السيمر / فيينا / الاحد 21 . 06 . 2020
د. ماجد احمد الزاملي
مجرد وجود القانون الدولي هو في حد ذاته عدالة, أن النوعية تتحسن بمرور الزمن مع ترسخ القيمة الأخلاقية للقانون الدولي وتراكم التجارب وزيادة الصفة الإلزامية للقاعدة القانونية ومع تطور أدوات الجزاء في القانون الدولي وتطور وضع منظمة الأمم المتحدة كمشرف على تطبيق القانون الدولي والتي هي أشبة بحكومة دولية ذات صلاحيات محدودة ،ويمكن القول أن العدالة الدولية نسبية وأن الهدف يجب ان يكون معرفة مقدار هذه النسبة وكيف نسنطيع ان نرفع هذه النسبة في القانون الدولي إن صح التعبير ،عبررفع نسبة العدالة التشريعيه والتطبيقية، خصوصا ان القانون الدولي في نهاية المطاف شرعته الدول الكبرى لصالحها الا استثناءات قليلة، لذلك فلا مفر من ان تحترم ماشرعته عند تطبيق القانون بين الدول،وإن عدم الاحترام للتطبيق يعتبر ديكتاتورية تنافي العدالة النسبية في الحد الادنى الذي عرفت به مصلحة الاقوى، وعند الرجوع الى القانون الدولي نجد ان نصوص القانون الدولي نهجت الطريقة الاستنباطية التي تعتمد على وجود مثل اعلى, ينبغي الاخذ به في تفسير العدالة الدولية، حيث نجد تلك العدالة بوضوح في وجود فروع القانون الدولي الانساني وحقوق الانسان والقانون الجنائي الدولي وقررات المنظمات الدوليه ،ولكن تطبيق القانون الدولي مالبث أن حول العدالة إلى العدالة الاستقرائية المعتمده على توازن القوى فيما يتعلق بتطبيق نصوص تلك القوانين، ونجد ذلك في الفيتو بشكل رئيسي وعوامل أخرى مثل عدم إلزامية قرارات الجمعية العامة وتعديل الميثاق والأعتراف بالدول، وهنا حدث التناقض بين نصوص مثالية وأدوات واقعية لاتستطيع تطبيق تلك النصوص بمثالية. لقد أوجب إعلان مانيلا للأمم المتحدة الصادر عام 1982 والخاص بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية ، أوجب على الدول أن تفي بكل التزاماتها الواردة في الميثاق وأن تضع التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة موضع التطبيق وتجدر الإشارة إلى أن نصوص الميثاق المتعلقة بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية قد أوجبت على أطراف النزاع البحث عن كل السبل الكفيلة لحله ، فالمادة (33) من الميثاق نصت على أنه (يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلام الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريقة التحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية أو أن يلجئوا إلى الوكالات الدولية والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها. و الفيتو هو جزء من مشكلة عامة في المنظمات الدولية وهي أزمه المساواة بين الدول،ومدى اعتراف الدول الكبرى بتلك المساواة والتلاعب عليها عن طريق أشتراط أغلبيه موصوفة، شرطها أن تكون من ضمن الدول الموافقة على أي قرارالدول الخمس الدائمة العضوية جميعها وكذلك هو جزء من أزمه تعريف العدالة الدولية هل هي عدالة نسبية استقرائية يجب ان تأخذ في الحسبان موازين القوى أم هي عدالة استنباطية مثالية بغض النظرعن طبيعة القوى الموجودة على الأرض،وقد اتجهت الأمم المتحدة في نصوصها إلى نوع من العدالة الاستنباطية المثالية خصوصاً في حق الدول وحق المساواة والسيادة وفي جميع مبادىء الأمم المتحدة ذات الطابع المثالي إذا صح التعبير،ولكن الأمم المتحدة مالبثت أن وقعت في فخ تطبيق تلك النصوص والمبادىء،حيث تفتقد الآلية المناسبة لتطبيقها بمعزل عن دول معينة تملك القدرة على ذلك ولقد عملت تلك الدول التي هي بالأساس أنشئت الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية إلى وضع نظام في مجلس الأمن يسمح لها بتكييف المسائل المعروضة عليها،ومدى تهديدها للسلم والأمن الدولي دون وجود أي نظام قانوني يحدد كيفية التكييف القانوني للمسائل المعروضة،وهذه جزء من أزمه مدى سلطه أجهزة أي منظمة دولية على تكييف المسائل المعروضة عليها أو تفسير النصوص القانونية بمعزل عن جهاز قضائي مستقل أو تشريعي يتولى ذلك،ومنعا لحدوث أي مفاجئات تعيق مصالح الدول الخمس الكبرى المنتصرة وضعت لنفسها حق النقض الفيتو في مؤتمر يالطا، وفي تحليل ذلك النظام التصويتي المعروف بالاغلبية الموصوفة، نراه شكل مبطن لنظام التصويت في عصبة الأمم المنحلة ولكن مع مراعاة حقوق المنتصر في الحرب العالمية الثانية،فمجلس الأمن هو صورة لمجلس عصبة الأمم إذ كان يضم أعضاء دائمين إضافة إلى الدول الخمس الدائمة العضوية الحالية اليابان وإيطاليا وألمانيا،وكانت القرارات يجب أن تصدر بالإجماع وكان ذلك الإجماع هو سبب فشل العصبة وانهيارها عند قيام الحرب العالمية الثانية ،ورغم صعوبة نظام الإجماع لم تنضم الولايات المتحده إلى عصبة الأمم حيث لم تجد مصالحها فيها،وبعد الحرب العالمية الثانية أعيد صياغة أنقاض العصبة من قبل دول الحلفاء بما عرف بالأمم المتحدة،وبعد نهاية الحرب تم اعتماد مجلس الأمن والأعضاء الدائمين فيه بعد استبعاد دول المحور من الأعضاء الدائمين السابقين في مجلس العصبة،وقصرها على دول الحلفاء اضافة للصين الدولة الأكثر سكاناً في العالم،ووضع للمجلس نظام تصويتي قائم على الأغلبيه الموصوفة التي تشترط موافقة أغلبيه الدول على القرار من ضمنها الدول الخمس الدائمة العضوية متفقة،وبمعنى أخر اتفاق الدول الخمس هو صورة أخرى للإجماع المنصوص عليه في مجلس عصبة الأمم ولكن مع قصره على الدول الدائمة العضوية، حيث تمثل الأغلبيه تهديد لمصالحها وتمرير،الأغلبية على باقي الدول في العالم وهذه الأغلبية من دون أجماع هي أنتقاص لسيادة الدول بشكل غير مباشر. وقد كان تدخل مجلس المن الدولي في السنوات الأخيرة في أكثر من مشكلة دولية وتخطية صلاحياته الممنوحة له في ميثاق هيئة الأمم سبباً وجيهاً بأن تستمر مطالبة أغلبية أعضاء المجتمع الدولي بضرورة إصلاحه كما كانت الحرب الأنجلو أمريكية على العراق دون إذن من مجلس الأمن هي مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي وتحدي سافر للأمم المتحدة والمجتمع الدولي قد جعل موضوع إصلاح مجلس الأمن وإعادة هيكلته بما في ذلك حق الاعتراض ونظام التصويت فيه يكتسب أهمية أكبر وجعله أكثر إلحاحاً من ذي قبل. لقد شكل الفيتو أداه لتحكم الدول الكبرى في قرارات مجلس الأمن عبر التهديد تارة باستخدام الفيتو لمنع صدور أي قرار،من اجل تعديل القرار بشكل يضمن مصالحها،هذا إذا لم ترد أن تستخدم الفيتو وهي ببساطة قادرة على أن تعطل أي قرار صادر إذا لم يوافق مصالحها،لقد مثل الفيتو خرقا للعدالة الدولية ,فالقانون يبقى مادام هو بعيداً عن مصالح تلك الدول أو حلفائها وقد أستخدم الفيتو في منع إصدار قرارت تدين إسرائيل في الأمم المتحدة،لقد مثل الفصل السابع نوع من التعدي على سيادة جميع الدول بحجة القانون الدولي ،حيث أن القرارات الملزمة الوحيدة هي قرارات مجلس الأمن وسبب الإلزام وجود الفيتو حيث أن وجود الفيتو يحمي مصالح الدول الكبرى من أي قرار ملزم. أن الدول الكبرى مازالت تنظر إلى القانون الدولي على أنه قانون لخدمة مصالحها،بمعنى أنها تنظر له بأعتباره قانون غير ملزم لها ولكنها على أي حال تعترف بالصفة القانونية له. إن وجود الفيتو هو نقيض للصفة القانونيه للقانون الدولي يجب التخلي عنها،وإن تحقيق العدالة الدولية يجب أن يبدأ من ابعاد المصالح عن القانون الدولي وقرارت الأمم المتحده،وإن ذلك لم ينضج بعد لسبب بسيط أن المشاكل الدولية بعد لم تصل إلى مرحلة تعلن فيها فشل الأمم المتحدة فوضع تلك المشاكل محكوم بمبدأ التوازن،وعندما يختل ذلك التوازن سوف تصبح العدالة مطلب الدول وفق شرعية القانون الدولي عبر التخلي عن جزء من السيادة لصالح سيادة القانون الدولي. لقد اصبح الفيتو عامل معطل للقرارت الدولية والقانون الدولي وأصبح أي قرار يجب أن يمر بصراعات داخل الأمم المتحدة، وإلى أن يحصل توافق المحاور،تكون آلاف الأرواح قد أزهقت وفقد القرار معناه وقدرته على تحقيق العدالة و الاستقرار ،وكلما كان الأستقطاب الأممي عميقاً كلما صعبت عملية اصدار القرارات،في الوقت الذي ينبغي أن تكون مهمة مؤسسات الأمم المتحدة وقراراتها حل المشاكل العالمية الناجمة خصوصا عن الأستقطاب بين الدول الكبرى.
يرى أرسطو ان العدالة هي التصرف وفق القوانين و التشريعات ،و تحقيق المساواة في مقابل الظلم ،الذي يعتبر خرقا للقوانين و منافاة للمساواة ،ليؤكد أن العدالة هي حد وسط بين الإفراط و التفريط ، و قد اعتمد أرسطو أسلوبا وظف خلاله التقابل و التمييز و التأكيد، فهو يميز بين نوعين من العدالة : عدالة بمفهومها الأخلاقي أي الإمتثال للقوانين و تحقيق الفضيلة الأخلاقية و عدالة بمعنى المساواة و الإنصاف و تنقسم إلى عدالة توزيعية تقوم على توزيع الخبرات الإقتصادية بين الأفراد بالمساواة حسب طاقاتهم و أعمالهم ، وتصحيح السلوك الذي ينحرف عن القانون ، ليخلص بعد ذلك إلى أن غاية العدالة هي تحقيق الفضيلة. ﺗﻌد ﻣﺑﺎدئ اﻟﻌدل واﻹﻧﺻﺎف وﺻﻔﺎ ﻣن اﻷوﺻﺎف اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻬﯾﻣن ﻋﻠﻰ ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون ﺑوﺟﻪ ﻋﺎم، وﻗد أﺷﺎرت ﻟﺟﻧﺔ اﻟﻘﺎﻧون اﻟدوﻟﻲ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﯾﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺷروع اﻟﻣواد اﻟﺗﻲ ﻗﺎﻣت ﺑﺈﻋدادﻫﺎ ﺑﺷﺄن اﻟﺗوارث اﻟدوﻟﻲ ﻓﻲ ﻏﯾر ﻣﺳﺎﺋل اﻟﻣﻌﺎﻫدات، إﻟﻰ اﻟﻘول ﺑﺄن اﻟﺻﻔﺔ اﻷﻛﺛرﻏﻠﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺑدأ اﻹﻧﺻﺎف ﻫﻲ أﻧﻪ ﻋﻧﺻر ﻣوازﻧﺔ وﻋﺎﻣل ﺗﺻﺣﯾﺣﻲ ﯾراد ﺑﻪ اﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻘوﻟﯾﺔ اﻟرﺑط ﺑﯾن ﻣﺎل اﻟدوﻟﺔ اﻟﻣﻧﻘول وﺑﯾن اﻹﻗﻠﯾم، ﻓﻣﺑدأ اﻹﻧﺻﺎف ﯾﺗﯾﺢ أﻛﺑر ﻗدر ﻣﻣﻛن ﻣن الكياسة ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾر ﻣﻔﻬوم “اﻟﻣﺎل اﻟﻣرﺗﺑط ﺑﻧﺷﺎط اﻟدوﻟﺔ، ﻛﻣﺎ ﯾﻛﺳﺑﻪ ﻣﻌﻧﻰ ﻣﻘﺑول”.وﻫو اﻷﻣر اﻟذي ﯾﻛﺷف ﺑﺟﻼء ﻋن ﻧظرة ﻟﺟﻧﺔ اﻟﻘﺎﻧون اﻟدوﻟﻲ إﻟﻰ ﻣﺑﺎدئ اﻟﻌدل واﻹﻧﺻﺎف ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻫﺎ أﻣرا ﻣﻼزﻣﺎ ﻟﻠﺗطﺑﯾق الصحيح ﻟﻠﻘﺎﻧون.يمثل النظام الدولي ذلك النظام الحركي الذي يعمل ضمن آلية الفعل ورد الفعل وهو حصيلة التفاعل أو سلوك الوحدات السياسية التي يتألف منها ،وغالبا ما يتأثر بالكيفية التي يتم توزيع فيها مصادر القوة والنفوذ الأمر الذي يكون له صبغته في أنماط السلوك الدولي.يمثل النظام حالة ديناميكية مستمرة وهذه الحالة الحركية تتم من خلال التفاعلات بين وحداته السياسية المختلفة وهذه الوحدات تمنح النظام صفة الحركة من خلال تفاعلاتها المستمرة مع بعضها البعض وبمقتضى تلك التفاعلات تسعى كل وحدة الى تحقيق أهدافها الأمر الذي يؤدي الى الصراع بينها او التعاون فيما بينها.
لقد تجلى الأستقرار الدولي في طبيعة تشكيل الأمم المتحدة بعد الحرب العالميه الثانية، فقد نصت الديباجه من ميثاق الامم المتحدة على (وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي)، ونصت المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة ,حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرّع بالوسائل السلمية، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها,حيث خول مسؤولية حفظ السلم والأمن الدولي إلى مجلس الأمن،واعطاه صلاحيه تفسير معنى السلم والأمن الدولي وتحديد أي مشكله دولية تعتبر تهديد للسلم والأمن الدولي،اولاتعتبر تهديدا وخوله عبر الفيتو الذي تتخذه احدى الدول الخمس الدائمة العضوية،ومن ثم أعطى مجلس الامن حق قبول أو رفض أي توصية من مؤسسات الأمم المتحدة مثل الجمعية العامة،اذا لم يكن يرى في الموضوع الموصى فيه تهديد للسلم والأمن الدولي، ومثال ذلك الأحالة الى محكمه الجنايات الدوليه للدول الغير موقعه على ميثاق روما، حيث تتطلب موافقة مجلس الأمن، ثم نلاحظ ذلك في طريقة التصويت في منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي الذي اعطى للدول الكبرى حقوق توازي حجمها الاقتصادي وذلك من اجل تحقيق الأستقرار الاقتصادي.أن المتابع للتنظيم الدولي الذي يتمثل في منظمة الأمم المتحدة الموجودة في الوقت الراهن ، وعصبة الأمم التي سبقتها، يجد أن ظروفاً دولية وعالمية معينة أدت إلى ظهورهما إلى حيز الواقع، وبالتالي فقد قامت الأمم المتحدة على أنقاض التنظيم الدولي ( عصبة الأمم ) الذي فشل في الحفاظ على السلم وتنمية التعاون بين الدول ، ومع ذلك كان عهد العصبة سابقة تاريخية في التنظيم الدولي ، وأخذ مؤسسو الأمم المتحدة كثيراً من الهياكل والمؤسسات التي كانت موجودة بالعصبة ، ومن أهم تلك الهياكل مجلس العصبة وجمعيته. وفي السنوات الأخيرة أكدت معظم الدول في أكثر من مناسبة على أن الأمم المتحدة بشكل عام ومجلس الأمن الدولي تحديداً يمر اليوم بواحدة من أخطر الأزمات التي واجهته منذ إنشائه بعد أن فقد معظم صلاحياته، او انتزعت منه أهم الصلاحيات التي انشئ من أجلها، وهي الحيلولة دون قيام الحروب والمحافظة على الأمن والسلام العالمي خصوصاً في ظل هيمنة الولايات المتحدة الامريكية على القرار العالمي وانتهاكها المستمر للمواثيق الدولية ومنها مبدأ تحريم استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولة خارج إطار الشرعية الدولية. لاشك أن تتمتع الدول الكبرى الخمس بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن بحق الفيتو ، وإشتراط موافقتها على أي قرار من المسائل غير الإجرائية هو إمتياز يحقق عدم المساواة الذي يقوم عليه التنظيم الدولي. فقد أدى تمتع الدول الكبرى بهذه الإمتيازات، إلى أن تتفق فيما بينها على حساب الدول المتوسطة والصغرى، التي حاولت مرارا وتكرارا التقليل من أثر إستعمال حق الفيتو من قبل الدول الأعضاء الدائمين الخمس، والذي شل أعمال المجلس وعرقلة أداء المنظمة الدولية لواجبها الأساسي وهو حفظ السلام والأمن الدوليين. فلقد ظهر واضحا أن أكبر خطر يتعرض له الأمن والسلام الدوليان، نتج عن المنازعات بين الدول الكبرى وعن عدم الإتفاق بينها خاصة في السنوات التي تلت تأسيس المنظمة الدولية، والتي إنقسم فيها العالم إلى كتلتين كل بقيادة إحدى الدول العظمى، الشيء الذي يتناقض مع ما أعلن عنه في مؤتمر سان فرانسيسكو والذي أوجب التعاون الكامل بين الأعضاء كشرط ضروري لفعالية المنظمة الدولية. ولما كان واضحا من أن أي إنشقاق بين القوى العظمى يعرض فعالية كل الأمم المتحدة إلى الخطر، إتفق في مؤتمر سان فرانسيسكو على أن لا يستخدم حق الفيتو إلا في القضايا الجوهرية، والمتسمة ببالغ الأهمية التي تتعلق بالأمن والسلم الدوليين. كما أصدرت الجمعية العامة في دورتيها الأولى والثانية، قرارات تدعو الدول الخمس الكبرى إلى أن تبذل من الجهد ما يضمن ألا يؤدي إستخدام حق الفيتو إلى عرقلة مجلس الأمن. بسبب عجز مجلس الأمن الدولي وفي أحيان كثيرة عن القيام بالمهمة الموكلة إليه (حفظ الأمن والسلم الدوليين) بسبب الاستخدام المتكرر لحق الفيتو ، الأمر الذي أدى إلى تعطيل أحكام الفصلين السادس والسابع من الميثاق وعلى نحو لا يتفق مع روح ميثاق الامم المتحدة وبالتالي فإن هذا الأمر قد أدى إلى عجز الأمم المتحدة عن صيانة الأمن والسلم الدوليين أو أعادتهما إلى نصابهما عند الإخلال بهما ، لهذا السبب وغيره من الأسباب بدأت تظهر أراء تدعو إلى أيجاد الحلول التي تضمن أعمال نصوص الميثاق بما يجعل المنظمة الدولية قادرة على أداء دورها وتحقيق الغاية التي وجدت من أجلها، وقد اتجهت هذه الآراء إلى تلمس الحل في اختصاصات الجمعية العامة التي هي الجهة الوحيدة التي تشارك مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدولي أو أعادته إلى نصابه عند اختلاله، فأخذ أصحاب هذا الآراء بدراسة نصوص الميثاق المتعلقة بالجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي ويتوسعون في تفسيرها وكان من بين ما ينشدونه القضاء على التمييز بين أعضاء الأمم المتحدة هذا التمييز الذي كرس بشكل واضح في مجلس الأمن الدولي والذي لا يظهر ضمن نطاق الجمعية العامة.
