السيمر / فيينا / الجمعة 09 . 06 . 2023
محمد جواد الميالي
حظيت السنوات الأخيرة مناقشات حول الأشكال المختلفة للإسلام، وعلاقتها بالغرب الليبرالي، حيث ظهر مفهومان بارزان، الإسلام التكفيري والإسلام العلماني، و لكل من هاتين الأيديولوجيتين آثار عميقة على المجتمع العربي عامة و العراقي خاصة، وللمفهومين أختلاف كبير عن الإسلام الأصولي المعتدل، ولذلك فإن هناك عدة أسباب وراء العداء التاريخي بين الإسلام والليبرالية.
يمثل الإسلام التكفيري تفسيراً متطرفاً ومتعصباً للتعاليم الإسلامية، حيث يعتبرون كل من ليس على دينهم بالمرتدين، ويصفونهم بالكفار، حيث أنهم يلتزمون بتفسيرات صارمة وقراءة حرفية للنصوص القرآنية، ويلجؤون دائماً إلى العنف لفرض معتقداتهم، ولهم العديد من الأتباع من ضمنهم داعش و تنظيم القاعدة، ويربط المجتمع هذا المفهوم بالغرب الذي يحاول أن ينتج صورة سلبية عن الدين المحمدي.
المفهوم التكفيري له أثر مدمر على المجتمعات العربية والعراقية، حيث أدى صعودها إلى أنتشار العنف والإرهاب والصراعات الطائفية، التي ساهمت بزعزعة أستقرار المنطقة بأكملها، لأنهم يرفضون المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ولا يوجد لديهم مفهوم تقبل الآخر، كل ذلك يعيق التقدم الإجتماعي ويغذي مناخ الخوف والقمع.
من ناحية أخرى، فإن الإسلام ذو الصبغة العلمانية يدعو إلى فصل الدين عن الدولة، مشدداً على أهمية الحرية الفردية والمساواة، ولديه العديد من الإشكالية على بعض النصوص القرآنية، و يحاول تغيير العديد من المعتقدات الدينية، ويروج لليبرالية التعاليم الإسلامية، فهم يعتنقون التعددية الفكرية والتعايش مع الجماعات الدينية والثقافية الأخرى، حيث يلعب دوراً حاسماً في تغيير وتشكيل المجتمعات، وساهم في توفير منصة للخطاب الفكري، وتعزيز التفكير النقدي، وتشجيع المسلمين على الإنخراط في المفاهيم الأوسع للديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية، لأنهم ينظرون إلى بعض المعتقدات كالحجاب و تربية الأطفال و الزواج، بأنها تعيق التقدم الإجتماعي و تقف بالضد من الحريات الفردية.
المصطلحان يعتبران أضداد للإسلام الأصولي المعتدل، الذي يمثل أرضية وسطى بين الأيديولوجيات المتطرفة التكفيرية والعلمانية، يدمج المبادئ الدينية في الحياة اليومية مع الاعتراف أيضاً بأهمية التكامل الإجتماعي والتعايش السلمي، يعطي الأولوية للتطور الفكري مع الإلتزام بالتعاليم الدينية، منفتحين على الحوار والمشاركة السلمية مع الأديان الأخرى، لأنهم الوجه الحقيقي للدين المحمدي القويم.
فوبيا الغرب من أنتشار الإسلام أدتهُ إلى دعم أوجه مشوهة، لعكس صورة سلبية عنه، وهذا التوتر التاريخي بينه وبين الليبرالية، ظهر بعد الأستعمار الأمبريالي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وأثر بعمق على المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، بالإضافة إلى ذلك، أدت التدخلات الغربية والسياسات الخارجية، إلى تغذيت إنعدام الثقة وعززت التطرف، خاصة بعد تصريحات كلينتون التي أعترفت بدعم الغرب لتنظيم داعش والقاعدة.
الحقيقة أن المفهومان قد أثرا بشكل كبير على الوسط الإسلامي في المنطقة، فأحدهما قد شجع على العنف وأستمرار الدماء، والآخر دعى إلى التحرر ونبذ المعتقدات، ولم يكن بينهما وسطية سوى الإصولي المعتدل، الذي ساعد على تعزيز الحوار بين التفسيرات المختلفة التي أدخلتها الغرب، لتغيير قواعد الدين، وإنتاج مجتمع يسهل السيطرة عليه.