختلف عن بقيه أجهزة الدولة التي تقوم بأعمال مشابهة من حيث النوعية. اذا تم خلق مثل هذا الكيان فأننا نضع أسس الفساد في التعيين وفي أسس التدرج في الشركة وتقدم كوادرها. وستكون الشركة مركز استقطاب الكوادر المحسوبة على الكيانات السياسية وتعتمد المحسوبية في التعيين فيها وانتقال الكوادر من الدوائر الأخرى إليها. إن هذا الأمر سيسبب ليس فقط في استقطاب الفاشلين أو المقربين من مسؤولي الشركة أو السلطة، وإنما سيخلق أرستقراطية موظفين وعمال وإدارة ضمن نظام الدولة يصعب التحكم بها، ويخلق مشاكل اجتماعيه تتطور إلى غطرسة واستعلاء على السلطة، خصوصا عند إعطاء صلاحيات كبيره لها كما هو حال القانون الحالي، الذي اعطى الشركة ومجلس إدارتها كل شئ ذو ثمن في العراق.
7- صدور قانون شركة النفط شركة الوطنية…و”القوه المجتمعية”
يقول السيد عادل عبد المهدي (5) “…ولكن الحقيقة هي إن هذا القانون – بهذه المضامين – ما كان يرى النور لولا (قوة مجتمعية) من ثلة الشباب المخلص، الواعي، المثقف المنتشر في القطاع النفطي وخارجه …. شباب لا ينتمون لحزب أو تيار أو تفكير محدد…وتشكل منهم حراك اجتماعي يضم الآلاف…تفتح لنا هذا التجربة طريقا جديدة لممارسة السياسة والديمقراطية”. ويضيف “استقطاع (أي الشباب) إنجاز مهمة صعبة ومعقدة عجزت عنها أحزاب عريقة ومؤثرة في البرلمان”، ويستمر: “أما عمل (القوة المجتمعية) هذا فكان الترويج للفكرة وبكل الوسائل الممكنة من المحاضرات واللافتات ووسائل الاتصال الاجتماعي… فاتصلوا بالعلماء ورجال الدولة والأحزاب والخبراء دون استثناء، خصوصا من يخالفهم الرأي”!!. ويلاحظ إنني وآخرين من معارضي أفكار هذا القانون، منذ المناقشات التي طرحت فيها هذه الأفكار في بداية 2016، لم نسمع لهم اسم قبل لهذه المقالة !!. ويستمر الأستاذ عادل عبد المهدي “وعندما تكلل المشروع (ويقصد القانون) بالنجاح هللوا وبكوا فرحا…وكأنهم كسبوا معركة انتخابية”، ويضيف “المرة الأولى – حسب معرفتي – تتحرك فيها قوى معروفة جدا، ومجهولة جدا، بدون دعم خارجي أو حزبي متفرد لإدخال صياغات وتمرير قانون يتعلق بأخطر مفاهيم العلاقة بين الشعب والدولة، وله ارتباط مباشر بأخطر قطاعات البلاد وهو النفط “(5)
عندما يقول الأستاذ عادل عبد المهدي إن هذا التجمع من الشباب “استطاع إنجاز مهمة صعبة ومعقدة عجزت عنها أحزاب عريقة… وان هذه التجربة تفتح طريقا جديدة لممارسة السياسة والديمقراطية”!!، فانه يرينا – كما يظهر – أنه يأس من النظام الذي جاء مع الاحتلال، وكان هو احد ابرز أركانه، إذ تقلد في كل مراحله أعلى المناصب، أخرها وزيرا للنفط في 2016. ويرى الآن أن مستقبل العراق يكون بطريق الثورات الملونة، وثورات الربيع العربي وأفكاره وتطلعاته السياسية والاقتصادية.
بدأ هذه الثورات شباب محبط يائس من تصرف حكوماته ومجالس نوابه، فنزلوا بطريق آخر للثورة!!. ولكن ظهر لشباب العالم في أوكرانيا وغيرها، في العالم العربي أن ثورتهم لم تنته إلا إلى فشل ذريع لأسباب عرفوها قبل غيرهم!!.
والأمر الغريب هو صدور بيان من الاتحاد العام لنقابات العاملين في العراق/المقر العام في 7/3/2018 حول موضوع قانون شركة النفط الوطنية العراقية (14)، جاء فيه “تابع باهتمام اتحادنا الجهود الكبيرة التي قام بها أبطال حملة (للشعب حق في ثروته النفطية)، وهي حملة مستقلة تماما عن أي حزب أو تيار سياسي ومن هنا تستمد قوتها…هناك فقره تتضمن منح أسهمها (يقصد الشركة) للمواطنين من عائدات النفط ..رغم كل المعوقات فان أبطال الحملة واصلوا عملهم وفي وقت التصويت تواجدوا في البرلمان واقنعوا كثير من البرلمانين على التصويت على مشروع القانون وبالذات فقره الأسهم. كما احبطوا مناورات البعض بان يركب الموجة ويدعي زورا انهم أصحاب المشروع… كما يعبر اتحادانا عن فخره أن من بين أبطال الحملة هم أعضاء في قيادة اتحادنا سواء المكتب التنفيذي أو المجلس المركزي.”!!
يلاحظ القارئ أن شعار الحملة (للشعب حق في ثروته النفطية)، الذي يوحي بأن الشعب العراقي له “حق” – حصة – في الثروة النفطية، بينما يؤكد الدستور أن الشعب العراقي يملك كل الثروة النفطية والغازية. ويعتبر البيان فقرة الأسهم هي الأهم في القانون.
والسؤال يطرح نفسه، هل شعار الحملة “للشعب العراقي حق في الثروة النفطية”، وليس كل الثروة النفطية هو سهو أم امرأ مقصودا لتهيئه الأذهان للخصخصة أو عقود المشاركة بالإنتاج؟ لا يوجد لدى جواب، فالجواب لدى أبطال الحملة. ولكن الأمر الواضح: أن نية وتصميم من صاغ القانون هو – وباحتمال عال – السير نحو الخصخصة.
وكما يظهر من البيان أعلاه أن الاتحاد العام لنقابات العاملين وبقياداته هو جزء من “القوة المجتمعية” التي يتحدث عنها الأستاذ عادل عبد المهدي!!.
8- ما الذي يخبأه مصممو القانون من أساليب لفرض تطبيقه؟
عندما كتب صائب خليل في 14/3/2018 مقاله “مجلس النواب بصوت على قانون يتيح لأميركا تجميد ثروات العراق”(15)، وردته رسائل بالعشرات على موقعه في الفيس بوك، وفي الساعات الأولى من نشره المقال. لم تكن الرسائل من متابعيه – وهم كثر-، الغالبية العظمى من الرسائل معارضة لأفكار مقالته، وبعضها بلغه خشنة. لم أجد ولا رسالة واحدة تبين أين الخطأ في مقاله، والمقال اعتمد على ما يقوله المختصون الذين كتبوا عن قضايا النفط منذ أكثر من عشر سنوات. اضطر السيد صائب لكتابة مقال، وبنفس اليوم، تحت عنوان “نقاط مناقشه قانون شركة النفط الوطنية”، وأجرى المناقشة مع معارضيه. لم يكن هناك راي مقنع من “المعارضين” لأسباب تأييدهم القانون. وانتهت المناقشة بتهديد السيد صائب خليل!!، فما الذي يخبأه لنا أبطال هذه “القوة المجتمعية”؟.
في نهاية ملاحظاتي هذه لا أريد التحدث عن “القوة المجتمعية” هذه، لأنني لا أعرفهم، ولكن أخاطب الطبقة العاملة والنقابات العمالية: إن هذا القانون مضر بالعراق وبالأخص فقرائه وعماله، إذ أريد له أن يكون المدخل لخصخصة النفط العراقي وإدخال العراق في سياسات اقتصاديه تدمره بالكامل. وأتمنى أن استطيع، وأنا قد تجاوزت الثمانين من عمري، أن أكمل كتابي الرابع عشر، وسيكون حول السياسات العالمية الرأسمالية الليبرالية الجديدة والعراق، وذلك التوضيح ماذا يراد لبلدنا المنكوب.

