الرئيسية / مقالات / الأردن : يحيا الفساد وتسقط الدولة ويجوع الأردنيون

الأردن : يحيا الفساد وتسقط الدولة ويجوع الأردنيون

السيمر / الأربعاء 26 . 09 . 2018

د. لبيب قمحاوي / الأردن

هذه الورقة لا تَـدَّعي الكمال في الطرح ، ولكنها محاولة جدِّية للتقدم إلى الشعب الأردني بأفكار ومشروع للإصلاح والنهوض الوطني .

يسير الأردن بخطى واثقة نحو الهاوية نتيجة لسياسات وممارسات خارجة عن إرادة شَعْبِهِ وتعكس رغبة أكيدة لدى القلة الحاكمة في الإصرار على استمرار نهج الفساد الكبير مهما كانت النتائج .
الوضع الذي يمر به الأردن الآن لم يكن نتيجة خيار جماهيري أردني أو لظروف قاهرة ، بل كان نتيجة طبيعية لمسار اقتصادي متهور وفساد كبير تجاوز امكانات الأردن ودفع بالأوضاع المالية والإقتصادية إلى الحضيض وإلى الحد الذي رهن مصير الأردن للأجنبي ، وجعل من التبعية الاقتصادية والسياسية والمالية أمراً لا مفر منه بعد أن قامت حكوماته المختلفة بالانصياع للقرارات والسياسات والرغبات التي أدت بالنتيجة إلى رهن مقدرات الأردن ومستقبل أجياله لإرضاء الفساد الكبير ومحافظة القِلـَّةِ من المسؤولين الفاسدين أو الضعفاء على مراكزهم . أغلبية الأردنيين يدفعون الآن ثمن رغبة القلة في البقاء في الحكم بأي ثمن ، وتلك القلة تدفع ثمن رغبة قلة القلة في سرقة موارد البلد نهاراً جهاراً وعلى رؤوس الأشهاد دون توفر النية أو القدرة على منع ذلك خوفاً من خسارتها للمنصب والنفوذ .
هذا الفساد لم يقتصر على الحكومات فقط بل عكس نفسه أيضاً على مؤسسات الدولة المختلفة حتى أكثرها حساسية لأمن البلد واستقراره ، لتصبح بعض تلك المؤسسات جزأً من الفساد عوضاً عن استمرارها جداراً أمام الفساد وحامية لمصالح البلد . الخراب الذي أصاب بعض مؤسسات الدولة أمر رهيب يتجاوز حدود المعقول والمنطق . وقد تم ذلك بهدف تسهيل مهمة الفساد الكبير . وحتى جهاز المخابرات العامة مثلاً والذي كان مشهوداً له بالكفاءة والنزاهة تم اعتقال أو سجن عدد من مدرائه العامين بتهم الفساد كما تم الزج به كجهاز في بعض قضايا الفساد وكل ذلك لحماية مسار ومصالح الفساد الكبير وهذا أمر لا يجب السماح به لأنه سيؤدي في النهاية إلى تقويض اركان الدولة .
الفساد الكبير أصبح طبقة متنفذة لا حدود لجشعها ، في حين أن الفساد الصغير هو ظاهرة طارئة نتيجة لإستنزاف الفساد الكبير لموارد الدولة وتحويله الطبقة المتوسطة إلى طبقة فقيرة غير قادرة على تلبية مطالب الحياة بكرامة . وبقاء هذا الفساد الصغير مرتبط أساساً ببقاء الفساد الكبير ، ومن هنا أهمية البدء بالقضاء على هذا الفساد الكبير ووقفِهِ .
إن المستوى الضعيف والافتقار إلى الخبرة هو أمر ملحوظ بالنسبة للعديد من رؤساء الوزراء ومسؤولي الصف الأول خصوصاً أولئك الذين تم تعيينهم في العقدين الأخرين ويعتبرون مسؤولين بشكل أساسي عن تفاقم الأمور إلى الحد الذي وصلت إليه.
إن ذلك النمط من المسؤولين يجب أن يذهب برمته دون عودة ودون أي احتمال للعودة كونهم المسؤولين سواء مباشرة أو بطريقة غير مباشرة على وصول البلد إلى ما وصلت إليه من انهيار وإفلاس ودمار وفساد أَكَلَ الأخضر واليابس لصالح قلة قليلة . فاقد الشئ لا يعطيه وَمَنْ أوصلنا إلى ما وصلنا إليه من خراب ودمار وإفلاس لا يستطيع أن يُخْرجنا منه ، وجل ما يفعلونه هو شراء الوقت وتخدير المواطنين بالوعود والأوهام أو بالتهديد والوعيد .
لا توجد ، كما هو واضح ، نيه لدى الفساد الكبير للتوقف عن التعدي على المال العام ، وفي الوقت نفسه لا يوجد علاج حقيقي لمشاكل الأردن الاقتصادية والمالية إلا إذا تَوَقَّفَ ذلك الفساد . الأردن والأردنيون الآن أمام مفترق طرق خطير بل خطير جداً . مساران متعارضان قد يؤدي استمرارهما إلى كارثة فيما لو تمكن أحد هذين المسارين من إفتراس المسار الآخر .
تشخيص الماضي والحاضر هام ولكنه لم يعد كافياً كون الرؤيا الشعبية لأسبابه ومسبباته تكاد تكون متطابقة . المطلوب الآن النظر إلى الأمام وإلى ما يتوجب فعله للخروج من هذه الأزمة وإخراج الشعب والوطن منها ومن تبعاتها . النهج السائد والوجوه القديمة لم تعد تنفع ، كونها المسؤولة عن ما وصلنا إليه سواء من خلال ضعف المسؤولين أو من خلال تواطئهم مع مسببات الفساد والانهيار العام في الدولة .
وفي هذا السياق ، وفي وجود وعي جماهيري عامٍ ومتقارب لتشخيص المشكلة التي يجابهها الأردن الآن ، يصبح الانجاز الحقيقي هو في التقدم بخطة للخروج من هذا المسار المأزق . وفيما يلي بعض الأفكار التي قد تشكل في مجموعها جزأً من الرؤيا الجديدة لكيفية الحل .

الضوابط العامة :-
حتى تنسجم الأمور وتقع في موقعها الصحيح بإتجاه التغيير وخطة العمل المقترحة فإن هنالك مجموعة من الضوابط التي يجب مراعاتها في الفترة الإنتقالية القادمة كونها تشكل مدخلاً للحد من للفساد الكبير أو وقفه وكذلك وقف التجاوز على الولاية الدستورية . وهذه الضوابط هي :-
1- إعتبار الديوان الملكي وكما كان في الأصل جهازاً ادارياً ، ومنصب رئيس الديوان يجب أن يبقى بالتالي ادارياً لا علاقة له بالسياسة . ولا يحق للديوان الملكي أو أي من موظفيه الذين يجب أن لا يتجاوز عددهم الخمسون ، التدخل مباشرة أو غير مباشرة في عمل الأجهزة السياسية أو الاقتصادية للدولة أو مسؤوليها ، ويكون رئيس الديوان مسؤولاً أمام الملك مباشرة ويكون نشاطه محصوراً بالأمور التي تتعلق بالعائلة المالكة وبالديوان الملكي ، وتكون ميزانية الديوان معلنة ومحددة بقرار مجلس الوزراء وموافقة مجلس النواب العلنية .
2- طبقاً لدستور عام 1952 الملك هو الشخص الوحيد المخول برئاسة الدولة وسلطاتها الثلاثة ، وبخلاف ذلك لا يجوز لأي فرد من أفراد العائلة المالكة التدخل في الأمور السياسية أو الإقتصادية أو في إدارة شؤون الدولة .
3- من المطلوب الاقتداء بالسُّنّةِ الحميدة التي مارسها الملك حسين الأول بإبعاد أفراد العائلة المالكة عن ممارسة الأعمال التجارية ، خصوصاً تلك المرتبطة بالـدولة أو بالمشاريـع العامة ، وذلك درءاً للشبهات ومنعاً للإشاعات والأقاويل .
4- تعزيز كفاءة واستقلالية الجهاز القضائي للدولة من خلال :-
أ- تحصين القضاء وهيئات مكافحة الفساد من التهديد بالنقل أوالطرد أوالاحاله على التقاعد أو أي إجراء آخر قد يشكل ضاغطاً على استقلالية ذلك الجهاز .
ب- أن يتم انتخاب رئيس المجلس القضائي من قبل الهيئات القضائية دون أي تدخل من أحد آخر مهما كان وهو محصن من النقل أو الطرد أو الإحالة إلى التقاعد إلا إذا قرر هو ذلك بنفسه .
5- منع مؤسسة الضمان الاجتماعي من إقراض الأموال لأي جهة كانت ، بما في ذلك الحكومة ، ومَنْع الحكومة من التدخل في كيفية ادارة الضمان لأمواله واخضاع الضمان لاشراف مجلس إدارة مستقل يتم تشكيله بشكل يراعي الخبرة والنزاهة التامة والاستقلالية وعدم تعارض المصالح ، ولا يُسمح لأي عضو في مجلس الإدارة بشغل أي منصب حكومي أو رسمي .

خطة العمل المقترحة :-
أولاً : العمل الجاد بإتجاه الضغط لوقف الفساد الكبير بأي طريقة ممكنه ومنها تَـبَنـِّي سياسة الشفافية الكاملة أولاً بأول . وهذا يتطلب نشر أرقام الميزانية كاملة وبالتفصيل من واردات ومصروفات حتى يتمكن المواطن من معرفة كل فلس داخل وكل فلس خارج ، بما في ذلك أية مساعدات أو هبات أو قروض ترد من الخارج ، مع تطبيق أحكام الدستور فيما يتعلق بفرض الضرائب والاقتراض والانفاق ، ومحاكمة وسجن المسؤولين عن انفاق ما يزيد عن مليار ونصف دينار من الأموال تحت مُسَمَّى “التزامات سابقة” ودون الموافقة الدستورية ومعرفة أين وكيف ولماذا صُرِفَ هذا المبلغ الهائل ومن هو المستفيد .
ثانياً : تشكيل حكومة وحدة وطنية إنتقالية برئاسة شخصية قوية مشهود لها بالنزاهة وقوة الشكيمة تعمل أولاً على استعادة الولاية العامة الدستورية حسب أحكام دستور 1952 ، وتطبيق مبادئ الشفافية والمحاسبة ، ووقف كافة القوانين والممارسات التي تُسَهِّل أعمال الفساد الكبير ، وإعادة تقييم الحمل الضريبي الاجمالي على المواطن ، وضغط النفقات العامة ، ووقف سفر المسؤولين لمدة عام على الأقل بإستثناء وزير الخارجية أو رئيس الوزراء وللضرورة القصوى فقط والاعتماد على السفراء بدلاً عن ذلك ، والعمل على استعادة المال العام المنهوب ، وتكريس مبدأ الفصل بين السلطات وتفعيل الحياة السياسية والنيابية في الأردن حسب الدستور .
ثالثاً : الدعوة إلى مؤتمر وطني أردني لوضع شواخص للمرحلة الانتقالية المقبلة التي ستضع أسس الدولة الأردنية الثانية (الجديدة) وتـُلـِزْم الحكومات المتعاقبة بمسار سياسي واقتصادي وأخلاقي يؤكد ثوابت الدولة الأردنية ورِفـْعتِها وترفُّعِها عما آلت اليه من فساد أو من خدمة للفساد الكبير وانهيار منظومة القِيَمْ الأردنية .
رابعاً : المحافظة على النظام الملكي بإعتباره نظام “نيابي ملكي وراثي” كما ينص عليه دستور عام 1952 ، وإعتبار الملكية الدستورية هي الترجمة الحقيقية والوحيدة لمفهوم ذلك النظام “النيابي الملكي الوراثي” .
الأمل أن تشكل هذه الخطة والضوابط العامة المرافقة لها شواخص أو برنامج عمل لأي تحرك شعبي أو رسمي سلمي وجدي للإصلاح وتغيير النهج السائد للدولة والعودة به إلى الأصول التي وضعها الآباء المؤسسين إبتداء من المؤتمر الوطني الأردني الأول عام 1928 وحتى إتمام صياغة دستور عام 1952 .

* مفكر عربي
2018 / 09 / 26

اترك تعليقاً