السيمر / الثلاثاء 14 . 06 . 2016 — مدينة بيجي، كانت في يومٍ ما موطناً لقرابة ٢٠٠ الف شخص، اما اليوم فهي مدينة مهجورة وشاهدة على الاشتباكات الدموية التي جرت بين مسلحي داعش والقوات الامنية. المدينة لا تزال في الذاكرة بانها مدينة منتجة ورئة العراق نفطياً، اما اليوم فأمل بناؤها مجدداً صعب للغاية بسبب المباني المحترقة والحديد المقطع في كل مكان الناجم من المعارك الشديدة.
ويعتقد مراقبون، أن مدينة بيجي التي تبعد عن بغداد سوى ١٢٥ ميلاً لن يُعاد بناؤها وستظل محكوم عليها بالدمار وآثار الحرب القاتلة، فضلاً عن تسببها في تراجع التصدير العراقي للنفط. بيجي يمكن القول عنها، انها ليست مدينة قادرة على رفد الحكومة العراقية بمنتوجاتها وهي تصارع في الوقت نفسه إبعاد المتطرفين عن حدودها.
إعادة بناء مصفى بيجي، سيكلف الدولة العراقية مليارات الدولارات لوحده في ظل صراعها وهي تواجه ازمة مالية خانقة، لان البنية التحتية للمصفى مدمرة بالكامل والمصادر تتحدث من هناك عن أن حقل عجيل النفطي القريب خارج نطاق الخدمة تماماً، وفقاً للمتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد.
وحتى إن تم إصلاح المصفى، فان السؤال الابرز يبقى قائماً وهو، هل يساعد المناخ السياسي على نحو متزايد عودة مصفى بيجي للعمل، ام أن الانقسامات الطائفية بين العراقيين ستؤثر عليه؟.
يعتمد مصفى بيجي على الامدادات الثابتة من النفط الخام القادم من كركوك التي تشكل نسبة ١٠ في المائة من احتياطي البلاد، لكن المشكلة الكبرى ان كركوك تسيل لعاب الاكراد التي تحاول ضمها الى اقليمها، لاسيما بعد تهديد بغداد من قبلها بالانفصال عن المركز للحفاظ على النفط.
العمليات الحسابية، تقول ان حصة نفط كركوك الآن من نصيب اقليم كردستان وليس جزءًا من حصة حكومة المركز، وفقاً لعباس عنبري، مستشار العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، الذي قال ان “ارتفاع تكلفة الضرر، يعني من الافضل إلغاء مصفى بيجي، بدلاً من الاعتماد على منشأة غالباً تقع بيد المسلحين يوم وتستعيدها القوات الامنية في اليوم الاخر، فضلاً عن ان النفط قد لا يعود بالنفع على الحكومة المركزية بشيء”.
مصفاة بيجي في عام ١٩٨٢، تعد اكبر مصفاة في العراق، حيث فيها اربع وحدات تكرير مثبتة في مجمع يطل على الطريق السريع بين بغداد والموصل، حيث يعتبر هذا الطريق العمود الفقري للبلاد. المصفى له قدرة على انتاج اكثر من ٣١٠ الف برميل من النفط يومياً، اي انه يأمن ثلث احتياجات الطاقة المحلية في العراق، فضلاً عن منتوجات اخرى ينتجها مثل، الاسمدة والزيوت النباتية ومحطات لتوليد الكهرباء.
ووفقاً لبيانات وأرقام عام ٢٠٠٨، فان موقع المصفاة يطل على نهر دجلة مما يجعله شبكة عنكبوتية من خطوط الانابيب التي تنطلق منها حوالي ٥٠٠ ناقلة توزع قيمتها المالية على عشرة ملايين دولار في اليوم الواحد.
مايكل نايتس، الخبير في شؤون العراق بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى يقول “في الايام السيئة، كانت الحكومة العراقية تهدف الى ربط كل شبكات النفط بشبكة واحدة، اما اليوم هذه الفكرة تبدو مضحكة”.
