فيينا / السبت 25 . 01 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
جاء في کتاب باب الحوائج الإمام موسى الكاظم عليه السلام للدكتور حسين الحاج حسن: في حقيقة الصبر: من المعلوم أن الحرب قائمة على قدم وساق بين باعث الدين وباعث الهوى و مكان المعركة بينهما قلب المؤمن. و لكن مدد باعث الدين من الملائكة الناصرين لحزب اللّه، و مدد باعث الهوى من الشياطين الناصرين لأعداء اللّه، فالصبر عند ذلك عبارة عن ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الهوى و الشهوة. و الصبر ضربان: بدني و نفسي. الصبر ثلاثة: صبر على المصيبة، و صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية؛ فمن صبر على المصيبة حتى يردّها بحسن عزائها، كتب له ثلاثمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض، و من صبر على الطاعة، كتب اللّه له ستمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش، و من صبر على المعصية كتب اللّه له تسعمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش. و سئل الإمام الباقر عليه السّلام عن الصبر الجميل؟ فقال: ذاك صبر ليس فيه شكوى و اما الشكاية إلى اللّه تعالى فلا بأس بها كما قال يعقوب: “إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللَّه” (يوسف 86). و لكن لكل داء دواء فهل للصبر من دواء أو علاج؟ نعتقد ان الذي أنزل الداء أنزل الدواء، و وعد بالشفاء، فالصبر و إن كان شاقا يمكن تحصيله بتقوية باعث الدين و تضعيف باعث الهوى بالمجاهدة والرياضة الروحية. فمن يكثر فكره فيما ورد في فضل الصبر يعلم ان ثوابه على المصيبة أكثر مما فات و انه بسبب ذلك مغبوط بالمصيبة إذ فاته ما لا يبقى معه إلا مدة الحياة الدنيا و حصل له ما يبقى بعد موته أبد الدهر. و هذا ما يحصل كل يوم مع أهالي المجاهدين الأبطال في المقاومة حيث نجد العديد من الآباء و الأمهات الذين فقدوا أبناءهم في هذه الدنيا فصبروا صبرا جميلا مقوين باعث الدين و مضعّفين باعث الهوى بالمجاهدة و الرياضة، عاملين بقول الرسول الأكرم الذي قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: (أسألك من اليقين ما يهون به علي مصائب الدنيا).
وعن محاسبة النفس: الإمام الكاظم عالم نفسي يقول مؤلف الكتاب الدكتور الحاج حسن: قال اللّه تعالى: “كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً” (الاسراء 14). و قال تعالى: “وَ وُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً” (الكهف 49). فعلم أصحاب البصائر أن العليم بالسرائر و المطلع على الضمائر سيحاسبهم على كل صغير أو كبير أو جليل أو حقير، و على مثاقيل الذر من الخطرات و اللحظات و الغفلات، ولا ينجيهم من هذه الأخطار العظيمة و الأهوال الجسيمة إلّا محاسبة أنفسهم في الدنيا قبل أن يحاسبوا يوم القيامة. قال الإمام الصادق عليه السّلام: إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم، ولا يكون له رجاء إلا من عند اللّه، فإذا علم اللّه ذلك من قلبه لم يسأله شيئا إلا أعطاه، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها، فإن للقيامة خمسين موقفا كل موقف مقام ألف سنة، ثم تلا عليه السّلام: “فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ” (المعارج 4). و معنى المحاسبة هو أن يحاسب الإنسان نفسه أولا بالفرائض التي هي بمنزلة رأس ماله، فإن أدّاها على وجهها شكر اللّه على هذه النعمة، و إن فوّتها من أصلها طالبها بالقضاء. و