الرئيسية / مقالات / اليمين المتطرف الجديد في ألمانيا انعكاس للنموذج النازي

اليمين المتطرف الجديد في ألمانيا انعكاس للنموذج النازي

فيينا / الاربعاء 22 . 01 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

عبدالرحيم الجرودي

في ظل الحملات الإتنخابية التي تعرفها ألمانيا حاليا، وقي ظل التداعيات السياسية التي تعرفها المنظقة في السنوات الأخيرة، برزإلى الأفق طيف اليمين المتطرف الذي أصبح موضوعا لكل البرامج السياسية التي تواكب هذه الظرفية وخاصة بعدما حقق في عديد من الولايات الألمانية نتائج لا يمكن للمتتبع الحذق أن يتجاهلها، فقد عرفتت ألمانيا تصاعدًا ملحوظًا في نشاط اليمين المتطرف، مما يثير مخاوف عميقة حول استقرار المجتمع الألماني وقيمه الديمقراطية. هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة بل هي نتاج تراكمات تاريخية واجتماعية وسياسية، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية وموجات الهجرة التي شهدتها أوروبا في العقد الماضي. ولعل ما يسلط الضوء على جذور هذه الظاهرة وأبعادها الخطيرة الربط بين صعود اليمين المتطرف والمشكل اليهودي في أوروبا تاريخيًا.

لقد ارتبطت ظاهرة اليمين المتطرف في أوروبا بشكل عام، وألمانيا بشكل خاص، بالعداء للسامية. ففي القرنين الماضيين، كانت أوروبا مسرحًا لموجات من الكراهية ضد اليهود، بلغت ذروتها في الحقبة النازية التي كانت وراء جرائم الهولوكوست البشعة، حيث تم إبادة ستة ملايين يهودي. هذه الفترة المظلمة من التاريخ الألماني لا تزال تلقي بظلالها على المجتمع، حيث يستخدمها اليمين المتطرف أحيانًا كرمز لإثارة الخوف والكراهية ضد الأجانب، سواء كان يهوديًا أو مسلمًا أو لاجئًا. اليوم أخذت خطابات الكراهية  منحا آخر يركز على المسلمين والمهاجرين بدل التركيز على اليهود لتجنب المساءلة السياسية والإجتماعية، لكن المنطق الكامن وراء هذا السلوك يبقى متشابها وهو إلقاء اللوم على لآخر في المشكلات الاقتصادية والاجتماعية. هذا التحول يعكس استراتيجية اليمين المتطرف في التكيف مع السياقات الجديدة، مع الحفاظ على جوهره العنصري والإقصائي.

في السنوات الأخيرة، كشفت تحقيقات صحفية وأمنية عن تسلل خلايا لليمين المتطرف كانت تعمل بشكل منظم داخل مؤسسات الدولة ولم تكن مجرد مجموعات هامشية كما يزعم بعض السياسيين، انتظمت هذه المجموعات داخل سلك الشرطة والجيش والمصالح الإدارية بل وحتى البرلمان مستفيدة من مواقعها داخل أجهزة الدولة لتعزيز أجنداتها المتطرفة. والأخطر من ذلك، أن بعض المنتسبين إليها ساهموا في إتلاف أدلة إدانة وإعاقة تحقيقات لتضليل العدالة والرأي العام، مما يطرح تساؤلات خطيرة عن مدى اختراق اليمين المتطرف لهياكل الدولة الألمانية.

في عام 2017 تم الكشف عن واحدة من أخطر الخلايا اليمينية المتطرفة داخل الجيش الألماني، حيث تبين أن ضابطا كان يخطط لتنفيذ هجمات إرهابية بهدف إلقاء اللوم على اللاجئين وإثارة الفوضى في البلاد. وكان الضابط قد استحوذ على أسلحة وذخائر بشكل غير قانوني، كما تم اكتشاف أنه كان يحتفظ بقائمة تضم أسماء سياسيين وصحفيين ونشطاء لحقوق الإنسان، مما يشير إلى نوايا خطيرة. اللافت في هذه القضية هو أن الضابط تمكن من إتلاف بعض الأدلة قبل اعتقاله، حيث قام بحرق وثائق وملفات رقمية كانت قد تساعد في الكشف عن شبكة أوسع من المتطرفين داخل الجيش. وقد أثارت هذه القضية تساؤلات حول مدى انتشار الأفكار المتطرفة داخل المؤسسة العسكرية، خاصة بعد الكشف عن وجود شبكات مماثلة في وحدات أخرى.

حزب البديل من أجل ألمانيا AfD، الذي يوصف بأنه يميني متطرف، نجح في دخول البرلمان الألماني عام 2017، مما أثار مخاوف من تأثير الأفكار المتطرفة على السياسة الألمانية. وقد تم الكشف عن بعض أعضاء الحزب الذين كانوا على صلة بمنظمات يمينية متطرفة، مثل حركة PEGIDA المعادية للإسلام، والتي نظمت مسيرات واسعة ضد المهاجرين واللاجئين. ففي عام 2019 تم الكشف عن أن أحد مساعدي عضو برلماني من حزب البديل من أجل ألمانيا   AFD كان على صلة بشبكة يمينية متطرفة تخطط لهجمات إرهابية وقد حاول هذا المساعد إخفاء الأدلة المتعلقة بأنشطته، بما في ذلك حذف رسائل البريد الإلكتروني والملفات من أجهزة الكمبيوتر قبل أن يتمكن المحققون من الوصول إليها.

