السيمر / فيينا / السبت 31 . 08 . 2019
اسعد عبد الله عبد علي
“لابد ان احدهم افترى الاكاذيب عليك, لان الكلام حول ان يقوم خليفة المسلمين يزيد بتجهيز جيش لقتل الامام الحسين بن علي غير معقول! فالخليفة من الصالحين, والصالحون لا يقومون بقتل ابناء الانبياء”!
نص كلام الصديق نبيل بن يزيد احد مثقفي المغرب في رسالة بعثها الي قبل ايام, وهي تدلل على حجم التضليل التاريخي الذي يعيشه الاخر, مع اننا في زمن المعلومات, فبضغطة زر يمكنه تصفح اي كتاب تاريخي معتبر, لكن المناهج الدراسية والاعلام الحكومي الموجه, والتقديس للإرث المشوه, والكسل عن محاولة البحث عن الحقيقة, كلها جعلت جزء من الامة تغيب عنه حقائق الامس وتنعكس على سلوكه اليومي, فأفكاره مبنية على قواعد كاذبة.
عند محاولة الرد على رسالة الكاتب المغربي يجب اولا ان نجيب على تساؤل يعاد كل عام, وهو: ما فائدة التذكير بحدث حصل قبل اكثر من الف عام؟
· يمكن الاجابة عن هذا التساؤل بشقين:
الاول: دستور المسلمين هو القران, نتعلم منه ونتمسك بمنهجه, والقران الكريم نجده يكثر من سرد وقائع تاريخية حدثت قبل الاسلام بمئات او الاف الاعوام, لتوضيح جانب الحق وجانب الباطل, مع التذكير على اهمية السعي في طريق الحق كما سار السابقون, لذلك يجب ان نتأسى بالقران ونذكر بالحوادث الكبيرة في تاريخ الامة, واخذ العبرة, وموالاة اهل الحق والبراءة من اهل الباطل.
فمن يعترض على اعادة فتح ملف كربلاء هو يعترض على منهج القران في سرد الاحداث التاريخية.
ثانيا: كل الامم تفتخر بقادتها وتحتفل سنويا بذكراهم, وتعيد للذاكرة مواقفهم وبطولاتهم وتنبه على باطل من ناصبهم العداء, انظر الى اوربا والى شرق اسيا والى امريكا, هذا ديدن الشعوب, وليس هنالك شبهة ارتكاب ذنب او معصية, فعندما نذكر معركة كربلاء هل اننا نعصي الله عز وجل لان فتح ملف اخطاء السلطة الاموية من المحرمات؟ نعم البعض يفكر بهذه الطريقة الساذجة التي قامت السلطات المتجبرة بتلقين شعوبها على ذلك.
فمن يعترض علينا في موضوع ذكرى كربلاء عليه اولا ان يعترض على كل الانسانية ويرفض ان تعيد ذكرى الاحداث التاريخية.
· منهاج دراسية تلقن الانحراف عن الحق
اتذكر جيدا كيف حاول نظام صدام ترسيخ مفاهيم وتاريخ مشوه عن الاسلام, بهدف طمس حقائق وابراز دور السلطة على مر الزمان, فكان يرفع من ذكر الحكام امثال معاوية ويزيد والسفاح وهارون العباسي وباقي سلسلة بني امية وسلسلة العباسيين, مع انهم طغاة ظلمة استباحوا دماء الامة في سبيل شهواتهم والسيطرة على الحكم, فالطاغية يجب ان يدافع عن الطغاة فهم من جنس واحد, ومن غير المعقول ان تجد صدام بكل انحرافه واجرامه يدافع عن الامام الحسين (ع) لانهما ضدان, والضدان لا يجتمعان.
لذلك كانت المناهج التعليمية تصب في تلقين نظرية الرضا بالحاكم مهما كان ظالما واعتباره منصب من قبل الله, ويجب الثناء والافتخار ببني امية وبني العباس لانهم وسعوا الرقعة الجغرافية لدولة الاسلام, وانهم فعلوا وفعلوا…
وهكذا تم تربية الاجيال في العراق وفي باقي البلدان العربية, منهج واحد في التعليم لكل الطغاة, لذلك لم اتعجب من رسالة الكاتب المغربي لي, بل هي تمثل واقع شعب وامة, هكذا هو نمط تفكير الكثير من ابناء الامة التي تم تلقينها تاريخ مشوه.
