السيمر / الخميس 03 . 05 . 2018
مالك زياني
ما أقصى ما كان يُمكن أن تحلم به مملكة عربية؟ ببساطة، الدوران في فلك الملكية الأقوى إقليمياً، أي السعودية. وقبل عام 1979، الدوران في فلك «الشاهنشاهية» الإيرانية. تغيّرت الأيام، بل هي تنقلب رأساً على عقب، ولكن المملكة المغربية لا تتقدم خطوة إلى الأمام، إلا لتتراجع عشرة إلى الوراء بسبب التبعية والحلم العتيق بحشر الجزائر في الزاوية. هذا مغزى اتهاماتها المعلنة قبل يومين. فمن «القصر المغربي» لم تفُح إلا رائحة سعودية وأميركية… وإسرائيلية.
في قرار يتقاطع مع مصالح التقارب الإسرائيلي السعودي في مواجهة إيران وحلفائها على المستوى الإقليمي، نفّذت الرباط، أول من أمس، قراراً غير ذاتي، يفيد بقطع العلاقات مع إيران «رداً على تورطها عن طريق حزب الله في تحالف مع البوليساريو يستهدف أمن المغرب ومصالحه العليا، منذ سنتين وذلك بناءً على حجج دامغة»، لم تذكرها.
الملكية المغربية، صاحبة العلاقات الوطيدة مع الملوك والأمراء السعوديين، وصاحبة العلاقات الخفية مع إسرائيل منذ أيام الحسن الثاني ومنذ ما قبل حرب 1967، قال وزير خارجيتها ناصر بوريطة، كما رئيس الوزراء سعد الدين العثماني، إنّ هذا القرار يخص «العلاقات الثنائية حصراً» بين البلدين ولا علاقة له بالتطورات في الشرق الأوسط، علماً أنّ العلاقات المغربية الإيرانية كانت قد قطعتها الرباط عام 2009 «تضامناً مع البحرين… (وبسبب) نشاطات ثابتة للسلطات الإيرانية، وبخاصة من طرف البعثة الدبلوماسية بالرباط، تستهدف الإساءة إلى المقومات الدينية الجوهرية للمملكة والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي»، وفقاً للبيان الصادر عن الخارجية المغربية في حينه.
العلاقات بين العاصمتين اللتين تُمسكان، غرباً وشرقاً، بطرفي خط دول الشرق الأوسط، عادت عملياً عام 2016، إلا أنّ بوريطة برر، أول من أمس، قطعها مجدداً، بالقول إنّ «نقطة التحوّل كانت في 12 آذار/ مارس 2017 حين اعتُقل في مطار الدار البيضاء (رجل الأعمال اللبناني) قاسم محمد تاج الدين، بناءً على مذكرة اعتقال دولية صادرة عن الولايات المتحدة تتهمه بتبييض الأموال والإرهاب»، واصفاً إياه بأنّه «أحد كبار مسؤولي مالية حزب الله في أفريقيا»، علماً أنّ التوقيف تمّ بطريقة غير قانونية. وعلى رغم أنّّ السلطات المغربية كانت تُجيب كل شخص يراجعها في شأن مسألة تاج الدين، قائلةً: «لا علاقة لنا، وتجب مراجعة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية»، في أجوبة تعكس صراحةً مدى النفوذ الأمني والاستخباري الأميركيين في المملكة المغربية، فإنّ وزير خارجية الرباط، اعتبر في حديثه أنّه منذ ذلك الوقت، «بدأ حزب الله يهدد بالثأر بسبب هذا الاعتقال وأرسل أسلحة وكوادر عسكرية إلى تندوف (مخيّم للبوليساريو عند الحدود الجزائرية المغربية) لتدريب عناصر من البوليساريو على حرب العصابات وتكوين فرق كومندوز وتحضير عمليات عدائية ضد المغرب». جدير بالذكر أنّ «حزب الله» اللبناني لم يسبق له أن تبنى موقفاً حاسماً يؤيد «قضية الشعب الصحراوي»، ذلك أنّ هذه القضية دقيقة جداً لارتباطها بإمكانية الانفصال وتشكيل دولة جديدة، وهذه مسألة شديدة الحساسية من المنظور المشرقي لما تكتنفه من أخطار التقسيم (لكن بطبيعة الحال هذا قد لا ينفي وجود علاقات).
