السيمر / فيينا / الجمعة 14 . 04 . 2023
د.ماجد احمد الزاملي
النظام السياسي عامل مؤثر ومثير للظاهرة الإجرامية، وأن العوامل الناتجة عن طبيعة النظام السياسي لها تأثير مباشر وآخر غير مباشر فالتأثير المباشر يرجع إلى الحكومات وتأثيرها على الظاهرة الإجرامية مثال تدخل بعض رجال الحكومة في جماعات المافيا وتأثير الحكومات على الظاهرة يظهر في الشكل السيء لبعض الحكومات “الحكومات ذات الإدارة الفاسدة، الرشوة، الاختلاسات ضعف جهاز الشرطة، عدم التطبيق الصارم للقوانين”. أمَّا التأثير غير المباشر والمتمثل في إنعدام المراقبة التي تسمح للناس بالتصرف بكل الاشكال مثلما يحدث في أوقات الحرب حيث لا تستطيع الحكومة أو السلطة التأثير أو السيطرة على الشعب.
ومن المعلوم أنَّ تفاقم موجات العنف الإجرامي في فترات ما بعد الحروب والأزمات والكوارث الطبيعية، نتيجة ضغط هذه الظروف على ابناء الشعب ، أو ربما العنف يتأتى نتيجة اعتياد العامة على مشاهد الموت والدمار في حقب الحروب، كما أن سهولة الحصول على الأسلحة وانتشارها بين أفراد المجتمع يعمل على انتشار معدلات العنف الجنائي، من دون شك، كل ذلك يُعد من العوامل المسَهِّلة التي تساعد على انتشار الجريمة، وهي كلها متوفرة بشكل واضح في المجتمع العراقي كمثال . وربما كانت المفارقة العراقية تكمن في الوجه السياسي للعنف الإجرامي، إذ مثّل عنف أجهزة الدولة القمعية على مدى عقود ماضية، الخطر الأكبر على حياة الافراد، والأمر الأكثر تهديدا من عصابات الجريمة الجنائية، فالقتل في الحروب الخارجية والداخلية، مثّل الجانب الأكبر للوفيات بين الشباب، كما مثّلت عمليات الإبادة الجماعية والقتل على أساس الشك في الولاء، وتصفية الخصوم السياسيين والمعارضين للنظام، وسائل عنفية انتشرت وأشاعت ثقافة استسهال الموت في المجتمع. وعن سبب ارتكاب جرائم القتل الأسري، فأن لكل جريمة خصوصيتها، إلا أنه الحروب وانتشار المنظمات الارهابية ادت انتشار السلاح والى وضع معيشي الصعب يعيشه المواطنون، ولّدت آثاراً نفسيه وسلوكية ووضعاً اقتصادياً متدنياً، أدى إلى آثار نفسية وسلوكية كلها يمكن أن تكون سبباً، لكنها ليست كل الأسباب، لأن هناك أسباباً خاصة لكل جريمة. الضغوط الحياتية تمثِّل سبباً للجريمة، وهذا لا شك فيه، لكنها لا تعد السبب الوحيد لارتكابها. والضغوط الحياتية عندما تزداد قد تصل بالفرد إلى حالة الاكتئاب الشديد والنظرة السوداوية للماضي والحاضر والمستقبل، لدرجة أنه يقتل نفسه وليس فقط أفراد أسرته، فهو يقتلهم استشعاراً منه بوضعهم البائس الذي يصوّره له تفكيره، معتقداً أنه بذلك يرحمهم من حياة العذاب التي يعيشونها”. ولا يمكن الحد من نسبة الجريمة إلا باعتماد سياسة وقائية تذهب إلى جذورها واعتماد سياسة مواجهة أول شروطها استقرار المؤسسة الأمنية وإبعادها عن الصراعات والتجاذبات. وتوفير كل المرافق والمستلزمات التي تُعينها على القيام بدورها ومن ذلك الموارد البشرية الكافية والتدريب والتجهيزات وخاصة الإسناد السياسي والمعنوي. وانعكست مرحلة الانتقال الديمقراطي على رغم نقاط الضوء التي تميزها على صعيد الحريات والتعددية، سلباً على الواقع المجتمعي، حيث ظهرت موجة من الجرائم والبلطجة مع استغلال المجرمين حالة اللااستقرار السياسي والتخبط الحكومي في ترويع الناس. ان محكمة التحقيق المختصة بالتحقيق في جرائم العنف الأسري تطبق القوانين النافذة ومنها قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل وقانون رعاية الاحداث رقم (76) لسنة 1983، ذلك لأن المشرع العراقي لم يصدر قانونا للحماية من العنف الاسري، وان التحقيق في جرائم العنف الاسري يتطلب الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة العلاقات الزوجية والأسرية، خصوصا إذا كانت الشكوى مقدمة من قبل الزوجة بحق زوجها، الأمر الذي يتطلب إجراءات قانونية تتناسب مع واقع الحياة الأسرية. إن هذه المبادرة القانونية والإنسانية تدل على اهتمام مجلس القضاء الأعلى بظاهرة العنف الأسري والأسرة سعياً منه للحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها بالطرق القانونية والحضارية. المشرع العراقي أقرَّ نصوصاً صارمة على كل من يحاول تفكيك الأسرة او التقليل من قيمتها، ومن هنا نص قانون العقوبات العراقي في المادة (383) فقرة (1) منه على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد على ثلاثمئة دينار من عرّض للخطر سواءً بنفسه أو بواسطة غيره شخصاً لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره او شخصاً عاجزاً عن حماية نفسه بسبب حالته الصحية أو النفسية او العقلية). ولغرض احتواء هذه الكارثة الانسانية التي تهدد المجتمع العراقي عموما ولغرض عدم اتساع آثارها ، لابد من توفيرالاليات المناسبة وتفعيلها باسرع وقت وأن تحضى بالاولوية في وضعها موضع التنفيذ.إن أول هذه الآليات هو تفعيل القانون المختص لملاحقة الجاني وادراك أي شخص سلفاً بأن جرائمه تُعتبر من الاعمال التي يعاقب عليها القانون عملاً بالقاعدة الفقهية التي تقضي بأنه( لايُعتَد الجهل بالقانون ).
أحد العوامل الرئيسية في صورة الجريمة الخطرة، يرتبط بالإنتشار والإستخدام واسع النطاق للأسلحة ُ غير القانونية. ويُستخدم السلاح لتنفيذ جرائم خطيرة، مثل القتل، والسطو، وابتزاز المال الخاوة، وأيضاً ّ لكسب القوة في إطار الصراعات بين العناصر الإجرامية والنزاعات بين العائلات. إن السهولة التي ُ يمكن من خلالها الحصول على الأسلحة النارية (من خلال السرقة، والسطو، والتهريب من مناطق مجاورة وحتى صناعة ذاتية) وغياب الردع الكافي لإستخدامها، أدى ّ إلى انتشارها واستخدامها بكثرة. وبسبب انعدام الشعور بالأمن الشخصي، أصبح معلوماً ّ أن الأسلحة متوفرة أيضاً َّ لدى المواطنين العاديين، الذين يشعرون بأن عليهم مواجهة النزاعات، أو حماية عائلاتهم ٍ بشكل ّ ذاتي، دون تدخل سلطات إنفاذ القانون.
جرائم القتل موجودة في أغلب مدن العالم ولكن الشي الغريب هو وصول هذه الجرائم إلى أوثق العلاقات البشرية وهي الأسرة الواحدة، فتجد أفرادها يتخاصمون ويتقاتلون في سبيل المال وتصفية حسابات شخصية. وخلافًا للمنطق التقليدي للحرب (هدف الحرب التقليدية هو تحقيق انتصارات جيوستراتيجية بتدمير العدو أو احتلال الأرض أو صد العدوان على الدولة)، أما الحروب الجديدة فتُشن باسم الهوية ودفاعًا عنها، سواءً كانت هوية إثنية أو دينية أو قبلية.
وإذا وصفنا الجريمة على أنها فعل يجرّمه القانون ويعاقب عليه أمكن إدراك أن الدول تختلف فيما بينها في تقييم الأفعال الإجرامية، بل إن الدولة الواحدة قد يختلف فيها التصنيف القانوني للجريمة من فترة إلى أخرى.”وجديرٌ بالذكر أن أنواع السلوك المضاد للنظام الاجتماعي والأخلاقي ليس من الضروري أن تدخل ضمن نطاق الجريمة، ومع ذلك حاول بعض علماء الإجرام توسيع نطاق تعريف الجريمة، بإدخال أنواع السلوك الانحرافي ذات الأهمية الاجتماعية، وإن كانت لا تُشكِّل من الناحية القانونية جرائم”.أنَّ علاج العنف الأسري يحتاج الى مجهود جماعي يبدأ من الاسرة لكي ينعم الطفل بطفولة خالية من التعنيف، ومن أسرة تحترم حقوق أفرادها لا تميِّز الذكور عن الإناث، ومن مؤسسة تربوية تهتم بتربية الطفل قبل تعليمه، وبمنظومة قيم للمجتمع تمكن المرأة من فرص التعليم والإسهام الحقيقي في المجتمع وتنتهي بسلطة تشريعية ترسخ قيم العدل والمساواة وسلطة تنفيذية تضمن الحقوق من الانتهاك. أنّ المثير في ظاهرة العنف ضد الأطفال هو إقدام الأبوين، أو أحدهما، على تعنيف أطفالهما بدلاً من حمايتهم بشكل لم يسبق حدوثه من قبل. فتصاعد العنف ضد الأطفال بصورة مخيفة داخل المجتمع العراقي هو نتيجة للمشاكل الأمنية والاقتصادية والصحية.
لم تكن ظاهرة انتشار ثقافة االاستهلاك وعلاقتها بالجريمة من الافتراضات التي فكرنا فيها لكن تكرار الحديث عنها من قبل مَن قابلناهم دفعنا للتركيز على أثرها ّ في المجتمع عامة والشباب خاصة فوجدنا أنها تشكل في كثير َ من الأحيان مفاهيم الناس عن الحياة، وتعيد صياغة عاداتهم وسلوكياتهم. أصبحت ثقافة ألإستهلاك واقعاً تولد فيه أجيال لم تجرب واقعا غيره فأصبح الجيل الشاب، وحتى الأطفال، يجدون أنفسهم أمام أساطير تحاول هذه الثقافة إقناعهم بها، دون أن يُقابَل ذلك بأي تثقيف يُقاوم تلك الشعارات ويُبّين زيفها والآثار الكارثيّة المترتبة عليها.
لقد بدأت منظمات المجتمع المدنيّ والمؤسسات الأكاديمية ووسائل الإعلام بتوثيق قضايا التهجير القسري وأنماطه الذي نتج عن عنف عصابات المخدرات، سعياً منها لتحليل مختلف أشكال التنقل الإنساني وللتمييز بين الهجرة القسرية عن الهجرة الطوعيّة. وعلى العموم، تبلغ نسبة الأشخاص الذين يغادرون المدن والقرى التي تشهد أحداث العنف ما بين أربعة إلى خمسة أضعاف عدد الأشخاص الذين يغادرون المدن والقرى التي لا تشهد عنفاً والتي تتمتع بظروف اقتصادية واجتماعية مشابهة.
ويمكننا القول أنَّ التحولات الاقتصادية تلعب دوراً هاما في التغير الاجتماعي عموماً وفي ظهور عدة جرائم، ومن أمثلة التحولات الاقتصادية نذكر تحول المجتمعات الإنسانية من مجتمعات زراعية إلى مجتمعات صناعية والتحول إلى الصناعة يترتب عليه التركيز العمراني في المدينة وهجرة أهل الريف إليها و مما لا شك فيه أن التحولات الاقتصادية على مدى التاريخ كان لها عدة نتائج جوهرية في التبادل التجاري، كذلك في نشأة التجمعات البشرية في المدينة كذلك في التوزيع الطبقي في المجتمعات الصناعية وكذلك تَعقُّد مشاكل الحياة وأخيراً في ارتفاع المستوى المعيشي. والوضع الاقتصادي المتردي لا يقل أهمية في ظهور الجرائم مثل الفقر والبطالة وأثرهما في الإجرام فالفقر هو عجز الإنسان على إشباع حاجاته الأساسية وذهب عديد العلماء إلى حد القول:” الفقر هو السبب الوحيد في الجريمة ” و في بحث أُجرِيَ في فرنسا و بريطانيا أن أغلب المجرمين ينتمون إلى أسر فقيرة وغير عاملة.