أخبار عاجلة
الرئيسية / اصدارات جديدة / إضاءات لازمة على ابتلاءات حياتية قائمة

إضاءات لازمة على ابتلاءات حياتية قائمة

فيينا / الأربعاء 26 . 06 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د. نضير الخزرجي
من طبيعة الإنسان البحث عن الكمال في كل منحى من مناحي الحياة، فإذا لم تتوفر في نفسه ملكات الكمال بحثها في غيره وطلبها عند أصحاب الشأن، فمن يرغب في بناء داره ولم يكن مهندسا مدنيا أو معماريا نشد المهندس المدني لوضع خارطة البيت، والمهندس المعماري أو معمارًا متمرِّسًا لإقامة قواعد الدار، والبستاني الذي يضرب محصوله الوباء يسارع الى استخدام المضادات أو يستعين بدائرة الزراعة والجهات المسؤولة إن عجز عن المكافحة بنفسه، ومن ألمّت به مشكلة أو مصيبة شاور الرجال وقارب العقلاء والتجأ إلى صديق يبث عليه همومه، ومن كابد المرض العضال بحث عن الطبيب الحاذق وقطع الفيافي والسماء للوصول إليه على عجل بحثا عن الدواء النافع والعلاج الناجع.
وحيث تحركت مقطورة حياة الإنسان بغض النظر عن دينه ومعتقده ومذهبه على سكة المعاملات والعبادات، فإنَّه في معاملاته وعباداته يصيبه ما يصيب المريض، إنْ لم يكن فقيها مجتهدًا أو لم يكن قد وصل مرحلة الإحتياط، فيحتاج الى مراجعة الرسالة العملية لفقيه مجتهد يطمئن إليه، أو مراجعته مباشرة، أو السؤال ممن يملك الجواب من حملة العلم، وما يُعبّر عنه بالتقليد حيث يرجع المقلِّد في المسائل المبتلى بها الى العالم المقلَّد، كرجوع صاحب المرض العضال الى الطبيب الحاذق المفضال.
ولما كان العلم درجات والعلماء درجات، فلاشك أنَّ الفقيه العامل الحي الذي يكون على التصاق مباشر مع طلبة العلوم الدينية ومع المجتمع والناس، فإنَّه يكون محط أسئلتهم واستفساراتهم في العبادات والمعاملات، وهذا فضل كبير يسوقه الله إلى خيار عباده الذين يعيشون بين ظهرانيي الناس ويعملون على حلّ مشاكلهم الإجتماعية والإفاضة عليهم مما أفاض الله على العلماء العاملين من العلم والمعرفة، فهذا الفضل الإلهي هو وجه من وجوه النعم التي منَّ الله على عباده، وفي الرواية الشريفة عن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام: (إنَّ حوائجَ النّاسِ إليكم مِنْ نِعَمِ الله عليكُمْ، فلا تَمَلّوا النِّعَم).
وحيث يحب المرء التجسيم ويأنس إلى التشبيه ويتقبل المقاربة بين المعنوي والمادي ويستسيغه ويرضى بالمثال، وحيث تعشق الفطرة الجمال وتنفر من القبح وسوء الفعال، وحيث أن النعمة من جنس المعروف فإن زين شباب أهل الجنة الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام يشبّه المعروف بالرجل الجميل الجذّاب، وهو القائل وقوله عِبرة واعتبار: (إعْلَمُوا أَنَّ حَوَائِجَ‏ النَّاسِ‏ إِلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، فَلَا تَمَلُّوا النِّعَمَ فَتَحُوزُوا نِقَماً، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمَعْرُوفَ يَكْسِبُ حَمْداً، وَيُعَقِّبُ أَجْراً، فَلَوْ رَأَيْتُمُ الْمَعْرُوفَ رَجُلًا رَأَيْتُمُوهُ حَسَناً جَمِيلًا يَسُرُّ النَّاظِرِينَ وَيَفُوقُ الْعَالَمِينَ، وَلَوْ رَأَيْتُمُ اللُّؤْمَ رَجُلًا رَأَيْتُمُوهُ سَمِجاً مُشَوَّهاً تَتَنَفَّرُ مِنْهُ الْقُلُوبُ وَتُغَضُ‏  دُونَهُ الْأَبْصَارُ).
