السيمر / الجمعة 01 . 06 . 2018
معمر حبار / الجزائر
حين بعث سيّدنا سليمان عليه السّلام “الهدهد” رسولا مكلّفا بحمل رسالته، نصحه باتّباع خطوات قائده، قائلا: “اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون” 27. ما يعني أنّ سيّدنا سليمان عليه السّلام لم يكن يريد ردّا دبلوماسيا لا يفي بالغرض المطلوب، بل يريد نقل صورة واقعية مبنية على مشاهدة بلقيس وقادتها كيف يتصرّفون مع تهديده بشكل مباشر دون دبلوماسية.
1. واضح أنّ رسوله “الهدهد” كان صادقا في النقل وأمينا في الوصف، فنقل أدقّ التفاصيل التي ميّزت بلقيس حين استقبلت رسالة التهديد والتي تعبّر بحقّ عن حقيقتها وحقيقة قوّتها، ولذلك رفض الهدية ورفع من سقف التهديد بالتعبير المعاصر حين سلبها عرشها العظيم من بين يديها دون حول منها ولا قوّة لأنّه أدرك حدود قوّتها، ما يدل على أنّ معرفة الخصم تعتمد على الصورة المباشرة والنقل المباشر للعواطف التي لا يمكن التحكّم فيها في اللّحظة الحاسمة الحرجة، وليس العمل الدبلوماسي الذي يغطي الغضب ويخفي الضعف ويؤجّل المكر والخديعة.
2. الرسالة التي وجّهها سليمان عليه السّلام لبلقيس تضمنت تهديدا سياسيا وعسكريا: “ألا تعلوا علي واتوني مسلمين”30، أي طائعين خاضعين لي، ولم يطلب منها أن تعبد الله ولم يهددها بالتدخل العسكري إن لم تعبد الله، رغم أنّ رسوله “الهدهد” وهو الصادق قال له وقد رآها رأي العين: “وجدتها وقومها يسجدون للشّمس من دون الله” 23، ما يدل على أنّ الحاكم والقاضي لا بدّ أن يتأكد من الأمر ولا يطلق الأحكام ولو كان مستشاره صادقا مخلصا.
3. ما يلفت النظر أنّ المشهد بين سيّدنا سليمان عليه السّلام وبلقيس كان عظيما، لأنّ الملكة بلقيس استخدمت الهدية لمعرفة نوايا الملك الذي تتعامل معه وهو سيّدنا سليمان عليه السّلام، لأنّها لم تستطع مقاومته ولم تجد بدا لمعرفة أسرار قوته غير الهدية، وفي المقابل ملك قوي وهو سيّدنا سليمان عليه السّلام لا يمكن شراءه بهدية ولوكانت عظيمة في نظر من أرسلها وبعثها مع سفرائه.
4. تكمن عظمة بلقيس عليها السّلام في كونها حين تلقّت تهديد سيّدنا سليمان عليه السّلام: “ألا تعالوا علي واتوني مسلمين”30، تعاملت معه بجدّ وصرامة، ولم تتجاهله ولم تتهور مع قوّة لا تعرفها ولا تعرف أسرارها، فاستشارت قادتها وهي الحكيمة، وأرسلت الهدية وهي الداهية، فحافظت على قوّتها أمام أعين مجتمعها وقادتها، ولم تخض حربا محسومة مسبّقا لسيّدنا سليمان عليه السّلام، ولم تهلك قومها، وظلّت الحكيمة ذات النظرة الثّاقبة والبعيدة الأمد.
5. حين وصلت هدية بلقيس عليها السّلام لسيّدنا سليمان عليه السّلام تعامل معها على أنّها رشوة ورفضها قائلا: “أتمدونني بما ءاتاني الله خير مما ءاتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون” 36. ما يدل على أنّ من حقّ الحاكم وأيّ مسؤول أن يتعامل مع الهدية على أنّها رشوة لشراء الذمم والمواقف ولو لم تكن كذلك فكيف بها لو كانت كذلك، وشرّ ما ابتليت به الأمّة حين تحوّلت الرشوة إلى هدية تشترى بها المواقف والرجال.