الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / الطنطاوي ومن قبله.. بين القانون و”التنكيل” بمنافسي السيسي
الطنطاوي حاول المشاركة رسميا في انتخابات الرئاسة الأخيرة

الطنطاوي ومن قبله.. بين القانون و”التنكيل” بمنافسي السيسي

فيينا / الثلاثاء 04 . 06 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

تحت عنوان “لا تسامح مع منافسي الرئيس السيسي” قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن السلطات المصرية سجنت المعارض السياسي البارز، أحمد الطنطاوي، “لتحديه الرئيس” المصري.

وبينما يرى معارضون أن الحكم الأخير الصادر ضده يأتي في إطار محاولة لإزاحة الطريق أمام أي معارضة للرئيس المصري على غرار تجارب سابقة، يؤكد آخرون أن الطنطاوي “خالف” القانون كما أن لديه فرصة أخرى لإثبات براءته أمام محكمة النقض، أعلى جهة تقاضي في البلاد.

وأيدت محكمة الاستئناف، مؤخرا، حكما بسجن الطنطاوي سنة، مع نحو 20 من مؤيديه. كما أيدت المحكمة قرار منع الطنطاوي من الترشح للانتخابات الوطنية 5 سنوات.

واعتقل المعارض الذي حاول خوض السباق الرئاسي داخل قاعة المحكمة بعد صدور القرار.

وقال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “معاقبة الطنطاوي ومؤيديه لتحديهم السيسي تكشف مجددا غياب أي تسامح من السلطات مع النشاط السلمي. على السلطات المصرية على أعلى المستويات أن تراجع فورا قضية الطنطاوي وتطلق سراحه هو ومؤيديه”.

وقبل أيام، قالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، مارتا هورتادو، في بيان: “نشعر بقلق بالغ إزاء القرار الذي أصدرته محكمة استئناف القاهرة في 27 مايو بتأييد حكم السجن لمدة عام مع الشغل ضد النائب السابق في البرلمان الذي كان يرغب في الترشح للرئاسة أحمد الطنطاوي و22 من أنصاره”.

وأضافت: “ندعو السلطات المصرية إلى الإفراج الفوري عن الطنطاوي وجميع المحتجزين الآخرين بدون موجب بسبب ممارستهم لحقوقهم الأساسية، وخصوصا حرية الرأي والتعبير والانتظام”.

وفي مقابلة مع موقع الحرة، اعتبر المحلل السياسي، مجدي حمدان، أن القرار “سياسي” وهو يشبه حالة الرئيس السابق لحزب الغد السابق، أيمن النور، الذي ترشح لانتخابات الرئاسة أمام الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، وكذلك رئيس الأركان في عهد مبارك، سامي عنان، لكن عنان فقط أعلن نيته الترشح ولم يترشح رسميا.

ويضيف حمدان، العضو المؤسس للجمعية الوطنية للتغيير التي عارضت مبارك، القيادي بحزب المحافظين، أن أحد أسباب “التنكيل” بالطنطاوي هو أنه تحدث “بحدة وندية” في خطابه السياسي قبل الانتخابات، رغم أن هذا “حقه الدستوري وفي نهاية المطاف لا يجب اعتقال مرشح، وهذا أمر خطير جدا لأنه يتنافى مع المادة الخامسة من الدستور التي تنص على أن مصر دولة ديمقراطية حديثة، ويتنافى مع مجربات الحوار الوطني” في إشارة إلى مبادرة أطلقها السيسي للحوار مع شخصيات مدنية وسياسية للبحث في مستقبل البلاد.

ودعا السيسي أول مرة لهذا الحوار، في أبريل 2022، معلنا تشكيل مجلس أمناء الحوار الوطني المصري المكون من 19 عضوا، يكون نقيب الصحفيين منسقا عاما له.

كما أعاد الرئيس المصري تشكيل لجنة عفو رئاسية، بالتزامن مع الدعوة إلى الحوار، وتم بالفعل الإفراج عن معتقلين، لكن معارضين قالوا إن بعضهم تمت إعادة اعتقالهم.

ويضيف حمدان أن قرار المحكمة “يتنافى أيضا مع مباديء ثورتي 25 يناير و30 يونيو. اللتين طالبتا بالحرية وفتح المجال العام، ويقضي تماما على ادعاءات الديمقراطية وممارسة الحياة السياسية في مصر”.

في المقابل يشير المحامي بمحكمة النقض، حسن أبوالعينين، في تصريحات لموقع الحرة إلى أن قضية الطنطاوي هي “جنحة تزوير محرر غير رسمي وعقوبتها تتراوح بين السجن أسبوعا إلى 3 سنوات. وقد تم ضبط بعض الأوراق التي تحث على القيام بهذا التزوير. وتم التقاضي أمام محكمة أول درجة وثاني درجة”

ويرى أحمد باشا، رئيس تحرير صحيفة روزاليوسف السابق، في تصريحات لموقع الحرة أنه ليس “هناك في مصر ما يسمى بحكم سياسي بل حكم قضائي صدر خلال محاكمة علنية وفق صحيح القانون بعد استنفاد كل درجات التقاضي”.

ويرى باشا أنه “لا يمكن إعادة  سردية مظلومية أيمن نور حيث تبين فيما بعد صحة الحكم بعد الطعن بالنقض الذي حدث بعد سقوط نظام مبارك وبالتالي فإن فرضية الاضطهاد غير موجودة”.

وكانت مصر أصدرت في 2021 “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”، بعد أعوام من الانتقادات الداخلية والدولية لوضع الحريات.

وتضمنت الوثيقة التي جاءت في 78 صفحة، خطة حكومية لحماية الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من حقوق الإنسان على مدى السنوات الخمس المقبلة.

لكن طالما تعرضت القاهرة لانتقادات بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، وقدرت منظمات حقوقية أن عشرات الآلاف من السجناء السياسيين مازالوا خلف القضبان، العديد منهم في ظروف قاسية.

ووثقت هيومن رايتس ووتش عشرات حالات الاعتقال غير القانوني، والترهيب، والملاحقات القضائية بحق المرشحين المحتملين ومؤيديهم قبل الانتخابات، “وكلها حالت فعليا دون أي منافسة حقيقية”.

ومنذ أوائل 2023 وحتى منتصف سبتمبر، اعتقلت قوات الأمن نحو 2028 شخصا “على خلفية الممارسة السلمية لحرية التعبير والتجمع”، وفقا لحملة حقوق الإنسان المستقلة “حتى آخر سجين”.

وقالت الحملة إنه لاحقا أطلِق سراح 627 منهم فقط.

وقبل الانتخابات الرئاسية عام 2018، اعتقلت السلطات عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي لعام 2012، رئيس حزب “مصر القوية”.

وبعد اعتقاله، وضعت محكمة أبو الفتوح و15 عضوا من حزبه على قائمة الإرهاب في البلاد واتهمته بالعمل مع جماعة “الإخوان المسلمين” المحظورة.

وفي ذلك العام، أوقفت السلطات رئيس أركان الجيش الأسبق سامي عنان بتهمة “مخالفة القانون” وارتكاب جرائم تستدعي مثوله أمام جهات التحقيق بينها “التزوير” في أوراق رسمية، عندما أعلن ترشحه للرئاسة.

وقال بيان القيادة العامة للجيش حينها إن عنان أعلن “الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية دون الحصول على موافقة القوات المسلحة أو اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإنهاء استدعائها له”، في إشارة إلى أنه كان لايزال منتسبا للجيش كضابط احتياط.

وكان عنان رئيسا للأركان من عام 2005 حتى أحاله الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى التقاعد عام 2012. وعندما تنحى مبارك بعد احتجاجات “الربيع العربي” عام 2011، تسلم السلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكان عنان  وقتها الرجل الثاني فيه.

وفي 13 فبراير 2018، أمرت النيابة العسكرية بحبس رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، هشام جنينة، بعد إجرائه مقابلة قال فيها إن عنان لديه أدلة على تورط قادة الجيش في أحداث العنف التي أعقبت أحداث مصر عام 2011.

وفي واقعة أخرى أثارت وقتها ضجة إعلامية، أعلن رئيس الوزراء الأسبق، أحمد شفيق، اعتزامه الترشح لانتخابات الرئاسة 2018. 

لكن شفيق الذي غادر مصر في 2012 ليقيم في دولة الإمارات بعد خسارته جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة المصرية لصالح مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، عاد إلى القاهرة بعد هذا الإعلان، وابتعد لأسباب غير محددة عن المشهد السياسي العام.

وعن حالة الطنطاوي، قالت  هيومن رايتس ووتش إن حكم المحكمة بالكامل يعود إلى “نشاط الطنطاوي السياسي السلمي وجهود حملته لجمع التوكيلات قبل الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2023، التي فاز فيها الرئيس السيسي بولاية ثالثة مدتها ست سنوات بنسبة 89.6 في المئة من الأصوات “في غياب المنافسة”.

واتُهم الطنطاوي ومؤيدوه بطباعة وتوزيع استمارات توكيل غير رسمية.

وتنبع هذه الاتهامات من دعوات أطلقتها حملة الطنطاوي في 8 أكتوبر لحث المؤيدين على ملء استمارات توكيل غير رسمية عبر الإنترنت، لإثبات مدى تأييده في جميع أنحاء البلاد، وهو ما فسرته السلطات حينها على أنه جريمة انتخابية.

وكان الطنطاوي اتهم السلطات بعرقلة جهوده لجمع التوكيلات اللازمة لخوض الانتخابات الرئاسية، لأسباب مختلفة، من بينها أعطال كمبيوتر في مكاتب الشهر العقاري.

واعتقلت السلطات المصرية وحاكمت عشرات من أفراد عائلة الطنطاوي، والمؤيدين المفترضين أو الفعليين، منذ مارس 2023، بعد أن أعلن أنه يعتزم الترشح للرئاسة، وفق المنظمة.

ويرى المحلل السياسي المصري، مجدي حمدان، في تصريحاته لموقع الحرة أن الطنطاوي لم يخالف القانون بتوقيع الاستمارات، لأنه لو تم تطبيق هذا المبدأ، سيعني ذالك أن استمارات حركة “تمرد” وتوكيلات “الجمعية الوطنية للتغيير” خالفت القانون.

والجمعية الوطنية للتغيير تكتل جمع عددا من الأحزاب المصرية وممثلين عن المجتمع المدني، ظهر في الفترة التي سبقت انتفاضة 25 يناير 2011. وقد أصدر التجمع عريضة تطالب بالتغيير في 2 مارس 2010.

وجمعت الحملة التي نظمتها حركة “تمرد “الشبابية توقيعات بالملايين لعزل مرسي، قبيل المظاهرات الضخمة احتجاجا على حكمه في 30 يونيو 2013.

وقال حمدان إن الطنطاوي جمع استمارات تأييد وليس توكيلات، وهذه الاستمارات تعني تأييد ترشح شخص للانتخابات، وهي مشابهة لاستمارات “تمرد” التي جمعت للتنديد بسياسات الإخوان المسلمين، وكذلك استمارات الجمعية الوطنية للتغيير التي طالبت بعزل مبارك.

ويضيف أنه “إذا كانت الجمعية الوطنية، أحد مسببات ثورة مبارك مخالفة للقانون،فيجب عودة مبارك (توفي عام 2020) والقبض على أعضائها، وإذا كانت استمارات “تمرد” مخالفة، فإننا نؤيد عودة مرسي والقبض على كل من وقع على استمارات “تمرد”.

ومن جانبه، يرى باشا أن “الحكم صادر في واقعه مادية لتزوير توكيلات تم تقديمها كحرز في القضية، ولو افترضنا حسن النية أو الجهل بالقانون فلا يمكن الإعفاء من العقوبة حرصا على النظام العام”.

ويشير باشا إلى أن أمام الطنطاوي “درجة تقاضي أخيرة أمام محكمة النقض وهي أعلى درجة في القضاء المصري”.

ويقول أبوالعينين إن “كونه مرشحا سياسيا لا يعفيه من مخالفة القانون، والمحكمة لا تنظر في ظروف المتهم، ولكن تنظر إلى شخص ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون”.

ويرى المحامي أن البعض “يفسر القضايا من زاويته، ولكن طالما أن هناك متهما حصل على حكم في أول وثاني درجة، فإن هذا يعني أن الأدلة على إدانته قائمة وثابتة.. كما أن أمامه فرصة للطعن أمام محكمة النقض، وهذه عملية تستغرق ما بين 3 إلى 6 أشهر”.

ويشير المحامي إلى أن “الشخص قد لا يعلم أحيانا أنه ارتكب جريمة، خاصة جريمة التزوير، وهي من الجرائم التي يصعب إثباتها، والحكم بالإدانة في هذه الجريمة يتطلب دليلا دامغا، وهو ما تم بالفعل، إذ تمت إدانته أمام محكمتين”.

لكن حمدان يرى أن هناك “تنكيلا” بالطنطاوي بعد الحكم بسجنه وحرمانه من الترشح 5 سنوات، أي منعه من المشاركة في استحقاق انتخابي، وهذا المنع يراه أشد ضررا من عقوبة السجن.

ويشير أبوالعينين إلى أن بعض المحامين لا ينظر في الركن المادي للجريمة، والبعض عندما يدافع عن متهم يشير إلى أنه عوقب لأنه شخصية سياسية، بينما لا ينظر في مفردات القضية ليجد الحل القانوني لها، ويتكلم من الناحية السياسية أكثر من الناحية القانونية، وبالتالي يفشل في إثبات براءة المتهم.

وفي تصريحات سابقة لموقع الحرة، أشار الناشط الحقوقي، جمال عيد، إلى انهيار منظومة العدالة، التي تحتاج إلى أجيال لإصلاحها”.

وقال عيد إنه “نتيجة لذلك، نشهد ظواهر معتقلي الرأي والمحاكمات الجائرة والفقر وسوء حالة الإعلام وكل ظواهر غياب دولة القانون وغياب العدالة”.

وعندما دخلت البلاد سباقا انتخابيا في ديسمبر الماضي، قال مركز القاهرة لحقوق الإنسان إن الأطر “القانونية والسياسية القائمة تصادر الحريات السياسية”.

اترك تعليقاً