متابعة السيمر / الأربعاء 29 . 06 . 2016 — كان واضحا أنها ليست مجرد خربشة لكن أثر حرف واحد أزيل باستخدام بخاخ على جدار في قلب معقل تنظيم داعش، كان بادرة معارضة لا تخلو من الجرأة.
في اليوم التالي حضر مسلحو داعش ومحوا حرف الميم من مطلع كلمة “مقاومة” التي كتبت في زقاق قرب المسجد الكبير في مدينة الموصل منذ نحو ثلاثة أسابيع.
ونقل ناشط من مجموعة تسمى “مقاومة” مقطع فيديو للحرف الواحد وقد خط بطول متر على الجدار.
ويخاطر أعضاء هذه المجموعة بمواجهة أحكام إعدام مؤكدة لمن يرتكب ولو صغائر الأفعال من المقاومة في مناطق تحت سيطرة التنظيم الارهابي.
وبعد قرابة عامين منذ ألقى أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم خطبة من ذلك المسجد ذاته، يدعو جموع المسلمين في مختلف أنحاء العالم إلى “الخلافة”، بدأت سلطته تتزعزع من أطرافها.
ويقول مسؤولون عراقيون وأشخاص كتب لهم الفرار، إن “المتشددين يجدون صعوبة للاحتفاظ بسيطرتهم على سكان يزداد عداؤهم مع تحرك قوات لفتح طرق داخل أراض تمتد في العراق وسوريا”.
وقال اللواء نجم الجبوري، الذي يتولى قيادة عملية استعادة الموصل والمناطق المجاورة، إن “مسلحي داعش يتعاملون بقسوة لكنهم ليسوا أقوياء”، مضيفاً أن “الأماكن الحاضنة لهم باتت تلفظهم”.
في البداية رحب كثير من السكان “السنة” بالمتشددين من التنظيم واعتبروهم كمنقذين من الحكومة التي يقودها “الشيعة”، والتي يرونها ظالمة، بينما استجاب آلاف الأجانب لنداء البغدادي للقدوم وشن “حرب مقدسة”.
ولبعض الوقت حقق المتشددون انتصارا تلو الآخر لا لقوتهم فحسب بل والأهم الاستفادة من ضعف وتشرذم القوات المتحالفة ضدهم.
ومول المتشددون أنفسهم من خلال مبيعات النفط من حقولٍ سيطروا عليها وبيع أسلحة وذخيرة استولوا عليها ممن هزموهم.
لكن بعد عامين من إعلان الخلافة بدأت الكفة تميل لصالح خصوم التنظيم وهم كثر بوجود قوات الجيشين العراقي والسوري وقوات كردية في البلدين وفصائل من المعارضة السنية السورية ومجموعات شيعية تدعمها إيران بالإضافة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لقصف المتشددين وشن عمليات خاصة للقضاء على قادتهم.
هاشم الهاشمي، الخبير المقيم ببغداد، والذي يقدم المشورة للحكومة العراقية، يقول إن “39 من أصل 43 قياديا أسسوا التنظيم قد قتلوا”.
وأضاف أن “البغدادي يتنقل في مناطق شبه صحراوية على امتداد آلاف الكيلومترات المربعة غرب نهر دجلة وجنوبي الموصل ويتجنب سوريا بعد مقتل اثنين من أقرب مساعديه هذا العام هما، أبو عمر الشيشاني ما يعرف بـ”وزير الحرب” وأبرز قيادي مدني في التنظيم، وعبد الرحمن القادولي الرجل الثاني في داعش”.
ويتابع الهاشمي حديثه، أن “أبرز قادة في تسلسل التنظيم بعد البغدادي الآن هما أبو محمد العدناني المتحدث باسم التنظيم، الذي تولى الإشراف العسكري بعد رحيل الشيشاني وأبو محمد الشيمالي الذي يشرف على المقاتلين الأجانب والذي خلف القادولي في المسؤولية المدنية”.
ويقول قادة عسكريون أكراد وعراقيون، إن “تنظيم داعش ينشر مقاتلين أقل خبرة والتزاما عقائديا للدفاع عما تبقى من دولتهم القائمة في وجه هجمات من جبهات عدة”.
في الفترة الأخيرة دخلت القوات العراقية حصن التنظيم الارهابي في الفلوجة غرب بغداد وتتقدم الآن شمالا صوب الموصل وهي الآن أكبر مدينة تسيطر عليها الجماعة الارهابية، وسكن الموصل قبل الحرب مليونا نسمة.
وفي سوريا المجاورة تضيق قوات تدعمها الولايات المتحدة الخناق على معقل للمتشددين في مدينة منبج في حين تتقدم القوات الحكومية السورية إلى محافظة متاخمة للرقة معقل التنظيم في سوريا.
وعلى إحدى الجبهات جنوب الموصل قالت نسوة شردهن الهجوم، إن “قبضة مسلحي داعش بدأت تخف مع تقدم القوات العراقية لدرجة توقفهم عن عقاب النساء عن عدم ارتداء النقاب”.
وأفاد أناس فروا من المنطقة منذ فترة، بينهم ثلاثة انشقوا عن التنظيم، بأن “عدد المقاتلين الأجانب تراجع بدرجة كبيرة ولم تكلل بالنجاح مساعي التنظيم لتجنيد مقاتلين من أبناء المنطقة باستثناء الشبان والمعدمين”.
وقال متشدد سابق من داعش، من منطقة الحويجة في كركوك، سلم نفسه قبل فترة للقوات الكردية، إن “أحدهم يأتيك ويعرض عليك مبالغ كبيرة وأنت شاب صغير لا تملك شيئا”.
ويفيد فارون ومسؤولون عسكريون عراقيون وأكراد بأن “تنظيم داعش في الفترة الأخيرة أرسل أفرادا من ما يعرف بـ”قوات الحسبة” إلى جبهات القتال مع زيادة عدد القتلى من مقاتليه”.
ويعني هذا عدم توفر العدد الكافي من المتشددين لفرض قواعد التنظيم وأزيائه، لكن معلما عمره 28 عاما، فر قبل فترة قصيرة من الموصل، قال إن “الناس يخشون المتشددين لدرجة أنهم لا يعصونهم حتى وإن يكونوا حولهم”.
وأعاد المتشددون تنظيم العمل بالمدارس ليعكس عقيدتهم القتالية.
وضرب المعلم مثلا بمادة الرياضيات التي تدرس للأطفال، وقال إن “المجاهد يحمل سبع خزانات من الطلقات لبندقيته وفي كل منها 30 طلقة فيكون السؤال: كم دفعة من الطلقات يمكنه إطلاقها على الكفار؟”.
وقال ايضا، إن “دروس اللغة العربية صممت من جديد هي الآخرى، حيث يطلب من الطلاب إكمال الكلمات الناقصة في جمل كالشعارات من قبيل “الدولة الإسلامية.. كذا وكذا. فتكون الإجابة “الدولة الإسلامية باقية وتتمدد”.
ركائز وأعباء
ويتحول السكان السنة الذين رسخ المتشددون أنفسهم بينهم على نحو متزايد إلى عبء لكنهم لا يزالون في الوقت نفسه أحد أكبر ركائز الدعم لهم.
ومع تدهور أوضاع المعيشة والحملات الأمنية التي يشنها المتشددون يزداد عداء السكان للجماعة التي استخدمت السكان مرارا كدروع بشرية لإبطاء تقدم القوات العراقية في مدن مثل الفلوجة.
ويواجه من يتم ضبطهم يحاولون الفرار من أراضي “الدولة الإسلامية” إمكانية الإعدام فورا بمن فيهم النساء والأطفال.
وبرغم أن عدد السكان أكبر من المتشددين إلا أنهم لا يزالون أضعف منهم.
وجرى نزع سلاح السكان والتخلص من قوات الأمن في الأيام الأولى التي أعقبت استيلاء المقاتلين على الموصل، لكن السكان يتعاونون بشكل متزايد مع قوات الأمن خارج المدينة بإبلاغهم عن المتشددين.
وقال عبد الرحمن الوكاع، عضو مجلس محافظة نينوى، إن “التنظيم بدأ مناوبة الزعماء المحليين من مكان لآخر حتى لا يتمكن الناس من تحديد هوياتهم بسهولة وإبلاغ قوات التحالف والقوات العراقية بمواقعهم”.
وشن المتشددون، أيضا، حملات على الاتصال بالعالم الخارجي حيث أعدموا أناسا لاستخدامهم الهاتف المحمول وصادروا أطباقا لاقطة لبث الأقمار الصناعية لمنع الناس من الاطلاع على ما تحققه القوات العراقية من تقدم.
ويأمل القادة العسكريون العراقيون في حدوث انتفاضة ضد المسلحين مع اقتراب الجيش من الموصل.
وأبلغ ضابط عراقي كبير، وكالة “رويترز” للأنباء، بأن “القوات على اتصال بأناس في الموصل لتنسيق مثل هذا العمل مع هجوم عسكري من الخارج”.
والخطة هي الاشتباك مع المتشددين على عدة جبهات حول الموصل بشكل متزامن بهدف إخراجهم من المدينة فيما يتيح الفرصة للسكان للانتفاض ضدهم.
واضطر المزيد من السكان المحليين للعمل لصالح التنظيم في ظل الصعوبات الشديدة والجوع منذ أن قطعت بغداد مدفوعات الرواتب للموظفين الحكوميين الذين يعيشون في مناطق تحت سيطرة التنظيم قبل نحو عام.
ويلعب تنظيم داعش من جانبه، على وتر مخاوف السكان من انتقام القوات العراقية والجماعات الشيعية المسلحة الموالية للحكومة منهم.
ويقول مسؤولون عسكريون، إن “الانشقاقات داخل التنظيم قليلة برغم أنه مني بسلسلة من الهزائم”.
وقال ثلاثة شبان انضموا لداعش واستسلموا في الآونة الأخيرة للقوات الكردية في شمال العراق، إن “المتشددين يتعقبون من يحاولون الفرار منهم”.
وقال أحمد إبراهيم عبد الله، إن المتشددين اعتقلوه وعذبوه عندما تركهم.
وذكر أنه باع بقرة كي يدفع كفالة حتى يتسنى له الهرب.
وقال أحمد خلف، إنه استسلم للقوات الكردية على أمل أن يلقى معاملة أحسن مما قد يلقاه إذا وقع في أيدي القوات الحكومية لكن الخوف يمنع كثيرين آخرين من فعل نفس الشيء.
وبين: “هناك أشخاص تتملكهم فكرة محددة وهي أن مصيرهم مرتبط بمصير داعش”.
المصدر: رويترز