تصريحات بوريطة التي ردّت عليها إيران، كما حزب الله (راجع الكادر أدناه)، لاقتها دول مجلس التعاون الخليجي بترحيب مبالغ به، علماً أنّ أصواتاً سعودية وإماراتية وبحرينية انتقدت بيان قطر التضامني مع المغرب لأنّه «لم يذكر إيران». إلا أنّ هذا الترحيب يكشف ارتباط المغرب العضوي بدول مجلس التعاون الخليجي، تحديداً السعودية، وذلك على رغم أي تباينات ظهرت أخيراً بين الرياض والرباط على خلفية الأزمة الخليجية، وكانت قد برزت حين لم يزر الملك السعودي سلمان، نظيره المغربي الصيف الماضي عندما كان يقضي إجازته الصيفية في طنجة، ما دفع محمد السادس إلى زيارة سلمان بنفسه. ولا بدّ من التذكير هنا باللقاء الأخير الذي جمع في باريس ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بالملك المغربي، وقد حضر رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري جانباً منه (ثمة جملة معبّرة لدبلوماسي غربي عن العلاقات بين المملكتين، تقول: «بين المغرب والسعودية، العلاقات الدبلوماسية متينة بقدر متانة الأسوار العالية لقصر سلمان في طنجة»).
وبقرار أول من أمس، لم يعد خافياً أنّ المغرب أدخلت نفسها ضمن المسعى السعودي الهادف إلى تكريس «شبكة أمان» عبر توسيع الكيانات والأحزاب المدرجة على «لوائح الإرهاب» الخاصة بالرياض التي تحاول فرض هذا التوجه على حلفائها الإقليميين (مع بعض التحفظات المصرية). في هذا الصدد، جدير بالذكر أنّ المصلحة المغربية مباشرة، إذ سبق لمواقع مغربية أن نقلت في النصف الأول من شهر نيسان/ أفريل الماضي، عن «مصادر موثوقة» أنّ «السعودية وعدت المغرب باستعدادها لإعلان بوليساريو منظمة إرهابية»، وهذا مهم جداً بالنسبة للمغرب، خصوصاً في ظل التطورات الدبلوماسية الحالية التي يشهدها ملف «الصحراء الغربية» برعاية المبعوث الأممي هورست كولر، وفي ظل الضغوط الأخيرة التي تحاول الرباط مواجتها عبر دعوة الجزائر إلى «التفاوض المباشر» في شأن هذه القضية بسبب احتضان الجزائر لهذه القضية.
في السياق، كتب الناشط السياسي المغربي، والدبلوماسي السابق، علي لمرابط، على «تويتر»، قائلاً إنّه بخلاف الأسباب «الرسمية» المعلنة، فإنّ «الأسباب الحقيقيّة هي شراء ودّ (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب وتنفيذ أوامر طائفة آل سعود»، مضيفاً أنّ «المغرب قطع بالفعل علاقاته مع إيران عام 2009، وجاء ذلك بخسارة كليّة». وفي إشارة إلى إعلان وزير الخارجية المغربي أنّ «مسؤولاً في حزب الله في سفارة إيران بالجزائر كان ينسق بين مسؤولين في حزب الله وجبهة البوليساريو وهذا لا يمكن أن يكون من دون علم الجمهورية الإسلامية»، تساءل لمرابط: «إذا كانت الأسلحة قد مُررت عبر سفارة إيران في الجزائر (أي بمباركة الجزائريّين الذين يُزوّدون البوليساريو أصلاً بالأسلحة)، لماذا لا تقطعون علاقاتكم مع الجزائر؟».
بذكر الجزائر، ففي حديث إلى «الأخبار» (الجزائر ــ محمد العيد)، يصف مصدر دبلوماسي جزائري اتهامات ناصر بوريطة بـ «المثيرة للشفقة»، كونها تفتقد أدنى دليل وتكشف «ورطة السلطات المغربية بعد مقررات مجلس الأمن الأخيرة بخصوص قضية الصحراء». ويوضح المصدر أنّ قرار المغرب بقطع علاقاته مع إيران «هو بمثابة إعلان ولاء من المملكة إلى الدول المعادية لإيران من أجل كسب تعاطفها والتأثير فيها في ما يخص القرارات اللاحقة حول الصحراء الغربية»، مشيراً أيضاً إلى أنّ «مبررات الحركة المغربية مفضوحة في ظل التحركات الأميركية لإلغاء الاتفاق النووي الإيراني».
في حديث إلى «الأخبار»، يشرح ديبلوماسي إيراني أنّ «العلاقات بين إيران والمغرب لم تكن مستقرة خلال العقود الأربعة الماضية (بعد الثورة الإسلامية في إيران)، وبعد سنتين تقريباً من الثورة، وعقب التأييد الإيراني لقرار قمة منظمة الوحدة الأفريقية آنذاك، في شأن حق تقرير المصير لجمهور الصحراء الغربية، أعلن المغرب قطع العلاقات مع إيران، ولم تعد العلاقات إلى طبيعتها إلا بعد محادثات أُجريت في فترة ما بعد الحرب المفروضة عراقياً على إيران وعلى هامش قمة منظمة المؤتمر الإسلامي آنذاك في إحدى العواصم الأفريقية». يُكمل الدبلوماسي الإيراني أنّ «هذه المحطة لم تكن الأخيرة في مسار العلاقات غير المستقرة بين البلدين، إذ واجهت إيران بعد سنوات قراراً مغربياً آخر بقطع العلاقات بسبب اتهام إيران بنشر التشيّع في المغرب، وهي اتهامات رفضتها إيران واعتبرتها واهية»، لافتاً إلى أنّ تلك «الفترة استغرقت سنوات عدة قبل أن تتجه، بين عامي 2014 و2016، نحو إعادة العلاقات حين أرسل كل من الطرفين سفيره ليجدّدا بناء علاقات سياسية مطلوبة في ظروف كانت مختلفة تماماً عن السنوات السابقة… لكنّ العلاقات لم تشهد استقراراً مستداماً حتى وصلنا إلى القرار الأخير… الذي لا يمكن أن نعتبره قراراً مغربياً مئة في المئة نظراً إلى الظروف الحالية التي تعيشها المنطقة والمحاولات السلبية التي يبذلها كل من الكيان الصهيوني والسعودية وحلفائها لتشويه صورة إيران والضغط عليها من كل جهة». ويتابع المصدر شارحاً أنّه «يمكن أن نقارن هذه الاتهامات باتهامات تطرحها السعودية دائماً عن الدعم الصاروخي الإيراني لأنصار الله في اليمن، أو حضور عناصر من حزب الله هناك لتدريب الحوثيين، واتهامات أخرى بالتدخل في الشؤون الداخلية العربية». ولا يفوت الدبلوماسي الإيراني التذكير بأنهّ «في جانب آخر، شاهدنا في الأيام الماضية اتهامات من قبل رئيس وزراء الكيان الصهيوني، أيّدها الرئيس الأميركي، في شأن سعي إيران لامتلاك السلاح النووي، في حين أننا نقترب من موعد إعلان ترامب عن قرار الإدارة الأميركية في شأن خروجها عن الاتفاق النووي، وبالتالي إذا نظرنا بدقة إلى المعادلات السياسية الحالية في المنطقة، وإلى ما أُشيرَ عن الخطوط السعودية ـــ الإسرائيلية ـــ الأميركية، سوف نفهم أنّ القرار المغربي ليس قراراً مغربياً بحتاً، ولا يمكن غض النظر عن الضغوط الخارجية لاتخاذ هذا القرار الذي بُني على ذرائع واهية».
أمام هذا المشهد، لا بدّ من إلقاء الضوء على جانب آخر يُخشى أن يكون لهذا القرار دور فيه، وهو البُعد الأفريقي وإمكان أن يتعاون المغرب في فترة لاحقة مع الإسرائيليين للتضييق على الجالية اللبنانية في غرب أفريقيا تحت شعار «مواجهة نفوذ حزب الله»، خصوصاً أنّ المغرب في السنوات القريبة بدأت سياسته الخارجية تولي اهتماماً كبيراً جداً بـ «العمق الأفريقي»، وهي قد لا تكون بعيدة من التنسيق مع الإسرائيليين. فالتعاون المغربي الإسرائيلي، ليس تهمة، وإنّما مؤكد، وقد ثبّت ركائزه في ما مضى المستشار في القصر الملكي المغربي أندريه أزولاي، الذي لا يزال حياً وهو أحد منظّري «السياسة الأفريقية للمغرب»، فيما يلعب دوراً حالياً مستشار محمد السادس وزير الخارجية السابق الطيب الفاسي الفهري، الذي بات لقاؤه «السرّي» في نيويورك بنظيره الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، عام 2009، شهيراً. وللعلم فإنّ وزير الخارجية المغربي الحالي ناصر بوريطة، كان يعمل مديراً للفهري قبل وصوله إلى رأس وزارة الخارجية. وإذا ثبّت المغرب سياسته هذه، فليس من المستبعد أن تصبح قاعات العبور في مطارات المملكة المغربية، مكاناً أمثل لاصطياد اللبنانيين المتجهين إلى أفريقيا، أيضاً تحت شعار «مواجهة حزب الله». وعلى هذا الصعيد، فإنّ الذيل السعودي الإماراتي، ليس بالبعيد، إذ إنّه يسعى إلى الحضور في غرب أفريقيا تحت شعار «مواجهة نفوذ إيران».