 
نقطة الإلتقاء والرقي
ولعل من كبريات نعم الله على العباد هي نعمة العلم والعلماء، فما من أمّة نمت في أرضها بذور العلم حتى اخضوضرت أشجارها ونالت ثمار العلماء تطوراً ورقيّا، وحيث تكون الأمة بحاجة إلى علوم الحياة والتطور المادي فهي بمسيس الحاجة إلى جذور علوم الحياة ومرتقى عالم الحَيَوان، لأن العلوم التي تصب في خدمة البشرية في حياتها الأولى هي المظهر الجلي من مظاهر نعمة الله ومعروفه تعرج بها إلى حياتها الثانية عبر براق الجد والعمل، هدياً بالنص القرآني الشريف: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) العنكبوت: 64.
وللإقتراب أكثر من نقطة الإلتقاء بين علوم الدنيا وعلوم والآخرة، بين علوم الأبدان وعلوم الأديان، بين علوم عالم الحياة المعجلة وعالم الحَيَوان المؤجلة، صدر لنا حديثاً (2024م) عن بيت العلم للنابهين في بيروت كتاب “ألفية الكرباسي في شِرعة سيِّد الأناسي” في 560 صفحة من القطع الوزيري.
ويمثل الكتاب المجموعة الأولى لخمسين كتيبا في الشريعة لسماحة الفقيه المحقق آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي، وفقني الله لقراءتها قراءة فقهية وموضوعية معاصرة وتقديمها للقارئ الكريم على فترات مع عنوان مقتبس من متن المقالة، ونُشرت في العشرات من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية في مختلف الأقطار العربية وغيرها، منذ شرعت بقراءة وتحرير أول كتيب هو “شريعة الإنتخابات” والذي نشر في الصحافة يوم الثلاثاء 3 شهر رمضان المبارك 1427هـ (26/9/2006م)، وقد أسميته: “ألفية الكرباسي في شريعة سيد الأناسي .. قراءة موضوعية معاصرة”.
وتعود قصة سلسلة الشريعة إلى أيام إقامة الفقيه الكرباسي في الشام وتنقله بين بيروت ودمشق وإدارته للحوزة العلمية الزينبية في حي السيدة زينب (ع) بريف دمشق وتنظيم شؤونها، وكثرة السائلين عن جواب مسألة فقهية أو حلّ لمعضلة إجتماعية أو نفسية وغير ذلك، وتراكم في صدر الفقيه الكرباسي وجعبته كم هائل من الأسئلة والإستفسارات والإبتلاءات الفقهية المعاصرة، وعند وصوله المملكة المتحدة سنة 1986م والسكن في لندن العاصمة، لم ينقطع حبل السؤال والإستفتاء إن كان بالحضور المباشر أو عبر الهاتف أو وسائل الإتصال الحديثة وشبكات التواصل الإجتماعي، لاسيما وإن المملكة المتحدة شهدت في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن العشرين الميلادي المنصرم حضورا مكثفا للمهاجرين واللاجئين العرب والمسلمين من أقطار مختلفة، جاؤوا إلى عالم جديد ومجتمع مختلف في تقاليده وأعرافه ودينه، واصطدموا بمسائل جديدة لم يعهدوها في بلدانهم الأمّ، وبعضها أو كلها بحاجة إلى بيان رأي الشرع الإسلامي فيها، فكان علماء الدين المسلمين على قلتهم بل ندرتهم في المجتمع البريطاني محط أنظار السائلين، فازدات حصالة الفقيه الكرباسي من الأسئلة والإستفسارات، فضلا عن قيام بعض المراكز الإسلامية والفعاليات الإجتماعية بتوجيه السائل إلى سماحة الفقيه الكرباسي للإجابة على سؤاله واستفساره واستيضاح الموقف الشرعي منه في المسألة المبتلى بها، وهذا لا يختص بالمؤمنين الإمامية بل تجاوز غيرهم من المذاهب الإسلامية وغيرهم من الأديان الأخرى.
