السيمر / فيينا / الخميس 06 . 01 . 2022
د . لبيب قمحاوي*/ الاردن
أصبح الأردن الآن أقرب ما يكون الى شركة خاصة يديرها مدير عام بصلاحيات مطلقة ويشرف على أمورها مجلس ادارة مكون من مجموعة من الدول الأجنبية التي تسعى إلى الحفاظ على مصالحها الخاصة أولاً و أخيراً .
لا يوجد في الحقيقة أي داعٍ لفلسفة الأمورأو تعقيدها أو التعبير عن الدهشة أو الاستهجان لما يجري الآن في الأردن و للأردن . حقيقة الأمر أن مقدرات الدولة الأردنية لم تعد بيد أبنائها ، ولا حتى بيد حكامها . الاردن الآن دولة مستقلة إسماً ودولة مٌسيَّرة ومحكومة لإرادة الآخرين فعلاً ، وقد يكون ذلك بفعل الضغوط المالية والعسكرية والسياسية للدول المانحة . ولكن ما الذي أوصل الأردن الى هذه الحاله من الفقر والعَوَز . الفساد وسوء الادارة والمحسوبية و التفرد و الانفراد بالسلطة هي من جملة الاسباب و المسببات
الأردن الآن دولة مستقلة بالإسم دون أي محتوى سيادي حقيقي. والتعديلات الدستورية الأخيرة وكذلك قوانين الاصلاح السياسي المرافقة لا قيمة فعلية لها في ظل غياب السيادة والقرار الوطني الأردني المستقل. إن إعطاء مزيداً من السلطات والصلاحيات لتعيين هذا أو إقالة ذاك بقرار منفرد لن يعني عملياً تملك القدرة على السيطرة على مسار البلد وسياساته خصوصاً بعد أن وَقَّعَ الأردن ما يكفي من الاتفاقات المريبة مما حَوَّله من دولة مستقلة ذات سيادة الى كيان يشرف على ادارة الأمور الداخلية دون القدرة على السيطرة الفعلية على قراراته السيادية .
القرارات السياسية الأخيرة وما رافقها من تعديلات دستورية تأتي في الحقيقة في سياق ما هو قادم من تغييرات اقليمية تنسجم مع الفكر والنهج الابراهيمي . اسرائيل و أمريكا و دول غربية أخرى تسعى إلى أن يسود النهج الابراهيمي سياسياً ودينياً وعرقياً الى أن يصل إلى مداه النهائي في اذابة وتذويب الهوية العربية والاسلامية لدول المنطقة وشعوبها ومنها ، إن لم يكن على رأسها ، الأردن . وفي هذا السياق من المطلوب أن تُدار الأمور من قبل االحكام مباشرة دون الرجوع الى الشعب أو الى مؤسسات الدولة الدستورية . والاتفاقات المختلفة التي وقعها الأردن مؤخراً تؤكد هذا المسار حيث لم يكن للحكومة أو مجلس النواب أي دور في صياغتها أو إقرارها ناهيك عن الاطلاع على فحواها أصلاً . فالاتفاقات العسكرية والأمنية حَوَّلَتْ الأردن الى قاعدة عسكرية ضخمة أمور السيادة فيها و عليها لدول أخرى غير الأردن . واتفاقية الغاز أدخلت اسرائيل الى كل بيت أردني دون استئذان. واتفاقية الكهرباء مقابل الماء اكملت إعطاء السيادة على الطاقة في الأردن لدول أخرى مثل اسرائيل ، في حين أصبحت مياه الشعب الأردني مٍنَّةً و احسانا من عدو الأردن الحقيقي اسرائيل ورهينة بيده .
وبمناسبة الحديث عن التعديلات الدستورية الأخيرة و ما سبقها من تعديلات أخرى يبرز السؤال عن مدى حاجة الأردن الى دستور ما دامت كافة السلطات قد تم وضعها بيد شخص واحد؟ إن التصريحات الأخيرة للسفير الأمريكي في عمان والذي كان سلوكه أقرب ما يكون الى سلوك المندوب السامي في عصور الاستعمار يؤكد أن أمور الأردن وسياساته أصبحت الآن بيد دول أجنبية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية . والمندوب السامي الأمريكي تجاوز في سلوكه ذلك منظومة السلوك و الاعراف الديبلوماسية التي لا تسمح لسفير أي دولة أجنبية أن يتدخل في الشأن الداخلي أو السيادي للدولة المضيفة .
الادعاء الرسمي الأردني بوجود عملية اصلاح سياسي حقيقة هو ادعاء يفتقر الى الموضوعية بشكل فاضح . تفكير الدولة لا يستطيع أن يخرج عن ثوبه الأمني الملئ بالشكوك ، وصدر الدولة الأمني لا يتسع للرأي الآخر إلا بمقدار. الحديث الذي يدور مؤخراً عن الدور السلبي للأصوات الأردنية المعارضة لما يجري ينطلق من فلسفة أن “من ليس معنا (أي مع الدولة) فهو ضدنا” . ان هذا الموقف يعكس العقلية العرفية التي تحكم الآن مسار الأردن والقائمين عليه . فالمعارضة تعكس غيرة الأردنيين على بلدهم ومصالحه الوطنية وليس العكس . وهذه الغيرة تستند الى العديد من السياسات التي ثبت إما خطأها أو خطورتها .
إن إضعاف الدولة الأردنية لا يتم كما يدعي البعض ، من قبل المعارضين لسياسات واجراآت واتفاقات تقوم بها الدولة العميقة في الأردن بعضها واضح والكثير الآخرغامض ، و انما يتم تحديداً خشية من تلك السياسات والاتفاقات و التعديلات الدستورية التي تٌفرغ الدولة من محتواها وتقوم بمقايضة سيادتها مقابل أشياء غير مفهومة أو غير معروفة . الحقيقة المؤلمة هي أن ما تبقى من سلطات خارج ارادة الملك هي سلطات شكلية تهدف فقط الى تسيير الأمورالحياتيه و إدارة شوؤن البلد داخلياً . إن رفض ما يجري الآن هو قمة الوطنية الأردنية الايجابية وليس العكس كون ما يجري يتعارض و رغبة و ارادة و مصلحة الشعب الأردني والدولة الأردنية ذات الارادة المستقلة .
*مفكر عربي