السيمر / الاثنين 10 . 09 . 2018 — قد يكون أكبر مسؤولي تنظيم داعش الإرهابي ممّن ألقت القبض عليهم القوات الأمنية العراقية، وهو حتما من أهم قيادات التنظيم الإرهابي، فرغم أن الرجل ينتمي للهيئة الأعلى في جسم التنظيم والتي تسمى “مجلس المفوضة” لكن أهميته تكمن أنه أحد الذين يشكلون فكر التنظيم والقائمين على إيديولوجيته ليس تنظيرا فحسب بل عمليا عن طريق المهام والأعمال التي قام بها داخل التنظيم الإرهابي.
يكنى داخل التنظيم “أبو زيد العراقي” هو إسماعيل علوان سلمان العيثاوي أو دكتور إسماعيل، في السابعة والأربعين من العمر؛ يحمل شهادة الدكتوراه في العلوم الإسلامية من الجامعة التي كانت تسمى قبل العام 2003 بجامعة صدام للعلوم الإسلامية، والتي عمل فيها لسنوات طوال كتدريسي؛ استطعنا أن نحصل على موافقة قاضي التحقيق المختص بقضايا الإرهاب في استئناف بغداد الكرخ لحضور التحقيق معه والإطلاع على إفادته والإنفراد بحوار معه.
حضرنا عند قاضي التحقيق قبل وصول “العيثاوي” للإطلاع على إفادته قبل إجراء الحوار معه وبعدها أدخله أفراد من القوات الأمنية على غرفة القاضي بعد أن استأذنوه، كان قصير القامة نحيف الجسد؛ وعندما أكمل قاضي التحقيق أعماله وأتاح لنا محاورته اكتشفنا أنه لا يتحدث إلا باللغة الفصيحة على طريقة البيانات التي يذيعها التنظيم.
قال إسماعيل العيثاوي “بدأت علاقتي بالجماعات المسلحة عقب سقوط النظام السابق في العام 2003 عندما تشكلت هذه الجماعات بمنطقتي البو عيثة وعرب جبور والتي جمعها “الدكتور فتحي الجبوري” وكانت تسمى “كتيبة فتحي الجبوري” وتضم عدة مجاميع صغيرة بعد أن كان كل منها يعمل لوحده”.
وعن دوره في كتيبة الجبوري، أوضح العيثاوي “كان عملي في هذه المجاميع هو التوجيه الشرعي والفتاوى التي تساعد وتحرض على مقاتلة القوات الأمنية العراقية والقوات الأميركية، وكنت في الوقت ذاته إمام جامع الغفران الذي شيده أحد أقربائي وكنت ألقي خطبة الجمعة والجماعة فيه والتي كانت تتركز على الأغلب في دعوة الأهالي إلى الانضمام إلى المجاميع المسلحة”
وأضاف “لم تبق كتيبة الجبوري لوحدها في منطقتي عرب جبور والبو عيثة بل ظهرت مجاميع أخرى واتسعت هذه المجاميع بمناطق جنوب العاصمة ورغم محاولات فتحي الجبوري ضمها لكتيبته إلا أن عددا كبيرا منها رفض ذلك وتسببت الخلافات بينهم إلى الصدامات المسلحة وصار أمر الجماعات مكشوفا بشكل غير مسبوق مما تسبب باستهدافها وبضربة جوية قتل فيها عدد كبير من أفراد الكتيبة بمن فيهم زعيمها الجبوري”.
و أكمل العيثاوي “عقب مقتل الجبوري تولى أبو جراح العراقي زعامة الكتيبة ونصبني (شرعي الكتيبة) وأستطاع أبو جراح تشكيل عدة مفارز تقوم بعمليات مسلحة ضد القوات الامنية العراقية في اغلب مناطق جنوب العاصمة وكان المسؤول عن هذه المفارز ابو محمد الجنوبي”.
وأوضح “مطلع العام 2006 وبدخول أفراد من جنسيات مختلفة للمناطق التي كنا نعمل فيها وبعد عدة اجتماعات اتفقت المجاميع بمختلف أسمائها تحت عنوان واحد وهو “تنظيم القاعدة” وبعدها تنظيم دولة العراق الإسلامية الذي ارتبط بتنظيم واسع وصار العمل اكثر تنظيما عبر تشكيل مفارز لا ترتبط كل منها بالأخرى إلا أنها تتلقى أوامرها من جهات واحدة رغم عدم معرفة كل مفرزة بمن هو أعلى ممن تتصل به مباشرة فقط”.
