فيينا / الثلاثاء 25 . 02 . 2025
وكالة السيمر الاخبارية
تعكس المشاهد والمواقف التي خرجت من السويداء جنوبي سوريا، خلال الأيام الماضية، حالة من “عدم اليقين”، وتشي أيضا بأنه “لا يوجد قرار موحد” في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، على صعيد طبيعة العلاقة التي ستجمعها مع الإدارة الجديدة في دمشق.
تأخذ هذه العلاقة عدة مسارات، منها ما يتعلق بشق العسكرة وخطوات الاندماج المراد تنفيذها على مستوى “الجيش السوري الجديد”، وتذهب أخرى باتجاه شكل الحوكمة والدولة الجديدة ككل، ما بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وفي وقت كانت الأنظار فيه مسلطة على تشكيل عسكري جديد أعلن عنه تحت اسم “المجلس العسكري”، توجه قادة تشكيلات محلية مسلحة أخرى إلى دمشق، الإثنين، حيث التقوا برئيس المرحلة الانتقالية في البلاد، أحمد الشرع.
وجاء ما سبق، بالتوازي مع تصريحات أطلقها شيخ عقل الطائفة الدرزية، حكمت الهجري، عبّر فيها لرويترز عن “استيائه” من التحضيرات المتعلقة بمؤتمر الحوار الوطني، ومطالبا بـ”تدخل دولي لضمان دولة مدنية وفصل للسلطات” في سوريا.
وتضم السويداء عشرات التيارات والفصائل، و”تُعرف منذ سنوات بالحرية الكاملة فيها، التي تتيح لأي شخص أو جهة إصدار بيان والتعبير عن موقف”، كما يقول الباحث السوري نورس عزيز.
ويضيف لموقع “الحرة”: “هناك حالة من الفوضى.. وهو أمر طبيعي بسبب عدم وجود نظام شامل من شأن المحافظة أن تندرج تحته”.
ولا يعتبر الباحث السوري حالة المحافظة الواقعة في جنوب سوريا “استثناء”، ويوضح أنها “جزء من حالة عامة” تعيشها سوريا بعد سقوط الأسد.
“3 مواقف وتيارات”
تُعرف السويداء بخصوصيتها منذ سنوات. وكانت هذه الحالة قد انسحبت على 3 محطات مرت بها المحافظة على مدى السنوات الـ13 الماضية.
المحطة الأولى بعد عام 2011، والثانية بعدما اندلعت فيها المظاهرات السلمية ضد نظام الأسد قبل سقوطه، وصولا إلى يوم الثامن من ديسمبر وما بعده (تاريخ الإعلان عن سقوط نظام الأسد)”.
وبعد سقوط الأسد، صدرت الكثير من المواقف التي حددت بشكل أولي طبيعة وشكل العلاقة التي ستكون مع إدارة الشرع.
وبينما بقيت في إطار الأخذ والرد، وصلت قبل أيام إلى حد التضارب الواضح.
انعكس هذا التضارب، حسب مراقبين، من الخطوة المتعلقة بالإعلان عن “المجلس العسكري” والترويج له بكثرة، والمواقف التي أبدتها فصائل محلية أخرى، متخذة خطوات للأمام مع دمشق، وما قاله الهجري لوكالة رويترز، الإثنين.
ويرى الباحث في شؤون جماعات ما دون الدولة، عمار فرهود، أن المواقف في السويداء السورية “يمكن إدراجها ضمن 3 أقسام وتيارات في الوقت الحالي”.
“يقود التيار الأول الشيخ الهجري، الذي يدعم الفدرالية الإدارية في المحافظة، مع التأكيد على ضرورة الارتباط بالخارجية والجيش مع إدارة دمشق المركزية”.
ويقول فرهود لموقع “الحرة”، إن توجه الهجري “تدعمه فصائل محلية بينها (لواء أحرار جبل العرب) و4 تشكيلات أخرى، يقود نجله إحداها”.
في المقابل، “يبرز تيار ثانٍ يؤكد على بناء الدولة بالتعاون مع إدارة دمشق”، وفق الباحث.
وهذا التيار “مقتنع بضرورة الاندماج مع إدارة دمشق، ويمثله الحراك الشعبي، بينما يحظى بدعم من (حركة رجال الكرامة)”، كبرى الفصائل المحلية في المحافظة.
أما القسم الثالث الذي تحدث عنه فرهود، فيريد حسب قوله “الفدرالية الكاملة”، ويمثله حزبان هما “حزب الفدرالية” و”حزب اللواء”.
“عوامل متداخلة”
والسويداء هي واحدة بين عدة محافظات سورية “استثنائية” على صعيد شكل السيطرة والتمثيل.
وبعد سقوط نظام الأسد، تحولت إلى أبرز ملف من بين اثنين (إلى جانب ملف قوات سوريا الديمقراطية ومناطق شمالي وشرقي سوريا)، يسود الترقب بشأن مصيرهما وطبيعة علاقتهما مع إدارة الشرع.
ويعتقد الباحث السوري في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، نوار شعبان، أن الوضع القائم في السويداء حاليا هو “نتاج لتداخل عدة عوامل”.
يرتبط العامل الأول، حسب حديث الباحث لـ”الحرة”، بـ”التنافس على السلطة بين الفصائل المحلية، التي تسعى للحفاظ على استقلالية قرارها، والسلطات المركزية التي تحاول فرض سيطرتها على المحافظة”.
