الرئيسية / مقالات / استراتيجية خفض الدين العام

استراتيجية خفض الدين العام

فيينا / السبت 24 . 02 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د . عادل عامر / مصر

وقد ارتفع الدين العام في مصر نتيجة عجز الموازنة العامة للدولة بسبب الزيادة في معدل نمو النفقات العامة عن معدل نمو الإيرادات العامة. فارتفع هذا العجز من 134.5 مليار جنيه عام 2010 إلى 429.9 مليار جنيه عام .2019 وتقوم الدولة المصرية بتمويله من خلال عدة مصادر بعضها محلي مصرفي، وغير مصرفي:  كالاقتراض من البنك المركزي أو من القطاع العائلي؛ وكذلك من مصادر خارجية الانضباط المالي وأثره على الدين العام في مصر كالقروض والتسهيلات والمنح الخارجية التي تحصل عليها الدولة.

الاقتراض من الأسواق المالية من أنسب وسائل تمويل عجز الموازنة العامة في مصر، ولكن يجب عليها عدم الإفراط في هذا حتى لا تتراكم الديون وتضطر إلى الاستدانة لسداد الديون وفوائدها. لذلك كان عليها استخدام مواردها المالية هذه بكفاءة عالية بما يحقق الانضباط المالي حتى يمكنها الاستفادة منها بما يرفع معدلات النمو. وبذلك يكون المحدد لسقف الدين العام هو أن الناتج ينمو بشكل مستمر ويكون بمعدل أعلى من معدل نمو الفائدة على الدين العام المصري )

وعليه فالدين الخارجي يعمل على تحويل الموارد الاقتصادية للخارج، والدين المحلي  يعمل على إعادة توزيع الدخل بين المقيمين. ولذلك ينقل استخدام القروض العامة  في الإنفاق الاستهلاكي ينقل عبء الدين العام على الأجيال القادمة مما يزيد الاعتماد المتزايد على الدين لسداد هذا الدين وأعباؤه. وذلك يتطلب جودة في إدارة الدين العام، وتحقيق الانضباط المالي بما يحقق الاستدامة المالية وتقليل عبء الدين العام على الأجيال القادمة.

يشكل الدين العام عبئاً ثقيلاً، عندما ينمو بشكل كبير جداً أو بسرعة كبيرة جداً. وهذا ما يحدث اليوم في الأردن والكثير من دول العالم. لقد وصل الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة. وارتفعت احتياجات التمويل، وعلى الرغم من الجهود الذي تبذلها الحكومة للتقليل من تأثير الأزمات المتتالية على الاقتصاد. إن البنية المالية والاقتصادية للمملكة جعلت عملية الوصول إلى التمويل غير كافية ومكلفة، وبات ثقل الديون يعيق التنمية.

الدين العام عبء كبير على الاقتصاد الأردني بسبب محدودية فرص الحصول على التمويل، وارتفاع تكاليف الاقتراض، وتباطؤ النمو، مما ترتب عليه إضعاف قدرة الاقتصاد على الاستجابة لحالات الطوارئ، والتصدي للفقر والبطالة، مما انعكس سلبيًا على الاستثمار في المشاريع التنموية التي تخلق فرص العمل للشباب والقوى العاملة.

وهو ما دفع الحكومة لوضع خريطة طريق واستراتيجية جديدة تتضمن إصلاحات الهيكل المالي والاقتصادي وتحفيز أهداف التنمية المستدامة.

اقترح هنا، التركيز على ثلاثة مجالات أولها معالجة التكلفة المرتفعة للديون، والمخاطر المترتبة عليها.

ثانيا: التوسع بشكل كبير في التمويل طويل الأجل وبأسعار معقولة من أجل التنمية، وأخيرا وضع خطة متكاملة لزيادة التمويل الخارجي من خلال مشاريع استثمارية مشتركة تنعش الاقتصاد الوطني.

إن تنفيذ هذه الإجراءات له أهمية بالغة لإطلاق العنان للتمويل اللازم لبناء اقتصاد أكثر فاعلية وازدهارا وشمولا واستدامة.

إن خفض الدين العام في الأردن مهمة صعبة. ومع ذلك، هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكن استخدامها لمعالجة هذه المشكلة بشكل فعال، على رأسها ضبط الأوضاع المالية من خلال تطبيق الانضباط المالي الصارم وخفض الإنفاق الحكومي، من خلال خفض النفقات غير الضرورية، وتحسين كفاءة عملية إعداد الميزانية العامة. والعمل على زيادة الإيرادات.

إن تعزيز مصادر الإيرادات أمر ضروري لخفض الدين العام. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تدابير مثل توسيع القاعدة الضريبية التصاعدية، وتحسين آليات تحصيل الضرائب، وتنفيذ سياسات ضريبية عادلة وفعالة. بالإضافة إلى ضرورة العمل على استكشاف مصادر دخل بديلة مثل جذب الاستثمار الأجنبي المباشر أو تشجيع الصادرات، للمساعدة على توليد أموال إضافية.

ومن الأهمية أن تركز أي استراتيجية لتخفيض الدين العام على إعطاء الأولوية لسداد الديون الأكثر تكلفة وتحديد أولويات السداد، ويمكن أن يشمل ذلك إعادة التفاوض على الشروط وأسعار الفائدة، أو البحث عن خيارات لتخفيف عبء الديون من المؤسسات المالية الدولية.

أصبحت مشكلة المديونية تمثل هاجسا قويا لدى صانع القرار الاقتصادي خاصة مع تزايدها المستمر، إذ تشير الإحصاءات إلى أن إجمالى الدين العام (محلى وخارجى) قد وصل الى نحو 113% من الناتج المحلى الاجمالى بنهاية عام 2021/2022 (منها 37.1% دين خارجى و75.3% دين محلى) كما ان خدمة الدين المسددة (فوائد واقساط) قد وصلت الى نحو 14%، من هنا أصبح من الضرورى العمل على وضع آليات محددة لعلاج الازمة قبل تفاقمها، خاصة ان تاريخ مصر الاقتصادى وربما السياسى، يرتبط ارتباطا وثيقا بأوضاع الدين العام. وهو ما لخصه ببلاغة شديدة

كما يجب عمل الإصلاحات الهيكلية اللازمة، والتي يجب أن تشمل تحسين الخدمات الحكومية، والحد من الفساد، وتعزيز بيئة الأعمال، وتشجيع السياسات الصديقة للاستثمار، وتشجيع ريادة الأعمال.

ويجب عدم إغفال أهمية المساعدات الدولية، والذي قد تزيد من خلال تصميم برامج فنية ومشاريع مصممة خصيصا لخدمة مصالح المواطنين واللاجئين، مما يسهل عملية الحصول على دعم من المؤسسات المالية الدولية المانحة.

إن جودة البرامج هو ما يضمن الحصول على القروض الميسرة أو المنح أو الحصول على المساعدة الفنية المصممة خصيصا لخفض الديون.

وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أهمية خلق الوعي العام والمشاركة الفاعلة، بين المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة، لوضع تصور واضح حول أهمية تخفيض الديون والمشاركة في عملية صنع القرار بما يساعد في حشد الدعم وضمان تنفيذ التدابير اللازمة.

ويرجع السبب فى ذلك إلى المخاطر المترتبة عليها، سواء على بنية الاقتصاد القومى، أو فيما يتعلق بالاستقرار المالى والنقدى القائم. من هذا المنطلق تأتى أهمية دراسة ووضع الحلول الدائمة لهذه المسألة، ليس فقط لإصلاح الخلل الناجم عنها حاليا، ولكن أيضا لعدم تحميل الأجيال القادمة أعباء الجيل الحالى، فإذا كان الدين الخارجى يؤدى إلى تحويل الموارد الاقتصادية إلى الخارج، فإن الدين المحلى يتمثل فى إعادة توزيع الدخل بين المقيمين، فالاستخدام المتزايد لجانب من القروض العامة، فى الإنفاق على الاستهلاك العام، يعنى نقل العبء المالى لهذه المصروفات إلى الأجيال المقبلة.

وتتطلب الادارة الاقتصادية السليمة عدم تعرض الاقتصاد القومى لأى ازمات مالية او اقتصادية ، وبالتالى يجب ربط إدارة الدين العام بإطار اقتصادى كلى تسعى الحكومة من خلاله لضمان القدرة على الاستمرار فى تحمل مستوى معين للدين ومعدل نموه.ووضع حزمة من السياسات الاقتصادية يتم تنفيذها على المدى القصير والبعيد والمتوسط.

مع الأخذ بالحسبان أن استمرار عجز الموازنة، لا يؤدى بالضرورة الى ارتفاع نسبة الدين العام، حتى لو كان التمويل بالاقتراض، إذا كان معدل نمو الناتج المحلى أعلى من سعر الفائدة على الدين العام. وبالتالى فإن افتراض سعر فائدة أقل، من معدل نمو الناتج المحلى، هو العامل الحاسم فى وجود سقف محدد لنسبة الدين العام. فإذا كان الناتج فى حالة نمو مستمرة، وإذا كانت نسبة مصروفات خدمة الدين ثابتة، فإن ذلك لا يثير مخاوف كبيرة. وذلك لأن الوعاء الذى ستفرض عليه الضرائب الإضافية اللازمة لخدمة الدين فى حالة نمو تسمح بزيادة الإيرادات. وهكذا يكون الدين العام، وما يترتب عليه من أعباء مالية فى الحدود الآمنة.

وبالتالى فإن استهداف سقف محدد لنسبة الدين يتطلب سياسة اقتصادية تحقق نموا اقتصاديا أعلى من سعر الفائدة، وفى الوقت نفسه تحقق فائضا أوليا. وعلى الجانب الآخر يجب تحديد أغراض استخدام الدين والمفاضلة بين طلبات القروض المقدمة من جهات الدولة المختلفة. وهو ما يجب ان تضطلع به لجنة إدارة الدين العام وتنظيم الاقتراض الخارجى. هذا فضلا عن ضرورة إجراء حصر شامل للديون غير المستخدمة، والتى بلغت نحو 37.7 مليار دولار

 يضاف الى ماسبق العمل على الحد من الضمانات الحكومية التى تقوم وزارة المالية بإصدارها والتى تتزايد عاما بعد آخر إذ وصل صافى الديون المضمونة فى يناير 2023الى نحو 29.7% من الناتج (13.7% ضمانات محلية و16% ضمانات خارجية) وهو ما يحمل الخزانة العامة أعباء عدم قدرة هذه الجهات على السداد وتتحمل عنها وزارة المالية أعباء لتغطيته.

 اما على المديين المتوسط والطويل فمن الضرورى العمل على خفض العجز فى الموازنة والوصول به الى المستوى الذى يصبح عنده الاقتصاد قادرا على النمو دون مشكلات تضخمية او ركود، وهو مستوى يجب البحث عنه بدقة وعناية فى ضوء الخبرة التاريخية للاقتصاد القومى، وكذلك الأوضاع الاجتماعية الراهنة. وهى مسألة يجب ان تتم فى إطار رؤية تنموية متكاملة ومن منظور شامل وواسع يأخذ بعين الاعتبار علاج الاختلالات الهيكلية فى الاقتصاد القومى ويدفع عجلة التنمية الى الأمام. وذلك عن طريق رفع كفاءة الاستخدام للموارد المتاحة وتنميتها.

ويتضح مما سبق أن توافر الانضباط المالي في مصر يعمل على الحفاظ على الاستدامة المالية التي ترتبط بمدى قدرتها على سداد الديون وتمويل العجز المستقبلي في الموازنة العامة لها. مما يقلل من الأثر السلبي للدين العام على بتخفيض حجم الدين العام فيها. ولتوضيح ذلك الأجيال القادمة، وبما يسمح أيضا جيدا إبراز الدين العام في مصر.

اترك تعليقاً