وبعد ذلك –يوضح العيثاوي- تم تشكيل الولايات والكتائب والقواطع ؛ حيث تم تقسيم كل مدينة الى ولايات عدة تتحرك فيها كتيبة تتكون من قواطع محددة ويتكون كل قاطع من عدة مفارز، ولا تقتصر المفارز على الاعمال المسلحة فقط بل هنالك مفارز تختص بالدعم والاعمال المساندة بأشكالها المختلفة.
يكمل العيثاوي “لم أكن أشترك شخصيا بالعمليات العسكرية بل كان دوري يقتصر على حث الشباب للانضمام للتنظيم وتقديم الرؤى الشرعية بما يتعلق بأعمال ولاية جنوب بغداد وكل ما يرتبط بتهجير العائلات من هذه الاحياء والسيطرة على مباني تابعة للدولة وتحويلها إلى مضافات ومعسكرات والتنسيق مع الولايات الاخرى للحصول على الاسلحة واستقبال المقاتلين من المحافظات الأخرى”.
ويسترسل العيثاوي “في العام 2008 صدر أمر بنقلي إلى ولاية صلاح الدين، وعندما انتقلت إلى داخل العاصمة بغداد وتحديدا بمنطقة المنصور من أجل الذهاب لصلاح الدين داهمت قوات أميركية البيت الذي كان أحد المضافات التابعة للتنظيم واعتقلتني وأتضح بعد ذلك أن القوات الأميركية كانت تتبع تحركاتي”.
وأكمل “قضيت خمس سنوات في السجن، وبمنتصف العام 2013 أفرج عني، وفور خروجي من السجن انتقلت إلى محافظة نينوى وهناك اتصلت بـ”أبي تراب” وهو أحد القيادات المتقدمة في التنظيم وانتقلت الى محافظة الانبار ومنها إلى سوريا التي كان التنظيم يسيطر في ذاك الوقت على أجزاء كبيرة منها إلى أن وصلت إلى مدينة الرقة”.
في الرقة، يقول العيثاوي “التقيت بالمسؤول الاداري لولاياتها (أبو حمزة رياضيات) وكان لا يعرفني ولم أجد من يعرفني فاضطررت لتعريفه بنفسي وبدوري السابق في التنظيم إلا أنه لم يقدر ذلك وطالبني بإعلان البيعة لزعيم التنظيم ابو بكر البغدادي، وهذا ما فعلته”.
كلفت في الرقة بالعمل في احد المضافات بإلقاء التعاليم الدينية إلى أن جاء في أحد الايام عدد كبير من مقاتلي وقيادات التنظيم الى الرقة وكانت أعدادهم تتجاوز الخمسمائة ولم اكن أعرف سبب التجمع حتى رأيت موكبا كبيرا من السيارات دخل المدينة وكان يقل ابو بكر البغدادي الذي اعتلى الجمع وصار يخاطبهم وتركزت كلمته على ضرورة الصمود وعدم التفريط بالمدن التي سيطر عليها التنظيم بأي ثمن”.
في الوقت هذا -يكشف العيثاوي ـــ بحثت عمن يوصلني للبغدادي ولم أحظ إلا بلقاء “ابو خالد السوري” وهو مسؤول العلاقات العشائرية في التنظيم وبعد التواصل معه عينت مسؤول مكتب العلاقات العشائرية بمنطقة ” الشدادي السورية ” وهو عمل يتعلق بتنسيق العلاقة بين التنظيم وبين العشائر التي كان التنظيم يوليها أهمية كبيرة”.
استطعت عن طريق تواصلي مع بعض قيادات التنظيم أن أحظى باهتمامهم بعد أن عرفوا قدرتي العلمية فنقلت للتدريس بمعهد ” مالك بن أنس ” وهو مركز دراسي أسسه التنظيم لإلقاء المحاضرات للنخبة من قياداته وعن طريقه ذاع صيتي داخل التنظيم فنقلت إلى أن أكون أحد أعضاء اللجنة التي أسسها ابو بكر البغدادي لكتابة المناهج الدراسية في المدن التي يسيطر عليها التنظيم”.
ويوضح العيثاوي أن “عملي في هذه اللجنة أتاح لي لقاء البغدادي لاكثر من مرة حيث كان يجتمع بنا للاطلاع على كتابة المناهج وعلى أثر هذا عينت احد أعضاء اللجنة “المفوضة” وهي أعلى تشكيل في التنظيم وتتكون من أفراد عدة يرتبطون بزعيم التنظيم مباشرة”.