26/3/.2018

المصادر
1. التقييم الأولى : شركة النفط الوطنية العراقية – احمد موسى جياد 8/3/2018
2. قانون شركة النفط الوطنية العراقية يشرعن تفكيك العراق ويقضى على الشركة ذاتها – احمد موسى جياد 5/3/2018
3. قانون شركة النفط الوطنية الجديد أضاع الطريق – حمزه الجواهري / الحوار المتمدن 8/3/2018
4. قانون شركة النفط الوطنية – ثوره على الدولة الربيعية – عدنان الجنابي / شبكة الاقتصاديين 10/3/2018
5.شركة النفط الوطنية ..الحلقة المفقودة “القوه المجتمعية” – عادل عبد المهدي / منبر العراق الحر 7/3/2018
6.Q&A: Ibrahim Bahralolom, MP and Former Oil Minister / Iraq Oil Report – 7/3/2018
7. قانون شركة النفط الوطنية العراقية – وضع على الموقع الإلكتروني لمجلس النواب في 5/3/2018، مكتوب عليه ان (اللجنة المشرفة : لجنة النفط والطاقة) وانه القراءة الأولى، أي انه ليس النص النهائي.
8. – وزير النفط يهنئ الشعب العراقي بمناسبه التصويت على قانون شركة النفط الوطنية.
– وزارة النفط : ترحب بالتصويت على القانون شركة النفط الوطنية في جلسه مجلس النواب اليوم / موقع وزارة النفط في 5/3/2018
9.- كتاب “الجديد في القضية النفطية العراقية ”
– دراسة “كما في آب 2011: جديد قانون النفط والغاز ” التي صدرت في 23/8/2011 –
فؤاد قاسم الأمير / صدر الكتاب في شباط /2012
10. كتاب “مقالات سياسية واقتصادية في عراق ما بعد الاحتلال” – فؤاد قاسم الأمير – نيسان /2005 – ونشر في صحيفه الغد في 22/11/2004 و 9/1/2005
11. كتاب الجديد في عقود النفط والغاز الموقعة من قبل حكومة إقليم كردستان والسياسة النفطية للإقليم ” – فؤاد قاسم الأمير حزيران /2012
12. “عبد المهدي : هناك اتفاق وطني على إعادة تأسيس شركة النفط الوطنية ” – الفرات نيوز 30/1/2016
13. “وزير النفط : اقتصادنا مافيوي والشركات هي المشغل الحقيقي” – خلال ندوه عقدها معهد التقدم عن شركة النفط الوطنية – محاضر الندوة في 6/2/2016، أصدرها معهد التقديم الذي كان يراسه المرحوم الدكتور مهدي الحافظ
14. بيان الاتحاد العام لنقابات العاملين في العراق / المقر العام 7/3/2018
15. مجلس النواب يصوت على قانون يتيح لأمريكا تجميد ثوته النفطية – صائب خليل 14/3/2018
16. نقاط مناقشه قانون شركة النفط الوطنية – صائب خليل 14/3/2018
17. هل مرر البرلمان حقا القانون المشبوه الجديد “لتكوين شركة النفط الوطنية العراقية؟” وما هو الهدف من تمريره؟ – منير الجلبي / المثقف 21/3/2018

اترك تعليقاً