في الجزائر… سخرية واستهجان
إزاء القرار المغربي، فإنّ ما يدعو إلى «السخرية»، وفق الخبير العسكري الجزائري أكرم خريف، هو «ضحالة التبريرات التي ساقها الوزير المغربي والتي لا تحتاج إلى عناء كبير لتفنيدها». وقال خريف لـ «الأخبار» (الجزائر ــ محمد العيد)، إنّ «المنظومات الصاروخية سام 11 التي تحدث عنها بوريطة لا توجد في لبنان ولا تملكها البوليساريو، وحتى الجزائر تعمل على نسخة مطورة من سام 11». وفي النقطة نفسها، يذكر خريف أن المنظومة الصاروخية التي تحدث عنها الوزير بوريطة «لا يمكن نقلها إلا عبر البحر، فكيف يمكن أن تصل إلى تندوف وهي لا تطل على البحر، وإذا كانت قد نُقلت عبر الموانئ الجزائرية، لكان ذلك معلوماً لأن حركة البواخر مفتوحة على المراقبة دولياً، وكل صفقات السلاح التي تبرمها الجزائر معروف توقيت تسليم شحناتها». واستغرب الخبير حديث الوزير المغربي عن استعانة «البوليساريو» بـ«حزب الله» اللبناني من أجل تدريب جيشها، متسائلاً: «ما هو معلوم أن الجيش الصحراوي مدرب في شكل جيد، حتى على حرب العصابات، فما الداعي لأن يطلب الدعم من حزب الله؟»، مضيفاً: «حتى لو سلمنا جدلاً أن الصحراويين قاموا بالتنسيق مع حزب الله، فالمنطق يقول إن ذلك لا يكون بالجزائر، لأن كل الأعين ستكون عليهم». واللافت وفق خريف، أنّ القرار المغربي جاء مفاجئاً إذ لم تكن هناك مؤشرات على وجود مشكلات بين البلدين في الأشهر الأخيرة، الأمر الذي «يؤكد صحة القراءات التي تحدثت عن انتهازية الرباط في ركوب الموجة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض دول الخليج لعزلة إيران قبل 12 أيار/ مايو، وهو تاريخ المهلة التي أعطاها ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني». وفي هذا الإطار، يقول أكر خريف: «الطرف المغربي لم يلتزم ولو بقليل من الحياء، وجاء موقفه بعد أقل من 24 ساعة من تدخل رئيس الوزراء الإسرائيلي بخصوص إيران».
بدوره، يوضح عدة فلاحي، وهو الباحث الجزائري المتابع للعلاقات الجزائرية الإيرانية، أنّ «المغرب وصل للأسف لدرجة أنّه بات يصنف موقف الدول على طريقة من ليس معي فهو ضدي، مثل ما هي الحال في علاقته مع إيران التي كغيرها من معظم الدول مع الشرعية الدولية وقرارات المجلس الدولي بخصوص قضية الصحراء الغربية»، فيما لم يستبعد في حديثه إلى «الأخبار» وجود «لوبي قوي يدفع لقطع العلاقات مع إيران تقوده السعودية». وحول ما أثاره الوزير المغربي حول تورط السفارة الإيرانية بالجزائر في دعم «البوليساريو»، يقول فلاحي إنّه لا يمكن للجزائر أن تغامر في هذا السيناريو، وهي ليست في حاجة إليه، مضيفاً: «تبقى علاقة الجزائر بالمغرب أهم من إيران بحكم الجوار، وصاحب القرار بالجزائر قد كرر مرات عدة بأنه مكتوب علينا التعايش مع المغرب لأنه لا يمكن أحد البلدين أن يرحل، لكن المشكلة في اللوبيات المنتفعة من الصدام و المواجهة».
الاخبار اللبنانية