فيينا / الأحد 30 . 06 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز وجل “اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴿العنكبوت 45﴾ لما ذكر إجمال قصص الأمم وما انتهى إليه شركهم وارتكابهم الفحشاء والمنكر من الشقاء اللازم والخسران الدائم انتقل من ذلك مستأنفا للكلام إلى أمره صلى الله عليه وآله وسلم بتلاوة ما أوحي إليه من الكتاب لكونه خير رادع عن الشرك وارتكاب الفحشاء والمنكر بما فيه من الآيات البينات التي تتضمن حججا نيرة على الحق وتشتمل على القصص والعبر والمواعظ والتبشير والإنذار والوعد والوعيد يرتدع بتلاوة آياته تاليه ومن سمعه. وشفعه بالأمر بإقامة الصلاة التي هي خير العمل وعلل ذلك بقوله: “إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” والسياق يشهد أن المراد بهذا النهي ردع طبيعة العمل عن الفحشاء والمنكر بنحو الاقتضاء دون العلية التامة. فلطبيعة هذا التوجه العبادي إذ أتى به العبد وهو يكرره كل يوم خمس مرات ويداوم عليه وخاصة إذا زاول عليه في مجتمع صالح يؤتى فيه بمثل ما أتى به ويهتم فيه بما اهتم به أن يردعه عن كل معصية كبيرة يستشنعه الذوق الديني كقتل النفس عدوانا وأكل مال اليتيم ظلما والزنا واللواط، وعن كل ما ينكره الطبع السليم والفطرة المستقيمة ردعا جامعا بين التلقين والعمل. وذلك أنه يلقنه أولا بما فيه من الذكر الإيمان بوحدانيته تعالى والرسالة وجزاء يوم الجزاء وأن يخاطب ربه بإخلاص العبادة والاستعانة به وسؤال الهداية إلى صراطه المستقيم متعوذا من غضبه ومن الضلال، ويحمله ثانيا على أن يتوجه بروحه وبدنه إلى ساحة العظمة والكبرياء ويذكر ربه بحمده والثناء عليه وتسبيحه وتكبيره ثم السلام على نفسه و أترابه وجميع الصالحين من عباد الله. مضافا إلى حمله إياه على التطهر من الحدث والخبث في بدنه والطهارة في لباسه والتحرز عن الغصب في لباسه ومكانه واستقبال بيت ربه فالإنسان لو داوم على صلاته مدة يسيرة واستعمل في إقامتها بعض الصدق أثبت ذلك في نفسه ملكة الارتداع عن الفحشاء والمنكر البتة، ولو أنك وكلت على نفسك من يربيها تربية صالحة تصلح بها لهذا الشأن وتتحلى بأدب العبودية لم يأمرك بأزيد مما تأمرك به الصلاة ولا روضك بأزيد مما تروضك به. وقد استشكل على الآية بأنا كثيرا ما نجد من المصلين من لا يبالي ارتكاب الكبائر ولا يرتدع عن المنكرات فلا تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر. ولذلك ذكر بعضهم أن الصلاة في الآية بمعنى الدعاء والمراد الدعوة إلى أمر الله والمعنى: أقم الدعوة إلى أمر الله فإن ذلك يردع الناس عن الفحشاء والمنكر. وفيه أنه صرف الكلام عن ظاهره. وذكر آخرون أن الصلاة في الآية في معنى النكرة والمعنى أن بعض أنواع الصلاة أو أفرادها يوجب الانتهاء عن الفحشاء والمنكر وهو كذلك وليس المراد الاستغراق حتى يرد الإشكال. وذكر قوم أن المراد نهيها عن الفحشاء والمنكر ما دامت قائمة والمصلي في صلاته كأنه قيل: إن المصلي ما دام مصليا في شغل من معصية الله بإتيان الفحشاء والمنكر. وقال بعضهم: إن الآية على ظاهرها والصلاة بمنزلة من ينهى ويقول: لا تفعل كذا ولا تقترف كذا لكن النهي لا يستوجب الانتهاء فليس نهي الصلاة بأعظم من نهيه تعالى كما في قوله: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ” (النحل 90)، ونهيه تعالى لا يستوجب الانتهاء وليس الإشكال إلا مبنيا على توهم استلزام النهي للانتهاء وهو توهم باطل.
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” ﴿النحل 90﴾ أمرت هذه الآية بثلاث خصال حميدة، ونهت عن ثلاث خصال قبيحة، أما الثلاث الحميدة فهي: العدل، والإنسان العادل هو الذي ينصف الناس من نفسه، ويعاملهم بما يجب أن يعاملوه. والإحسان، وهو جامع لكل خير، والناس يفهمون من كلمة محسن من يتبرع بماله أو بسعيه في سبيل الخير. وإيتاء ذي القربى، وهو من الإحسان، وخصه تعالى بالذكر تنويها بفضله وعظمته. أما الخصال الثلاث القبيحة فهي الفحشاء كالزنا واللواط والخمر والميسر والكذب والبهتان، وأظهرها الزنا، قال تعالى: “ولا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وساءَ سَبِيلًا” (الاسراء 32). والخصلة الثانية من الخصال القبيحة هي المنكر، وهو كل ما ينكره العقل والشرع. والخصلة الثالثة البغي، وهو الاعتداء على الناس بالفعل أوالقول، وحكمه عند اللَّه غدا حكم الشرك باللَّه، بل أشد، لأن الشرك اعتداء على حق اللَّه فله إسقاطه، أما البغي فهو اعتداء على حق اللَّه وحق الناس. ويطلق المنكر على الفحشاء، والفحشاء على المنكر، وهما معا على البغي.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله سبحانه “وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ” ﴿يوسف 24﴾ ” كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ”. وهي إشارة إلى أنّ هذا الإمداد الغيبي والإعانة المعنوية لإنقاذ يوسف من السوء والفحشاء من قبل الله لم يكن إعتباطاً، فقد كان عبداً عارفاً مؤمناً ورعاً ذا عمل صالح طهّر قلبه من الشرك وظلماته، فكان جديراً بهذا الإمداد الإلهي. وبيان هذا الأمر يدلّ على أنّ مثل هذه الإمدادات الغيبية، في لحظات الشدّة والأزمة التي تدرك الأنبياء كيوسف مثلا غير مخصوصة بهم، فإنّ كلّ من كان في زمرة عباد الله الصالحين المخلصين فهو جدير به هذه المواهب أيضاً. المقاومة الشديدة التي أبداها يوسف جعلت امرأة العزيز آيسة منه تقريباً.. ولكن يوسف الذي إنتصر في هذا الدور على تلك المرأة المعاندة أحسّ أنّ بقاءه في بيتها ـ في هذا المزلق الخطر ـ غير صالح، وينبغي أن يبتعد عنه، ولذلك أسرع نحو باب القصر ليفتحه ويخرج، ولم تقف امرأة العزيز مكتوفة الأيدي، بل أسرعت خلفه لتمنعه من الخروج، وسحبت قميصه من خلفه فقدّته. حرمة إشاعة الفحشاء: تحدثت هذه الآيات أيضاً عن حديث الإفك، والنتائج المشؤومة والأليمة لاختلاق الشائعات ونشرها، واتهام الأشخاص الطاهرين بتهمة تمس شرفهم وعفتهم. وهذه القضية مهمه بدرجة أن القرآن المجيد تناولها عدّة مرات، وعَرَضَ لها من طرق مختلفة مؤثرة، باحثاً محللا لها من أجل ألاّ تتكرر مثل هذه الواقعة الأليمة في المجتمع الإسلامي، فذكر أولا “يعظكم الله أن تعودوا لمثله”. أي أن من علامات الإيمان أن لا يتوجه الإنسان نحو الذنوب العظام، وإذا ارتكبها فذلك يدلّ على عدم إيمانه أو ضعفه، والجملة المذكورة تشكل في الحقيقة أحد أركان التوبة، إذ أنَّ الندم على الماضي لا يكفي، بل يجب التصميم على عدم تكرار ارتكاب الذنوب في المستقبل، لتكون توبة كاملة. ولتأكيد أكثر على أنَّ هذا الكلام ليس اعتيادياً، بل صادر عن الله العليم الحكيم، ولبيان الحقائق ذات الأثَر الفَعَّال في مصير الإنسان، يقول سبحانه وتعالى “ويبيّن الله لكم الآيات والله عليم حكيم”. فهو يعلم تفاصيل أعمالكم تمام العلم، ويصدر أحكامَهُ بمقتضى حكمته الهادِيةِ لكم. وبتعبير آخر: إنه يعلم حاجاتكم وما يضرّكم وما ينفعكم بمقتضى علمه الواسع، ويصدر أحكامه وأوامره المتناسبة لاحتياجاتكم بمقتضى حكمته. و لتثبيت الأمر نقل الكلام من مورده الخاص إلى بيان عام لقانون شامل دائم، فقال: “إن الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم من الدنيا والآخرة” ﴿النور 19﴾.
قوله تعالى “وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ” (النور 33) جاء في شبكة المعارف الاسلامية عن بالعفّة يُصان المجتمع: عن الإمام علي عليه السلام: “ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً، يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، إلا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع اجتهاد، وعفّة وسداد”. إنّ من أعظم الخصال التي يتخلّق بها المسلم وتكون منهجه في حياته عفّته عن محارم الله الذي تساهل به الكثير. والجنّة التي يتمنّى كل مؤمن أن ينالها محفوفةٌ بالمكاره، ولن تنالها بتوفيق الله إلا النفوس العفيفة الطّاهرة، ولن تكون النّفوس طاهرةً إلا بالاستقامة على طاعة الله ومخالفة الهوى ومصارعةِ الشّهوات والبعد عن الفحشاء والمنكر. ولذا، أمر الله بالعفّة، فقال مخاطبًا من ينوي الزّواج: “وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ” (النور 33). فمن كان غير قادر على النكاح لقصور النفقة أو أخرى، فعليه بالعفّة عن محارم الله ليفتح الله عليه باب الحلال وييسّره له. وإذا كان من لم يتزوّج مأموراً بالعفاف، فالمتزوّج أيضًا من باب أولى. تقع “العفّة” في النقطة المقابلة لـ “شهوة البطن والفرج”، وتعتبر من أهمّ الفضائل الإنسانية والأخلاقية على السواء. وقد تحدّث اللغويون في معنى العفّة كثيراً، وخلاصتها أنّ العفّة حصول حالة للنفس تمتنع بها من غلبة الشهوة، وتحفظها من الميول والشهوات النفسانية. وعلى هذا، فالعفّة صفة باطنية، وقد ذكر علماء الأخلاق في تعريف العفّة أنّها الحدّ الوسط بين الشهوة والخمود.
جاء في الصفحة الإسلامية لوكالة انباء براثا عن دور الصلاة في تقليل الأضرار والانحرافات الاجتماعية للدكتور مسعود ناجي ادريس: أثران للصلاة هما الدفع والولادة. إذا تم أداء هذا الواجب بشكل جيد وتم الوفاء بحقه، فلن تنخفض تكلفة مئات المليارات من الدولارات لمكافحة الأضرار الاجتماعية فحسب، بل سيصل الأفراد والمجتمع قريبًا إلى ذروة الكرامة والعزة والازدهار والخلاص. لذلك، فإن الصلاة لها أثران مهمان للدفع والولادة، والتي من ناحية تدفع الرذائل الأخلاقية ومن ناحية أخرى تسبب في ولادة نمو الفضائل الأخلاقية. لقد حدد الله تعالى ميزانا اسمه الصلاة، فإذا ثقلت كفة الفحشاء والمنكر فهذا يدل على إهمال الصلاة في المجتمع، وإذا خفت كفة الفحشاء والمنكر فيدل على أداء الحق والوفاء بالصلاة في المجتمع. ومن المثير للاهتمام أنه من بين جميع الواجبات الدينية الواجبة في القرآن، ذكر الله تعالى دور الصلاة وأثرها في الدنيا أكثر من الآخرة، ومنها: “اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (العنکبوت 45). “اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ” (البقرة 153).