الرئيسية / ثقافة وادب / الوحام عند بعض علماء الإسلام

الوحام عند بعض علماء الإسلام

السيمر / فيينا / الجمعة 28 . 06 . 2019

د . صالح الطائي

أغرم أجدادنا بالخيال إلى درجة الخبال، ولم يتركوا أمرا إلا ودسوا أنوفهم فيه، فشموا مرة طيبا وحسنا، وشموا مرة نفخة كير وحشرجة وصرير. ومن خيال أجدادنا الجامح حديثهم عن وحم المرأة، ومنه حديث محي الدين بن العربي في كتابه “الخيال عالم البرزخ والمثال” الذي تفضل على الأمة المسلمة محمود محمود غراب بجمعه ونشره بواسطة دار الكتاب العربي، ليظهر في الطبعة الثانية سنة 1414هـ ـ 1993م.

والوحم أو الوحام ظاهرة تؤثر في بعض النساء أثناء الحمل، من اللواتي تظهر لديهن رغبة مُلحّة لتناول نوع معين من الطعام، ويرى العلماء أنه لا يوجد هنالك سبب محدد لهذا الشعور إذ يعزيه بعض العلماء إلى فقدان ذلك النوع من الطعام من نظام المرأة الحامل الغذائي أو حاجة جسمها إلى زيادة كمية أنواع معينة من الفيتامينات والأملاح. ويرى البعض أن الوحم مرتبط بهرمونات الحمل، الذي يتضاعف كل بضعة أيام خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل ليصل ذروته خلال الأسبوع الحادي عشر من الحمل، وقد يتسبب ارتفاع مستويات هرمون الحمل هذا بحدوث بعض ردود الأفعال لدى الحامل كالغثيان واشتهاء بعض الأطعمة، ولا علاقة له البتة بنوع وجنس الجنين وما يطرأ عليه من ظواهر وعلامات.

ولكن خيال أجدادنا الجامح لم يقف عند الصور التي كانت المرأة تعاني منها أثناء الأشهر الأولى من حملها، فرسم له صورا أخرى في غاية الغرابة من خلال ربطه بالخيال؛ الذي مارسوه طوال حياتهم وأورثهم التأخر والتشتت، إذ ادعى أجدادنا أن الخيال وإن كان من الطبيعة، فإن له سلطانا عظيما على الطبيعة، بما أيده الله به من القوة الإلهية. وإذا أردت تأنيسا لذلك، فانظر في علم الطبيعة إذا توحمت المرأة وهي حامل على شيء، خرج الولد يشبه ذلك الشيء، فإن الشهوة إرادة طبيعية مقيدة عن تخيل صوري، وإذا نظرت المرأة عند الجماع، أو تخيل الرجل صورة عند الوقاع وإنزال الماء، يكون الولد على خلق صورة ما تخيل [[الخيال عالم البرزخ والخيال، ص47ـ48]]] بمعنى أن المرأة حسب زعمهم، إذا تخيلت عنترة بن شداد عند الجماع لابد وأن يخرج ولدها شبيها لعنترة بالتمام والكمال، وإذا تخيل الرجل هيفاء وهبي أو أليسا عند الوقاع، ورسم صورة إحداهما في خيالة عند الجماع، لابد وأن يأتي الوليد، سواء كان ذكرا أم أنثى، على هيئتهن وجمالهن الأخاذ حتى ولو كان الأب غرابا والأم خنفساء!.

والمدهش في الأمر أن حكماء الأمة أنفسهم كانوا يأمرون بتصوير صور الفضلاء من أكابر الحكماء والعلماء في الأماكن، بحيث يتاح للمرأة أن تنظر إلى تلك الصور عند الجماع والرجل، فتنطبع في الخيال، فتؤثر في الطبيعة، فتخرج تلك القوة التي كانت عليها تلك الصورة في الولد؛ الذي يكون من ذلك الماء[[[المصدر نفسه، ص48]]] ولا أدري لماذا حرموا البنت من هذا الأمر فخصوا الولدان به وحرموا النسوان!.

لكن حتى مع هذا التحيز بالمجان كان عدد المواليد الأغبياء والمتخلفين والرقعاء في مجتمعاتنا بالرغم من كثرة التخيل والتصور والصور أضعاف مضاعفة لعدد الحكماء والعقلاء، الذين كانوا أعز من لبن العصفور، ومن الغراب الأبيض على جبل طور. وحتى الحكماء الذين رُزقنا بهم وفق حصتنا البنيوية والقدرة الربانية، ما كانوا حقا حكماء، ولذا أورثونا التنبلة والتيه والخيلاء والغباء بسبب آرائهم الرعناء!

هؤلاء الحكماء أنفسهم وبسبب طيشهم وجهلهم وخبثهم، وربما جنسيتهم وشبقهم، ورغبتهم في حرف عقول النساء لتعشقنهم، خالفوا الأحكام الفقهية، وباعوا القضية، فقالوا في الدنية: إذا أراد الإنسان أن ينجب ولده، فليُقِمْ في نفسه عند اجتماعه مع امرأته، صورة من شاء من الحكماء، ومن أكابر العلماء، هذا لمن هو من الطبقة الوسطى الذي يأتي أهله يتمطى. لكن هذا؛ ومن هو أكثر منه غنى ومالا إن أراد أن يحكم أمر ذلك، ولا يُخطئ أو يُؤجل، وأراد أن تُلقح مهرته من الفعل الأول فعليه أن يصور صورة الحكيم فعلا بريشة رسام أثول، وأن يجعلها أجمل من واقعها وأجمل، وأن يذكر لامرأته حسن ما كانت عليه تلك الصورة وصاحبها. وإذا صورها المصور، فليُحَسِن وليُجَمِل ولا ينقل ما يرى من أكال وجوه الشياطين الممرغة بالطين، وعليه شرعا أن يصورها على صورة حُسن علم العالم وأخلاقه لا شكل هيئته [[المصدر نفسه، ص48]]] وهذا مخالف للأحكام الفقهية؛ التي ذهبت إلى أن التصوير حرام غالبا، ولا سيما تصوير الأحياء مثل الحكماء وما نطق وتحرك من الأشياء.

والمعروف وفق القواعد الشرعية والأحكام الفقهية أن التصوير نوعان:

النوع الأول: تصوير غير ذوات الأرواح، كالسماء والفضاء والجبال والأنهار والأشجار والشمس والقمر والنجوم والحجارة والصحراء والبحار. وهذا لا بأس به عند أكثر أهل العلم الأتقياء والفجار. مع ان هناك من خالفهم، فمنع تصوير الشجر المثمر والزروع المثمرة كالحنطة وباقي الحبوب والبقوليات.

النوع الثاني: تصوير ذوات الأرواح وهذا بدوره ينقسم على قسمين:

القسم الأول: أن يكون الرسم والتصوير باليد، مثلما كانوا يفعلون في زمن خيال العرب الجامح، وهذا محرم، بل ومن كبائر الذنوب، تبعا لحديث ابن عباس في صحيح مسلم: “كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفساً، فتعذبه في جهنم”. وحديث أبي جحيفة في صحيح البخاري: “لعن آكل الربا وموكله، والواشمة، والمستوشمة، والمصور”. وحديث عائشة في البخاري ومسلم كليهما: “أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله”. وحديث أبي هريرة فيهما كليهما: “سمعت النبي يقول: “قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة”.