والاغرب نجدهم ينادون في تحكيم العقل واهمية النقد, لكن عندما يصلون لتاريخ الاسلام يتوقف العقل فها هي منطقة التاريخ المقدس الذي يحرم البحث فيه وفي رجالاته, فتجد البرفسور والباحث واكاتب والمفكر كلهم يرفضون البحث في التاريخ, لانهم يدركون جيدا صعوبة كشف سبب التناقضات التي ترتكز في كل تاريخهم, فكيف يجب متابعة الرسول (ص), وكيف يتهمونه بالهجر ويمتنعون عن تلبية ندائه في مسيرة جيش زيد, ولماذا اختفى ابطال الاسلام في زمن الرسول من تقلد اي منصب بعد رحيل الرسول (ص)؟ ولماذا دخل كبار اليهود الاسلام في زمن الخليفة الاول والثاني؟ واين اختفى المنافقين بعد رحيل الرسول (ص) وكان القران يكثر من ذكرهم والتحذير من خطرهم؟
هذه المنطقة من التاريخ عند البعض مقدسة بكل ما تحمله من تناقضات, لكن لو يعاد فتح ملفاتها لتم فهم ما تبعها, لذا تجدهم على مر التاريخ يحرمون اعادة النظر فيها.
· اهمية اعادة فتح ملف معركة عاشوراء
اولا: يمثل اعادة فتح ملف عاشوراء سنويا هو نوع من الثورة على كل الطغاة, فهم حاولوا عبر مر الزمن اسكات صوت الحسين (ع) حتى وصل الامر بالمتوكل والذي يسمى في كتب التاريخ العربية بمحي السنة, قام هذا الطاغية بحرث ارض قبر الحسين وفتح الماء عليها كي ينسى ذكر الحسين, وحاول الطغاة منع الناس من زيارته, ونتذكر جيدا قيام صدام باعتقال الالاف بتهمة زيارة الحسين! بل حكم بإعدام الالاف بنفس التهمة.
ثانيا: محاولة لتصحيح التاريخ, واعادة العقل ليكون حكما في كل التناقضات المسكوت عنها, ودعوة لأثارة روح النقد في الارث العجيب, والذي يعتبره البعض جميعه مقدس لا يجب الاقتراب منه وفتحه, فعندما نعيد سرد احداث عاشوراء نفضح كذب السابقون والمتمسكون بنهج الحكومات والمؤسسات الدينية الخاضعة للحكومات, حيث يعتبرون الامام الحسين خطرا كبيرا يهددها في كل عصر.
ثالثا: ان اعادة فتح الملف هو مهمة لكل مسلم لإيصال رسالة الامام الحسين لكل الاجيال, في اعادة احياء قيم النخوة والرجولة والدفاع عن الدين والشرف والمبدأ حتى لو استشهد, ورفض الذل والدعوة للعيش الكريم, وتثبيت ركيزة مهمة في العيش وهي الصدق وحفظ الامانة ورفض النفاق والخيانة بكل انواعها, فمن يريد ان يكون حسينيا يجب ان تكون كل هذه الصفات فيه.
فلا خير بالخائن ولا خير بالكاذب ولا خير بالمنافق, وما اكثرهم في حاضرنا وتجدهم يدعون حب الحسين وهم سبب انتكاسة الامة في واقعنا.
رابعا: ان اعادة صوت الحسين هو واجب علينا جميعا, فهو صرخة بوجه حكام الحاضر واحزاب السلطة المستبدة, وتلك الطبقة السياسية العفنة الغارقة في الفجور, والتي انتهجت منهج الامويين والعباسيين في الحكم, نعم هي تدعي حب الحسين, لكن افعالها جميعا تصرخ انها اموية وعباسية للعظم, الحب ليس مجرد كلام بل افعال, لذلك اليوم تعيش الامة تحت حكم الامويين والعباسيين, ونحتاج للحسين في واقعنا كي تنهض الامة وترفض الذل والظلم, وتقوم كما قام الامام الحسين لترسيخ العدل في حياتنا.
خامسا: ان اعادة صوت الحسين في حاضرنا مهم جدا لترسيخ قيم الحسين في المجتمع, لتربية جيل صالح نحتاج ان تكون مناهج التربية, اساسه رفض الذل وطلب العدل, هذه القيمتين لو تمت في كيان كل طالب علم لتغير شكل الحاضر, لذلك تجد منا دعوة السنوية ليكون الحسين هو معلم الامة, بدل نظريات الغرب ومنهاج الطغاة.
وهنالك مضامين كثيرة اخرى حول اهمية فتح ملف عاشوراء.
لذلك نجد اهمية كبرى لإعادة صوت الحسين في كل عصر, والدعوة للتمثل بصفات الحسين, ورفض كل ما رفضه الحسين, فمن المعيب ان تكون منافقا او خائنا او كاذبا او ذليلا وتدعي انك حسيني, وعند حصول الارتباط بين الانسان والامام الحسين عندها نربي جيل على القيم الاخلاقية الرفيعة, ولو تمت في حياة الامة لصبح مجتمعنا الاكثر رقيا في العالم,
واخيرا نقول: ان الحسيني الحقيقي بالأفعال وليس فقط بالأقوال.