كما أن التاجر يفتش في حساب الدنيا عن القيراط و الحبة ليحفظ مداخل الزيادة و النقصان، فينبغي عليه أن يتقي غائلة النفس و مكرها لأنها خداعة، فليطالبها أولا بتصحيح الجواب عن جميع ما يتكلم به طوال نهاره و ليتكفل بنفسه من الحساب ما يستولي غيره في صعيد القيامة. و هكذا عن نظره و سمعه و لسانه، بل عن خواطره و أفكاره و جميع جوارحه حتى عن سكونه و سكوته و أكله و شربه. فإذا عرف مجموع واجبات نفسه و صح عنده قدر ما أدى من الحق، كان ذلك القدر محسوبا له، فيثبته عليها و يكتبه على صحيفة قلبه. قال الإمام الباقر عليه السّلام: لا يغرنك الناس من نفسك، فان الأمر يصل إليك دونهم، و لا تقطع نهارك بكذا و كذا فان معك من يحفظ عليك عملك فأحسن فاني لم أر شيئا أحسن دركا و لا أسرع طلبا من حسنة محدثة لذنب قديم. و قال الإمام الصادق عليه السّلام: ان رجلا أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقال له: يا رسول اللّه أوصني. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: فهل أنت مستوص إذا أنا أوصيتك؟ حتى قال له ذلك ثلاثا و في كلها يقول له الرجل: نعم يا رسول اللّه. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: (فاني أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته، فإن يك رشدا فامضه، وإن يك غيّا فانته عنه. و الإمام الكاظم عليه السّلام حث أصحابه على محاسبة أنفسهم و النظر في أعمالهم فإن كانت حسنة استزادوا منها، و إن كانت سيئة طلبوا من اللّه المغفرة و الرضوان. قال عليه السّلام: (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فان عمل حسنا استزاد منه، و إن عمل سيئة استغفر اللّه منها و تاب إليه).
وعن مراقبة النفس يقول الدكتور حسين الحاج حسن: ينبغي على العبد أن يراقب نفسه في جميع أعماله، و يلاحظها بالعين الخالصة لأنها إن تركت بلا مراقبة فسدت و أفسدت. ثم عليه أن يراقب اللّه في كل حركة و سكون، و ذلك بان يعلم بان اللّه مطلع عليه و على ضميره، خبير بسرائره، رقيب على أعماله، قائم على كل نفس بما كسبت، و ان سر القلب عنده مكشوف كما ان ظاهر البشرة للخلق مكشوف، بل أشد من ذلك قال اللّه تعالى: “إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً” (النساء 1). و قال تعالى أيضا: “أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى” (العلق 14). و قال النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلم: (الاحسان أن تعبد اللّه كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك). و يروى أن زليخا لما خلت بيوسف قامت فغطّت وجه صنمها، فقال يوسف: ما لك تستحين من مراقبة جماد و لا أستحي من مراقبة الملك الجبار؟). قال الفقهاء: إن العبد لا يخلو إما أن يكون في طاعة أو معصية أو مباح. فمراقبته في الطاعة بالاخلاص و الاكمال و مراعاة الأدب و حراستها من الآفات. و مراقبته في المعصية بالتوبة والندم و الاقلاع و الحياء و الاشتغال بالتفكير. ومراقبته في المباح بمراعاة الأدب، بان يقعد مستقبل القبلة و ينام على اليد اليمنى مستقبلا إلى غير ذلك. فكل ذلك داخل في المراقبة. و بشهود المنعم في النعمة و بالشكر عليها، و بالصبر على البلاء فإن لكل واحد منها حدودا لا بد من مراعاتها بدوام المراقبة. قال تعالى: وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ” (الطلاق 1). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: (رحم اللّه امرئ عرف حدّه فوقف عنده).
عن كيف تقاس الأعمال؟ يقول الدكتور الحاج حسن في كتابه: الإسلام قد نظر إلى الدوافع الذاتية التي تدفع الإنسان إلى عمل الخير نظرة موضوعية أصيلة، و بنى الأعمال على أساس (النية) و قال: (الأعمال بالنيات). لكل عمل يقوم به الإنسان جانبان، لكل منهما حساب مستقل على حدة فمن الممكن أن يكون عمله خيرا من جهة و لا قيمة له من جهة أخرى. الممكن أن يكون عمله خيرا من جهة و لا قيمة له من جهة أخرى. في شريعة اللّه لا ينظر إلى كمية العمل، بل إلى كيفية العمل و أثره النفسي و الذاتي في شخص الفاعل، فهذا الذي يتقبله اللّه تعالى. قال اللّه تعالى في كتابه العزيز: “وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ” (البينة 5). و عن الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلم: (إنما الأعمال بالنيات). فثبوت الايمان باللّه هي النية المعنوية، و عندئذ يتصف العمل بالقيمة الخالصة و سيكون صاحب هذا العمل مورد لطف اللّه و عنايته و حمايته. فالانسان الذي لم تسطع أشعة اللّه على روحه هو خال من الايمان و الاخلاص، إنما يدفعه إلى القيام بالأعمال الميول النفسانية و الشهرة الدنيوية الفانية، إنه بدأ عمله خلوا من روح الحقيقة و أنهاه ليظهر فضائله الإنسانية على الملأ بغية احترامه و تقديره. هذا الهدف غير القيم يكون السبب الأساسي في رد عمله، و يصبح عمله لا قيمة له عند اللّه تعالى، و لا تعود منه عائدة سوى ذلك الهدف المحدود الذي كان يهدف إليه ليفيده في حياته الحاضرة. و هذا ما نلاحظه اليوم عند أكثر المرشحين للنيابة في الانتخابات حيث يبدأ نشاطهم في إعمار المساجد و لم يدخلوها إلا وقت التدشين، و ينفقون الأموال الطائلة على الموائد الشهية، و المظاهر الفارغة، و التبرعات الخاصة لذوي الحاجات. كل ذلك لاظهار كرمهم الزائف و افتخارهم أمام الناس لكسب رضاهم. هؤلاء عطاؤهم مردود عند اللّه، لأنهم لم يكونوا مخلصين في نواياهم، و لم يعملوا لكسب رضا اللّه، بل همهم رضا الناس من أجل مصالحهم الخاصة. لكنهم لو عقلوا أكثر لأخلصوا في نواياهم و كسبوا رضا العباد، و رضى رب العباد. قال تعالى: “وَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” (النساء 38). أما الذين يتمتعون بالثقة بأنفسهم و يعتمدون على أعمالهم فلا يشعرون بحاجة إلى الرياء لأنهم لا يعانون من أي مرض نفسي. و قد وصفهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام فقال: (لسان المرائي جميل، و في قلبه داء دخيل). و فيه عنه عليه السّلام قال: (الافتخار من صغير الاقدار). و النفاق هو أعلى درجات الكذب و أحقرها حيث يظهر المنافق غير ما يبطن فيلهج بلسان ذلق مخادع و قلبه يضمر العكس تماما و هو ما سمي بذي الوجهين. من هنا سمي الرجل الذي يظهر الإيمان و يبطن الكفر منافقا فهو كذب عملي فعلي. و من هذا النوع الذين يظهرون صداقتهم و يبطنون عداوتهم. و كل من يظهر بمظهر ينافي حقيقته هو منافق حقير مذموم، قلبه مريض. قال تعالى: “إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (الأنفال 49). إن المؤمن مع تمتعه بثقته بنفسه، و مع إفادته من كل الامكانيات التي تحت تصرفه بصورة دقيقة و تامة، لا يحضر روحه بين العلل و العوامل المادية، و لا تتوقف إنسانيته على المادة، بل يرى طريق التعالي و التسامي إلى القمة مفتوحا عليه، كما يرى عمله أبعد من حدود المادة، فهو يربط بين نشاطاته و فعالياته و أهداف الحياة العالية إن من يطمئن قلبه بالايمان يكون اعتماده و ثقته باللّه تعالى الذي بيده سبحانه تدبير كل الأمور وحده لا شريك له. قال تعالى: “ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَ ما يُمْسِكْ، فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (فاطر 2). إن اللجوء إلى غير اللّه لا ينتج عنه سوى الذلة و الحقارة، و أنى لمخلوق عاجز لا ملجأ له إلا اللّه بل هو فقير في كل شيء إليه و لا يملك من أمره شيئا، فكيف له أن يمتلك أمر غيره؟ قال الإمام الكاظم عليه السّلام مخاطبا هشام: (يا هشام كيف يزكو عند اللّه عملك و أنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك، و أطعت هواك على غلبة عقلك، و قال لقمان عليه السّلام: (ان الدنيا بحر عميق قد غرق فيها عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى اللّه، و حشوها الايمان، و شراعها التوكل).
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات