فيينا / السبت 20. 07 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
جاء في کتاب السيدة سكينة ابنة الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرّم: عن العترة النبوية: جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم: لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من عترته وأهلي أحب إليه من أهله وذاتي أحب اليه من ذاته. وان لله حرمات ثلاث من حفظهن حفظ الله دينه ودنياه: حرمة الاسلام، وحرمتي، وحرمة رحمي. فمقارنة حرمة أهل بيته بحرمة شخص النبوة الواجب على الأمة مراعاتها وأن التقصير فيها يستوجب سخط الرب جل شأنه دليل واضح على امتياز الذرية على سائر المسلمين لحصولهم على هذا العنوان أعني كونهم ذرية الرسول مطلقاً سواء كانوا سائرين على منهاج مشرفهم الأعظم أو متأخرين عنه، نعم الحب لمن هو متبع لقوانين جدهم الاكرم يكون أأكد وحيث يكون التقصير بأداء حق الذرية والحط من كرامتهم مستوجباً للوهن بمقام النبي صلي الله عليه وآله وسلم. ستحق البعد من الله تعالى كل من أعرض عن إكرام الذرية. ومن هنا جاء تحذيره صلى الله عليه وآله وسلم: من احتقرهم فهو ملعون أذهب الله عنه السمع والبصر. وليس المراد منه فقد هاتين الحاستين لما يشاهد بالوجدان خلافه بل المراد منه عدم التوفيق لاستماع أو إبصار ما يقرب إلى الخير ويبعد عن درك العقاب على حد قوله تعالى: “لهم آذان لا يسمعون بها ولهم أعين لا يبصرون بها” (الأعراف 179) وهذا هو المراد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم (ملعون) فإن اللعن ليس إلا الطرد والبعد عن الرحمات الآلهية والفيوضات الربوبية فلا تهطل سحائب الرحمة على من احتقر الذرية وأشار إلى هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (عليكم بحب اولادي فإنه يدخل الجنة لا محالة وبغضهم يدخل النار). وهذه الكلمات الذهبية من نبي الرحمة تلقي على الامة ضوءاً تبصر منه المكانة السامية لذريته الصالحة وأما من كان بظاهره حائداً عن قانون الشرع فيكون الإحسان إليه من باب تكريم صاحب الدعوة الآلهية لكون الاهانة إليه تستلزم التوهين بمقام الرسول. وإليه يشير النبي صلي الله عليه وآله وسلم: أكرموا أولادي الصالحين لله تعالى والطالحين لي ولما لمح النبي العجب ممن سمع خطابه في إكرام الطالح منهم قال مرشداً له: أليس الولد العاق يلحق بالنسب.
جاء في کتاب السيدة سكينة ابنة الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرّم: أنا لا أقول كل اولئك المنتمين إلى نبي الإسلام منزهون عن الوصمات فإن قضية عدم العصمة في غير الائمة الاثنى عشر تسوغ صدور الشائعة منهم، لكني أقول إن جل هاتيك المطاعن لم تثبت بطرق صحيحة يكن إليها فلا يصح الطعن بأقوام ثبت الصلاح لنوعهم وأمرنا بحبهم وإكبارهم لمكان جدهم الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بمجرد ورود مثل هاتيك الروايات من دون شواهد وقرائن تقوم على صدقها. مع ما في ذلك من هتك المؤمن بإخراجه عن مستوى الشريعة المطهرة والأحاديث تنص على حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حياً وان الطعن عليه وايذائه طعن على الله تعالى في عرشه وحرب لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم. وفيه من الاغتياب المحرم في قوله تعالى: “أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه” (الحجرات 12) وصارح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على منبر الدعوة الآلهية بأن الله لا يغفر للمغتاب إلا أن يغفر له صاحبه وان حرمة الغيبة كمن زنى بامه بين الركن والمقام. والغيبة كما عليه العلماء من الشيعة والسنة ذكر الشخص بما يكره واي كراهة اعظم من نسبة الشخص المسلم الى المروق عن الدين ولا مبرر غير احاديث أرسلت في الزبر بلا صحة في إسنادها وقد عرف المنشأ في وضعها واختلاقها. على أن فيه إشاعة للفاحشة المنهي عنها بقوله تعالى: “والذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم” (النور 19). نعم يجوز لمن توفرت عنده القرائن الصحيحة على خروج الشخص عن العدالة والوثاقة فيصفه بذلك بقصد الوقوف على جرحه ليتحرز عن العمل برواياته في الأحكام الشرعية واما من لم تتوفر عنده القرائن المثبتة للجرح او توفرت ولكن لم يقصد هذه الغاية الثمينة الذي وضع علم الرجال لأجلها واجهد العلماء أنفسهم في تمييز المجروحين من غيرهم فيحرم شرعاً التعرض له لأنه هتك المؤمن وايذائه بالقول الشائن وإشاعة الفاحشة واغتيابه المحرم كل ذلك بالكتاب العزيز والسنة المطهرة. وعلى هذا فما أرسل في الكتب من نسبة المروق عن الحق إلى عبد الله المحض وجماعة الهاشميين رجالاً ونساءاً لا يصح نقله لمجهولية رجال الإسناد في جملة الأحاديث وعدم ثبوت التوثيق في جملة اخرى وعدم الاعتماد على كثير ممن أودع تلك الأحاديث في كتابه. وقد قال الله تعالى: “إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين” (الحجرات 6). والفاسق أعم ممن ثبت فسقه أو لم يثبت توثيقه.
