السيمر / الجمعة 19 . 10 . 2018
باقر العراقي
بينما يعاني أولياء الأمور من البحث الدؤوب عن الك تب المدرسية، في بداية العام الدراسي الجديد، لم يخطر ببال أحد أن يرى محرقة إحدى المدارس مملوءة بالكتب الجديدة، وغير المستخدمة، فطبعتها الحديثة لم تشفع لها في تغيير وجهتها من المطبعة الى المحرقة!
انتشر فيديو قبل عامين تقريبا في محافظة البصرة، يظهر اكداسا كبيرة من الكتب الحديثة، تملأ مساحة واسعة من الخلاء، تبين فيما بعد انها طبعات قديمة، وقد يخطر ببالكم، انتماؤها لطبعات النظام السابق، لكن الحقيقة أنها طبعت في العام السابق!
السؤال الساذج قد يأتي من ولي أمر طالب بسيط، لماذا هذا الكم الهائل من هذه الكتب التالفة؟ ولماذا هناك أزمة كتب في بداية كل عام دراسي؟
جدول تصويبات يصدر سويا بعد الطبع وتوزيع الكتب بفترة قصيرة، والنتيجة هناك أخطاء في جدول التصويبات، مرة لم تجد اي من تلك هذه الاخطاء، ومرة اخرى تجدها خطأ يصلح خطأ، والسبب كثرة الأخطاء في الكتب المنهجية، بحيث “تاهت” على المصححين.
هذه الأخطاء تكاد تكون معدومة سابقا، ففي أحد الأيام الجميلة من زمن دولة “الديكتاتور” البغيضة، أتذكر أن معلمي للصف الأول الابتدائي الأستاذ على سلمان زبيري “حفظه الله”، كان مشغولا جدا مع بقبة المعلمين، ومنهم الأستاذ عبد الحسين “من اهل الحلة”، وأخذت مناقشاته من درسنا وقتا طويلا، ونحن متحمسون نرقب النتيجة، كان موضوعهم كيف تقرأ كلمة “دب”!
ذلك الموقف ووجوه المعلمين المنشغلة بتصحيح الخطأ، لم ينس أبدا، خاصة إذا امتزجت معه رائحة البردي والقصب والسقوف المستوية من الداخل، المسقولة من الخارج لصفوف مدرستنا “مدرسة الثقة الابتدائية”، والممسوكة معا بأعمدة حديدية خضراء، تحاكي الطبيعة الريفية الجميلة.
تلك الذكريات اللذيذة سقطت اليوم في وادي فساد الديمقراطية، فحينما نرى في عام 2018 مدارس طينية متهالكة صفوفها محدودبة، كأنها ظهر حمار كبير السن أنهكته الأثقال، تهون علينا مصيبة المنهج.
سألت احد الأساتذة عن موضوع المناهج فقال: لا تدمي قلبي، فالأخطاء كثيرة جدا بعدد الكتب التي تطبع سنويا، والتغيير فيها لا يعدو كونه تقديم وتأخير في أغلب الأحيان، فلا قوانين علمية جديدة أكتشف، ولا نظريات حديثة وضعت، والتغيير في المنهج لغرض تغيير الغلاف والطباعة المستمرة، فقط هناك حجة بأننا ضمن قوانين منظمة “اليونسكو” التي تتطلب التغيير المستمر، وأولادنا في نهاية المطاف هم الضحية، ومصير بلدنا المزيد من التخلف عن ركب الأمم.
التعليم إزداد سوءا بعد أن صار الطالب يبحث عن كتاب المنهج في المكتبات الأهلية، فيجده بكل سهولة لكن بمبلغ كبير، بينما في مدرسته لا يوجد إلا الطبعات القديمة، فهل هذا الأمر جاء بمحض الصدفة أم أن هناك مافيات رتبت الأحداث وبهذه الطريقة؟ بحيث تتأخر الكتب عن المدارس او تختفي او لا تأتي اساسا، ثم يجدها الطالب بكثره في المكتبات والمدارس الاهلية، ولماذ يمر هذا الامر بكل يسر وسهولة أمام أنظار الحكومة والبرلمان والنزاهة والمدعي العام؟
يبدو أن عملية حرق الكتب الجديدة ومليارات الدنانير ستستمر، وهي لا تخلو من عملية غسيل مالي، فالاموال تحرق من خزينة الدولة لتصب في الجيوب، والطبعات تتجدد سنويا لغرض التغيير، ومع الطبع والحرق ستستمر الأخطاء، أما اولياء الامور وابنائهم فمالهم الا الدعاء بالويل والثبور على ذلك الفاعل المستور.