محمد ضياء عيسى العقابي
من هو المقصود في كلام الشيخ الخزعلي؟
(تغير تسلسل أجزاء هذا المقال بسبب عامل ضغط الأحداث).
أعتقد بوجود مؤامرة خطيرة على العراق تتخذ من تظاهرات الأبرياء أصحاب المطالب المحقة غطاءً لها ولشخوصها.
كيف لا تكون المؤامرة خطيرة جداً وقد صرح بالفم الملآن الشيخ قيس الخزعلي الرجل الصريح والشجاع بتقديري، أمينُ عام عصائب أهل الحق، بما يلي في لقاء صحفي مطوّل يوم الأحد 3/11/2019 أجراه معه في فضائية “العهد” كل من الإعلاميين كريم حمادي وريسان علي – صرح بأن لديه معلومات مؤكدة تفيد بأن أحدى الرئاسات الثلاث متورطة في هذه المؤامرة إضافة الى واحد من قادة أهم الأجهزة الأمنية.
أعتقد أن الدكتور عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء، برئ من هذا الإتهام لأن المؤامرة في فصولها الأخيرة بدأت قبيل تشكيله الوزارة وإعداداً لها ويُفترض أن تنتهي بالإطاحة بها.
بصراحة لديّ شخصياً تحليلات مبنية على وقائع حول كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ما يدفعني الى تأييد الشيخ الخزعلي في إتهام أحدهما بالتآمر. والتآمر هنا، بقناعتي، يعني التنسيق مع الأمريكيين الذين هم رأس جميع بلاوي العراق والمنطقة والعالم (وأتمنى طردهم من العراق اليوم قبل غد وأُحمّل الصدريين والعبادي وربما رئيس مجلس النواب مسؤولية عرقلة إخراج قواتهم).
لدي ملاحظتان حول السيد رئيس الجمهورية هما:
(1): عندما كُشفت جريمة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بقتل وتقطيع جثة الإعلامي السعودي جمال خاشقجي وأُدين المعني في كافة أنحاء العالم وأصبح، إبن سلمان، منبوذاً وكأنه وساخة أو مرضٌ معدٍ إلا من جانب الرئيس الأمريكي ترامب وهو خالٍ من جميع القيم المحترمة وأراد إنقاذ إبن سلمان ليقبض منه المال – بعد كل هذا ذهب رئيس الجمهورية الى السعودية (لا أعرف إن كانت الزيارة مبرمجة قبلاً أو أنها إفتُعلت على عجل) وزار محمد بن سلمان، وهذا تشريف له ومساهمة في فك الحصار المعنوي عنه. هذا رغم أنني، وأعتقد آخرين أيضاً، كتبتُ مقالاً رجوتُ فيه السيد الرئيس ألا يزور ذلك الشخص المنبوذ. المقال منشور على الرابط في الهامش رقم (1) أدناه.
(2): في أول خطاب للسيد الرئيس إثر تظاهرات الشهر الماضي، شكر الرئيس مقتدى الصدر بالإسم في حين أن مقتدى ليست لديه أية صفة رسمية كالآخرين عدا المرجعية. السؤال الخطير: لماذا ذلك الشكر لمقتدى؟
بتقديري، إن مقتدى إقترف خطأً فادحاً كاد أن يضع نهاية لفاعلية سلاحه الذي إبتزّ به الآخرين الذين تجنبوا الإحتكاك به لا خوفاً منه بل حرصاً على أرواح الناس والمصالح الوطنية العليا وترفّعاً عن سفاهته وإستهتاره بدماء الناس إذ كان، مقتدى، يهدد بطرق متعددة بإشعال إقتتال شيعي – شيعي. وقد كسب كثيراً من تأجيل مواجهته.
كاد ذلك الخطأ أن ينهي الصراع الخفي مع مقتدى الذي إستمر من اليوم الأول لإطاحة النظام البعثي الطغموي(2) يوم شكل “سرايا السلام” المسلحة في حين إنصبّ جهد المرجعية والقوى السياسية على إرساء نظام مدني ديمقراطي وفق الصيغة التي طرحها السيد علي السيستاني على الأمم المتحدة لتحديد مستقبل العراق وهي “خير وسيلة للتعبير عن رأي الشعب العراقي هي صناديق الإقتراع”. لذا بدلت منظمة بدر (بقيادة هادي العامري) التابعة للمجلس الأعلى والتي قاتلت النظام البعثي الطغموي الفاشي – بدلت طبيعتها من عسكرية الى منظمة مجتمع مدني.
الخطأ الفادح الذي إقترفه مقتدى هو تدبيره مع الأمريكيين وغيرهم مؤامرة يوم 1/10/2019 وفق التكتيك التالي: دعوة الجماهير البريئة التي لها مطالب حياتية حقيقية دأب الأمريكيون وعملاؤهم الطغمويون والإنفصاليون البرزانيون والفاشلون وتشويشات وعرقلات الصدريين والحكيميين وأخيراً إنضم اليهم حيدر العبادي كلهم تأمروا لسنين طويلة على حرمان الجماهير من ثمار الديمقراطية المتمثلة بالخدمات إذ شلّوا أيدي الحكومات المتعاقبة بغية إثارة الجماهير. لذا قدّر مقتدى أن دعوة الجماهير الى التظاهر يوم 1/10/2019 على أساس أن التظاهرات عفوية ولا تقف قوة سياسية وراءها – إعتقدَ أن هذا سيجلب جماهير غفيرة للتظاهر. وعند بلوغ الحضور أشده كان سينطلق جلاوزة وقناصون صدريون وغير صدريين من منظمات “المجتمع المدني” الأمريكية العميلة كلهم مدربون ليقوموا بالرمي العشوائي على الأجهزة الأمنية والمتظاهرين سوية ويقوم آخرون بحرق الأبنية في المنطقة وأبعد منها وتتم السيطرة على محطات الإذاعة والتلفزيون فتحدث فوضى عارمة ويختلط الحابل بالنابل وتفلت زمام الأمور والسيطرة من يد الحكومة والقوى الأمنية. عندئذ يُعلن نجاح “الثورة” وتشكيل حكومة “إنقاذ وطني” الى آخر السلسلة من الإجراءات كحل الحشد الشعبي وإجراءات أخرى بعضها تكتيكي الطابع. تصاحب كل ذلك تغطية إعلامية أمريكية وعميلة واسعة جداً مع عرقلة بث الفضائيات العراقية الشريفة.
ما حصل هو أن الناس عرفت بوقوف الصدريين وراء التظاهرات لذا لم يكن حضور الناس بالعدد الكافي؛ لكن الجماعة المكلفين بتقدير الموقف وإعطاء إشارة البدأ أخطأت الحساب لكونهم أشخاصاً غير كفوئين. لذا إنطلقت “الثورة” وبدأ الرمي بالرصاص الحي. كانت القوى الأمنية على علم بكل تلك التدابير والأشخاص كما قال السيد فالح الفياض مستشار الأمن الوطني ورئيس هيئة الحشد الشعبي فأوقفوهم عند حدهم. وهذا يفسر العدد المرتفع من القتلى، على عكس ما كان يحصل لسنين طويلة والتظاهرات مستمرة. أعتقد أن بين الضحايا عدد غير قليل من الصدريين.
هنا وقع مقتدى في شر أعماله فهو لا يستطيع إتهام الحكومة بإستهداف الصدريين لأنه أعلن أن التظاهرة غير متبناة؛ لذا، بتقديري، إهتاج الصدريون عليه.
شعر الأمريكيون بأن مكانة مقتدى قد إهتزت بين أنصاره وبين الجماهير الشعبية خاصة بعد تلميحات السيد فالح الفياض وحتى المرجعية قد لمحت وغمزت من قناة مقتدى. وكانت الأمور سائرة بالتدريج لفضح مقتدى بالغمز أولاً ثم الإنتقال الى التصريح الذي لا لبس فيه لتزول أية هيبة له أو رعب منه.
لذا أراد الأمريكيون وضع حد للتدهور الحاصل ورد الإعتبار لمقتدى.
هنا رأيت أن إمتداح السيد رئيس الجمهورية لمقتدى لم يكن في محله وربما جاء بتأثير الأمريكيين لإيقاف عجلة فضحه بل رد الإعتبار لأثمن إستثمار بيدهم وهو مقتدى.
لدي الملاحظات التالية حول السيد محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب:
(1): في خضم الإنشغال بإيقاف الحكومة على رجليها وهي التي صمم ولادتها العليلة مقتدى الصدر ليس عن غير قصد مبيّت وهو ولادتها مشلولة ليتسنى التأليب ضدها لاحقاً، كان الأمريكيون أيضاً مشغولين بالتآمر على الحكومة ورئيسها. في هذه الظروف دعت جهات تشريعية أمريكية السيد محمد الحلبوسي لزيارة أمريكا.