فهذه الأحاديث تنطبق كليا على نوع التصوير الذي تحدث عنه أصحاب الخيال من الحكماء أتباع الدجال، لأن ذلك التصوير لا يمكن صنعه إلا باليد، فتكون الصورة مثل الصورة التي خلق الله تعالى، لأن المصور حاول أن يبدع كإبداع الله ويخلق كخلقه، وبذلك أمره الحكماء وتقدموا له بالرجاء، ليزيل عن وجوههم الغلظة والوعثاء وشدة الجفاء، عسى أن تعشقهم النساء. وإن لم يقصد المشابهة، لكن الحكم إذا علق على وصف تعلق به، فمتى وجد الوصف وجد الحكم، والمصور إذا صنع الصورة تحققت المشابهة بصنعه وإن لم ينوها والمصور في الغالب لا يخلو من نية المضاهاة، فكيف إذا ما كان مأمورا بذلك؟ ولذلك تجده يفخر بصنعه كلما كانت الصورة أجود، وأتقن وأكثر قربا للواقع.

القسم الثاني: أن يكون تصوير ذوات الأرواح بغير اليد، مثل التصوير بالكاميرا التي تنقل الصورة التي خلقها الله على ما هي عليه، وهو أمر مستحدث لم يكن معروفاً على عهد النبي والمسلمين الأوائل، ولهذا السبب اختلف بشأنه من تأخر من العلماء ومن عاصر منهم زمن صنع الكاميرات، فمنهم من أدخله فيما نُهي عنه نظراً لعموم اللفظ له عرفاً، ومنهم من أحله نظراً للمعنى، فإن التصوير بالكاميرا لم يحصل فيه من المصور أي عمل يشابه به خلق الله تعالى، وإنما انطبع بالصورة خلق الله تعالى على الصفة التي خلقه الله تعالى عليها.

والأكثر نكاية مما تقدم، ما أمر به الحكماء من وجوب إزالة القبح وإضافة البهاء على وجوه الزملاء، فأوجبوا على المصور والرسام أنه إذا كانت الصورة المحسوسة ـ أي أصل وحقيقة الشخص المراد تصويره ـ قبيحة المنظر بأصلها، فلا يصورها إلا حسنة المظهر بقدر حُسن علم وأخلاق العالم، أي ان يُحل جمال الأخلاق على قبيح الخلقة، فيجلب الرجل تلك الصورة المحورة المحرفة إلى زوجته، ويعرضها عليها وأمامها عند الجماع، ثم يستفرغان في النظر إلى حسنها، فإن وقع للمرأة حمل، أثر في ذلك الحمل ما تخيلا من تلك الصورة في النفس، فيخرج المولود بتلك المنزلة ولابد[[المصدر نفسه، ص48]]]

ولما كان الواقع على خلاف بل دون المأمول، والولدان جاءوا مجانين ومسخوطين وهبول، فأصابوا الوالدين بالذهول، تحجج الحكماء بأسلوب بني قريظة وآل سلول، فادعوا أنه: إذا تم الحمل من ذاك اللقاء، لابد وأن يكون قد تأثر بما تخيل الوالدان من تلك الصورة في النفس والوجدان، فيخرج الوليد الذكر بتلك المنزلة وليس ثور بقر.. لكن إذا لم يخرج كذلك، فلأمر لطارئ طرأ في نفس الوالدين عند نزول النطفة في الرحم، أخرجهما ذلك الأمر عن مشاهدة تلك الصورة في الخيال من حيث لا يشعران[[[المصدر نفسه]]]

أما إذا حدث وإن جاء الوليد على غير الصورة المرتقبة كأن يكون سيء الخلق أو مشوها بسبب طفرة وراثية أو عاهة جسدية، فلم يعزوه إلى شذوذ خيال الوالدين، بل إن الذي تخيله الوالدان أثناء الجماع، هو الذي أثر في النفس والطباع، ويقع عند الوقاع في نفس أحد الزوجين أو كلاهما صورة كلب أو أسد أو أرنب أو حيوان ما، فيخرج الولد من ذلك الوقاع وفي أخلاقه ما هو على صورة ما وقع للوالدين من تخيل خارج المقاييس بسبب الغباء أما إذا اختلفا، وتصور كل منهما صورة مختلفة عن صاحبه، فستظهر في الولد صورة لما تخيله كل منهما.

وبالتالي فإن ما خطه المداد ليس أكثر من بعض حكايات قصص الأجداد

اترك تعليقاً