السيمر / الاثنين 22 . 03 . 2021
اسعد عبدالله عبدعلي
ليلة امس اخترت مشاهدة الفيلم المصري الصندوق الاسود, وهو فيلم تشويق وإثارة من إنتاج سنة 2020, الفيلم من إخراج محمود كامل، وتأليف هيثم مصطفى الدهان، وأحمد الدهان، وإنتاج جابي خوري، ومن بطولة منى زكي، ومحمد فراج، ومصطفى خاطر، وشريف سلامة, ويعتبر الفيلم هو عودة منى زكي للسينما بعد غياب دام لأربع سنوات، إذ كان آخر فيلم بعنوان من 30 سنة، والذي طُرح في عام 2016.
في خضم ازمة الوباء العالمي وتعطل الانتاج وتردي نوعية ما يتوفر, جاء فيلم الصندوق الاسود ليشكل علامة فارقة.
الفلم كله مختزل في ليلة واحدة تجري فيها الاحداث, حيث اختار المحرج ان يكثف التفاصيل ويحافظ على الاثارة طيلة ساعة ونصف, ويبدأ الفيلم بياسمين المرأة الحامل في ايامها الأخيرة، وتقوم بدورها منى زكي، والتي تزور طبيبها النسائي، ثم تتوجه إلى منزلها المنعزل والذي تقيم فيه وحيدة لسفر زوجها؛ لكن الليلة الهادئة تتحول إلى جحيم عندما يقتحم الفيلا اثنان من المجرمين بهدف سرقة أوراق مهمة من زوجها المحامي الشهير.
· نقاط سلبية تحتاج لوقفة
الحقيقة فكرة الفيلم مستهلكة مكررة, لكن نجح المخرج في جذب المشاهد عبر خلق مشاهد التشويق, فجعلنا نتعاطف مع المرأة الحامل وما تتعرض له, ثم ما تكشفه من اسرار بخصوص خيانة زوجها وفساده, وكذلك نتعاطف حتى مع اللص (مصطفى خاطر) الذي يسرق لحماية عائلته كما تم توضيحه لاحقا, ولعلاج والده المريض المحتاج لعملية مستعجلة, ونسجل هنا خمس نقاط مهمة:
اولا: نسجل سلبية على الفيلم حيث اثار قضيتين, لكن لم يظهر اهميتهما لاحقا, وهما قضية ان الام مهددة بتسمم الحمل, وعندها فوبيا من الاماكن المرتفعة, فترفض النزول بالمصعد وتنزل عبر السلم, لكن هذه المعلومتين لم توظف لاحقا مما شكل عبئا على سيناريو الفيلم.
ثانيا: لم يتم توضيح دوافع السرقة للمجرم هادي (مصطفى خاطر)! حتى نهاية الفيلم كان دوافعه غير واضحة المعالم, وقد تنبه صناع الفيلم لهذه الثغرة في منتصف الفيلم فلجئوا الى افتعال مرض والده, واحتياجه للمال لأجراء عملية مفاجئة, أي انه طارئا حصل لم يكن هو من البداية الدافع للسرقة! ثم في آخر مشهدين تم مضاعفة هذا القلق باختطاف الأب المريض والأخت من الأشخاص الذين أغروه بسرقة الأوراق.
الاضطراب الواضح في كتابة شخصية هادي, ولم يخدم مصطفى خاطر في أدائه التمثيلي؛ بل جعله أداء فاتر للغاية ومتوقع، وقدم مصطفى خاطر شخصية الشاب “الغلبان”، المتعثر المثير للرثاء بطريقته المعتادة, مع محاولة استدرار تعاطف من الجمهور بلا مبرر حقيقي، عن طريق الدموع والتهافت المتواصل.
ثالثا: قد فات الكاتب والمخرج ان يبررا للمشاهد كيف صار “هادي” على هذا اليقين، من أن ياسمين ستغادر الفيلا في ليلة عيد ميلادها، إذا كانت هي نفسها قد غيرت خطتها في اللحظة الأخيرة، وفضلت البقاء في البيت, فكان يجب ان يوضح لنا صناع الفيلم كيف توصل لهذا اليقين هادي (مصطفى خاطر).
رابعا: حاول الفيلم ان يبين لنا ان سيد (محمد فراج) لص عتيق ذو خبرة, لكن تصرفات غريبة ظهرت على اللص الخبير وصاحبه, فما ان دخلا الفيلا حتى كشفا اللصان اللثام عن وجهيهما بسرعة البرق لحظة الدخول، (كأن اللثام مجرد كمامة وليس لإخفاء هويتيهما!)، والمنطقي أن في الفيلا، كاميرات مراقبة، كما سيظهر لاحقاً, وكان يجب ان يكونا اكثر حذرا.
خامسا: مع جميع تلك التحولات لا نزال نجهل ما قصة ذلك الملف! ومن الذي يريده من محاولة سرقته، وبقي ذلك الغموض إلى النهاية، وذلك مسار درامي ومنطقة في السرد السينمائي لا ندري لماذا لم يقترب منها كاتبا السيناريو لتوسيع مساحة الأحداث، وأما ما تمّ الاكتفاء بعرضه من أحداث فكأننا أمام فيلم قصير وقعت إضافة تفاصيل إليه لاحقا هنا وهناك, لكي تغطي زمنا فيلميا أطول.
· محمد فراج ونجاح مستمر
أما شخصية اللص الثاني “سيد” محمد فراج، الذي يظهر بمكياج متقن يرخي قليلاً أحد عينيه، ما يعطي الانطباع بالاختلال النفسي، وبشقوق في خديه نتجت عن ضربات، لا بد أن وجهه قد تلقاها من سكاكين أو “مطاوي” في معارك سابقة، إنه المجرم في صورته المثالية.
فقد جاءت الأبسط والأكثر سلاسة في الفيلم، فهو مجرد مجرم عادي يعتمد بحياته على السرقات البسيطة من هنا وهناك، وجلبه معه هادي ليساعده بخبرته، فلا يحتاج إلى دوافع خاصة لأي من أفعاله, وقد أثبت محمد فراج موهبته السلسة في دور لم يختلف عما قدمه سابقا؛ لكن في الوقت ذاته أضفى عليه الكثير من الواقعية، ومثّل بالفعل جانب الإثارة الأهم في الفيلم، فلولا أداء فراج المميز لما شعر المشاهد بالخوف أو القلق على بطلته، خاصة مع الضعف الواضح في شخصية شريكه.
عندما يبقى اللص سيد وحده في الفيلا يشرب خمرا ثم يفتح موبايل ياسمين ويشاهد صورها ويفتن بجمالها فيتجه لسريرها! ويبدأ في تأملها وهي فاقدة للوعي إثر ضربة على رأسها، وفي هذه الأثناء تستيقظ لتجد نفسها بهذا القرب من الرجل القبيح والمخيف، وهو يبدي تجاهها حناناً مفاجئاً ويطلب منها أن تلمس وجهه، ليحظى منها ببعض الحنان المحروم منه لقبحه.
ثم يبدأ في سرد قصته لها حين كان صبياً، وتسلل ليتفرج على امرأة تلد. يبدو أنه شعر بالرغبة تغزوه في ذلك المشهد القديم، وها هي الرغبة تعود إليه الآن، هذا ما نحدس به، لكن الفيلم لا يخبرنا به مباشرة, وتستغل هي الموقف لصالحها فتطلب منه أن يحررها من الحبال، وباستردادها جزءاً من حريتها تعود إلى المقاومة وتضربه بسكين في ظهره وتهرب.
· ايحاء نفسي بالغرق
محاكاة نفسية لما تفكر به ياسمين (منى زكي) فكأنها بالغرفة المحصنة بسجن, مع اضطراباتها وقلقها واوجاع حملها, تفقد الوعي بشكل مفاجئ بعد تصديها لمحاولة “سيد: الدخول من فتحة التكييف للغرفة المحصنة, ويعبر المخرج عن الفكرة بمشهد فقدانها المؤقت للوعي، وحلمها بالغرق في عمق البحر، الذي يذكر بمشاهد من أفلام أميركية تنتمي لنفس النوع، ويتقاطع أيضاً مع مشهد مشابه في فيلم “أدرينالين” للمخرج نفسه.
يتزامن هذا الغرق الرمزي، الذي يشي بعجز ياسمين عن التصرف, مع محاولات اللصين البائسة في اقتحام الغرفة المعزولة، ومنها مثلاً تسريب المياه إلى الداخل، لتخويفها من الغرق.
تترجم منى زكي بأسلوب تمثيلي رائع تترجم منى زكي بملامح وجهها وانقباض عضلاتها, وبالتأكيد بنظرات عينيها عن معاناة “ياسمين” النفسية ومشاعرها الدقيقة, التي بسقوطها إلى قعر مخاوفها، ولاعتقادها أنها ربما تكون قد خسرت بالفعل جنينها، تستيقظ لتواصل المقاومة ضد اللصين دون خوف, يهديها حدسها إلى فتح الحاسوب الشخصي لجاسر، وهناك ستكتشف فضائحه وفساده، ويتغير موقفها من كثير من الأشياء.
· استنساخ فكرة فيلم غرفة الرعب
الملاحظ انه يوجد شبه فضيع بين الفيلم والفيلم الاجنبي غرفة الرعب (Panic Room)”، الذي أخرجه ديفيد فينشر عام 2002. مُشاهدة “الصندوق الأسود” تؤكّد أنّ الأمر ليس “مجرّد تشابه” بينهما، فكرةً وأجواء، بل نسخ لتفاصيل ومَشاهد ولحظات ذروة، بينما الفرق الوحيد يتمثّل في إضافة “كليشيهات” درامية مصرية عليه.
لكن ما يثير الحيرة والازعاج ان من يقتبس من الفيلم الاجنبي لم يدرك مكامن البروز في الفيلم! فالفيلم الاجنبي تمحور حول الغرفة الحصينة التي لا يمكن فتحها وتحتمي فيها صاحبة المنزل (جودي فوستر) وهذا هو الذي منح الفيلم الاجنبي حيوية, في فيلمنا تم تحويل الغرفة الى فيلا مما جعل كاتبا السيناريو يغرقنا في فوضى, فقلد النسخة الاجنبية في مسألة الفوبيا من الاماكن المرتفعة لكن لم يدرك الهدف من ذلك لذلك جاءت اضافة زائدة على الفيلم لأنها لم توظف لصالح الفيلم.
فالغريب الذي نثيره هنا كيف يستخدمون التفاصيل الأجنبية نفسها، من دون إدراك دورها في الحكاية؟