في عام 2020، كشفت تحقيقات عن وجود خلية يمينية متطرفة داخل الشرطة في ولاية  Nordrhein-Westfalen، أكبر ولايات ألمانيا. وقد ضمت هذه الخلية أكثر من 30 ضابطًا كانوا يتشاركون في خطابات كراهية ضد المهاجرين والمسلمين، بالإضافة إلى تبادل صور ورسائل نازية عبر تطبيقات المراسلة. بلغ الأمر حد تبادل صور لأدولف هتلر وتهديدات عنصرية ضد سياسيين من أصول مهاجرة. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن بعض هؤلاء الضباط حسب ما تداولته الصحف، كانوا يعملون في وحدات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة مما منحهم إمكانية الوصول إلى معلومات حساسة واستغلالها لأغراض شخصية أو سياسية. وقد تم الكشف عن تورط بعض الضباط  في التخلص من بعض الأدلة المتعلقة بأنشطتهم المتطرفة، مثل حذف الرسائل والصور من هواتفهم قبل مصادرة الأجهزة من قبل المحققين وسحق بعض الملفات.

في ديسمبر 2022، كشفت السلطات الألمانية عن مخطط انقلابي خطير كان يخطط له عناصر من اليمين المتطرف، بالإضافة إلى بعض الشخصيات البارزة، بما في ذلك أعضاء سابقون في الجيش بالإضافة الى وجوه أرستقراطية.

كانت هذه المحاولة واحدة من أكبر المؤامرات اليمينية المتطرفة التي تم الكشف عنها والتي دقت ناقوس خطورة التطرف اليميني في ألمانيا منذ عقود.

في ظل تنامي هذه الظاهرة شهدت البلاد عدة هجمات استهدفت الأجانب والمهاجرين كان من بينها مثلا الهجوم الذي نفذه أحد المتطرفين في فبراير 2020  بمدينة Hanau استهدف أفرادًا من خلفيات مهاجرة، مما أثار صدمة واسعة في ألمانيا. هذا الهجوم سلط الضوء من جديد على مشكلة العنف العنصري وكراهية الأجانب في ألمانيا، وهي قضية تواجهها البلاد منذ سنوات، لم يكن ذلك حدثا معزولا، بل جزءًا من نمط متزايد من العنف العنصري في ألمانيا. هذا الإعتداء كان صدمة كبيرة لألمانيا، وكشف عن وجود مشكلة عميقة تتعلق بالكراهية والعنف العنصري المنظم والممنهج  ضد الأجانب.

في السنوات الأخيرة،  برز سؤال مهم حول الدور الذي يمكن أن يلعبه الأجانب والمسلمون، الذين يشكلون جزءًا مهما من النسيج الاجتماعي الألماني، في مواجهة هذه الظاهرة رغم التحديات الكبيرة التي يواجهونها، مثل التمييزالعنصري والوصمة الاجتماعية.

 فمن خلال التعليم والتوعية يمكن للمسلمين والأجانب أن يلعبوا دورا مهما في نزع الإلتباس حول ثقافاتهم وقيمهم لدى المجتمع الألماني مما يساهم في تفكيك الصور النمطية السلبية بالإضافة إالى المشاركة السياسية الفعالة سواء من خلال التصويت أو الترشح للانتخابات المحلية أو الانضمام إلى الأحزاب السياسية حيث يمكن أن تكون وسيلة قوية للتأثير في صنع القرار ومكافحة الخطابات المتطرفة. كما أن بناء تحالفات مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية التقدمية التي تدافع عن قيم التسامح والاندماج مع استخدام وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية لنشر رسائل إيجابية حول الاندماج ومكافحة الكراهية يمكن أن تكون أدوات فعالة في تغيير الصور النمطية وتقوية الروابط المجتمعية وأن تساهم في تعزيز دور الأجانب والمسلمين وتثبت انتماءهم لألمانيا كمواطنين.

إن صعود اليمين المتطرف في ألمانيا، وخاصة اختراقه لمؤسسات الدولة، يعد تحديًا خطيرًا للديمقراطية الألمانية. فكما كشفت التحقيقات، فإن هذه الخلايا لم تكن مجرد مجموعات هامشية، بل كانت تعمل بشكل منظم، مستفيدة من مواقعها داخل الدولة لتعزيز أجنداتها المتطرفة. وإتلاف الأدلة من قبل بعض المنتسبين إليها يزيد من صعوبة مواجهتها. لذلك، فإن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب أكثر من إجراءات أمنية، فهي تحتاج إلى إصلاحات هيكلية تعزز الشفافية والمساءلة داخل مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى تعزيز قيم التسامح والإندماج في المجتمع. فبدون ذلك تتحول ألمانيا إلى ساحة جديدة لصراعات قديمة بأقنعة جديدة.

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً