فيينا / الثلاثاء 25 . 02 . 2025
وكالة السيمر الاخبارية
في مارس 2022 أصدر الرئيس الأميركي السابق جو بايدن أمراً تنفيذياً، سرعان ما ألغاه الرئيس الحالي دونالد ترامب، بعد ثلاثة أيام فقط من تنصيبه يناير الماضي.
القرار الملغي بعنوان “ضمان التطوير المسؤول للأصول الرقمية”، وحلّ بديله قرار آخر تحت اسم “تعزيز القيادة الأميركية في التكنولوجيا المالية الرقمية”.
كان بايدن يطمح أن تدخل بلاده “عصراً جديداً في التعاملات المالية”.
لذلك، وجّه الوكالات الفيدرالية بإجراء أبحاث وتقديم تقارير حول الأصول الرقمية، بما في ذلك إمكانية تطوير عملة رقمية للاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي)، والتدابير التنظيمية والتشريعية اللازمة، وتأثير الأصول الرقمية على الاستقرار المالي والأمن القومي.
هذا الأمر عدّه ترامب “خطراً”.
وقال “يجب اتخاذ تدابير لحماية الأميركيين من مخاطر العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)، لأنها تهدد استقرار النظام المالي وخصوصية الأفراد وسيادة الولايات المتحدة”.
بالتالي، وفق البيان الصادر عن البيت الأبيض، “يُحظر على أي وكالة فيدرالية اتخاذ أي إجراء لإنشاء أو إصدار أو الترويج للعملات الرقمية للبنوك المركزية داخل الولايات المتحدة أو خارجها”.
أيضاً أمر ترامب بإنهاء جميع الخطط والمبادرات الجارية المتعلقة بإنشاء عملة رقمية للبنك المركزي “فوراً”.
كما وجّه وزير الخزانة لإلغاء إطار “التعاون الدولي بشأن الأصول الرقمية” الصادر عن الوزارة في 7 يوليو 2022.
وتتلخص أهدافه وفق نص الأمر التنفيذي بالآتي:
-
حماية وتعزيز قدرة الأفراد والكيانات الخاصة على الوصول إلى شبكات “البلوكشين Blockchain” العامة المفتوحة واستخدامها لأغراض مشروعة، بما في ذلك تطوير ونشر البرمجيات، وإجراء المعاملات مع الآخرين دون رقابة غير قانونية، والاحتفاظ الذاتي بالأصول الرقمية.
-
تعزيز وحماية سيادة الدولار الأميركي، والوصول العادل والمفتوح إلى الخدمات المصرفية، وتوفير بنية تنظيمية قائمة على الحياد التكنولوجي.
وفسّر “البلوكشين” بأنه أي تقنية تتم عبرها مشاركة البيانات من خلال شبكة لإنشاء سجل عام للمعاملات أو المعلومات بين المشاركين.
كذلك يربط “البلوكشين” البيانات باستخدام التشفير للحفاظ على سلامة السجل، وتوزيع المعلومات بين المشاركين بشكل آلي، وأن يكون الكود المصدري للتكنولوجيا متاحاً للعامة.
وهذا السجل شائع الاستخدام في المعاملات المالية الإلكترونية التي تستخدم العملات الرقمية المشفّرة.
الاحتياطي الفيدرالي: لا دولار رقمي
يعدّ الأمر التنفيذي أعلى مستويات الإجراءات التنفيذية من حيث الرسمية، مستمدة شرعيتها القانونية من المادة الثانية في الدستور الأميركي.
لكنه أيضاً يخضع لمجموعة من القيود والضوابط التي تحد من نطاق تأثيره وديمومته.
فالأمر التنفيذي ليس تشريعا دائما، إذ يمكن أن يلغيه الرئيس اللاحق أو يعدّله.
وفي مقال له على “لينكد إن” حول مسألة الدولار الرقمي، كتب البروفيسور الأميركي في النُظم المالية والتكنولوجيا، كونراد بورويز، أنه لكي يكون الأمر التنفيذي “مُلزماً ” للمجلس، يجب أن يستند أولاً لسلطة دستورية وثانيا لقانون صادر عن الكونغرس يمنح الرئيس سلطة على الفيدرالي، موضحا أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي وكالة مستقلة.
ورأى بورويز أن حظر العملات الرقمية للبنك المركزي يعني “التخلّي عن ابتكار نقديّ مهم”، مؤكداً “قد لا يحتاج الاحتياطي الفيدرالي العملة الرقمية اليوم لكنه يحتاجها في المستقبل”.
كان ذلك في 4 فبراير، قبل أيام من حسم رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، مصير الدولار الرقمي.
ففي 11 فبراير الحالي، أعلن باول أن البنك المركزي لن يُطلق عملته الرقمية الخاصة أثناء تولّيه المسؤولية.
هذا يعني، إغلاق الباب أمام إمكانية إنتاج أي دولار رقمي، حتى انتهاء ولاية باول في مايو 2026.
تصريحه كان بمثابة الامتثال للأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب.
كان ذلك عندما واجه أسئلة من اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ، تحديدا من النائب الجمهوري منه بيرني مورينو، كان الحوار كالآتي:
مورينو: “هل يمكنني أن أحصل على التزامك بأنه طالما أنك رئيس نظام الاحتياطي الفيدرالي، فلن يكون لدينا أبدا عملة رقمية للبنك المركزي؟”
باول: “نعم”.
ما هي عملة “CBDC”؟
الأحرف هذه اختصار لعبارة “العملة الرقمية للبنك المركزي” بالإنجليزية.
والأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب، عرّفها بأنها شكل من أشكال النقد الرقمي أو القيمة النقدية، مقوّمة بوحدة الحساب الوطنية، وتمثل التزاماً مباشراً من البنك المركزي.
تمثل هذه العملة النسخة الإلكترونية من العملة الورقية الرسمية للدولة، تصدرها وتدعمها البنوك المركزية.
ويحتفظ المستهلك بما يملكه من العملة داخل “محفظة رقمية”، هي بالعادة تطبيق إلكتروني يتم تحميله على الهاتف الذكي أو الجهاز اللوحي أو الكمبيوتر الشخصي.
ومن خلاله ينفذ المستخدم معاملاته المالية ويجري المدفوعات في نقطة البيع الفعلية أو على الويب.
وعلى عكس العملات المشفرة مثل “البيتكوين” التي تعمل بشكل لامركزي، فإن العملات الرقمية للبنوك المركزية مدعومة من الدولة وتعمل داخل النظام المالي التقليدي.
وتتم إدارة “CBDC” من قبل البنك مركزي باستخدام السجل الرقمي (بلوكشين). هذا يعني أن كيانا واحدا (البنك المركزي) يتحكم في إصدار العملات وإدارتها لاحقا.
على النقيض من ذلك ، يتم إصدار النقد المادي (ورقياً ومعدنياً أو إلكترونيا عبر الفيزا كارد) من قبل البنك المركزي، ولكن يتم تنفيذ مسك العملة وكذلك إدارتها من قبل العديد من الأطراف (الوسطاء مثل البنوك والشركات والمستهلكين).
وفي النهاية، يكون حامل النقد هو أيضا الوصيّ على العملة وقد يتتبعها أو لا يتتبعها.
ووفق مؤشر العملات الرقمية للبنوك لـ”المجلس الأطلسي”، فإن حوالي 130 دولة تمثل 98 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي تستكشف إمكانيات إصدار عملة رقمية للبنك المركزي.
من بين هذه الدول، وصلت 64 دولة إلى مراحل متقدمة تشمل التطوير، والتجارب، أو الإطلاق الرسمي.
بالنظر لهذا التوجه العالمي، فإن قرار ترامب يعني لمنتقديه أن الولايات المتحدة قد تفقد مكانتها في النظام المالي الدولي.
مزايا وعيوب
للعملات الرقمية القدرة على توفير العديد من المزايا مثل الشمول المالي والراحة وعدم وجود مخاطر الطرف المقابل مع البنوك التجارية.
مع ذلك، فإنها تأتي مع بعض العيوب، مثل خصوصية البيانات المخترقة والتحديات التنظيمية.
بحسب ورقة بحثية للخبير الاقتصادي السويسري باتريك شويفيل، فإن مزايا “CBDC” للفرد والمجتمع ككل هي:
-
حمايتهم من فقدان الأموال، لأنها مخزنة في السجل الرقمي للبنك المركزي.
-
تحسين الكفاءة المالية، إذ تسهّل المدفوعات الفورية دون الحاجة لوسطاء.
-
تقليل الجرائم المالية، حيث تعزز الشفافية وتقلل من غسل الأموال والتهرب الضريبي.
-
زيادة استقرار النظام المالي ما يعني أزمات مصرفية أقل.
-
تسهّل الوصول للخدمات المالية لمن ليس لديهم حسابات بنكية.
-
تقلل مخاطر التزوير والاحتيال.
-
سرعة المعاملات الدولية، إذ تخفض التكاليف وتسهّل التجارة العالمية.
أما العيوب بحسب شويفيل، فهي:
-
انتهاك الخصوصية، إذ تتيح للحكومات تتبّع جميع المعاملات البنكية.
-
إضعاف البنوك التجارية، إذ تقلّ ودائعها، ما يؤثر على قدرتها على الإقراض.
-
عُرضة للاختراقات السيبرانية.
-
فرض قيود على الإنفاق إذ يمكن برمجة العملة لتحديد كمية الإنفاق أو نوعه.
-
إمكانية فرض ضرائب وعقوبات تلقائية دون علم أو موافقة المستخدم.
-
قد تُستخدم كأداة للسيطرة السياسية.
بالعودة لمقال البروفيسور كونراد بورويز، يشير فيه إلى مسألة “منح الحكومة أداة قوية للمراقبة والسيطرة” باعتبارها أبرز الحجج ضد العملات الرقمية للبنك المركزي.
“هذا ليس سببا كافيا لحظرها تماما” برأيه.
ويضرب أمثلة على شركات من القطاع الخاص تملك بالفعل سلطة رقابية لجميع التحركات المالية لمستخدمي تطبيقاتها مثل “باي بال وفيزا” إضافة للبنوك نفسها.
بالتالي، يعتقد بورويز أن الحل لا يكون من التخلي التام عن فكرة الدولار الرقمي، بل إيجاد حلول للمشكلات التي قد ترافقه، ذلك أنها موجودة بالأساس لدى جهات أخرى.
المصدر / الحرة
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات