الرئيسية / مقالات / من مفاهيم اللجوء في القرآن الكريم (ملتحدا)

من مفاهيم اللجوء في القرآن الكريم (ملتحدا)

فيينا / السبت 22 . 06 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د. فاضل حسن شريف
الملتجأ الذي يطلب به السلامة يسمى ملتحد. عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن ملتحدا “وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا” ﴿الكهف 27﴾ ملتحدا اسم، مُلْتَحَدًا: ملجأً، ملتحدا: مَعدلاً أو ملجأ و موئلاً، و الملتحد: الملتجأ. واتل أيها الرسول ما أوحاه الله إليك من القرآن، فإنه الكتاب الذي لا مبدِّل لكلماته لصدقها وعدلها، ولن تجد من دون ربك ملجأً تلجأ إليه، ولا معاذًا تعوذ به. قوله سبحانه “قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا” ﴿الجن 22﴾ يُجِيرَنِي: يُجِيرَ فعل، نِي ضمير. لنْ يجيرني من الله: لنْ يمنعَني من عذابه إنْ عَصَـيتـُـه. قل أيها الرسول لهم: إني لا أقدر أن أدفع عنكم ضرًا، ولا أجلب لكم نفعًا، قل: إني لن ينقذني من عذاب الله أحد إن عصيته، ولن أجد من دونه ملجأ أفرُّ إليه مِن عذابه، لكن أملك أن أبلغكم عن الله ما أمرني بتبليغه لكم، ورسالتَه التي أرسلني بها إليكم. ومَن يعص الله ورسوله، ويُعرض عن دين الله، فإن جزاءه نار جهنم لا يخرج منها أبدًا. جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله سبحانه “قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا” ﴿الجن 22﴾ “إني لن يجيرني من الله أحد” أي لا يمنعني أحد مما قدره الله علي “ولن أجد من دونه” أي من دون الله “ملتحدا” أي ملتجأ إليه أطلب به السلامة “إلا بلاغا من الله” أي تبليغا من الله آياته “ورسالاته” فإنه ملجأي ومنجاي وملتحدي ولي فيه الأمن والنجاة عن الحسن والجبائي وقيل معناه لا أملك لكم ضرا ولا رشدا فما علي إلا البلاغ عن الله فكأنه قال لا أملك شيئا سوى تبليغ وحي الله بتوفيقه وعونه عن قتادة.
الملتحد هو الملجأ في التعبير القرآني. عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جل وعلا “وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا” ﴿الكهف 27﴾ ” وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا” معناه: إن لم تتبع القرآن فلن تجد من دون الله ملجأ عن مجاهد وقيل: حرزا عن ابن عباس وقيل موئلا عن قتادة وقيل: معدلا ومحيصا عن الزجاج وأبي مسلم والأقوال متقاربة في المعنى يقال لحد إلى كذا أوالتحد إذا مال إليه. جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: “وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا” ﴿الكهف 27﴾ أي ملجأ يمنعك من اللَّه. والخطاب لمحمد صلى الله عليه واله وسلم، ومعناه الظاهر انك مسؤول يا محمد أمام اللَّه، ولا ينجيك منه شيء ان شككت في حقيقة من حقائق القرآن، أوقصرت في تبليغها. وحاشا نبي الرحمة أن يشك أويقصر، كيف واللَّه أعلم حيث يجعل رسالته. وإنما القصد هوالتعريض بمن شك في نبوة محمد صلى الله عليه واله وسلم، أوخالفه فيما جاء به من عند اللَّه.
الملتحد له علاقة بالاجارة التي بدورها لها علاقة باللجوء. عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه “قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا” ﴿الجن 22﴾ الإجارة إعطاء الجوار وحكمه حماية المجير للجار ومنعه ممن يقصده بسوء، والظاهر أن الملتحد اسم مكان وهو المكان الذي يعدل وينحرف إليه للتحرز من الشر، وقيل: المدخل ويتعلق به قوله: “من دونه” وهو كالقيد التوضيحي والضمير لله والبلاغ التبليغ. وقوله: “إلا بلاغا” استثناء من قوله: “ملتحدا” وقوله: “من الله” متعلق بمقدر أي كائنا من الله وليس متعلقا بقوله: “بلاغا” لأنه يتعدى بعن لا بمن ولذا قال بعض من جعله متعلقا ببلاغا: إن “من” بمعنى عن، والمعنى على أي حال إلا تبليغ ما هو تعالى عليه من الأسماء والصفات. وقوله: “ورسالاته” قيل: معطوف على “بلاغا” والتقدير إلا بلاغا من الله وإلا رسالاته وقيل: معطوف على لفظ الجلالة ومن بمعنى عن، والمعنى إلا بلاغا عن الله وعن رسالاته.  قوله تعالى “وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا” ﴿الكهف 27﴾ ” لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا” في مقام التعليل فهما حجتان على الأمر في قوله: “واتل” ولعله لذلك خص الخطاب في قوله: “ولن تجد” إلخ بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أن الحكم عام ولن يوجد من دونه ملتحد لأحد. ويمكن أن يكون المراد: ولن تجد أنت ملتحدا من دونه لأنك رسول ولا ملجأ للرسول من حيث إنه رسول إلا مرسله، والأنسب على هذا أن يكون قوله: “لا مبدل لكلماته” حجة واحدة مفادها: واتل عليهم هذه الآيات المشتملة على الأمر الإلهي بالتبليغ لأنه كلمة إلهية ولا تتغير كلماته وأنت رسول ليس لك إلا أن تميل إلى مرسلك وتؤدي رسالته، ويؤيد هذا المعنى قوله في موضع آخر: “قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ” (الجن 22-23).  
الملجأ هو المأمن والحصن الحافظ. والله تعالى هو الحصن الحافظ الذي يوفر من عباده الطيبين الذين يلجأ لهم الناس عند الشدائد. هؤلاء الطيبون سيجازون يوم القيامة أحسن الجزاء وهو الملجأ الذي ينجي من العذاب. جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جل وعلا “لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَّوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ” ﴿التوبة 57﴾  “لو يجدون ملجأ” أي: لو يجد هؤلاء المنافقون حرزا، عن ابن عباس. وقيل: حصنا، عن قتادة “أو مغارات” أي: غيرانا في الجبال، عن ابن عباس. وقيل: سراديب، عن عطا “أو مدخلا” أي: موضع دخول يأوون إليه، عن الضحاك. وقيل: نفقا كنفق اليربوع، عن ابن زيد. وقيل: أسرابا في الأرض، عن ابن عباس، وأبي جعفر عليه السلام. وقيل: وجها يدخلونه على خلاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن الحسن “لولوا إليه” أي: لعدلوا إليه. وقيل: لأعرضوا عنكم إليه “وهم يجمحون” أي: يسرعون في الذهاب إليه. ومعنى الآية: إنهم من خبث دخلتهم، وسوء سريرتهم، وحرصهم على إظهار ما في نفوسهم من النفاق والكفر، لو أصابوا شيئا من هذه الأشياء، لآووا إليه ليجاهروا بما يضمرونه، وأعرضوا عنك. 
ولو أن اللحد يعني حفرة قبر الانسان الميت فهو يعني ملجأه بعد الموت، والذي استخدم كذلك ملجأ للحياة من خطر الخوف والمجاعة وغيرها من المخاطر. جاء في معاني القرآن الكريم: لحد اللحد: حفرة مائلة عن الوسط، وقد لحد القبر: حفره، كذلك وألحده، وقد لحدت الميت وألحدته: جعلته في اللحد، ويسمى اللحد ملحدا، وذلك اسم موضع من: ألحدته، ولحد بلسانه إلى كذا: مال. قال تعالى: “لسان الذي يلحدون إليه” (النحل 103) (وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف. انظر: الإتحاف ص 280) من: لحد، وقرئ: “يلحدون” (وهي قراءة الباقي) من: ألحد، وألحد فلان: مال عن الحق، والإلحاد ضربان: إلحاد إلى الشرك بالله، وإلحاد إلى الشرك بالأسباب. عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: “وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا” ﴿الكهف 27﴾ (ملتحد) مُشتقّة مِن (لحد) على وزن (مهد) وهي الحفرة التي يميل وسطها إلى أحد الأطراف (كاللّحد الذي يحفر لقبر الإِنسان). ولهذا السبب يقال للمكان الذي يميل إِليه الإِنسان (ملتحد)، ثمّ استخدمت بعد ذلك بمعنى (ملجأ). قوله سبحانه “قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا” ﴿الجن 22﴾ وعلى هذا الأساس لا يستطيع أحد أن يجيرني منه تعالى ولا شيء يمكنه أن يكون لي ملجأ وهذا الخطاب يشير من جهة إلى الإقرار الكامل بالعبودية للّه تعالى، وإلى نفي كلّ أنواع الغلو في شأن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم من جهة أُخرى، ويشير من جهة ثالثة إلى أنّه الأصنام ليس فقط لا تنفع ولا تحمي، بل إنّ نفس الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً مع ما له من العظمة لا يمكنه أن يكون ملجأ من عذاب اللّه، وينهى من جهة الذرائع والآمال للمعاندين الذين كانوا يطلبون من النّبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يريهم المعاجز الإلهية، ويثبت أن التوسل والشفاعة أيضاً لا يتحققان إلاّ بإذنه تعالى. “ملتحداً”: هو المكان الآمن وهومن أصل (لحد)، وتعني الحفرة المتطرفة، كالذي يُتّخذ للأموات في عمق القبر حتى لا ينهال التراب على وجه الميت ويطلق على كل مكان يُلجأ ويُطمأن إليه. أنّه تعالى هو الملجأ الوحيد في الوجود لا سواه نعلمه محيط بكُلِّ اللاجئين إليه سبحانهُ وتعالى.

اترك تعليقاً