السيمر / فيينا / الاربعاء 04 . 03 . 2020 — للتاريخ شواهد، ولكل زمان روايات يحكيها من عاصرها، وتوغل في طيات تفاصيلها، وخاصة تلك التي يحفر من خلالها التاريخ حوادث تبقى عالقة في الذاكرة، حيث أنها تؤرخ لحقبة زمنية لا تمحى مهما مرت عليها السنين، ومنها تاريخ انتفاضات الشعوب على الطغاة، حيث امتزجت فيها رائحة الدم والجثث بالبارود، وفي العراق الحديث كان الربع الاول من العام 1991، حيث انتهت حرب الكويت، وإعلان هزيمة المقبور صدام، بداية لخط أحرف عن ثورة شعب ابى أن يبقى اسيرا لدكتاتور، فأنطلقت أنتفاضة شعبان المباركة، وكانت الشرارة الاولى من جنوب العراق، حتى وصلت الى العاصمة بغداد، تاركة ذكريات عديدة تقبع الى يومنا هذا بنفوس العراقيين الاحرار، في مدن عدة، ومنها كربلاء المقدسة، وخاصة بعد تعرض المرقدين المباركين فيها لأبشع اعتداء، وكان للمؤرخين الدور في توثيقها، بروايات ننقل لكم جزءا مها.
- ضابط لم يمتثل لأوامرهم
يذكر المؤلف والكاتب عبد الهادي البابي في كتابه (قصة الانتفاضة الشعبانية المباركة في كربلاء المقدسة) وتابعه الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة “لا يمكن لأحد أن يلم إلماماً كاملاً بأحداث الانتفاضة الشعبانية وتفاصيلها الدقيقة، ولكن كان لابد لي من وقفة أثبت فيها وجهة نظري واسترجع فيها الأحداث التي مضت”.
ويدون البابي احدى الحكايات التي شهدها ايام الانتفاضة الشعبانية عن احد (الضباط الموصليين) “في يوم الثلاثاء الخامس من آذار من العام 1991، حين بدأت الانتفاضة في كربلاء المقدسة التي شهدت العديد من الحكايات خاصة خلال ايام تطهير المدينة من البعثيين وأطلاق سراح العديد من السجناء، وحررت المدينة بالكامل بيد المنتفضين فأمر حسين كامل ضابطاً من أهل الموصل برتبة مقدم كان يقود رتلا متقدماً من دبابات الحرس الجمهوري بإطلاق النار على الحرم، ولكن الضابط رفض ورد على حسين كامل بأننا أهل الموصل لنا تقاليدنا المعروفة باحترام المساجد، وهذا المرقد بغض النظر عمن يرقد تحته ما هو إلا مسجد من مساجد الله، فما كان من كامل إلا أن اعدم الضابط الموصلي بإطلاقة من مسدسه ومساعده ايضا الذي رفض هو الاخر تنفيذ الاوامر وكان برتبة رائد”.
- اسير بعقوبة
يقول البابي كان الجميع يكبر، وفرح خاصة كلما جئنا بأسرى من أزلام النظام، وفي اليوم الثالث من الانتفاضة صادفنا رتلاً من السيارات العسكرية وقد تمت السيطرة عليه في معسكر قرب مرقد الحر (عليه السلام)، ورافقنا الرتل المكون من أحدى وعشرين عجلة نوع إيفا وثلاث سيارات (لاندروفر ) وكان بعضها يحمل العتاد الثقيل والمتوسط.. ويشير، هناك حكاية اسير من قواطع الجيش الشعبي من ديالى والذين تمت محاصرتهم.. احد الاسرى تعرض للضرب فقمت بحمايته وإطعامه والاعتذار منه وأخبرته انه لم يكن هو المقصود بل النظام فقال الاسير (والله يا أبن الأخ جاؤوا بنا بالإكراه ..أين نحن وأين كربلاء!!) وقد تم إطلاق سراح الأسرى من فوج الجيش الشعبي التابع لقاطع بعقوبة، وقلنا لهم أذهبوا إلى أهلكم ثم أوصلناهم إلى باب بغداد وأركبناهم عجلات عسكرية انطلقت باتجاه بغداد.
- كيمياوي
ويواصل البابي حديثه، في احدى الليالي كنا في باب الخان احدى محال المدينة القديمة، سمعنا صوت سيارات تقترب من الشارع، وتبين ان جنودا معهم معاول يحفرون أنابيب الماء قرب شارع العباس (ع). ولم نعرف لماذا بل الادهى من ذلك ان مكبرات الصوت كانت تبين امر الانسحاب فاصبنا بالحيرة، وبعد منتصف الليل سمعنا أصوات الاستغاثة رغم ان لا قصف على المنطقة وتبين ان رائحة كريهة تملأ المكان أشبه بالكاربون المحروق، وبدأ بعضنا يشعر بألم وحرقة في العين والسعال الشديد وثمة اطفال اغمي عليهم، وهناك رجل يحمل طفلة على صدره، وقد غطى أنفه بمنديل ووضع آخر على وجه الطفلة وهو يصيح: … كيمياوي … كيمياوي .. لقد ضربوا المدينة بالكيمياوي وسيموت الجميع إذا لم نخرج الآن !! وعرفنا سر ثقب انابيب المياه، في هذه الضربة ماتت حتى العصافير، فأصبحت تتساقط علينا من أغصان الشجرة، وهي ترفرف بأجنحتها.
ومن جانبه يقول المؤرخ والكاتب سعيد رشيد زميزم” بعد ان احتدمت المواجهات بين الثوار الكربلائيين، والقوات الصدامية، وفي هذه الاثناء قامت العشرات من الطائرات بقصف مواقع الثوار الذين كانوا منتشرين فوق اسطح المنازل والبنايات التي كانت قريبة من المرقدين المقدسين، الامر الذي ادى الى استشهاد المئات منهم.
ويضيف ” بعد هذه التطورات تقدمت القوات الصدامية نحو المرقدين المقدسين، فالتحم معها الثوار البواسل الذين تمكنوا من انزال افدح الخسائر بالضباط والجنود الصداميين، وعلى اثره قامت القوات الصدامية بأنزال جوي حيث هبط المئات من افراد القوات الصدامية الباغية عن طريق الحبال الى داخل المرقدين المقدسين مما ادى الى اشتباكات عنيفة جدا وبالسلاح الابيض بين الطرفين”.
ويواصل زميزم حديثه” استمرت هذه المعارك عدة ساعات تمكنت فيها القوات الصدامية من السيطرة على الموقف فقامت باطلاق النار على كل من كان متواجد من اطفال ونساء وشيوخ عزل كانوا قد لجأوا الى هذه الاماكن المطهرة فرارا من القصف العشوائي الصدامي”.
*سعيد رشيد زميزم (كربلاء تاريخها وتراثها)
*عبد الهادي البابي (قصة الانتفاضة الشعبانية المباركة في كربلاء المقدسة)
اعداد: حسين حامد الموسوي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة