السيمر / فيينا / الاثنين 07 . 10 . 2019 — غياب البعد الطائفي عن حركة الاحتجاجات العراقية التي انطلقت في الأول من الشهر الجاري وانتشارها في المناطق الشيعية فقط، أسهم وحتى الآن، في نجاح الحركة وتطورها بالشكل الذي أحرج القيادات الشيعية المسيطرة على المفاصل المهمة في الدولة.
إلا أن تحييد المناطق السنية عن مشهد الاحتجاج الشعبي، طرح تساؤلات كثيرة حول أسباب عدم خروج أي تظاهرة مؤيدة لأبناء الوسط والجنوب العراقي، وإظهار الصراع الدائر بين السلطات والمتظاهرين على أنه صراع لا يعني المناطق الشمالية والغربية.
درس “داعش”
يقول الخبير الإستراتيجي هشام الهاشمي إن “أبناء المناطق السنية خرجوا لتوهم من معارك التحرير وتخلصوا من سيطرة تنظيم داعش، ولا تزال مناطقهم مهدمة ولم يتمكن معظم النازحين من العودة إلى ديارهم، وبالتالي فإن مشكلاتهم قد تتفاقم إذا توجهوا الآن لمواجهة السلطات الاتحادية والمحلية”.
ويرى الهاشمي أن الاحتجاجات السنية السابقة استغلت من قبل التنظيمات الإرهابية، واليوم يخشى المواطن السني من تكرار سيناريو عودة “داعش”.
والاحتجاجات السنية التي بدأت عام 2013، انتهت بسيطرة تنظيم “داعش” على محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى بعد المواجهات المسلحة التي حصلت بين ما كان يعرف بـ “ثوار العشائر” والقوات الأمنية العراقية، لكن تلك الاحتجاجات، وعلى الرغم من مطالبها المشروعة بالإصلاح والخدمات، تحوّلت مبكراً إلى نزاع طائفي هدفه الأول التخلص من “سلطة شيعية”.
ويمكن القول إن إدراك العقل الجمعي السني حقائق ودروس التاريخ القريب كان السبب الأول في عدم خروج تظاهرات تحمل شعارات مشابهة لشعارات المدن الشيعية.
القاعدة الشعبية الأوسع
القاعد الشعبية للأحزاب الدينية الشيعية في محافظات الوسط والجنوب كانت الأوسع في عموم البلاد خلال السنوات الماضية، وهي ذاتها التي خرجت في التظاهرات الأخيرة، ويمكن ملاحظة رفع الرايات الدينية التي تمثل الانتماء إلى المذهب الشيعي في دلالة على تغير المزاج الشعبي الشيعي الذي أوصل هذه الأحزاب إلى السلطة، في وقت لا تعتقد الجهات السنية بضرورة التأثير في هذه النقطة الجوهرية في الاحتجاج الشيعي.
ويقول السياسي العراقي ليث كبة إن “هؤلاء المتظاهرين يبلغون العشرينات من العمر أو تحت ذلك السن وقد نشأوا دون أي ذكريات مرتبطة بصدام حسين”، أي لم يواجهوا الاستبداد الدموي الذي واجهه من كان ينتقد أو يعارض نظام حزب البعث.
ويضيف “هنا تقف الحكومة أمام جيل يمتلك ذهنية مغايرة تماماً لجيل نشأ في سنوات النظام السابق، فجيل الشباب الحالي لا يعاني من الشعور بـ”المظلومية الشيعية”، ولم تحرمهم أية جهة رسمية من ممارسة شعائرهم أو الصلاة الخاصة بهم، ما يقلل خيارات الحكومة في التعامل مع المحتجين لتهدئة الشارع بواسطة ورقة الدين التي كانت تلعبها في السنوات الماضية.
نظرية المؤامرة
وبحسب نواب من الكتل المؤيدة لحكومة عادل عبد المهدي فإن الاحتجاجات الراهنة تقف وراءها جهات خارجية “معادية” تسعى إلى إسقاط الحكومة وإنهاء العملية السياسية والسبب في ذلك هو رغبة تلك الجهات في وجود سلطات جديدة تمرّر مشاريعها في المنطقة، ولا يمكن إسقاط النظام السياسي بتظاهرات واحتجاجات تفسر على إنها “ثورة طائفية سنية” ولا بد من استخدام ما يطلق عليه “الضد النوعي” لإنجاز هذه “المؤامرة”.
بعبارة أخرى، إن تحييد السنة كان أمراً مقصوداً من الأطراف (الخارجية) المخططة لحركة الاحتجاج الشيعي للحفاظ على زخمها وتفويت فرصة المتاجرة بالملف الطائفي، كما إن وجود المعسكرات الأميركية في المحافظات السنية والكردية، يدل بحسب مؤيدي هذا الرأي على أن واشنطن هي من أراد وصم هذه التظاهرات بالشيعية فحسب، دلالة على فشل حكم أحزاب الإسلام السياسي.
غير أن رد الفعل الحكومة العنيف على التظاهرات الشيعية قد يكون سبباً في تخلف السنة عن الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح كما أن الهجمات التي يشنها تنظيم “داعش” على المناطق الغربية مستمرة حتى الآن والمخاوف من عودة سيطرته لا تزال قائمة وإن الجهات الحكومية هي من تتولى محاربة التنظيم المتطرف ومن بينها فصائل الحشد الشعبي المنتشرة بكثافة هناك وأي تحرك مناوئ للسلطات سيؤدي بالضرورة إلى ضياع المكتسبات الأمنية التي تحققت بعد عام 2017.
المصدر / اندبيندت عربية