رغم متابعتي الدقيقة والمستديمة لم أستطع أن أفهم ما دار في تلك المحادثات والنقاشات أو بالأقل نتائجها. ولكن لا شك عندي أن الأمريكيين أرادوا تقديم إغراءات من جهة ومن جهة أخرى توجيه ضغوط على السيد الحلبوسي لأنه أصبح رئيساً للمجلس كمرشح لتحالف البناء الذي تمقته أمريكا لأنه يضم أطرافاً مؤيدة للحشد ومطالبة بإخراج القوات الأمريكية من العراق وتضم إئتلاف دولة القانون ورئيسه نوري المالكي الذي رفض الوقوف ضد الدولة السورية ورفض شن حرب على إيران ورفض الإنصياع للسعودية وأردوغان وإشترى السلاح من روسيا وناصر القضية الفلسطينية وقدم مشروع قانون البنى التحتية ومنع الأخذ بمبدأ “الشراكة في الإنتاج” والقائمة تطول؛ والأهم أنه مازال يهدد تكتيكات الأمريكيين لإدامة بقائهم في العراق وذلك عن طريق المناداة بحكومة أغلبية سياسية لأن ذلك يقضي على الإقحام القسري للطائفية في مجتمعنا الديمقراطي وبالتالي يقضي على المحاصصة ووليدها الفساد ويشل فاعلية الإنفصاليين فتنغلق الأبواب على الأمريكيين تماماً.
لاشك عندي أيضاً أن الأمريكيين هددوا بأساليبهم الرقيقة اللعينة السيد الحلبوسي حول قضايا تتعلق بـ : الحشد الشعبي، الشيعة، إيران، مصير السنة والكرد إذا سيطرت إيران على العراق إذا ما إنسحبت القوات الأمريكية من العراق!!، فتح الحدود العراقية – السورية، التقرب من روسيا والصين، التهديدات الإسرائيلية.
ولابد أن الأمريكيين أوحوا للسيد الحلبوسي أنهم يمتلكون من القوة ما يفوق الخيال حيث أن الخالق قد فوّضهم التصرف بشؤون الأرض “لذا فإياكم إياكم التفوه ولو بكلمة عنا ناهيك عن أن تتحرشوا بقواتنا إذ سيزول العراق من على وجه الأرض!!! “ (3).
صراحة لا أملك ما يساعدني على معرفة مدى تأثير كلام الأمريكيين على السيد الحلبوسي نفسه، أو أن كان قد أعلم وناقش ما دار من كلام في أمريكا مع السيد رئيس الوزراء ومجلس النواب.
(2): لدي شعور بأن السيد الحلبوسي لعب دوراً غير مريح بل معرقلاً بالنسبة لجهود عدد كبير من النواب الذين يريدون بحث مسألة إنهاء مهمة قوات التحالف أي القوات الأمريكية في العراق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): أدناه رابط المقال المقصود وهو بعنوان:
“لا تكونوا جسراً لعبور المجرمين الى بر البراءة”
(2): للإطلاع على “الطغموية والطغمويون والإنفصاليون وجذور المسألة العراقية” برجاء مراجعة هامش المقال المنشور على الروابط التالية:
(3): بودي أن يكون السيد رئيس مجلس النواب وكثيرون من “الطبقة” السياسية العراقية على علم بأن الأمريكيين وعملائهم في المنطقة : الطغمويين والإنفصاليين والتائهين والإنتهازيين والخليجيين يشيعون هذا المفهوم في المجتمع العراقي، أي التغني بجبروت أمريكا، كي يستفيدوا منه في ممارسة الإبتزاز. لهذا يُكثرون المطالبات بإحضار “المجتمع الدولي” ويعنون إشراك الأمريكيين رسمياً في شؤوننا الداخلية. للتخويف، إنهم يشيرون الى البلاوي التي أنزلها الأمريكيون بالعراق على يد داعش عقاباً له لأنه سمح لزعيمه نوري المالكي بإخراج القوات الأمريكية من العراق.
أولاً: إن فكرة داعش هي فكرة أمريكية لكن الذي ساعدها في إعداد الأرضية الخصبة لداعش داخل العراق هي تلك الأطراف الداخلية ذاتها وهذه سوف لا يسمح لها الشعب العراقي بتكرار الغدر ثانية. ثانياً: إن الشعوب أقوى من الإمبرياليين مهما أوتوا من قوة عسكرية. ثالثاً: إن أمريكا أصبحت مقيدة في مجلس الأمن لأن روسيا والصين، مدعومتين بعدد كبير من الدول غير الإمبريالية وغير التابعة، قد حرمتاها من إمكانية تمرير القرارات في مجلس الأمن والجمعية العامة التي لا تصب في صالح الشعوب فأصبحت أمريكا تلعب خارج الأمم المتحدة ولكن هذا بحدود معينة ولأمد معين إذ سيأتي اليوم الذي تُجبر فيه أمريكا على إحترام القانون الدولي وإلا واجهت العقاب أو حتى التأديب العسكري.