السيمر / فيينا / الخميس 16 . 03 . 2023
نزل مشاة البحرية الأمريكية من السماء على قرية “ماي لاي” وحين لم يجدوا أي مقاتلين أمامهم، فتحوا نيرانهم على النساء والأطفال والمسنين وقتلوا 504 أشخاص.
حدث ذلك في 16 مارس 1968، حين اقتحم جنود من سرية تشارلي التابعة للكتيبة الأولى من فوج المشاة العشرين بالجيش الأمريكي قرية “ماي لاي” ببلدة “سونغ ماي” الفيتنامية ودمروها بالكامل.
قتل المئات من الفيتناميين في تلك المذبحة الشهيرة بعد أن تعرض العديد منهم لتعذيب وحشي، فيما تعرضت الفتيات والنساء للاغتصاب. كما هي العادة، أنكر الأمريكيون في البداية الجريمة بعد انتشار تفاصيلها، ولاحقا تناسوها تماما منشغلين بتلميع صورهم بالوعظ والإرشاد والحديث عن العدالة والمبادئ الإنسانية والديمقراطية.
لم يجد الجنود الأمريكيون في قرية “ماي لاي” أسلحة أو ذخائر، بل لم يجدوا بين سكانها رجالا قادرين على حمل السلاح.
العملية الانتقامية الدموية بدأت في ذلك اليوم حوالى الساعة 5:30 صباحا. بعد قصف مدفعي، تم إنزال جنود من سرية تشارلي في مروحيات هجومية برمائية على الأطراف الغربية للقرية وفتحت النار على الفور على الفلاحين العاملين في حقول الأرز.
أثناء اقتحام قرية “ماي لاي” المسالمة، سار الجنود الأمريكيون في الدروب وهم يلقون بقنابلهم اليدوية على نوافذ وأبواب أكواخها. قُتل بعض السكان على الفور، فيما تم اقتياد آخرين إلى خارج القرية وفي أراض مقفرة أطلقوا عليهم النار.
تسرد مؤسسة “The Army Historical Foundation” الأمريكية المعنية بـ”تكريم الجندي الأمريكي من خلال الحفاظ على تاريخ وتراث جيش الولايات المتحدة” تفاصيل تلك المذبحة بقولها: “في وقت مبكر من صباح يوم 16 مارس 1968، نُقل الملازم كالي وفصيلته جوا بطائرات مروحية إلى ماي لاي، وهي قرية فرعية ببلدة سونغ ماي في مقاطعة كوانغ نجاي بجمهورية فيتنام”.
ويواصل موقع هذه المؤسسة الأمريكية الإلكتروني سرد الأحداث بقوله: “تخيلوا مفاجأة كالي ورجاله عندما دخلوا ماي لاي دون أن يواجهوا أي نيران. لم تكن هناك ألغام أو فخاخ منصوبة. لم تكن هناك حاجة لاستدعاء قذائف الهاون من فصيلة الأسلحة أو إطلاق أي نيران من وحدات المدفعية للدعم المباشر. لم يعثر الجنود على مقاتلي الفت كونغ. الأشخاص الوحيدون الذين قابلوا جنود فصيل كالي كانوا غير مسلحين، وهم من الرجال والنساء والأطفال والرضع. تم العثور على القرويين في بيوتهم يتناولون الإفطار استعداد لبدء أعمالهم اليومية”.
رواية هذه المؤسسة “الخيرية” المعنية بسمعة الجيش الأمريكي تفيد بأن الجنود الأمريكيين كانوا يتوقعون الاشتباك في هذه القرية مع مقاتلي الفت كونغ.. وحين لم يجدوا من يطلق النار عليهم، أطلقوا النار على القرويين فيما تولى آخرون إطلاق النار على الماشية والخنازير والدجاج والبط.
وتقول هذه المؤسسة أن سرية المشاة الأمريكية بقيادة “كالي وميدلو”، قتلت “ما لا يقل عن 300 مدني بين الساعة 07:00 إلى 11:00 في 16 مارس 1968. أبلغ بعض الشهود في وقت لاحق عن (ثقوب ضخمة في الأجساد وإطلاق النار على أطرافهم وانفجار رؤوس). من بين أولئك الذين تم تحديدهم على أنهم قتلوا القرويين (إلى جانب كالي وميدلو) الرقيب تشارلز هوتو وديفيد ميتشل”.
هذه الرواية الأمريكية أشارت أيضا إلى أن ملازما يدعى هيو تومسون كان يقود طائرة مروحية في مهمة مراقبة بالمنطقة على ارتفاع الأشجار، رصد 150 قتيلا في حفرة بالقرب من تلك القرية، وانه هبط بطائرته وحاول وقف المذبحة وكاد أن يتبادل إطلاق النار مع ملازم يدعى ستيفن بروكس، كان يقود مجموعة من الجنود.
شاهدة من سكان قرية “ماي لاي” تدعى “بام تي توان” كانت في الثلاثين من عمرها وقت المذبحة تقول: “جنبا إلى جنب مع البقية، تم نقلنا إلى خندق للمياه، كان جيراننا معنا، وكنا نُعد بالعشرات .. في الطريق صرخ الجنود وهم يطلقون المسبات، وضربونا بأعقاب البنادق وبأرجلهم، وأطلقوا النار في بعض الأحيان. اصطف الأهالي على طول حافة القناة وأجبروا على إدارة ظهورهم والركوع ورفع أيديهم. لم نعتقد أننا سنقتل. أطعناهم تماما ولم نقاوم! لكنهم فتحوا النار. سقط الموتى في الماء الواحد تلو الآخر”.
هذه السيدة المسنة تروي أن والدها قتل أمام عينيها وأن المشهد لا يفارقها حتى الآن، مشيرة إلى أن “الجنود الأمريكيين على حافة ذلك الخندق أطلقوا النار على والدي انفجر رأسه على الفور! لم أصدق ما أرى! كان دماغه أبيض بالكامل فيما كان كل شيء آخر أحمر”.
هذه الناجية من المذبحة، بقيت في الخندق مطمورة بالجثث لعدة ساعات بعد أن غادر الامريكيون المكان.. بقيت جامدة بين حوالي 70 قتيلا وشل الرعب حركتها.
الأمريكيون أقروا بعد عام بأنه تم ذبح أكثر من 500 شخص في قرية “ماي لاي”، بما في ذلك الفتيات والنساء اللواتي تعرضن للاغتصاب والتشويه قبل قتلهن.
ضباط الجيش الأمريكي قاموا بجهود كبيرة للتستر على المذبحة لمدة عام قبل أن يكشف عنها الصحفي سيمور يرش في 12 نوفمبر 1969.
اللافت أن كولن بأول وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس جورج بوش الابن، كان بين المحققين في تلك المذبحة بعد انكشافها، وكان حينها برتبة رائد، فيما تقول تقارير أمريكية أن خبرة كولن بأول بتزييف الأدلة بدأت منذ تلك الحادثة الفظيعة.
المصدر: RT