السيمر / فيينا / السبت 06 . 06 . 2020 —أتاح مقتل جورج فلويد فرصة للدول التي طالما استهدفتها الولايات المتحدة بسبب انتهاك الحقوق الديمقراطية لكي تقلب الطاولة على واشنطن. ونوضح هنا كيف أن وسائل الإعلام في الصين، وإيران، وروسيا، وتركيا تغطي الاحتجاجات في الولايات المتحدة.
لقد ألقت الشرطة قنابل مسيلة للدموع على المحتجين، في ظل انتشار الاحتجاجات وتحديها لحظر التجوال. ثم جاء تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنشر الجيش في الشوارع.
وأدت الاضطرابات المدنية في الولايات المتحدة التي اندلعت بسبب مقتل جورج فلويد، الأمريكي من أصل أفريقي، إلى إزاحة أخبار فيروس كورونا من عناوين الأخبار في أنحاء عدة من العالم.
وفي البلدان التي تتعرض غالبا إلى الانتقادات الأمريكية على خلفية سجلها في مجال القيم الديمقراطية، يبدو أن جزءا لا يستهان به من تغطية وسائل الإعلام لهذه الأحداث يستمتع بهذه اللحظة الآن في ظل قلب الاحتجاجات الجماعية الطاولة على واشنطن.
الصين
وقالت صحيفة غلوبال تايمز اليومية في الصين إن “تعامل الإدارة الأمريكية مع الاحتجاجات على خلفية موت جورج فلويد يتعارض مع الدعم الأمريكي في وقت سابق لاحتجاجات هونغ كونغ، مُذَكِّرة القراء بأن السياسيين الأمريكيين وصفوها آنذاك بأنها مركز للديمقراطية”.
وكتب رئيس تحرير الصحيفة، هو شي-جين، قائلا “الفوضى في هونغ كونغ استمرت لأكثر من عام، ومع ذلك لم يتم نشر القوات المسلحة. لكن بعد مرور ثلاثة أيام فقط على اندلاع الفوضى في ولاية مينيسوتا، هدد ترامب علانية باستخدام القوة النارية ولمَّح إلى إمكانية استخدام القوات المسلحة”.
ونشر موقع الصحيفة لقطات من رسائل تويتر يقال بأن “مشاغبين” مجهولين من هونغ كونغ عرضوا “تقديم دروس على الإنترنت” بشأن كيفية إقامة حواجز على الطرق والإفلات من قبضة الشرطة لصالح المحتجين في الولايات المتحدة. ويُذكر أن موقع تويتر محظور في الصين.
ومضى قائلا “يبدو أن الأمريكيين الذين كانوا يشجعون الاحتجاجات في هونغ كونغ وفي أجزاء أخرى من العالم، يواجهون الآن انقلاب السحر على الساحر في الولايات المتحدة”.
وانتقدت الولايات المتحدة بشدة دور الصين في هونغ كونغ منذ انطلاق موجة الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في عام 2014.
وفي الآونة الأخيرة، شهدت أراضي هونغ كونغ اضطرابات واسعة النطاق منذ بدء خطط بكين لفرض مشروع قانون أمني جديد قبل أكثر من عام مضى، الأمر الذي أَجَّج مخاوف سكان الإقليم بأنهم سيفقدون الحريات الفريدة التي يتمتعون بها.
ومنحت الولايات المتحدة دعمها الكامل للمحتجين الذين يطلق عليهم المسؤولون الصينيون وصف “المشاغبين”، طالبة من الصين أن تحترم حقهم في إسماع أصواتهم وتحقيق مطالبهم.
ويناقش الصينيون، أيضا، على نطاق واسع في موقع ويبو للتواصل الاجتماعي، الذي تسيطر عليه الدولة الصينية بشدة، الاضطرابات التي تشهدها الولايات المتحدة على خلفية موت جورج فلويد علما بأن هذا الموقع يشبه موقع تويتر.
وتبادل المستخدمون نكات عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما اختبأ في ملجأ تحت الأرض بالبيت الأبيض يوم 29 مايو/أيار في خضم الاحتجاجات.
وورد في أحد تعليقات القراء الذي حاز على 85 ألف إعجاب “أنت رئيس منتخب عن طريق الاقتراع الشعبي، لماذا تخاف من شعبك؟”.
وجاء في تعليق آخر “وأخيرا تظهر مشاهد هونغ كونغ في بلدك”.
إيران
قلة من البلدان لها علاقات متوترة مع الولايات المتحدة مثل إيران، وهي دولة على خلاف مع واشنطن منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979 وتخضع لعقوبات أمريكية شديدة. وبعيد انطلاق الاحتجاجات على مقتل جورج فلويد في الولايات المتحدة، نشرت وكالة فارس للأنباء الإيرانية تعليقا دعا الرئيس ترامب إلى الوفاء بالتزامات أمريكا بموجب القانون الدولي لحماية سكانها السود.
وجاء في التعليق “الولايات المتحدة توبخ بلدانا أخرى على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان. لكنها ترفض بشكل مستمر ومتعمد الاعتراف ومعالجة سجلها القاتم في مجال انتهاكات حقوق الإنسان وسجل حلفائها في الشرق الأوسط”.
وتناقل الإعلام في إيران أيضا، وعلى نطاق واسع، تغريدة وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، التي شبه فيها وحشية الشرطة الأمريكية ضد الأمريكيين الأفارقة بالعقوبات المفروضة على إيران.
بيد أن الوقفة الاحتجاجية الليلية بأضواء الشموع التي أقيمت على شرف جورج فلويد في مدينة مشهد أطلقت نقاشا على تويتر، المحظور في إيران، بعدما اتهم بعض المستخدمين القادة الإيرانيين باللجوء إلى سياسة الكيل بمكيالين.
وقال أحد المستخدمين إن السلطات الإيرانية في الوقت الذي غضت فيه الطرف عن إضاءة الشموع بسبب مقتل جورج فلويد لجأت إلى “اعتقال الأشخاص الذين أضاءوا الشموع ترحما على أولئك الذين قتلوا في تحطم الطائرة الأوكرانية”.
وعارض بعض مستخدمي تويتر رد الفعل الإيراني على الأحداث في الولايات المتحدة، مشيرين إلى الاحتجاجات التي شهدتها إيران في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والتي قالت منظمة العفو الدولية إن أكثر من 300 شخص قتلوا في أعقاب قمع الشرطة لها.
روسيا
واتُهمت الولايات المتحدة أيضا بالنفاق في وسائل الإعلام الروسية.
وقال دميتري كيسيليوف على التلفزيون إنه في حالة حدوث شيء شبيه في روسيا، فإن الولايات المتحدة وبلدان أخرى ستدعو إلى فرض “عقوبات جديدة” على موسكو. ومنذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم الواقعة في البحر الأسود إلى أراضيها واقتطاعها من أوكرانيا، فرضت السلطات الأمريكية عقوبات استهدفت مسؤولين ومصالح تجارية في روسيا.
ويتساءل كيسيليوف لماذا تحاول واشنطن “تعليم العالم كيف يعيش” في الوقت الذي نجد أنها تعاني ليس فقط من مشاهد “العنف والوحشية، ولكن أيضا من أكبر حصيلة للوفيات جراء فيروس كورونا”.
وفي برنامج تلفزيوني، تم تشبيه سياسات دونالد ترامب بـ “سيناريو صيني” حيث يستخدم “إجراءات صارمة ضد المحتجين وحظر شديد على وسائل التواصل الاجتماعي” في إشارة إلى الأمر التنفيذي للرئيس الأمريكي الذي يسعى إلى فرض مسؤولية أكبر في منصات الإنترنت على المحتوى.
ووردت ملاحظة مماثلة في نشرة الأخبار المسائية “فريميا” التي بُثت على قناة “روسيا واحدة” مفادها بأن الولايات المتحدة تعاملت مع الاحتجاجات باستخدام التكتيكات ذاتها التي استخدمتها السلطات التركية والمصرية، والتي اعتبرتها واشنطن في وقت سابق بمثابة “جريمة”.
تركيا
وقالت صحيفة يني شفق (الشفق الجديد) التركية في صفحتها الأولى وهي صحيفة موالية للحكومة إن الاحتجاجات في الولايات المتحدة تبشر بـ “بزوغ ربيع أمريكي-أفريقي”.
ونقلت صحيفة صباح المؤيدة للحكومة أن “تمرد لا أستطيع التنفس يتسع نطاقه”، في إشارة إلى الكلمات الأخيرة لجورج فلويد.
وتناقلت صحف تركية أيضا تغريدة للرئيس رجب طيب أردوغان عن جورج فلويد، وجاء فيها أنه حزين جدا لموته، مدعيا أن وفاته جاءت نتيجة “نهج عنصري وفاشي”.
وفي وسائل التواصل التركية، قارنت الحسابات الموالية للحكومة بين النقد الموجه لتدخل الشرطة التركية ضد الاحتجاجات وبين ما يجري في الولايات المتحدة؛ إذ قال أحد المستخدمين إن “الولايات المتاحدة تدفع ثمن أخطائها”.
وخلال الاحتجاجات الكبرى الأخيرة التي شهدتها تركيا على خلفية خطط بناء في متنزه غازي بميدان تقسيم في اسطنبول عام 2013، أعرب مسؤولون أمريكيون عن مخاوفهم من التقارير التي أفادت باستخدام الشرطة عنفا مفرطا، ودعوا حكومة الرئيس أردوغان إلى احترام الحق في حرية التجمع.
لكن الانتقادات التركية للولايات المتحدة أثارت أيضا رد فعل من بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي التركية، إذ اتهموا الرئيس أردوغان وأنصاره بالنفاق.
وذَكَّر أحد المستخدمين في منتدى “إكسي سوجلوك” الذي يحظى بشعبية على الإنترنت أردوغان بأنه رئيس لبلد قُتِل فيه طفل بعدما أُصِيب بقنبلة مسيلة للدموع في رأسه في إشارة إلى طفل يسمى بيركين إيلفان كان يبلغ من العمر 13 عاما، وقتل خلال الاحتجاجات في عام 2013.
ويشير مستخدمون آخرون إلى سياسة الكيل بمكيالين التي تنهجها تركيا، إذ تتحدث بصراحة عن العنصرية في الولايات المتحدة بينما “تلتزم الصمت” حيال العنف في الأقاليم ذات الأغلبية الكردية.
وقالت الصحفية نوركان بيصل “العنصريون في بلدي الذين يناهضون العنصرية في الولايات المتحدة، كيف حالكم اليوم؟ إذا انتهت إدانتكم للولايات المتحدة، دعوني آخذكم إلى مدينة ماردين”؛ إذ تقاسمت تقريرا أفاد بالعثور مؤخرا على قبر جماعي في مدينة ماردين الواقعة في الجنوب الشرقي من تركيا حيث يعتقد أن بقايا 40 شخصا كانت موجودة هناك.
المصدر / بي بي سي