السيمر / فيينا / الاحد 09 . 08 . 2020
رواء الجصاني
تناقل العديد من وسائل الاعلام، في الايام الثلاثة الماضية، ابياتَ شعـرٍ عن المأساة اللبنانية الاخيرة، تم نسبها للجواهري، وهي ليست كذلك، مطلقا، مع الاحترام للناظم والناشر والناقل، والمتداول..
ولمزيد من الأحاطة والتعريف، ببعض محطات الجواهري في لبنان، وقصائده عنه، ننشر ادناه مقتطفات ضافية من نصٍ ضمه الفصل السادس في كتابنا ” الجواهري… بعيون حميمة” الصادر في براغ وبغداد وبيروت عام 2016:
————————–
* قد يحق لنا أن نجتهد، فنصيب، حين نقول ان الجواهري قد أوجز حبه للبنان وبيروته وجمال طبيعته، وحسانه اللواتي يفضن رقةً ودلالاً وغنجاً، وذلك في آخر قصائده ذات الصلة، عام 1961 حين قال:
لبنانُ يا خمري وطيبي، لا لامستكَ يدُ الخطوب ِ
لبنانُ يا غرفَ الجنان ِ الناضحات ِ بكل طيب ِ
لبنانُ يا وطني اذا حُلئتُ عن وطني الحبيبِ
*.. وتعود اولى قصائد الجواهري عن تلك البلاد التي عشقها بكل عنف، إلى مطالع الشباب، وإلى عام 1922 تحديداً حينما نظم نونيته “لبنان في العراق” لتليها كثيرات أخريات ومن بينها في الثلاثينات الماضية: “وادي العرائش” و”شاغور حمانا”… وفي الأربعينات “بنت بيروت” و”اخي الياس“…
* ومن بين قصائد الحصة اللبنانية في ديوان الجواهري، تبرز بائية “ناغيت لبناناً” التي نظمت عام 1947 بمناسبة الزيارة التي قام بها الرئيس بشارة الخوري إلى العراق… وقد تشابكت فيها، وكما هي الحال شبه الدائمة في خوالد الشاعر الكبير، شؤونٌ وشجون عديدة، خاصة وعامة، ومطلعها:
ناغيتُ لبناناً بشعري جيلا، وظفرته لجبينه اكليلا..
* ثم يعود الشاعر في القصيدة ذاتها، ليجول في محاور متداخلة ومنها، وطنية هذه المرة، فراح يخاطب الضيف المحتفى، الرئيس بشارة الخوري:
يا شيخ لبنانَ الاشم فوارعاً، وشمائلاً، ومناعة ً، وقبيلا
مثلته في كلهنَّ فلم يرد، بسواك عنكَ، ولن يريد بديلا
ان العراق وقد نزلت ربوعه، ليعد ساكنه لديك نزيلا
* وعلى الرغم من هذه العجالة في الكتابة عن لبنانيات الجواهري، لا يمكن الا ان نتوقف، ولو سريعا، عند رائيته الشهيرة عام 1950 والتي القيت في بيروت خلال حفل تأبيني مهيب وحاشد للشخصية الوطنية البارزة عبد الحميد كرامي، وقد كان من عواقب القصيدة، وتداعياتها، ان طلبت السلطات اللبنانية الرسمية من الشاعر الكبير، الخروج من البلاد خلال ثمان ٍ وأربعين ساعة لخطورته “الشعرية” على أمن البلاد!! ومن أبيات تلكم القصيدة الباهرة:
باق ٍ وأعمارُ الطغاة ِ قصارُ، من سفر ِ مجدكِ عاطرٌ موارُ
عبدَ الحميد ِ وكلُ مجد ٍ كاذب، ان لم يُصن للشعب فيه ذمارُ
المجد ان يحميكَ مجدك وحده في الناس، لا شُرَط ٌ ولا انصارُ
* وما دمنا في اروقة مقامة الجواهري اللبنانية واصدائها، نوثق بأننا حملنا اوائل العام 2011 “منقاراً وأجنحة” أخف ما لمَّ من زاد ٍ اخو سفر، لنعبر الحدود إلى بيروت، راحلين إليها من دمشق التي ودعتنا فيها “ناديا”، حفيدة الشاعر العظيم، وقد راحت – شاءت أم أبت – اخر ركيزة للعائلة الجواهرية المستقرة في بلاد الشام، حينئذٍ على الأقل… وهي التى حظيت – ولربما وحدها من الأحفاد – على ما نعلم – بقصيدة نادرة، ومعبرة من الشاعر العظيم عام 1988، ومن ابياتها:
يا ناديا الزهر الندي… يا قطعة ً من كبدي
* واذ نتجاوز الحدود السورية بمسافة قصيرة، مع احباء واصدقاء تلوح امامنا فضاءات لبنان، وصورة جنانه التي رسمها، ولونها الجواهري بأكثر من قصيدة، ومنذ العشرينات: سهولاً وجبالاً وبحراً ومجتمعاً وناسا، دعوا عنكم الوقائع الثقافية والسياسية وما إليها، وبينها… ومن الشواهد على ما نقول فرائده التي جاءت في سطور سابقات من هذه الكتابة.
* ثم نستريح قليلاً في محطة أولى عند “الروشة” وسط بيروت، والتي طالما حدثنا الجواهري عن حبه لها، ولمقاهيها التى تداعبها بافتتان وتغازلها بعشق، موجات البحر المتوسط، الساحر والهادر في آن، وهو ذاته البحر الذي ناجاه الشاعر الخالد، وان من موقع آخر، حين كان على سواحله في أثينا عام 1977:
سجا البحر وانداحت رمالٌ ندية ولوح رضراض الحصى والجنادلِ
وفكت عرى عن موجة لصق موجة تماسك فيما بينها كالسلاسل
* وفي وسط بيروت عاشقة الفرح والمزدانة به برغم كل الآلام، نستذكر، ونحن بين اللبنانيات الساحرات جمالاً وغنجاً، ما كتبه عنهن الجواهري، عام 1947:
ناغيتُ لبناناً بشعري جيلا، وظفرته لجبينه اكليلا
وحسان لبنان منحت قصائدي، فسحبنهنّ كدلهنَّ ذيولا
أهديتهن عيونهنّ نوافذاً، كعيونهن اذا رميّن قتيلا
ورجعت ادراجي اجر غنيمة من بنت بيروت جوى وغليلا
* ولعلّ واحدة ممن عناهن القصيد السابق عن الفاتنات، تلكم السيدة التي تزوجها الجواهري أواسط الأربعينات، من عائلة “بيضون” اللبنانية – السورية الكريمة… وقد كتب نجل الشاعر، فلاح، في بعض ذكرياته المنشورة عام 2009 عن علاقة ابيه، الخمسيني، او يكاد انذاك، بعروسته الشابة:
“لم أرَ والدي، ولا في أي يوم في بيتنا بمثل هذا المرح والانطلاق، فوجهه اما ضاحك أو مبتسم أو على الأقل ينضح بالرضى… مليء بالحيوية والنشاط… يعبث كثيراً مداعباً أو ممازحاً… ولم يترك تلك “الحورية ” وحدها إلا ما ندر…”
* اخيرا نوثق ان اخر زيارة للجواهري الى بيروت كانت عام 1991 للمشاركة في مؤتمر تاريخي عقدته ستة فصائل عراقية معارضة للدكتاتورية والحرب والارهاب، وقد كان الشاعر العظيم، ووحده، فصيلا اضافيا، سابعا، بين المجتمعين، بحسب رموز سياسية بارزة شاركت في ذلكم المؤتمر…ثم، عاد الشاعر الخالد لعاصمة السحر والجمال مرات ومرات، منذ رحيله عام 1997 والى اليوم: حفلا تابينيا، وقل احتفائيا، وكتابات وبحوثا وذكريات، من شعراء وادباء ومبدعين ومؤرخين، وكذلك ديوانا كاملا بخمسة اجزاء اخرجه الفنان عباس الكاظم عام 2000….
* ولأن الشيء بالشيء يذكر كما يقال، نشير هنا الى ان ثمة ثلاث طبعات لديوان الجواهري قد صدرت في لبنان خلال الأعوام 1967 و1982 و2000 على التوالي… كما ونضيف ان حفلاً تأبينياً مهيباً قد احتضنته بيروت خريف العام 1997 في اربعينية الشاعر الخالد، وشارك فيه جمع بارز من شعراء ومفكري وأدباء البلاد، وفي مقدمتهم: سعيد عقل ومحمد دكروب ومحمد حسن الامين وجوزيف حرب وحبيب صادق إلى جانب مبدعين عراقيين وعرب آخرين عديدين..
* رواء الجصاني