خلال الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام ٢٠٠٣، وتنامي اعمال العنف الطائفية، جعلت من منطقة بيجي مدينة غالباً ما تشهد اعمال عنف، لانها تعد بما يسمى بـ “المثلث السني” وهو الرمادي وبعقوبة، وتعد قاعدة دعم رئيسية للعديد من انشطة الجماعات المتمردة التي قاتلت الامريكان، فضلاً عن تنامي تنظيم داعش فيها.
وتقدّر وزارة الدفاع الامريكية، ان كثير من المتردين استفادوا من مصفى بيجي لتمويل عملياتهم الارهابية من خلال خطف الشاحنات المحملة بالنفط الخام. وتنتج بيجي تقريباً ٧٠ في المائة من الانتاج المحلي فضلاً عن انتاج الوقود.
في عام 2012، استقرت المنطقة بما يكفي لتقوم وزارة النفط العراقية باستثمار ملايين الدولارات في المصفى، بغية صيانته وتوفير قطع الغيار اللازمة لاعادته الى اقصى درجات الانتاج، كما اعلن “باتريك اوسغود” رئيس مكتب كردستان لتقرير النفط العالمي السنوي، وهي خدمة اخبار صناعية.
كان من المقرر ان يكون المصفى، وخلال عشرة اعوام، طبقا للحكومة المحلية، اكبر مراكز التجمع السكانية. ببساطة، كان المصفى القلب النابض لاقتصاد محافظتنا، نصف مواردنا اتت منه، كما جاء على لسان “اسماعيل حلوب” نائب محافظ صلاح الدين.
كل هذه الخطط تلاشت، مع تقدم تنظيم داعش في مناطق واسعة من العراق عام 2014، حيث استولى على تكريت، الموصل وبالطبع بيجي.
الجهتان المتقاتلتان، اطلقتا ما يقارب 10 عمليات هجوم كبيرة على المصفى بغية السيطرة عليه، فالحرب التي دارت فيه بين التنظيم من جهة، وقوات الجيش العراقي والفصائل الداعمة لها، بالاضافة الى التحالف الدولي، قد اعادت المصفى الى سيطرة العراق بعد شهر اكتوبر من عام 2015، لكن مدمر بشكل شبه تام، وما زال خطر التنظيم لم يزل، فمقاتليه يستمرون بالهجوم على المصفى من جبال مكحول وتلال حمرين القريبة، حتى مع موت المصفى وانتفاء كل جدوى اقتصادية منه.
القوات في المصفى الان تقف محل الدفاع، رغم ان المحيط لم يؤمن بعد، كما عبر عن ذلك احد قادة الفصائل المقاتلة الى جانب الحكومة العراقية، والذي يلقب بابو غسان، حيث رفض الاخير السماح للصحفيين بدخول المصفى بسبب القرب الشديد لاعضاء تنظيم داعش من محيطه، وخطر ذلك عليهم، مؤكدا لهم بالوصف، بان المصفى بات مدمرا بسبب اعمال التفخيخ التي قام بها التنظيم والتي تفجرت خلال المعارك تاركة جزءا كبير من المصفى ركاما، بالاضافة الى اعمال النهب التي طالته بعد المعارك، حيث اكد قائلا “المصفى لا يمكن ان يعمل، بل من المستحيل ان يعمل مجددا، يمكنكم القول.. الى الابد”.
الحكومة العراقية قامت بالتركيز على بناء المصافي في مدينة كربلاء، بغداد، ميسان وسامراء، حيث تقع تلك في مناطق تثق الحكومة العراقية بانها بعيدة عن ساحات القتال وستبقى دائما تحت سيطرتها، كما وصف ذلك نايتس.
من دون المصفى، لا يبدو بان هنالك سببا يدفع الاهالي الى العودة الى تلك المنطقة، خصوصا وان الحكومة العراقية اكتفت بتأمينها من المسلحين ولا يبدو ان لها النية باعادة بناء المصفى او افتتاحه.
نايتس اضاف، بان هذه المعطيات ليست وحدها ما يمنع اعادة بناء المصفى، لكن طبيعة الاقتصاد العراقي التي تشوهت هي المانع الاكبر، حيث يعد بيجي رمزا لذلك الاقتصاد، الذي امسى بالبلاد اليوم اشبه برجل مكسور الظهر.