يقول السيد عبد الرزاق المقرم عن الصبر في كتابه: كتب أبوعبدالله الصادق عليه السلام إلى عبدالله بن الحسن المثنى حين حمل وأهل بيته يعزيه عما صار اليه ونص الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم الى الخلف الصالح والذرية الطبية من ولد أخيه وابن عمه، اما بعد: فان كنت قد تفردت أنت وأهل بيتك ممن حمل معك بما اصابكم ما انفردت بالحزن والغيظ والكآبة واليم وجع القلب دوني وقد نالني من ذلك من الجزع والقلق وحر المصيبة مثل ما نالك ولكن رجعت إلى ما امر الله عز وجل المتقين من الصبر وحسن العزاء حين يقول لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: “واصبر لحكم ربك فانك باعيننا” (الطور 48) وحين يقول: “فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت” (القلم 48) وحين يقول: لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم حين مثل حمزة: “وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين” (النحل 126) فصبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعاقب، وحين يقول: “وامر اهلك بالصلوة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نزرقك والعاقبة للتقوى” (طه 132) وحين يقول: “الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون * اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون” (البقرة 156-157) وحين يقول: “انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب” (الزمر 10) وحين يقول لقمان لابنه “واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الامور” (لقمان 17) وحين يقول موسى لقومه: “استعينوا بالله واصبروا ان الارض يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين” (الأعراف 128) وحين يقول: “الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر” (العصر 3) وحين يقول: “ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين” (البقرة 155) وحين يقول: “والصـابرين والصابرات” (الأحزاب 35) وحيـن يقـول: “واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين” (يونس 109) وأمثال ذلك من القرآن كثير. واعلم أيا عمي وابن عمي ان الله عزوجل لم يبال بضر الدنيا لوليه ساعة قط ولا شيء أحب اليه من الجهد واللأواء مع الصبر وانه تبارك وتعالى لم يبال بنعيم الدنيا لعدوه ساعة قط ولولا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه ويخيفونهم ويمنعونهم وأعداؤه آمنون مطمئنون عالون ظاهرون ولولا ذلك ما قتل يحيى بن زكريا ظلماً وعدواناً في بغي من البغايا.
وعن سكينة مع الله تعالى يقول السيد المقرم في كتابه: وإذا كان عشق الإنسان يعشي البصر عن غير المعشوق ولا يشعر العاشق بكل ما يلاقيه عند توجه مشاعره نحوه، كما لم تشعر النسوة بألم قطع المدية أيديهن عند توجه مشاعرهن نحو الصديق يوسف عليه السلام “وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشر إن هو إلا ملك كريم” (يوسف 31). فالعشق الحقيقي لمظاهر الجمال الالهي أولى بأن يقف سدا دون ما سواه كما لم يشعر أصحاب الحسين عليهم السلام بما لاقوه من ألم الجروح الدامية بعد تكهربهم بولاء سيد الشهداء وتوجه مشاعرهم نحو الجمال القدسي الآلهي ونزوع أنفسهم الى الغاية القصوى من القداسة. وابنة النبوة (السيدة سكينة) بلغت من عظيم مجاهدة النفس إلى حد لم يبق لها نزوع الا الى صقع القداسة والاندفاع الى مركز الفناء في الله عزوجل وليس لها لفتة الى نواميس الحياة والانعطاف الى لوازم المعاشرة مع الناس فهي بين عبادة وزهادة وتذكير وتفكير وهذا معنى الاستغراق مع الله تعالى. وكانت من اللاتي شغلتهن الآخرة عن الاولى فلا يرين لغير المولى تعالت آلاؤه كياناً يجلب النظر اليه ولا الى معاشرة من ليست هي مثلها في السلوك والرياضة. وكان ما شاهدته السيدة سكينة (حق اليقين) وهو أرقى مراتب السالكين فإن أهل الكشف والسلوك بعد أن عرفوا اليقين بأنه الاعتقاد المطابق للواقع الثابت الذي لا يزول وهو في الحقيقة مؤلف من علمين: علم بالواقع وعلم بمحالية خلافه ذكروا له مراتب ثلاثة فإنه إن حصل من الاستدلال والنظر كالعلم الحاصل بوجود النار من الدخان سموه (علم اليقين). وان حصل بالكشف والمشاهدة كمعاينة جرم النار وكالكشف الحاصل للخلص من المؤمنين الذين اطمأنت قلوبهم بالله وتيقنوا بمعاينة قلوبهم أن الله نور السموات والأرض سموه (عين اليقين). إن حصل بالاتصال المعنوي لأهل الشهود والفناء الذين لا يرون في الوجود شيئاً الا (ذات الحق) تعالى شأنه كما قال سيد العارفين اميرالمؤمنين عليه السلام لو كشف الغطا ما ازددت يقيناً سموه (حق اليقين). هذه الكلمة نقلها الالوسي في تفسيره روح المعاني ج 3 ص 27 عند قوله تعالى “كيف تحي الموتى” (البقرة 260) عن اميرالمؤمنين علي عليه السلام ومثله أبو السعود في تفسيره على هامش تفسير الرازي ج 4 ص 570 عند قوله تعالى في الأنفال “واذا تليت عليه آياته زادتهم ايماناً” (الأنفال 2) والخفاجي في شرح الشفا ج 4 ص 4 باب عقد قلب النبي ونسبها عماد الدين الأموي في حياة القلوب على هامش قوة القلوب لأبي طالب المكي ج 2 ص 251 الى بعض السلف. وقد أشار الكتاب العزيز الى هذه المراتب فقال سبحانه: “كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين” (التكاثر 5-6) يريد جل شأنه انه لو حصل الاستدلال بالطرق الصحيحة والنظر فيما ورد.