فيينا / الأربعاء 20 . 11 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام: الأمّة الوَسَط هي جماعة مختارة لتكون شاهدة على أعمال الناس في الدنيا والآخرة، وقد ورد هذا المصطلح في الآية 143 من سورة البقرة. ذكرت تفاسير الشيعة وأهل السنة عدّة أقوال في مصاديق الأمة الوسط، فذهب المفسرون الشيعة أنّ الأئمة المعصومين عليهم السلام هم مصداقها، ورأى مفسروا أهل السنة أن مصداقها هم الصحابة أو جميع المسلمين، كما اعتبروا لها بعض الخصائص كالعصمة والعدالة والعقلانية. مفهومها: الأمة الوسط هو مصطلح ورد في الآية 143 من سورة البقرة “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ” (البقرة 143) وخوطب به المسلمون، واعتبرها القرآن دليلا على أفضلية هذه الأمة على سائر الأمم، فيكون المسلمون شهداء على سائر الناس، كما أنّهم أمة مختارة تكون واسطة بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأمم وشهداء على أعمالهم في الدنيا والآخرة. وبحسب رأي الراغب الأصفهاني إنّ الأمة الوسط تعني الصون من الإفراط والتفريط. وكذلك فسّرها بعض المفسرين بالصون من الغلو والنقص في العقيدة والوقوع في المادية والرهبانية، وعدم اكتفاء الإنسان بما لديه من معلومات والاستفادة من علوم الآخرين، وخلق التفاعلات الاجتماعية مع سائر الأمم، وبعبارة أخرى أن يكون للإنسان المسلم أبعاد مختلفة. ورأى بعض المفسّرين أنّ المراد من الأمة الوسط هو الأمة العادلة، وأفضل الأمم، والأمة النموذجية التي تكون أسوة للآخرين وتتمتّع بالعقلانية.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز من قائل “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ” ﴿البقرة 143﴾ قد تبين بما قدمناه: أولا، أن كون الأمة وسطا مستتبع للغايتين جميعا، وأن قوله تعالى: “لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا” الآية جميعا لازم كونهم وسطا. وثانيا: أن كون الأمة وسطا إنما هو بتخللها بين الرسول وبين الناس، لا بتخللها بين طرفي الإفراط والتفريط، وجانبي تقوية الروح وتقوية الجسم في الناس. وثالثا: أن الآية بحسب المعنى مرتبطة بآيات دعوة إبراهيم عليه السلام وأن الشهادة من شئون الأمة المسلمة. واعلم: أن الشهادة على الأعمال على ما يفيده كلامه تعالى لا يختص بالشهداء من الناس، بل كل ما له تعلق ما بالعمل كالملائكة والزمان والمكان والدين والكتاب والجوارح والحواس والقلب فله فيه شهادة. ويستفاد منها أن الذي يحضر منها يوم القيامة هو الذي في هذه النشأة الدنيوية وأن لها نحوا من الحياة الشاعرة بها، تتحمل بها خصوصيات الأعمال، وترتسم هي فيها، وليس من اللازم أن تكون الحياة التي في كل شيء، سنخا واحدا كحياة جنس الحيوان، ذات خواص وآثار كخواصها وآثارها، حتى تدفعه الضرورة فلا دليل على انحصار أنحاء الحياة في نحو واحد، هذا إجمال القول في هذا المقام وأما تفصيل القول في كل واحد واحد منها فموكول إلى محله اللائق به. قوله تعالى: “وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه”، المراد بقوله لنعلم: إما علم الرسل والأنبياء مثلا، لأن العظماء يتكلمون عنهم وعن أتباعهم، كقول الأمير، قتلنا فلانا وسجنا فلانا، وإنما قتله وسجنه أتباعه لا نفسه، وإما العلم العيني الفعلي منه تعالى الحاصل مع الخلقة والإيجاد، دون العلم قبل الإيجاد. والانقلاب على العقبين كناية عن الإعراض، فإن الإنسان وهو منتصب على عقبيه – إذا انقلب من جهة، إلى جهة انقلب على عقبيه، فجعل كناية عن الإعراض نظير قوله “وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ” (الأنفال 16)، وظاهر الآية أنه دفع لما يختلج في صدور المؤمنين: من تغيير القبلة ونسخها، ومن جهة الصلوات التي صلوها إلى القبلة، ما شأنها؟ ويظهر من ذلك أن المراد بالقبلة التي كان رسول الله عليها، هو بيت المقدس الكعبة، فلا دليل على جعل بيت المقدس قبلة مرتين، وجعل الكعبة قبلة مرتين، إذ لوكان المراد من القبلة في الآية الكعبة كان لازم ذلك ما ذكر. وبالجملة كان من المترقب أن يختلج في صدور المؤمنين: أولا، أنه لما كان من المقدر أن يستقر القبلة بالآخرة على الكعبة فما هو السبب، أولا: في جعل بيت المقدس قبلة؟ فبين سبحانه أن هذه الأحكام والتشريعات ليست إلا لأجل مصالح تعود إلى تربية الناس وتكميلهم، وتمحيص المؤمنين من غيرهم، وتمييز المطيعين من العاصين، والمنقادين من المتمردين، والسبب الداعي إلى جعل القبلة السابقة في حقكم أيضا هذا السبب بعينه، فالمراد بقوله “إلا لنعلم من يتبع الرسول”، إلا لنميز من يتبعك، والعدول من لفظ الخطاب إلى الغيبة لدخالة صفة الرسالة في هذا التميز، والمراد بجعل القبلة السابقة: جعلها في حق المسلمين، وإن كان المراد أصل جعل بيت المقدس قبلة فالمراد مطلق الرسول، والكلام على رسله من غير التفات، غير أنه بعيد من الكلام بعض البعد. وثانيا: أن الصلوات التي كان المسلمون صلوها إلى بيت المقدس كيف حالها، وقد صليت إلى غير القبلة؟ والجواب: أن القبلة قبلة ما لم تنسخ، وأن الله سبحانه إذا نسخ حكما رفعه من حين النسخ، لا من أصله، لرأفته ورحمته بالمؤمنين، وهذا ما أشار إليه بقوله: “وما كان الله ليضيع إيمانكم، إن الله بالناس لرءوف رحيم”. والفرق بين الرأفة والرحمة، بعد اشتراكهما في أصل المعنى، أن الرأفة يختص بالمبتلى المفتاق، والرحمة أعم.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز من قائل “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ” ﴿البقرة 143﴾ “لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً”. ان معاني الكلمات المفردة واضحة، وكذا المعنى العام للمركب منها.. ولكن الاشكال والغموض في تعيين ما نشهد به نحن المسلمين على غيرنا. أي شيء هو؟ ان الرسول يشهد غدا على من خالف منا بأنه لم يعمل بالإسلام وأحكامه، فهل نشهد نحن يوم القيامة على غير المسلمين بأنهم خالفوا الكتاب والسنة؟. وقد تعددت أقوال المفسرين في ذلك، وتضاربت، ولم تركن نفسي إلى شيء منها. والذي أميل إليه ان علماء المسلمين خاصة مكلفون دينا بأن يبلغوا رسالة محمد صلى الله عليه واله وسلم على وجهها للناس، سواء منهم المسلم الجاهل، وغير المسلم.. فمن قام بهذا الواجب المقدس من العلماء يصبح شاهدا على من بلغه الرسالة ولم يعمل بها، ومن أهمل من العلماء ولم يبلغ فان محمدا صلى الله عليه واله وسلم يشهد عليه غدا أمام اللَّه أنه قد خان الرسالة بعد ان عرفها وحملها. وللتوضيح نضرب هذا المثل: رجل عنده مال، وله ولد لم يبلغ الرشد بعد، وحين شعر صاحب المال بدنو أجله أوصى جارا له يثق بدينه أن ينفق من المال على تربية ولده وتعليمه، فان فعل، ونجح الولد كما أراد الوالد فذاك، وان اهتم الوصي بشأن الولد، ولكنه تمرد ورفض التعليم كان الوصي شاهدا على الولد، وان أهمل الوصي وقصر في الوصية كان الوالد شاهدا على الوصي، والوصي مسؤولا أمام اللَّه والوالد. وهكذا نحن العلماء مسؤولون أمام اللَّه ورسوله عن بث الدعوة الاسلامية بين أهل الأديان بالحكمة والموعظة الحسنة، وعن تعليم الأحكام لمن يجهلها من المسلمين. ومن قصّر في هذا الواجب شهد عليه غدا سيد الكونين شهادة صريحة واضحة بين يدي العزيز الجبار. والويل كل الويل لمن يشهد عليه رسول اللَّه، ويحكم عليه اللَّه.. هذا إذا أهمل ولم يبشر، فكيف إذا أساء وكان هو السبب الباعث على التشكيك في الدين وأهله.
