السيمر / فيينا / الاربعاء 05 . 08 . 2020
سليم الحسني
أخطر ما في الأزمات عندما يقف التوتر عند حد معين. ففي هذه النقطة يشعر كل طرف أنه مُعرض لتلقي مفاجأة مؤذية، وعليه أن يتصرف ويستبق غيره. وقد سجّلت وقائع التاريخ الكثير من الحروب التي اشتعلت نتيجة (رتابة التوتر). ومنها حرب حزيران ١٩٦٧، فقد كانت أزمة مضائق تيران قد دخلت منطقة التوتر ثم استقرت عليه، فكسرت إسرائيل بالحرب الرتابة التي تشدّ الأعصاب.
في المقابل فان العديد من الأزمات الدولية، ينتهي التصعيد المستمر الى حلّ، كما حدث في خليج الخنازير وأزمة الصواريخ في كوبا بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة عام ١٩٦٢، فمع اقتراب التوتر بين القطبين النوويين من نقطة التصادم، جاء الحل واتفقا على التهدئة وانتهت الأزمة بسرعة.
إسرائيل من الدول التي تضطرب برتابة التوتر، ولا تستطيع الانتظار، فتلجأ الى الضربة الاستباقية، وقد فعلت ذلك عدة مرات في السنوات الأخيرة منها اجتياح الضفة الغربية عام ٢٠٠٢، وحرب تموز ٢٠٠٦ مع حزب الله، ومعاركها المتكررة مع قطاع غزة.
وحين كان التوتر في المنطقة يتصاعد ثم يقف في خط الرتابة، فان تل أبيب كانت تمارس ضغوطها على واشنطن لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران. كما أنها كانت تلجأ الى توجيه ضربات جوية ضد سوريا، حين تجد أن ضرب إيران عملية غير ممكنة.
إسرائيل لا تُغيّر استراتيجتها، لقد قامت عليها، وحققت نجاحاتها من خلال هذه الاستراتيجة، ولم تجد حتى الآن ما يدعوها الى التغيير. أقصى ما تفعله هو تعديلات بسيطة تتطلبها المتغيرات ومستجدات الوضع الإقليمي والدولي.
منذ عدة أشهر كان الوضع يتصاعد بين إسرائيل وبين حزب الله، وقد جربت إسرائيل استفزاز المقاومة بعمليات محدودة، وكان يأتي رد الفعل منها محدوداً ايضاً. لكن بعد أن طرح السيد حسن نصر الله تهديد (على إجر ونص) صارت إسرائيل تعاني كثيراً من الانتظار، فهو يربك وضعها الأمني والاقتصادي والاجتماعي في مناطق الشمال، كما أنه يُدخل القيادات العسكرية في حالة طوارئ صعبة. وقد ظهر آخر اشكالها في الإرباك الذي حصل أواخر تموز الماضي في أعقاب اغتيال قيادي في حزب الله بسوريا.
لقد شهدت مناطق شمال فلسطين قلقاً متصاعداً طوال الأيام الماضية، وصار شعار (على إجر ونص) يطرق أسماع الإسرائيليين وقياداتهم العسكرية بشدة. ولم يكن بمقدورها ـ وفق الاستراتيجية الإسرائيلية ـ أن تتحمل الرتابة أكثر.
وصلت إسرائيل الى قناعة تامة بأن قدرات حزب الله صارت تدميرية، وأنه تحول الى قوة ضاربة قادرة على إلحاق ضرر وجودي بإسرائيل. وكان زعيم حزب الله في خطاباته يؤكد هذا المعنى ويشير في بعض خطاباته الى حاويات الأمونيوم في إسرائيل، وأنها قد تتحول الى قنبلة ذرية باصابتها بعدة صواريخ. لكن تل أبيب لا تستطيع المجازفة بضربة شديدة لحزب الله لأنها تخشى ردة الفعل التدميرية.
ربما تكون إسرائيل قد قررت كسر رتابة التوتر بضربة مدمرة للبنان، لتجعل من حزب الله عاجزاً عن ضربها. والعجز هنا ليس بقدراته القتالية، إنما العجز الناجم عن هول الحدث وآثاره على الوضع الاقتصادي العام في لبنان. وهو ما سيجبر حزب الله على السكوت والابتعاد عن أي عمل عسكري ضد إسرائيل، لأن جرح لبنان سيكون نازفاً بقوة، وسيكون التفكير والجهد منصباً على تضميده.
إن إسرائيل لو اعتمدت هذا المنطق، فإنها تكون قد ارتكبت واحداً من أكبر الأخطاء. فبعد حرب تموز بادرت المقاومة الى تضميد الجراح لتصنع مقاومة أقوى ومجتمعاً أقوى في مواجهة التحدي. ولا شك أن في حسابات حزب الله خيارات التعامل مع هذا الحدث وربما أكثر. فلقد اعتمد الحزب استراتيجية البناء مع الحرب.
٥ أغسطس ٢٠٢٠