إن الجمعية العامة للامم المتحدة هي جهاز من بين عده أجهزة في الأمم المتحدة ولم تعطى تصرفاتها القانونية قوة القرارات الإلزاميه بسبب عدم اختصاصها في التنفيذ وذلك بسبب بطء عمل الجمعية العامة مما يعقد عملية اتخاذ القرار في الوقت الذي تحتاج فيه إلى السرعة لمعالجة المستجدات الدولية،مما حتم وجود جهاز مختص يقوم بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ويملك الوسائل القانونية والمادية التي تساعده على تنفيذ مهامه الموكلة إليه حسب الأختصاص في ميثاق الأمم المتحدة ولكن تاريخ الأمم المتحدة أثبت أن قرارات الجمعية العامة ذات قيمة اخلاقية كبيرة وهي في كثير من الأحيان نجحت حيث فشل مجلس الأمن الذي كثيراً ماوقع رهينة التجاذبات بين الدول الخمس الأعضاء مما شل عملية اتخاذ القرار في مجلس الأمن خصوصاً في فترة الحرب الباردة وجعل العدالة الدولية معطلة دائماً لصالح الأستقرار الذي تريده الدول الكبرى. وعند فشل مجلس الأمن كانت الجمعية العامه تتصدى لتلك القرارات عبر توصيات عدة لكن هذه التوصيات رغم القيمة القانونية إلا أن الأمم المتحدة ظلت عاجزة عن أمتلاك الوسائل والآليات المناسبة لتنفيذ توصياتها مما أفقدها قيمتها القانونية ،وذلك من ناحية عدم التطبيق وعطل العدالة الدولية حيث أن العدالة لاتعني وجود قوانين مثالية،ولكن القدرة على تطبيقها. ولكن مع ذلك خرجت كثير من التوصيات إلى اطار التنفيذ مما أضاف كثيراً إلى العدالة الدولية نوعا ما ،وجعل الجمعية العامة متنفسا للدول الصغرى بعيداً عن هيمنة الدول الكبرى على مجلس الأمن.
تساهم الجمعية العامة في حفظ السلم والأمن الدوليين ، غير أن هذه المساهمة تختلف في طريقتها عن مساهمة مجلس الأمن الدولي ، لقد أعطى الميثاق في المادة العاشرة منه للجمعية العامة سلطات بالقول (للجمعية العامة أن تناقش أي مسألة أو أمر يدخل في هذا الميثاق)، ويفهم من نص المادة المذكورة أنه يحق للجمعية العامة أن تناقش أي نزاع دولي متى ما كان يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين وأن على الجمعية العامة أن تتخذ كل التدابير اللازمة لتطويق هذا النزاع ريثما تعرضه الأطراف على محكمة العدل الدولية، وتأكيدا للدور الذي تضطلع به الجمعية العامة في حل المنازعات الدولية عاد الميثاق وأكد في الفقرة الثانية من المادة الحادية عشر على أن (للجمعية العامة أن تناقش أي مسألة تكون لها صلة بحفظ السلم والأمن الدولي يرفعها إليها أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو دولة ليست من أعضائها)، وتصدر الجمعية قراراتها في المسائل المهمة بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت، وطبقا للمادة الرابعة عشر من الميثاق فللجمعية العامة أن توصي باتخاذ التدابير اللازمة لتسوية أي موقف مهما كان منشؤه قد يعكر صفو العلاقات الودية بين الأمم ويدخل في ذلك المواقف الناشئة عن انتهاك أحكام الميثاق الموضحة لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها.
لقد تجاهل المدافعون عن وجوب وجود حق الفيتو، أن استعماله كان للدفاع عن مصالح الدول الكبرى في نطاق مجلس الأمن، متناسين كذلك أنه ليس من الضروري أن يكون استعمال الدول الكبرى لحق الفيتو هو وسيلتها الوحيدة لمنع صدور مثل هذه القرارات. كما تجاهلوا إستشارة الدول العظمى بحق الفيتو عندما بالغت في استعماله ضد إدارة الشعوب المغلوبة والضعيفة والفقيرة، حتى أهدرت مصالحها فحرم البعض من إستقلاله ومن إسترداد حقه في تقرير مصيره. وحرم البعض من إسترجاع أوطانه المستعمرة من قبل الإستعمار، والسيطرة بالقوة من قبل الأنظمة العنصرية، كما هو حال فلسطين وقبلها جنوب إفريقيا وناميبيا وغيرها، كما تعرقل إنضمام دول جديدة إلى المنظمة الدولية، كانت تريد أخذ مكانها في هذه المنظمة، والمشاركة فيها، إنطلاقا مما جاء في ديباجة الميثاق.