عن المركز الاسترتيجي للدراسات الاسلامية التحديد المفاهيمي لمصطلحيّ الأمّة والمُواطَنة للسيد صادق عباس الموسوي: إضافة لـ (المرصيفي) وفي الفترة المُتعاقبة بعده، نجد إلحاحاً على مصطلح الأُمَّـة العربيّة، خاصّة بعد تنامي الأسباب السالفة. يلفتُ نظرَ الباحث في هذه الفترة نصوص )جمال الدّين الأفغاني( (1897م)، حيث يُشدِّدُ على هذا الإستعمَال فيقول (إنَّه لا سبيل إلى تمييزِ أُمَّـةٍ عن أخرى إلا بلغتها… والأُمَّـة العربيَّة هي (عرب) قبل كلِّ دين ومذهب، وهذا الأمرُ من الوضوح والظهور للعيان بما لا يحتاج معه إلى دليلٍ أو برهان). هنا يكون معيار الأُمَّـة هو اللُّغة، لكنَّه في نصٍّ أخرَ يُضيفُ إلى اللُّغة البلد والدّين والسلطان. حيث يقول إنَّ (الأُمَّـة المختلفة من أفراد يختلفون في المشارب، وتربُطُهم روابط الاجتماع والجنس، وتلحمُهم وحدةُ اللغةِ والأصل والموطن، ويطيعون شريعةً واحدةً لا تُفَرِّق بين الكبير والصغير، وتحكمهم سياسة واحدة، هذه الأُمَّـة تكون رمزاً لسعادة الفردِ الواحِد). لكن يعود جمال الدِّين لينسف العنصر المشترك بين التعريفين السابقين للأُمَّة وهو اللُّغة ويوسِّع دائرة استعمال المفردة لتجمع المُسلِمين بل الشرقيين في جامعةٍ أُمَميّة واحدة، حيث يذكرُ (أنَّ الأُمَّـة الخاضعةَ للأجانب لا يمكنها العروج إلى مدارجِ الكمال إلا بهمَّةٍ عالية.. من دون ملاحظة الاختلاف في الجنسيّة، لأنَّهم بتقاربِ أخلاقهم وتلاؤمِ عاداتهم وتوافقِ أفكارهم صاروا كأنَّهم جنس واحد وإن اختلفت لغاتهم.. فيجب على كلِّ شرقّيٍ دفعاً لهذه النازلة وصيانة لأمته عن ذُلِّ العبودية أن يسعى جمعاً لكلمة). ويمكن تلمُّس (الأُمَّـة) العربيَّة كأُمَّةٍ مشتركةٍ في فترة مخاض إنثلام العملاق العثمانيّ وإنسيال العنصر العربيّ عنه، مع (جرجي زيدان( (1914م) الذي يؤكِّد في فلسفة الإجتماع على (الحثِّ على تأييدِ اللُّغة العربية لأنَّها قِوامُ الأُمَّـة العربيّة أو العنصر العربيّ ولا بقاء للأُمَّة إلا بلغتها). ويعتبر أنَّ على مصر واجب إنهاض هذه اللُّغة لأنَّها محورُ العالم العربيّ. أمّا (نجيب العازوري( (1916م) الذي أسّس حزب (جامعة الوطن العربيّ) سنة 1904 والذي أنبت فكرة الهلال الخصيب حيث يرتبط الهلال العربيّ بالشطر الأفريقيّ، فكان من طلائع المصّنفين والمنّظرين للأُمَّـةِ العربيّة، التي يعتبرها على اختلاف الأديَان والمشارب والمذاهب أُمَّـةً واحدةً، حيث يُشدِّدُ في مُصَّنَفه يقظة الأُمَّـة العربيّة أنَّه لا يوجد بين دجلة وبرزخ السويس من البحر المتوسِّط حتَّى بحر عمان سوى أُمَّة واحدة هي الأُمَّـة العربيّة، التي تَتحدَّثُ بلغةٍ واحدة، وتمتلكُ تقاليد تاريخيّة واحدة وتُدَّرس الأدب ذاته، وكلُّ فردٍ من هذه الكتلة العنصريَّة يفتخرُ بالانتماء إلى الوطن العربي. وبعد تفرّقِ العرب إلى أوطان متعدِّدة، ظلَّت أنظارُ المفكِّرين تحومُ حول هذا المفهوم، وتحلُم به وتتألَّم لفقده لتكون اللُّغة هي الجامعة بين الأوطان والمُؤسِّسة للوحدة السياسيّة، هذا ما يظهر مع (عبدالحميد بن باديس( (1940م) الذي يقول (أمـَّا المسألة العظيمة العظيمة فهي الوحدة السياسيّة للأُمَّة العربيّة من المحيط الهندي إلى الميحط الاطلنطيقي) حيث نجدُ أنَّ فقدان الوحدة الإسلاميِّة ومن بعدها الوحدة العربيّة أثَّرَ ألماً وشوقاً لعودة العربيّة فقط إن أمكن، حيث بدأت تظهر ملامح تغيُّر مفهوم الأُمَّـة من الدِّين إلى اللُّغة.
*****
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة
الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات
أي اعتداء او تجاوز ، او محاولة حذف المادة باي حجة واهية سنلجأ للقضاء ومقاضاة من يفعل ذلك
فالجريدة تعتبر حذف اي مادة هو قمع واعتداء على حرية الرأي من الفيسبوك