ألف معضلة وحل
ذات يوم من الأيام اللندنية التي لا ينجلي عن نهارها ومسائها طقس الفصول الأربعة، لما رأى الفقيه آية الله الشيخ حسن رضا بن مزمل حسين الغديري وهو من الأعلام الفقهاء في المملكة المتحدة المولود في باكستان عام 1952م أن هاتف الفقيه الكرباسي لا ينقطع عن الرنين ولا يمتنع السائلون عن الحضور في منزله أو مكتبه في المركز الحسيني للدراسات حيث ألزم نفسه بترك الباب مفتوحا حتى لا يشعر القادم بالحرج، وكلٌّ يعرض عليه مسألة فقهية أو إستفسارًا شرعيًّا أو معضلة إجتماعية، أو استخارة، وغير ذلك من أمور الحياة والإبتلاءات اليومية، طلب منه ورجاه أن يحرر الأسئلة والأجوبة في كتيبات حسب مواضيعها، فكانت ألف عنوان في ألف كراس، إبتدأه بكتيب “شريعة التكليف” الذي حرره يوم الجمعة في الأول من شهر محرم الحرام سنة 1426هـ (11/2/2005م)، وقد عاهد الله أن لا ينقطع عن تحرير مسائل الشريعة في كل يوم جمعة إن كان في حضر أو سفر، حيث ألزم نفسه بذلك لاسيما وإن يوم الجمعة هو يوم غسل وطهارة وبركة وهو سيد الأيام حيث وردت فيه الأحاديث الشريفة في بيان فضله، من ذلك قول الرسول الأكرم محمد (ص): (إنَّ يَومَ الجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيّامِ، يُضاعِفُ اللهُ فيهِ الحَسَناتِ، ويَمحو فيهِ السَّيِّئاتِ، ويَرفَعُ فيهِ الدَّرَجاتِ)، وورد عن الإمام جعفر الصادق (ع): (فَضَّلَ اللهُ الجُمُعَةَ عَلى غَيرِها مِنَ الأَيّامِ، وإنَّ الجِنانَ لَتُزَخرَفُ وتُزَيَّنُ يَومَ الجُمُعَةِ لِمَن أتاها، وإنَّكُم تَتَسابَقونَ إلَى الجَنَّةِ عَلى قَدرِ سَبقِكُم إلَى الجُمُعَةِ، وإنَّ أبوابَ السَّماءِ لَتُفَتَّحُ لِصُعودِ أعمالِ العِبادِ).
ومنذ سنة 1426هـ (2005م) وحتى يومنا هذا حرر الفقيه الكرباسي أكثر من 800 كتيب مخطوط ومصفوف طبع منها أكثر من مائة كتيب، ولازالت عجلة التحرير والكتابة بفضل الله متواصلة، وكما عاهد الفقيه الكرباسي على بيان الموقف الشرعي من المسائل الحياتية المستحدثة والمتجددة وتقديمها للقارئ بأسلوب حديث يجمع بين القدم والجِدة غير منقطع عنها رغم إنشغاله بدائرة المعارف الحسينية في أكثر من تسعمائة مؤلف طبع منها حتى الآن 124 مجلدا، إلى جانب مؤلفات أخرى في أبواب مختلفة وعشرات الدواوين الشعرية، تعاهد الفقيه الغديري على أن يكون له حضور في كل شريعة عبر مقدمة ومجموعة تعليقات مستفيضة، وللأديب اللبناني المولود في مدينة النجف الأشرف بالعراق سنة 1960م الأستاذ عبد الحسن بن راشد دهيني حضوره المتجدد عبر كلمة الناشر، وجاءت أغلفة الشريعة في معظمها من عمل المهندس هاشم بن حسين علي نوحه خان المولود في مدينة قم المقدسة بإيران سنة 1987م.
فن انتخاب العنوان
تنوعت قراءة الكتيبات الخمسين حسب مشاربها، وحرصت أن أضع لكل قراءة موضوعية عنواناً ذا بعدٍ إعلامي يجلي للقارئ طبيعة متن الكتيب، ويمثل كتابنا في تقديري في أحد أوجهه مسلكاً أدبياً في فن انتخاب العنوان الإعلامي، والتي جاءت على النحو التالي:
* شريعة الإنتخابات: شريعة الإنتخابات قراءة فقهية معاصرة.
* شريعة التوقيت: شريعة التوقيت وثلاثية الزمان والمكان وحركة الأجرام السماوية.
* شريعة التكليف: شريعة التكليف بين الإجتهاد والمؤسسة المرجعية.
* شريعة الجنين: حقوق الجنين على ضوء الشريعة والطب الحديث.
* شريعة الخدمة: طفولة عاملة وقدرات عاطلة!
* شريعة الجمعة: رؤية وسطية في تلاقي الحضارات.
* شريعة الترهيب: والبعض يؤصِّل لشريعة الإرهاب!
* شريعة العيد: برسم الإفراط والتفريط أعياد مع وقف التنفيذ!
* شريعة الإتصالات: وهل يتلو الشيطان قرآنا؟!
* شريعة المواصلات: خلف عباءة التقديس اغتصبوا حقَّ النصف الآخر.
* شريعة الوقف: وبعضُ الحبسِ مفتاحُ خير.
* شريعة عاشوراء: دمعة وبسمة في وجوه ناضرة.
* شريعة الأحكام: جهلوا شريعة الأحكام فنعق غراب الخراب بين المدن والأنام.
* شريعة الرياضة: متى تقتحم الرياضة السلكية عالم المكاتب؟
* شريعة الأمن: حتى تبقى مقولة “الشرطة في خدمة الشعب” سارية المفعول!
* شريعة التجويد: وللفرقان أفضال في جيد أهل الضاد.
* شريعة الإجتماع: مجتمعات هويتها في تقاليدها وأعرافها.
* شريعة الوالدين: الموازنة الحرجة بين خيمة الوالدين وعشِّ الزوجيَّة.
* شريعة الإستنساخ: دولْلِي تفتح الأبواب على عالم الأبدان والأرواح.
* شريعة التوبة: عفو عام يتجاوز المساءلة ويقفز على الإجتثاث!
* شريعة السجود: الحكيم تحت أقدامكم فأين تذهبون!
* شريعة الآل: منتهى المآل في شريعة الآل.
* شريعة الإختلاف: حلُّ الخلاف من وحي شريعة الإختلاف.
* شريعة الدفاع: دفعٌ ورفعٌ بلا اندفاع على ضوء شريعة الدفاع.
* شريعة القربى: الدوائر الإلكترونية تقتحم على القربى أسوارها.
* شريعة الآيات: وحدة الدعاء والبناء في وقف قطار الفناء.
* شريعة الإجتهاد: مفارقات أشباه المتفيقهين في عصر الفلتان العلمي.
* شريعة الأذان: وللمآذن شكواها في أمَّة طال من الرجال لحاها.
* شريعة الدعاء: مبلغ الرجاء في توأمة العمل والدعاء.
* شريعة الإجارة: شريعة الإجارة لازمة حياتية لكل مؤجِّر ومستأجر وسمسار.
* شريعة الذَّرَّة: للشرع حضورٌ في الذَّرَّة حتى المجرَّة.
* شريعة الأهلَّة: أسرار حركة الأجرام السماوية في تنظيم الحياة اليومية.
* شريعة الأزياء: أزياء جميلة تدغدغ تقاطيع النفس قبل تقاسيم الجسد.
* شريعة الجنس: يجوز من الإنس وما لا يجوز في شريعة الجنس.
* شريعة الحجاب: ما يحظر على الأغراب في شريعة الحجاب.
* شريعة العُمرة: خيرُ النَّفْرَة في شريعة العُمْرَة.
* شريعة المُثْلَة: شريعة المُثْلَة تؤسِّس للرفق بالإنسان والحَيْوان حيًّا وميِّتًا.
* شريعة النَّوافل: مضافات أبوابها مُشْرعة على مدار الساعة.
* شريعة النِّكاح: بعض الحياء في الثقافة الجنسيَّة داءٌ لا دواء.
* شريعة الغَصْب: بين غصب الأعيان والبلدان مال قَبّان الميزان.
* شريعة القرآن: دستور الحياة بين اللوح المحفوظ والفهم المغلوط.
* شريعة النَّفَقَة: لكلِّ صاحب أسرة وقرابة .. الزوجة أوَّلاً.
* شريعة الحَرَم: بيوت في دائرة الحنين لا ينقطع معها حبل الذكريات.
* شريعة العَقْل: ما يجهله أصحاب العقول عن المجانين وحقوقهم.
* شريعة الطواف: الطامعون بالشهد في نهاية الشوط السابع.
* شريعة الزواج: كيف للمرأة أن تحظر على زوجها الثانية؟
* شريعة الشِّعر: خارطة طريق لكل ناثر أديب وشاعر أريب.
* شريعة الكفّارات: الأبعاد الإجتماعية والإقتصادية في تشريع الكفّارات.
* شريعة الإعتكاف: ما خفي من الأبعاد الإجتماعية في التشريعات الفرديَّة.
* شريعة الحقوق: خير السَّمْت في تناول الحقوق على ضوء العلاقات السِّتْ.
ولاشك أنَّ سلسلة الشريعة تنطوي على فوائد جمة ليس أقل في المسائل المستحدثة للمبتلى بها والسائل عنها، وهي في الوقت نفسه خير زاد معرفي وفقهي وشرعي للعالم والمتعلم وعلى سبيل نجاة.
*باحث عراقي مقيم في لندن – الرأي الآخر للدراسات بلندن

اترك تعليقاً