لم يكن عملي في “اللجنة المفوضة” يقتصر على كتابة المناهج الدراسية فحسب بل كنت أمد التنظيم ببحوث تتعلق بالفكر العقائدي له، وهذا العمل تسبب لي بمشكلات مختلفة مع أكثر من جماعة داخل التنظيم كانت لا تتفق مع الافكار التي أطرحها ومنهم من كان يعدني ضالا ولست على فكر التنظيم الأصيل”.
وعن سبب الخلاف الحاصل بينه وبين الاخرين أجاب العيثاوي “اكتشفت عندما أصبحت ضمن اللجنة المفوضة أن التنظيم يفتقر إلى فكر منظم وواضح وكان كل من قياداته يتبنى توجها مغايرا عن الآخر فعملت على طرح تصورات محددة من أجل الاتفاق عليها بعد عرضها على زعيم التنظيم”.
وأضاف أن “زعيم التنظيم ذاته لم يكن يملك من القدرة العلمية التي تتيح له تصنيف الافكار والحكم على أيها أصوب وهذا ما شكل تحديا لي شخصيا تسبب لي بالكثير من المشاكل بعد أن وشى بي مجموعة من المقربين بالبغدادي ومنها أن المناهج الدراسية التي شاركت بكتابتها لم تكن على منهج التنظيم وكانت ذات مسحة أكاديمية بسبب دراساتي الخاصة والبعيدة عن الفكر الديني للتنظيم مما تسبب برفض البغدادي لكل المناهج التي قمنا بكتابتها رغم أننا استغرقنا أشهراً في إعدادها”.
أكبر الخلافات التي أطاحت بي ـــ يكشف العيثاوي ـــ تتلخص بنقاش دار بحضور البغدادي عن مقترح طرح وكنت من الموافقين عليه ويتضمن أخراج العائلات من المناطق التي تدور فيها المعارك كي لا يتعرضون للخطر مما يساهم بغضب الناس على التنظيم لعدم الاعتناء بأمنهم، ورغم قناعة البغدادي بهذا المقترح في البدء إلا أن مقربين منه وفي الجلسة ذاتها أخبروه أن هذا مقترح “خونة” فعندما تخرج العائلات سيبقى مقاتلو التنظيم صيدا يسيرا للقوات مما قلب رأيه وأمر بسجن كل من وافق على هذا المقترح وكنت أنا منهم”.
عرفت بعد ذلك أن البغدادي يشعر بخيبة أمل ممن حوله خاصة بعد أن هرب مسؤول ديوان الزكاة بعد سرقته كل ما لديه من أموال والبالغة “350000” الاف دولار اميركي، وكان في هذه الجلسة قد طلب من المقربين منه أن يتولوا إدارة التنظيم بسبب تردي حالته الصحية .
و في جوابه عن رأيه بأبي بكر البغدادي ذكر ــ العيثاوي ــ “لم يكن البغدادي مؤهلا لزعامة التنظيم أو للقيام بدور ” الخليفة” وأما وصوله لهذا الموقع جاء بالصدفة التي استثمرها فبعد مقتل زعيم التنظيم السابق ” أبو عمر البغدادي ” الذي كان ابو بكر البغدادي قريبا منه أتاح له اقتناص الموقع الاول في التنظيم بهذا الطريقة وليس عبر كفاءته ومؤهلاته.
ويكمل “قضيت عدة أشهر في السجن التابع للتنظيم وبسبب اضطراب أوضاع التنظيم بسبب خسارته لأغلب المدن التي يسيطر عليها في سوريا والعراق فتح السجن وأفرج عن جميع من فيه ولشعوري بعدم جدوى العودة له نجحت للخروج من سوريا باتجاه تركيا وهناك تم إلقاء القبض علي بسبب عدم امتلاكي أوراقا رسمية وتم تسفيري إلى العراق وبمجرد وصولي لمطار بغداد ألقت القوات الامنية العراقية القبض علي.
من جانبه أكد قاضي التحقيق المختص بقضايا الارهاب باستئناف بغداد الكرخ أن إسماعيل العيثاوي ما زال يخضع للتحقيقات وسينقل بعد ذلك الى المحكمة المختصة لينال جزاءه العادل وفق القوانين العراقية.
الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / إرهابي عراقي من اكاديميي جامعة صدام يتحول لداعية محرض بماذا كلفه البغدادي؟