أخبار عاجلة
الرئيسية / ثقافة وادب / قراءة في قصيدة “النهر والمقصلة” للشاعر موفق محمد

قراءة في قصيدة “النهر والمقصلة” للشاعر موفق محمد

فيينا / الأربعاء  11. 06 . 2025

وكالة السيمر الاخبارية  

محمد علي محيي الدين
في مشهد شعري متوتر ومشحون، يطلق الشاعر موفق محمد صرخته النارية من أعماق الألم الوجودي، وينحت في نصّه جراح الإنسان العراقي الذي يرزح تحت سلطة الموت والجريمة والانهيار الرمزي للكون الأخلاقي.

في قصيدته “النهر والمقصلة”، يخطّ موفق محمد صرخة شعرية تقطر ألمًا ورمزيةً، مجسدًا عبرها تحولات الوطن من زمن الماء إلى زمن الدم، ومن جسور الوصل إلى مفارز القتل. النص يقف عند حدود التاريخ والدين والسياسة، ليعيد مساءلة النهر كرمز، والحسين كضمير، واللغة كوسيلة خلاص لم تعد تُجدي.

حين يذوب الماء في الدم وتتحول الجسور إلى مقاصل

في لحظة من أكثر اللحظات كثافةً وتمثيلًا للوجع في الشعر العراقي المعاصر، يكتب الشاعر موفق محمد قصيدته “النهر والمقصلة” بوصفها صرخة تتردد بين ضفتي دجلة والفرات، صرخة مشحونة بالغضب، والخذلان، والأسى العميق لما حلّ بالوطن من فواجع متلاحقة.

وكما في معظم شعره، تمثل هذه القصيدة تقاطعًا حادًا بين الذاتي والتاريخي، بين السياسي والوجودي، بين قداسة الماء ونجاسة الدم.

اللغة المفقودة: حين يعجز الحرف عن الطهارة، منذ استهلالها، تُعلن القصيدة إفلاس اللغة:

يا أيها النور الذي ابتكر الحياة

فقدت بكارتها الحروف

فلا جديد لما جرى

لا يستدعي الشاعر هنا صورة الخلق الأولى فقط، بل يعلن أن الخلق قد انقلب إلى تكرارٍ عقيم، وأن الكلمة – في زمن الجريمة – فقدت قدرتها على التطهير والخلاص. نحن أمام نصٍّ يرى أن الحرف لم يعد وسيلة فداء، بل أصبح مجازًا هشًّا أمام هول الخراب.

رمزية الماء والموت: حين ينقلب النهر على رسالته

تقوم القصيدة على ثنائية الماء والدم، لكنها لا تكتفي بالمواجهة التقليدية بين الحياة والموت، بل تعيد تأويل هذه الثنائية: النهر لم يعد منبعًا للحياة، بل شاهدًا عاجزًا، وربما متواطئًا:

النهر فر من الضفاف ولم يؤشر دفتره

من أين يأتي؟

والجسور مفارز قامت عليها المقصلة

النهر هنا لا يروي، بل يهرب. يلوذ بالصمت أمام المذابح. والجسور، التي كانت رموزًا للوصل، أصبحت مقاصل تُقطع فوقها الأعناق. هذه الصورة تقلب المفاهيم: ما كان رمزًا للحياة صار أداة للقتل.

النهر والحسين: الماء الذي لم يختبر الشهادة

يحضر الإمام الحسين في القصيدة لا كرمز ديني فقط، بل كمقياس أخلاقي وكوني:

يا أيها النهر الذي ما ذاق من ظمأ الحسين

لو ذقت منه لسار موجك بالضياء

وبالحياة إلى الأبد

في هذا المقطع، يستدعي الشاعر ظمأ كربلاء بوصفه تجربة وجودية. فالماء، كما يقول، لا يطهر إلا إذا تماهى مع العطش الحسيني؛ أي مع العطش إلى العدالة، إلى الفداء. هنا تصبح الطهارة مرهونة بالتضحية.

من الطف إلى الطوفان: سقوط الرموز القديمة

وفي ذروة القصيدة، تنفتح على مشهد كوني يغيب فيه الأمل بالخلاص القديم:

وسيبدأ الطوفان

تنفتح الرقاب

حمم تطوح بالطغاة

لا فلك ينفع

الطوفان قادم، لكنه لا يحمل نجاته. لا نوح هنا، ولا فلك. لا شفاعة ولا رجاء. العقاب وحده هو الذي يبقى، ليطهّر الأرض من آثامها. لقد سقطت كل الرموز التقليدية للخلاص، وباتت الحاجة إلى معنى جديد للخلاص، معنى يولد من الألم والدم.

ان “النهر والمقصلة” ليست قصيدة سياسية فحسب، بل هي قصيدة وجودية تُدين التاريخ، وتشكك في النهر، وتعيد تعريف الماء والموت. إنها صرخة ضد النسيان، وضد أن يصير الدم هو السارد الوحيد لما يحدث. وبهذا، يتجاوز موفق محمد لحظة الشعر إلى تأسيس ميثولوجيا جديدة للخراب العراقي، ميثولوجيا تسأل: من خان من؟ النهر أم الجسر؟ الحرف أم السيف؟ الوطن أم ماؤه؟

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً