أخبار عاجلة
الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / كاتلين كاريكو باحثة عبقرية علمتنا كيف نراسل فايروس كورونا

كاتلين كاريكو باحثة عبقرية علمتنا كيف نراسل فايروس كورونا

السيمر / فيينا / الاثنين 23 . 11 . 2020 —- لم يكن النجاح الذي حققته التجارب التي أجرتها شركتا “موديرنا” و”فايزر” للتوصل إلى لقاح فعال ضد فايروس كورونا، محضَ صدفة، بل كان محصّلة لسنوات من العمل الشاق للعالمة المجرية كاتلين كاريكو التي يعود إليها الفضل ولأبحاثها المتعلقة بالحمض الريبي النووي المرسال “أم.آر.أن.أيه” في اكتشاف مجموعة من اللقاحات بعثت الأمل في أرجاء العالم بعد أشهر من الإغلاق وتوقف عجلة الاقتصاد في جميع دول العالم.

ومع تزايد وتيرة الأخبار الطبية المبشّرة بشأن توفر أكثر من لقاح للقضاء على وباء كورونا، نادرا ما تُذكر كاريكو التي قضت أربعين عاما من العمل البحثي الشاق لتطوير اللقاحات، واستفادت الفرق الطبية في ألمانيا والولايات المتحدة من أبحاثها الرائدة في تطوير اللقاحات الجديدة لكوفيد – 19.

كاريكو التي تعيش حاليا في الولايات المتحدة، تعدّ من أكثر الأطباء اهتماما باستخدام جزيئات الشفرة الوراثية لعلاج حالات من السكتات الدماغية والسرطان إلى الإنفلونزا.

شفرات معقّدة

بدأت كاريكو العمل على بحوث متعلقة بالحمض الريبي النووي المرسال في بلادها المجر منذ عام 1978، قبل أن تنتقل إلى أميركا بعد إنهاء عملها في مركز البحوث البيولوجية في سيغيد في عام 1985. وبعد عشرة أعوام من العمل والتجارب الطبية قامت بها في جامعة بنسلفانيا، أوقفت الجامعة الدعم المالي عنها لعدم توصلها إلى نتائج مرضية يمكن اعتمادها طبيّا.

لكنها لم تفقد الأمل واستمرت في العمل وكانت تتصل بأكثر من جهة داعمة لاستمرار بحوثها، إلى أن توصلت في العام 2005 إلى نتائج طبية مفيدة باعتماد الحمض الريبي النووي مهدت اليوم للاعتماد عليها في صناعة اللقاح الذي يمكنه تنشيط استجابة تجلب الأجسام المضادة إلى المعركة مع الفايروس. وإذا نجحت هذه الأجسام المضادة، فإنها سترتبط بالبروتين الشوكي، الذي يكون قويا بشكل لمنعه من الالتحام، مع دعوة الخلايا في الوقت نفسه إلى التهام الفايروس.

انضمت كاريكو في عام 2013 إلى شركة “بيونتيك” الألمانية التي أعلنت مؤخرا عن نجاحا في اكتشاف لقاح للفايروس الذي أربك العالم. ومهدت دراسة أنجزتها عام 2005 الطريق إلى نجاح الطبيبين الألمانيين من أصول تركية أوجور شاهين وأوزليم توريتشي، إلى إعلان بيونتيك عن إنجاز اللقاح.

ويرجع نجاح اللقاح الذي أعلنت عنه بيونتيك، والذي لا يزال يتعين عليه اجتياز اختبارات السلامة من قبل المنظمين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى تكنولوجيا “أم.آر.أن.أيه”  المعدلة بالنيوكليوزيد التي ابتكرتها كاريكو.

العلماء يؤكدون أن تكنولوجيا كاريكو يمكنها أن تساعد في علاج أمراض عدة كأمراض القلب والسرطان، حيث تحوّل "منصة" اللقاح الذي سيتم استخدامه في الجسم البشري إلى مصنع لقاح مضاد للفايروسات
العلماء يؤكدون أن تكنولوجيا كاريكو يمكنها أن تساعد في علاج أمراض عدة كأمراض القلب والسرطان، حيث تحوّل “منصة” اللقاح الذي سيتم استخدامه في الجسم البشري إلى مصنع لقاح مضاد للفايروسات

كانت من أوائل المؤمنين بتصميم ذلك اللقاح، وقد تجاهلها مدراؤها المتشككون الذين لم يروا أي بادرة جيدة في بحثها، وعندما تم تعيينها من قبل الطبيب شاهين للانضمام إلى الشركة التي مقرها مدينة ماينز بألمانيا سخر منها بعض العاملين في قسمها. وتقول كاريكو إن أحد زملائها السابقين “ضحك علي، وقال إن الشركة ليس لديها حتى موقع على شبكة الإنترنت”.

لكن يبدو أن العالمة ذات الوعي السابق لزمنها، لا تستمتع بشهرتها الجديدة. تقول “يمكنني التعامل مع الرفض، لكن الأضواء مرعبة” بعد

أن سلّطت وسائل الإعلام الأضواء عليها مؤخرا. بينما يؤكد العلماء أن تكنولوجيا كاريكو يمكنها أن تساعد في علاج عدة أمراض كالقلب والسرطان، حيث تحوّل “منصة” اللقاح الذي سيتم استخدامه في الجسم البشري إلى مصنع لقاح مضاد للفايروسات، ويمكن إعادة تجهيزه للتدخل في أمراض أخرى وتسريع تطوير اللقاحات لمنع الأوبئة في المستقبل.

ضربتان لكورونا

شهدت تجارب لقاحات الحمض الريبي النووي المرسال “أم.آر.أن.أيه” نجاحا كبيرا في المراحل الأخيرة من التجارب التي أجرتها شركتا موديرنا وفايزر، كما أن فعاليتها في الوقاية من فايروس كورونا تمثل أول دليل على مدى قدرة هذه التقنية في القضاء على الوباء وإعادة الحياة إلى طبيعتها. وكلا اللقاحين التجريبيين من الشركتين قد حققا معدلات فعالية أعلى من 90 في المئة بناء على النتائج المعلن عنها مؤخرا، والتي كانت أعلى بكثير من المتوقع وأعلى بكثير من عتبة 50 في المئة التي حددتها السلطات الرسمية المجيزة لاستخدام اللقاحات.

ونظرا إلى أن التقنية الجديدة تستند إلى شكل من أشكال المواد الجينية الموجودة في الفايروسات وكذلك الخلايا البشرية السليمة أو المريضة، يمكن برمجة لقاحات “أم.آر.أن.أيه” لاستهداف العديد من الأسباب المحتملة للمرض، على الأقل من الناحية النظرية، ويمكن صنعها بسرعة وبتكلفة أقل من غيرها.

مفاعلات حيوية

تعتمد الطريقة التقليدية لإنتاج اللقاحات على إدخال فايروس ضعيف أو ميّت، لتحفيز جهاز المناعة في الجسم. ووفقا لدراسة أجريت في العام 2013، فقد استغرق أحد لقاحات الإنفلونزا الوبائية أكثر من 8 سنوات، بينما استغرق لقاح التهاب الكبد الوبائي “بي” حوالي 18 عاما في طور الإعداد، في المقابل انتقل لقاح “موديرنا” من التسلسل الجيني إلى أول حقنة بشرية في غضون 63 يوما.

اعتمدت عدة شركات أخرى نفس التكنولوجيا المستخدمة التي تعتمد على الحمض الريبي النووي مثل كيورفاك الألمانية، وهي التي بحوزتها اللقاح المرشح المعتمد على نفس التقنية. وعلق جيريمي فارار، مدير وحدة الأبحاث السريرية بجامعة أكسفورد، التي تدعمها مؤسسة “ويلكوم” عن ذلك بالقول “سنلقي نظرة على التقدم الذي تم إحرازه في عام 2020 ونقول: كانت تلك لحظة حقق فيها العلم، حقا، قفزة إلى الأمام”.

