فيينا / الجمعه 24 . 05 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
وردت كلمة مشرق ومشتقاتها في القرآن الكريم: الْمَشْرِقُ، مَشَارِقَ، مُشْرِقِينَ، شَرْقِيًّا، شَرْقِيَّةٍ، الْمَشَارِقِ، وَالْإِشْرَاقِ، وَأَشْرَقَتِ، الْمَشْرِقَيْنِ. جاء في معاني القرآن الكريم: شرق شرقت الشمس شروقا: طلعت، وقيل: لا أفعل ذلك ما ذر شارق (يقال: لا أفعل ذلك ما ذر شارق، وما در بارق).
قال الله تعالى عن المشرق ومشتقاتها “وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” ﴿البقرة 115﴾ الْمَشْرِقِ: الْ اداة تعريف، مَشْرِقِ اسم، ولله جهتا شروق الشمس وغروبها وما بينهما، فهو مالك الأرض كلها. فأي جهة توجهتم إليها في الصلاة بأمر الله لكم فإنكم مبتغون وجهه، لم تخرجوا عن ملكه وطاعته، إن الله واسع الرحمة بعباده، عليم بأفعالهم، لا يغيب عنه منها شيء، و “سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” ﴿البقرة 142﴾ سيقول الجهال وضعاف العقول من اليهود وأمثالهم، في سخرية واعتراض: ما الذي صرف هؤلاء المسلمين عن قبلتهم التي كانوا يُصَلُّون إلى جهتها أول الإسلام، ﴿وهي بيت المقدس﴾ قل لهم أيها الرسول: المشرق والمغرب وما بينهما ملك لله، فليست جهة من الجهات خارجة عن ملكه، يهدي مَن يشاء من عباده إلى طريق الهداية القويم. وفي هذا إشعار بأن الشأن كله لله في امتثال أوامره، فحيثما وَجَّهَنا تَوَجَّهْنا، و “الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّه” ﴿البقرة 177﴾ ليس الخير عند الله تعالى في التوجه في الصلاة إلى جهة المشرق والمغرب إن لم يكن عن أمر الله وشرعه، وإنما الخير كل الخير هو إيمان من آمن بالله وصدَّق به معبودًا وحدَه لا شريك له، و”قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ” ﴿الشعراء 28﴾ قال موسى: رب المشرق والمغرب وما بينهما وما يكون فيهما من نور وظلمة، وهذا يستوجب الإيمان به وحده إن كنتم من أهل العقل والتدبر، و”رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا” ﴿المزمل 9﴾ واذكر أيها النبي اسم ربك، فادعه به، وانقطع إليه انقطاعًا تامًا في عبادتك، وتوكل عليه، هو مالك المشرق والمغرب لا معبود بحق إلا هو، فاعتمد عليه، وفوِّض أمورك إليه، و”أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” ﴿البقرة 258﴾ قال: أنا أحيي وأميت، أي أقتل مَن أردتُ قَتْلَه، وأستبقي مَن أردت استبقاءه، فقال له إبراهيم: إن الله الذي أعبده يأتي بالشمس من المشرق، فهل تستطيع تغيير هذه السُّنَّة الإلهية بأن تجعلها تأتي من المغرب، فتحيَّر هذا الكافر وانقطعت حجته، شأنه شأن الظالمين لا يهديهم الله إلى الحق والصواب، و”وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ” ﴿الأعراف 137﴾ مشارق اسم، مشارِقَ الأرض و مَغارِبَها: بلاد مصر و الشام، مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها: بالماء والشجر، صفة للأرض وهي الشام، وأررثنا بني إسرائيل الذين كانوا يُستَذَلُّون للخدمة، مشارق الأرض ومغاربها ﴿وهي بلاد الشام﴾ التي باركنا فيها، بإخراج الزروع والثمار والأنهار، وتمت كلمة ربك أيها الرسول الحسنى على بني إسرائيل بالتمكين لهم في الأرض، بسبب صبرهم على أذى فرعون وقومه، ودمَّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه من العمارات والمزارع، وما كانوا يبنون من الأبنية والقصور وغير ذلك.
أن المشرق والمغرب لهما علاقة بالربوبية كما جاء في صفحة جعفر مرتضى العاملي عن تفسير سورة الفاتحة: قال تعالى: “رب المشرق والمغرب” (المزمل 9)”رب السماوات والأرض وما بينهما” (مريم 65) “ورب العرش العظيم” (المؤمنون 86). وغير ذلك من آيات كثيرة قررت هذه الربوبية. إن المقصود بالعالمين معنى يتناسب مع أمر التربية، والانتقال من حالة النقص إلى حالة الكمال، إذ لا يمكن تربية ما يفقد القابلية للتحول والرقي والانتقال. وقد دلت الآيات على أن الجمادات، بل جميع الموجودات أيضاً، لها درجة من الشعور، والإدراك، بحيث تستطيع تسبيح الله، قال تعالى: “وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم” (الاسراء 44). وقال: “يسبح لله ما في السموات، وما في الأرض له الملك وله الحمد”. ولم يقل: يسبح من. فإن”ما” تستعمل لغير العاقل. وكلمة “من” للعاقل. وقال تعالى: “إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً” (الاحزاب 72). وثمة آيات عن سجود الموجودات. وهي كثيرة. وثمة آيات تحدثت عن دور عاقل للنملة، وللهدهد، وتجلي الله للجبل، فجعله دكاً . وخشوع الجبل وتصدعه من خشية الله وغير ذلك. وقد نلمح في القرآن أن جميع الكائنات قابلة للتربية وللتكامل، حيث أشار القرآن الكريم في آيات كثيرة إلى ربوبية ورعاية الله تعالى للجمادات أيضاً. وعن حقائق الدين في القرآن يقول المرجع السيد المدرسي: ولقد اوضح لنا القرآن حقائق الدين فهو يقول مرة: “لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ” (البقرة 177). فتولية الوجه إنما هو من جملة الأمور الظاهرية، والبر انما هو الايمان الحقيقي، والانفاق، والجهاد في سبيل الله.
والمشرق بضم القاف يعني المنير كما جاء في الدعاء (وَلا مُعَقِّبَ لاياتِكَ نُورُكَ المُتَأَلِّقُ وَضِياؤُكَ المُشْرِقُ وَالعَلَمُ النُّورُ فِي طَخْياء الدَيْجُورِ). هنالك أحاديث نبوية ذكر فيها المشرق والمغرب منها: لما قدم رؤساء نجران على الرسول، دخلوا عليه المسجد حين صلى العصر، فلما حانت الصلاة قاموا يصلون في مسجد رسول االله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (دعوهم فصلوا إلى المشرق). قال الإمام الرضا عليه السلام: خير المياه شرباً للمقيم والمسافر ما كان ينبوعها من المشرق نبعاً ابيضاً. وأفضل المياه التي تجري من بين مشرق الشمس الصيفي ومغرب الشمس الصيفي. وافضلها وأصحها إذا كانت بهذا الوصف الذي ينبع منه، وكانت تجري في جبال الطين لانها تكون حارة في الشتاء، باردة في الصيف، ملينة للبطن، نافعة لأصحاب الحرارات.
الارثوذكسية هي أحد الكنائس الرئيسية الثلاث في النصرانية التي انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية الغربية عام 1054م لا تعترف بسيادة بابا روما عليها، ويجمعهم الإيمان بأن الروح القدس منبثقة عن الأب وحده. و أرثوذكسية بمعنى مستقيمة المعتقد. ويتركَّز أتباعها في المشرق ولذا يطلق عليها الكنيسة الشرقية. والكتاب الغربيين الذين يكتبون عن الشرق يدعون أحيانا مستشرقيين ولهم كتابات قيمة منهم العالم المستشرق البريطاني (السير أرنولد) الذي كتب (إننا إذا نظرنا إلى التسامح الذي امتد إلى رعايا المسلمين من المسيحيين في صدر الحكم الإسلامي ظهر أن الفكرة التي شاعت بأن السيف كان العامل في تحويل الناس إلى الإسلام بعيدة عن التصديق، إنما إعتنقوا الإسلام عن حرية كاملة).