الرئيسية / ثقافة وادب / الهزيع الأول من الليل

الهزيع الأول من الليل

السيمر / فيينا / الخميس 18 . 07 . 2019

كفاح الزهاوي

كان الغسق رمادي أزرق في الهزيع الأول من الليل. قطرات الندى تستكين في مضجعها على الوريقات المتساقطة من اغصان الاشجار المبعثرة في غابة من النسيان. والاضواء الخافتة من الاعمدة المتراصة على جانبي الطريق، تعكس بنورها في تلك الحفرة المتروكة على حافة الرصيف، حيث امتلأت بمياه الأمطار التي اجتاحت المدينة منذ يوم امس. سادت الهدوء أجواء المدينة والتي اضحت مدينة الاشباح، كأنما هجرت من سكانها. اطلّ مِنْ كُوَّةٍ خَلْفَ الجِدار المحاذية للشرفة على الشارع. كانت نظراته تشوبها مزيج من التوتر و الإرتياع تتوجه كالسِهام صوب نقطة غير مرئية في تلك البركة الغامضة. تتجمع الأفكار وتتلاشى على صخرة اليأس في ذات الوقت. رغم برودة الطقس إلا أن لهيبا ضاجا اخترق اوصاله افقده قدرة الاحساس بلدغة البرد القارس .. نغمات، ناحت بشجن خفيا بعيدا عن الأنظار، تمزق أحشاء البدن، وتتغلغل في مسامات الشرايين فتفور الدم هيجانا. باغتته موجات من الاوهام تحولت الى فيضان من الفوضى انتجت بفعلها تناحرات فكرية تتصادم في اروقة الذهن الى حالة من القلق والاضطراب افكار تلو افكار، تلتقي وتتمايل كسفينة ضائعة خلف الافق البعيد، وسط عاصفة هوجاء هبت على حين غرة لتخترق صمت البحر الساكن، و صدى صرخات النجاة تتلاشى، وتذهب أدراج الرياح مع الأمواج الغاضبة، وتغوص في أعماق البحر، لتفقد آخر بصيص الأمل. بينما الورود الحمراء تنثر أريج عطرها لتملأ المكان بنكهة الربيع. العصافير المغردة، تتجمع على أجمة الصنوبر، تصدر اصواتا فتبعث الى النفس الامل اكسير الحياة. امنيات وامنيات، تتسابق مع الزمن، فتتراقص النغم المنسي القديم، وتشدها الحنين الى المطر تارة . تبرز صمت سرمدي، عبر الضباب الليلي الحالك، وهذا الصمت يزيدها حزنا وخيبة تارة اخرى.

اترك تعليقاً