الحمض النووي الريبي الذي اكتشف لأول مرة في العام 1961 يحمل رسائل من الحمض النووي للجسم إلى خلاياه، ويطلب منها صنع البروتينات اللازمة للوظائف الحيوية، مثل تنسيق العمليات البيولوجية مثل الهضم أو مكافحة الأمراض.

ويختبر العلماء لقاحات “أم.آر.أن.أيه” من أجل علاج السرطان، لكن الخلايا المحتالة يصعب العثور عليها من الفايروسات نفسها، إلا أن شركة موديرنا تطبق نفس تقنية “أم.آر.أن.أيه” على أدوية السرطان التجريبية.

وعن ذلك يقول الأطباء إنه وفي في بعض الأحيان يكون سبب السرطان ازدواجية الجينات والكروموسومات، ثم يبدو كل شيء عنه طبيعيا وتنقسم الخلية أكثر مما ينبغي. أما بالنسبة إلى اللقاحات ضد الأمراض المعدية، فقد كان النهج التقليدي لصناعة المستحضرات الصيدلانية يتمثل في تشغيلها في مفاعلات حيوية كبيرة، وهي عملية تستغرق وقتا طويلا ومكلفة في المنشآت التي يمكن أن تكلف ما يصل إلى 700 مليون دولار.

المجرية التي أهملها الإعلام والمؤسسات البحثية طويلاً، تعد من بين أكثر العلماء اهتماماً باستخدام جزيئات الشفرة الوراثية لعلاج حالات مرضية خطيرة بدءًا من السكتات الدماغية والسرطان ووصولا إلى الإنفلونزاالمجرية التي أهملها الإعلام والمؤسسات البحثية طويلاً، تعد من بين أكثر العلماء اهتماماً باستخدام جزيئات الشفرة الوراثية لعلاج حالات مرضية خطيرة بدءًا من السكتات الدماغية والسرطان ووصولا إلى الإنفلونزا

على النقيض من ذلك، يقدر زولتان كيس، الباحث في إمبريال كوليدج لندن، الذي يصنع نماذج لتصنيع اللقاحات، أن مفاعلا حيويا واحدا سعة 5 لترات داخل منشأة بقيمة 20 مليون دولار يمكنه أن يصنع مليار جرعة من بعض أنواع اللقاحات.

وتعمل شركة تصنيع الأدوية “لونزا” على إنتاج 400 مليون جرعة من لقاح “موديرنا” سنويا في الولايات المتحدة والمواقع السويسرية، ومن المقرر أن يبدأ الإنتاج هذا العام بخطوط تصنيع تتكلف بين 60 و70 مليون دولار لكل منها.

ويقول أندريه جوركي، العالم الرائد في مشروع موديرنا في شركة لونزا “ننتج الحمض النووي الريبي على نطاقات أصغر وفي منشآت أصغر مقارنة بالمعدات والمرافق التقليدية واسعة النطاق”.

ومهما يكن من أمر، فإن الضجيج الإعلامي التي بدأ يرافق الإعلان عن اكتشاف لقاح لكورونا، ترافقه تصريحات عديدة من أطباء وسياسيين، لكن وسائل الإعلام اكتشف مؤخرا أن الطريق الطويل للتوصل إلى اللقاح يجب أن تسبقه بحوث وتجارب طبيّة وسريرية تمتد لأعوام، وفي لقاح كورونا قادت كاريكو كل تلك التجارب ما بين بلدها والولايات المتحدة وبعدها ألمانيا، وهي تعيش مجدها العلمي اليوم والعالم يدين لها بالامتنان الشديد، ولعل المؤسسات البحثية والإعلامية حول العالم تشعر بالتقصير الكبير لأنها لم تركز على أبحاث كاريكو في وقت مبكر. ربما كان الوضع سيبدو مختلفا عما عشناه ونعيشه خلال هذا العام مع كابوس كورونا.

*

صحافية تونسية مقيمة في لندن

المصدر / العرب

اترك تعليقاً