ويتعلق الثاني بـ”التدخلات الخارجية، خاصة من قبل إسرائيل، التي تعلن صراحة عن مصالحها الأمنية في المنطقة، مما يزيد من تعقيد المشهد”.
كما توجد عوامل أخرى تتعلق بـ”المطالب الشعبية المتمثلة في دعوات الهجري لتدخل دولي لحماية المدنيين، مما يعكس حالة القلق والخوف السائدة بين الأهالي”.
لكن ورغم مكانة الشيخ الهجري كزعيم روحي لطائفة الموحدين الدروز، فإنه “لا يمثل مواقف جميع سكان السويداء”، وفق شعبان.
ويقول: “تصريحاته تعكس وجهة نظر شريحة معينة، خاصة الفصائل المحلية التي تتوافق مع رؤيته”.
ماذا عن “المجلس العسكري”؟
بالنظر إلى الموقف الخاص بالسويداء، لا يمكن التركيز على جانب دون آخر.
ويعني ما سبق أن المحافظة تضم تشكيلات عسكرية وتيارات سياسية ورجال دين. وكل من هؤلاء له موقفه ورؤيته الخاصة.
وفيما يتعلق بشق العسكرة، فقد أثار تشكيل ما يعرف بـ”المجلس العسكري” الكثير من الجدل خلال الأيام الماضية، خاصة أنها جاء في توقيت حساس، وبدأ القائمون عليه بالترويج له ولأهدافه على نحو غير مسبوق.
ويوضح مدير تحرير شبكة “السويداء 24″، ريان معروف، لموقع “الحرة”، أن “المجلس العسكري” تشكل بعد سقوط نظام الأسد بثلاثة أيام.
يقوده طارق الشوفي، الذي كان ناشطا بما يعرف بتيار سوريا العلماني، بينما يقدم نفسه على أنه ضابط منشق، وفق معروف.
ويشرح أن التشكيل الجديد كان قد أعلن في الأيام الأولى لسقوط نظام الأسد، فتح باب التسوية للضباط والعسكريين، بشكل منفرد ودون أي تنسيق مع جهة أخرى، سواء داخل السويداء أو مع إدارة الشرع في دمشق.
ويوم الإثنين، نظم “المجلس العسكري” عرضا عسكريا في القرى الواقعة جنوب السويداء، ونشر عدة تسجيلات مصورة توثق انضمام مقاتلين له.
كما نشر شعارا خاصا به، برزت فيه خريطة السويداء كجزء مستقل، مع الإشارة المعتمدة للطائفة الدرزية.
ويضيف معروف أن غالبية مجموعاته من أبناء القرى الجنوبية، ويشير إلى أن القائميم عليه يدعون أنهم “ينسقون مع التحالف الدولي”.
ولا يتجاوز عدد أفراد “المجلس العسكري” 900 شخص، حسب الباحث عزيز.
ويقول الباحث إنه يرتبط بعلاقة جيدة مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وإن البعض يشير إلى ارتباطه برئيس حزب “اللواء السوري” مالك أبو الخير، الذي يريد علاقة مع القوات الكردية، مع إنشاء “إدارة ذاتية” وما إلى ذلك.
ماذا عن بقية الفصائل؟
يختلف تشكيل “المجلس العسكري” عن بقية الفصائل المحلية من ناحية العدد والقوّة وتاريخ الظهور والأهداف أيضا.
ومن بين تلك الفصائل “حركة رجال الكرامة”، “لواء الجبل”، “قوات شيخ الكرامة”، “تجمع أحرار جبل العرب”.
ويوضح الصحفي معروف أن هذه الفصائل “لا تجمعها أي صلة” بـ”المجلس العسكري”.
ويعتقد أن احتمالات الصدام “واردة بين الطرفين في أي وقت، في حال لم يكن هناك حوار بين هذه التشكيلات العسكرية، أو كانت هناك محاولات إقصاء”.
وبدوره، يوضح الناطق باسم “حركة رجال الكرامة” والملقب بـ”أبو تيمور”، أنهم “ينسقون بشكل دائم مع الإدارة الجديدة في دمشق ووزارة الدفاع السورية”.
وقال الناطق لموقع “الحرة”، إن عدة وفود رسمية من جانبهم التقت بوزير الدفاع، مرهف أبو قصرة، وأن العلاقة “تنشأ بشكل تدريجي”.
المتحدث أكد أيضا أنه “لا توجد أي علاقة” تربطهم مع “المجلس العسكري” المعلن عن تشكيله حديثا.
وتابع: “رأينا ورأي أغلب فصائل السويداء هو أن كل التشكيلات التي ظهرت بعد 8 ديسمبر هي طارئة وليست ثورية. كما أن لدينا تحفظات على أي فصيل نعتقد أنه موجه من الخارج أو له أجندة خارجية”.
ويعتبر الباحث عزيز أن “المجلس العسكري” هو عبارة عن تنظيم “يكبر بحسب الدعم والتمويل ويصغر بحسب تغير المصالح”.
ويقول إنه “يروج لنفسه من باب الدعاية ويستغل ظرف ما”.
وسبق وأن اعتبر الشيخ الهجري “المجلس العسكري” أنه “جهة غير شرعية”، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية فصائل السويداء.
ويختتم عزيز حديثه بطرح تساؤل يقول: “هناك حالة عدم يقين في السويداء. المحافظة إلى أين ذاهبة؟ وهل الإدارة الجديدة ستتفق مع الأهالي؟ هل سيكون هناك تدخل دولي وتصبح منطقة الجنوب عازلة ولها قوانينها الخاصة؟”.
المصدر / الحره
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات