السيمر / فيينا / السبت 20. 05 . 2023
د . عبد علي سفيح
دعيت ولأول مرة الى حضور مؤتمر عالمي في العاصمة الفنلندية هلسنكي حول الدين، الهوية ،التأقلم والاندماج للأقليات في أوربا.هذا المؤتمر يقوم باعداده الأقلية التترية في فنلندا وبمشاركة فعالة من الحكومة الفنلندية والروسية والتركية.يقام هذا المؤتمر عادة كل سنة في احدى العواصم الأوروبية.في عام 2015 أقيم في لندن،وفي عام2016 أقيم في موسكو،وفي عام2017 أقيم في هلسنكي،وسوف يكون مكان المؤتمر في 2018 في باريس.لذا دعيت الى هلسنكي للتعرف على هذه الأقلية قبل انعقاد مؤتمرهم في باريس. عند افتتاح المؤتمر ألقت نائبة وزير الداخلية الفنلندية كلمتها وأشادت بتجربة الأقلية التتارية في فنلندا وممكن أن تكون مثال ممكن أن تحتذى بها الأقليات الأخرى، كذلك ممثل الأقلية التترية في روسيا ألقى كلمة وأشاد بدور الرئيس الروسي بوتين بدعم هذه الأقلية الموجودة تاريخيا في روسيا وبرهنت وطنيتها واعتزازها بالهوية الروسية،كذلك ممثل الديانة البروستنتانية في فنلندا أشاد بدور التتار في أعطاء الصورة الجميلة والمتسامحة للاسلام وعلى قابليتهم على التأقلم السريع في المجتمع؛ وجاءت ممثلة الفاتيكان بشهادة تقدير لهذه الأقلية الموزعة على 22 دولة في العالم وأعطت أجمل صور التعايش السلمي.
الذي لفت انتباهي في هذا المؤتمر وبعد اللقاءات الجانبية مع التتار بأنهم حنفيي المذهب الا أنهم خلطوا معه البكداشية والعلوية، أي صبغوا المذهب بالصبغة الصوفية الطرقية. لم يتمسكوا بالشريعة حيث قليل جدا منهم يصوم رمضان وحتى نظموا ساعات الصلاة في المسجد بطريقة لم تتعارض مع ساعات العمل، ولكنهم تمسكوا بمحبة أهل البيت. وهذا قد يقربهم من المسيحية التي لم تعطي أهمية الى الديانة اليهودية بقدر أعطائهم الأهمية الى الايمان وحب المسيح؛ والشيء الآخر الذي يستحق الانتباه هو، قابلية التتر على التزاوج بين الأصالة والحداثة، بين التراث والمعاصرة؛ الطفل في البيت يتكلم لغتين وهي الروسية لغة آبائه وأجداده، واللغة التركية لغتة الأم؛ أما خارج البيت يتكلم اللغة الفنلندية والانكليزية بطلاقة. يفتخر التتار بالهوية الروسية التركية وبالهوية الفنلندية ويتفاخرون بها؛ ثم ألتقيت بعدد من أساتذة الجامعات والمراكز البحثية ومعهم طلبتهم في الدكتوراه، بالنسبة لهم يعتبرون هذا اللقاء كمنجم للمعلومات.
من هم التتر: يعدون التتار الأقلية الأقدم ليس في فنلندا فقط بل في الدول الاسكندنافية كلها، وتؤكد المصادر التاريخية أنهم من الشعوب التي أعتنقت الدين الاسلامي وأدوا دورا كبيرا في نشره في منطقة آسيا الوسطى والجمهوريات التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي سابقا وكذلك الدول الاسكندنافية خاصة في فنلندا التي كانت تحت حكم قياصرة الروس، وبالتحديد في العام 1809 حيث أقام القياصرة بجلب التتار لبناء مجموعة من القلاع العسكرية الكبرى، ولقد استقر بعضهم في فنلندا ومات ودفن فيها؛ ثم جاءت الدفعة الثانية من التتار الى فنلندا واستقروا كمجموعات في أكثر من 20 قرية على نهر الفولجا، وعمل غالبيتهم بالزراعة مع التجارة خاصة في الفراء والمنسوجات، واستقر بعضهم في العاصمة هلسنكي وتمكنوا في عام 1925 من تأسيس أول مجمع اسلامي اعترفت به الحكومة الفنلندية.
من الأخطاء التاريخية الجسيمة التي وقع بها كبار المؤرخين والذين اعتنوا بعلم البشر هو بقولهم، ان المغول والتتار هم شيئ واحد، لكن الصواب أن المغول هم الأصل والتتار هم فرع من هذا الأصل، وقد كان للتتار دولة قائمة ذات سيادة حتى سيطر عليها وحطم كيانها الامبراطور المغولي جنكيزخان.
فنلندا جمهورية تقع في شمال أوربا يحدها من الغرب السويد، ومن الشمال النريج، ومن الشرق روسيا؛ يقيم حوالي 5.4 مليون شخص في فنلندا وكانت تاريخيا جزء من السويد، ولكنها في عام 1809 تحولت الى دوقية ذاتية الحكم ضمن الامبراطورية الروسية. استقلت فنلندا عام 1917 وانضمت الى الأمم المتحدة عام 1951. يتمتع الفنلنديون بشعور قوي بالهوية القومية، فتجدهم يسعدون اذا كان لدى زوار فنلندا فكرة عن انجازات المشاهير في فنلندا في مجال الثقافة أو الرياضة، ومن يزور فنلندا لأول مرة، سيجد العادات والأخلاق أوربية أصيلة.
اما الأقليات في فنلندا، فيوجد العديد من الأقليات التي لديها على سبيل المثال لغة أو ثقافة أو دين يختلف عن الأغلبية العظمى من الفنلندينيين، وهناك أقلية صغيرة من العناصر التركية المهاجرة وتمثل خمس السكان يعيشون في العاصمة هلسنكي وحولها.
تتعامل فنلندا معاملة مثالية وبروح متفتحة مع الاقليات. توجد في فنلندا حرية الأديان، كل الذين يسكنون في فنلندا لديهم الحق في اختيار الديانة الخاصة بهم وممارسة شعائرهم الدينية.ضمن القانون يقرر الوالدان دين الطفل. اذا كان وجهات نظر الوالدين مختلفة بالنسبة لهذا الأمر، فبامكان الأم أن تقرر بمفردها ديانة الطفل الذي يبلغ من العمر أقل من سنة واحدة. وعند بلوغ الطفل عمر 18 سنة، ممكن أن يختار الديانة التي توافقه.