أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / ارادة الشعب بين فساد بيرليسكوني والديمقراطية

ارادة الشعب بين فساد بيرليسكوني والديمقراطية

السيمر / فيينا / الأربعاء 14 . 06 . 2023

مكارم ابراهيم

تعتبر كوستا سيمرلاندا مكة الايطالين والحج اليها واجب على كل ايطالي. فهي مركز رئيس الوزراء سيلفيو بيرليسكوني اغنى رجل في ايطاليا والايطاليون يكنون له كل الحب والاعجاب اينما تولوا بوجوههم فهو يملك اكبر شبكة تلفزيونية اعلامية في ايطاليا رغم ان بعض المحللين يرون بانه السبب في تردي الوضع الاقتصادي في ايطاليا وارتفاع قيمة الديون المترتبة عليها. ويحاول بيرليسكوني دوما ان يكون محاطا بالفتيات المثيرات.
لقد فاز سيليفيو بيرلسكوني للمرة الثالثة في رئاسة الوزراء لايطاليا لعام 2008 .
لقد ابتدا بيرليسكوني مشواره السياسي ببرنامج تلفزيوني كوميدي واستخدام فتيات مثيرات يرقصن وهن عاريات الصدور وبعدها خلق العديد من البرامج المشابهة في كل القنوات التلفزيونية التي يملكها وفي كل تلك البرامج تتواجد دوما فتاتان راقصتان ( فيلينا) الى جانب مقدم البرنامج وتتميزالفيلينا بالاثارة بالشكل والحركات.
ثم سلم بيرليسكوني هذه البرامج التلفيزيونية الى مدير اعماله الشهير لييلا مورا والمعروف عنه انه من المؤيدين لموسوليني الفاشي . ومهمة لييلا مورا هو إختار عدد من الافراد الموهوبين والعاديين جدا ويحولهم بين ليلة وضحاها الى نجوم فنية شهيرة من خلال برامج شعبية مشهورة جدا مثل برنامج بيغ براذر( الاخ الاكبر) حيث يتم اختيار عدد من الافراد العاديين ليعيشوا في منزل واحد دون الخروج منه لفترة طويلة جدا لشهور والكاميرا تلاحقهم في كل لحظاتهم وفي كل مرة يطرد احد المتسابقين الى ان يبقى في النهاية شخص واحد ليفوز بجائزة مالية ضخمة يمكن ان تصل الى المليون. ويعتبر ليلا مورا الصديق الحميم الى فابريزيو كورونا المصور الفوتو رافي المحترف في التقاط الصور للمشاهير ثم ابتزازهم بمبالغ ضخمة من خلال بيع الصور لهم فهو لايبعيها للمجلات والصحف بل لنفس الشخصيات وهو الصديق الحميم ايضا لرئيس الوزراء بيرليسكوني.
كما ان لسيلفيو بيرليسكوني علاقة وطيدة مع مالك النادي الليلي الشهير بلونيير حيث تاتي اليه الفتيات من كل انحاء ايطاليا ليتم اختيار احداهن حسب مواصفات الجسم والحركات الراقصة لتكون مذيعة لبنامج الانواء الجوية في احدى قنوات بيرليسكوني واكثرهن اثارة تفوز بالمسابقة او بالموظيفة.
ويحي بيرليسكوني يموميا العديد من الحفلات الليلية في فيلته حيث يستضيف مشاهير عالمية من نجوم الفن والرياضة والسياسة مثل توني بلير وبوتين وطبعا لاننسى ابن القذافي.
ولكن السؤال هنا كيف تمكن رجل مثل سيليفيو بيرليسكوني الذي بنى شهرته من خلال برامج تلفزيونية فاسدة وسيطرة محكمة على الاعلام الايطالي المرئي وغير المرئي كيف له ان يحقق شهرة كبيرة ويحوز على ثقة الشعب الايطالي ويتم انتخابه لثلاث مرات خاصة وان الشعب الايطالي قد مارس الديمقراطية ويعتبره البعض مجتمع ديمقراطي.
يرى الكاتب الدنماركي ماس فرييسة ان ملامح ايطاليا بعد الحرب العالمية الثاني والعصر الحديث يمكن تحديدها على النحو التالي ” فلايمكن للحرية والديمقرطية ان تجتمعا مع الفساد والشعب الفاسد يكون غير قادر على الدفاع عن نفسه من استغلال الحاكم الديكتاتوري الفاسد الذي يستغل السلطة لصالحه. ومن اجل ردع شخص فاسد مثل سيلفيو بيرلسكوني من الهيمنة على حياة المجتمع الايطالي كما فعل خلال العشرين سنة الماضية فعلى كل المواطنين الايطاليين الدفاع عن الصالح العام للبلاد. ولكن اذا كان غالبية المواطنين اغبياء و جبناء و قعساء لايعرفون كيفية مقاومة الحاكم الفاسد الذين يستغل السلطة لصالحه فانهم سوف يفقدون كل مقومات الحرية”.
يقول كارلو روسيلي احد المقاومين آنذاك للحكومة الفاشية بزعامة بينيتو موسيليني “من المحزن ان اقول هذا لكنه حقيقي ان تنشئة المواطن الايطالي تفتقد الى حد كبير المكونات الاساسية للاخلاق بسبب الجهل والفقر والحرمان لقرون عديدة ولازال الكثير منهم يفتقد الحماس والاندفاع والشعور العميق بلاستقلالية والمسؤولية.
فغالبيتهم يتنازلون عن استقلاليتهم مقابل الامتيازات التي يحصلون عليها من اجل الوصول الى مركز السلطة المتمثلة بسيلفيو بيرليسكوني الذي حول المجتمع الايطالي الى مجتمع ذي ثقافة ملكية تمثيلية. وفي مجتمع كهذا يتطبع بهذه الديمقراطية فان مجموعة محددة ومنظمة من الافراد يستولون على السلطة اذا ساندوا جميعهم نفس القائد”.
ويمكن ان نلمس ذلك عندما يقوم اغلبية الصحفيين بالدفاع عن رئيسهم بيرليسكوني وبكل حماس وباسلوب يتجاوز كل القوانين الاخلاقية للصحافة والاعلام. وعلى هؤلاء الصحفيين تقع مسؤولية خلق مجتمع من افراد جهلاء و اغبياء ومتقاعسين الذي يبدا يميز المجتمع الايطالي العام وهذا بدوره سيؤدي الى تآكل اسس الديمقراطية للمجتمع الايطالي التي هي بالاصل كانت ذات بنية ضعيفة.
ويرى الكاتب الدنماركي ماس فرييسة ان الموالين لبيرليسكوني يمتازون عن غيرهم بانهم لديهم إزدراء ذاتي وعدم الاحترام للآخرين اي نخبة السياسين والاقتصاديين والمثقفين الايطاليين الذين دعموا بيرليسكوني وهذا ادى بدوره الى إزدراء الحقائق الواقعية التي تمثل اساسيات الديمقراطية المستنيرة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا اذا كان الشعب الايطالي الذي يعتبره الكثيرون من المجتمعات الديمقراطية المتفتحة الواعية والتي لايمكن مقارنتها بالمجتمعات العربية ومع هذا فانه اخفق في اختار السلطة النزيهة لادارة البلاد. فكيف نتوقع من المجتمعات العربية ان تنجح في اختيار السطلة الحاكمة النزيهة وهي لم تعرف معنى الديمقراطية يوما ومازالت سجونها غارقة في دماء المعارضة السياسية والتعذيب.
وهل يمكن للمواطنين العراقيين ان يكونوا على جدارة في انتخاب حكومة غير فاسدة وهم لم يمارسوا الديمقراطية سابقا ولم يروا سوى الاستبداد والاضطهاد والحروب والحصار والغزوات من هولاكو الى امريكا؟

اترك تعليقاً