الرئيسية / مقالات / نفحات البعثة النبوية (ح 8)

نفحات البعثة النبوية (ح 8)

فيينا / الثلاثاء 28 . 01 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د. فاضل حسن شريف
 
يقول العلامة الطباطبائي: إنّ قول اللّه تعالى إنا أنزلناه في شهر رمضان، المقصود منه هو نزول حقيقة القرآن على قلب النبيّ صلّى اللّه عليه وآله، لأن للقرآن مضافاً الى وجوده التدريجي، واقعية اطلع اللّه تعالى نبيه العظيم عليها في ليلة معينةٍ من ليالي شهر رمضان المبارك. وحيث أنّ النبيّ الاكرم صلّى اللّه عليه وآله كان قد عرف من قبل بجميع القرآن الكريم لذلك نزلت الآية تأمره بان لا يعجل بقرائته حتى يصدر الأمر بنزول القرآن تدريجاً اذ يقول تعالى: “ولا تعجل بِالقُرآنِ مِن قبلُ أن يُقضى إليك وحيُهُ” (طه 114). وخلاصة هذا الجواب هي: أنّ للقرآن الكريم وجوداً جمعياً علمياً واقعياً وهو الذي نزل على الرسول الكريم صلّى اللّه عليه وآله مرة واحدة في شهر رمضان، وآخر وجوداً تدريجياً كان بدء نزوله على النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في يوم المبعث، واستمرّ تنزله الى آخر حياته الشريفة على نحو التدريج.
تكملة للحلقتين السابقتين قال عز من قائل عن البعث “وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا” ﴿النساء 35﴾ فَابْعَثُوا: فَ حرف واقع في جواب الشرط، ابْعَثُ: فعل، وا ضمير، فابعثوا: فأرسلوا، وإن علمتم يا أولياء الزوجين شقاقًا بينهما يؤدي إلى الفراق، فأرسلوا إليهما حكمًا عدلا من أهل الزوج، وحكمًا عدلا من أهل الزوجة، لينظرا ويحكما بما فيه المصلحة لهما، وبسبب رغبة الحكمين في الإصلاح، واستعمالهما الأسلوب الطيب يوفق الله بين الزوجين، و “أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا” ﴿المائدة 12﴾ وَبَعَثْنَا: وَ حرف عطف، بَعَثْ فعل، نَا ضمير، ولقد أخذ الله العهد المؤكَّد على بني إسرائيل أن يخلصوا له العبادة وحده، وأمر الله موسى أن يجعل عليهم اثني عشر عريفًا بعدد فروعهم، يأخذون عليهم العهد بالسمع والطاعة لله ولرسوله ولكتابه، و”فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَىٰ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ” ﴿المائدة 31﴾ فَبَعَثَ: فَ حرف عطف، بَعَثَ فعل، فبعث الله غرابا يبحث في الأرض: ينبش التراب بمنقاره وبرجليه ويثيره على غراب ميت حتى واراه، لما قتل قابيلُ أخاه لم يعرف ما يصنع بجسده، فأرسل الله غرابًا يحفر حفرةً في الأرض ليدفن فيها غرابًا مَيِّتًا، ليدل قابيل كيف يدفن جُثمان أخيه؟ فتعجَّب قابيل، وقال: أعجزتُ أن أصنع مثل صنيع هذا الغراب فأستُرَ عورة أخي؟ فدَفَنَ قابيل أخاه، فعاقبه الله بالندامة بعد أن رجع بالخسران، و”إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ” ﴿الأنعام 36﴾ يَبْعَثُهُمُ: يَبْعَثُ فعل، هُمُ ضمير، و يبعثهم: يقيمُهم للحشر، و البعث: الإحياء من الله للموتى، إنما يجيبك -أيها الرسول- إلى ما دعوت إليه من الهدى الذين يسمعون الكلام سماع قبول. أما الكفار فهم في عداد الموتى، لأن الحياة الحقيقية إنما تكون بالإسلام. والموتى يخرجهم الله من قبورهم أحياء، ثم يعودون إليه يوم القيامة ليوفوا حسابهم وجزاءهم، و”وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” ﴿الأنعام 60﴾ يَبْعَثُكُمْ فيهِ: يبعثكم في النهار، وهو سبحانه الذي يقبض أرواحكم بالليل بما يشبه قبضها عند الموت، ويعلم ما اكتسبتم في النهار من الأعمال، ثم يعيد أرواحكم إلى أجسامكم باليقظة من النوم نهارًا بما يشبه الأحياء بعد الموت، لتُقضى آجالكم المحددة في الدنيا، ثم إلى الله تعالى معادكم بعد بعثكم من قبوركم أحياءً، ثم يخبركم بما كنتم تعملون في حياتكم الدنيا، ثم يجازيكم بذلك، و”قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ” ﴿الأنعام 65﴾ قل أيها الرسول: الله عز وجل هو القادر وحده على أن يرسل عليكم عذابًا مِن فوقكم كالرَّجْم أو الطوفان، وما أشبه ذلك، أو من تحت أرجلكم كالزلازل والخسف، أو يخلط أمركم عليكم فتكونوا فرقًا متناحرة يقتل بعضكم بعضًا، و”قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ” ﴿الأعراف 14﴾ قال إبليس لله جل وعلا حينما يئس من رحمته: أمهلني إلى يوم البعث، وذلك لأتمكن من إغواء مَن أقدر عليه من بني آدم. و “لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿المؤمنون 100﴾ لعلي أستدرك ما ضيَّعْتُ من الإيمان والطاعة. ليس له ذلك، فلا يجاب إلى ما طلب ولا يُمْهَل. فإنما هي كلمة هو قائلها قولا لا ينفعه، وهو فيه غير صادق، فلو رُدَّ إلى الدنيا لعاد إلى ما نُهي عنه، وسيبقى المتوفَّون في الحاجز والبَرْزخ الذي بين الدنيا والآخرة إلى يوم البعث والنشور، و”وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا” ﴿الفرقان 51﴾ لَبَعَثْنَا: لَ لام التوكيد، بَعَثْ فعل، نَا ضمير، ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا، يدعوهم إلى الله عز وجل، وينذرهم عذابه، ولكنا جعلناك أيها الرسول مبعوثًا إلى جميع أهل الأرض، وأمرناك أن تبلغهم هذا القرآن، فلا تطع الكافرين في ترك شيء مما أرسلتَ به، بل ابذل جهدك في تبليغ الرسالة، وجاهد الكافرين بهذا القرآن جهادًا كبيرًا، لا يخالطه فتور، و”قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ” ﴿الشعراء 36﴾ وَابْعَثْ: وَ حرف عطف، ابْعَثْ فعل، قال له قومه: أخِّر أمر موسى وهارون، وأرسِلْ في المدائن جندًا جامعين للسحرة، يأتوك بكلِّ مَن أجاد السحر، وتفوَّق في معرفته، و”وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ” ﴿الشعراء 87﴾ ولا تُلْحق بي الذل، يوم يخرج الناس من القبور للحساب والجزاء، يوم لا ينفع المال والبنون أحدًا من العباد، إلا مَن أتى الله بقلب سليم من الكفر والنفاق والرذيلة، و”قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ” ﴿النمل 65﴾ قل أيها الرسول لهم: لا يعلم أحد في السموات ولا في الأرض ما استأثر الله بعلمه من المغيَّبات، ولا يدرون متى هم مبعوثون مِن قبورهم عند قيام الساعة؟ و”وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ” ﴿القصص 59﴾ وما كان ربك أيها الرسول مهلك القرى التي حول مكة في زمانك حتى يبعث في أمها وهي مكة رسولا يتلو عليهم آياتنا، وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون لأنفسهم بكفرهم بالله ومعصيته، فهم بذلك مستحقون للعقوبة والنكال، و”وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَـٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” ﴿الروم 56﴾ وقال الذين أوتوا العلم والإيمان بالله من الملائكة والأنبياء والمؤمنين: لقد مكثتم فيما كتب الله مما سبق في علمه من يوم خُلقتم إلى أن بُعثتم، فهذا يوم البعث، ولكنكم كنتم لا تعلمون، فأنكرتموه في الدنيا، وكذَّبتم به، و”مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ” ﴿لقمان 28﴾ ما خَلْقُكم أيها الناس ولا بَعْثُكم يوم القيامة في السهولة واليسر إلا كخَلْق نفس واحدة وبَعْثها، إن الله سميع لأقوالكم، بصير بأعمالكم، وسيجازيكم عليها.
ورد كلمة بعث ومشتقاتها في القرآن الكريم: بَعَثْنَاكُم، وَابْعَثْ، فَبَعَثَ، ابْعَثْ، بَعَثَ، بَعَثَهُ، فَابْعَثُوا، وَبَعَثْنَا، بِمَبْعُوثِينَ، يَبْعَثُهُمُ، يَبْعَثُكُمْ، يَبْعَثَ، يُبْعَثُونَ، بَعَثْنَا، لَيَبْعَثَنَّ، انبِعَاثَهُمْ، مَبْعُوثُونَ، نَبْعَثُ، لَمَبْعُوثُونَ، يَبْعَثَكَ، أَبَعَثَ، بَعَثْنَاهُمْ، الْبَعْثِ، تُبْعَثُونَ، لَبَعَثْنَا، بَعْثُكُمْ، يُبْعَثُوا، لَتُبْعَثُنَّ، انبَعَثَ. جاء في الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى: “ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ” (لقمان 28) سوق للكلام إلى إمكان الحشر وخاصة من جهة استبعادهم المعاد لكثرة عدد الموتى واختلاطهم بالأرض من غير تميز بعضهم من بعض. فقال تعالى: “ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَة ” (لقمان 28) في الإمكان والتأتي فإنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن ولا يعجزه كثرة ولا يتفاوت بالنسبة إليه الواحد والجمع، وذكر الخلق مع البعث للدلالة على عدم الفرق بين البدء والعود من حيث السهولة والصعوبة بل لا يتصف فعله بالسهولة والصعوبة. ويشهد لما ذكر إضافة الخلق والبعث إلى ضمير الجمع المخاطب والمراد به الناس ثم تنظيره بالنفس الواحدة، والمعنى: ليس خلقكم معاشر الناس على كثرتكم ولا بعثكم إلا كخلق نفس واحدة وبعثها فأنتم على كثرتكم والنفس الواحدة سواء لأنه لو أشكل عليه بعث الجميع على كثرتهم والبعث لجزاء الأعمال فإنما يشكل من جهة الجهل بمختلف أعمالكم على كثرتها واختلاط بعضها ببعض لكنه ليس يجهل شيئا منها لأنه سميع لأقوالكم بصير بأعمالكم وبعبارة أخرى عليم بأعمالكم من طريق المشاهدة. وبما مر يندفع الاعتراض على الآية بأن المناسب لتعليل كون خلق الكثير وبعثهم كنفس واحدة أن يعلل بمثل قولنا: إن الله على كل شيء قدير أو قوي عزيز أو ما يشبه ذلك لا بمثل السميع البصير الذي لا ارتباط له بالخلق والبعث. وذلك أن الإشكال الذي تعرضت الآية لدفعه هو أن البعث لجزاء الأعمال وهي على كثرتها واندماج بعضها في بعض كيف تتميز حتى تجزى عليها فالإشكال متوجه إلى ما ذكره قبل ثلاث آيات بقوله: “فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا” (لقمان 23) وقد أجيب بأنه كيف يخفى عليه شيء من الأقوال والأعمال وهو سميع بصير لا يشذ عن مشاهدته قول ولا فعل.
يقول الدكتور فاضل السامرائي عن الفرق بين البعث والارسال: بعث فيه معنى الإرسال تقول بعثت شخصاً فيه معنى الإرسال لكن في بعث أيضاً معاني غير الإرسال. الإرسال أن ترسل رسولاً تحمّله رسالة لطرف آخر. البعث قد يكون فيه إرسال وفيه معاني أخرى غير الإرسال أي فيه إرسال وزيادة. تبعث بارِك أي الجمل، تبعث الموتى ليس بمعنى إرسال ولكن يقيمهم، فيه إثارة وإقامتهم (إن للفتنة بعثات) أي إثارات، فيها تهييج.”وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا” (البقرة 247) أي أقامه منكم. ولذلك عموماً أن البعث يستعمل فيما هو أشد. نضرب مثالاً: “قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ” (الشعراء 36)، و”قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ” (الأعراف 111) والقصة قصة موسى في الحالتين: الملأ يقولون لفرعون وابعث في المدائن وأرسل في المدائن. ننظر لتكملة كل آي من الآيتين”يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ” (الشعراء 37) صيغة مبالغة والثانية “يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ” (الأعراف 112) ليس فيها مبالغة ساحر ليس فيها مبالغة بينما سحار فيها مبالغة لأنه في الشعراء المحاجة أشد مما كانت في الأعراف. لو قرأنا قصة موسى وفرعون في الشعراء المواجهة أشد من الأعراف وفرعون كان غاضباً فقالوا وابعث في المدائن أنت أرسل وأقم من المدينة من يهيّج عليه أيضاً هذا معنى (ابعث) هذا البعث، أن تبعث أي تهيّج، تقيم لذا قال بعدها (بكل سحار عليم) ولما قال أرسل قال”بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ” (الأعراف 112). مثال آخر”ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ” (يونس 75)، و”ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ” (المؤمنون 45-46) نفس الدلالة لكن هذه في يونس والأخرى في المؤمنون.
جاء في شبكة النبأ المعلوماتية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كلمات امير المؤمنين عليه السلام للشيخ مرتضى معاش: إن أمير المؤمنين عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله نفس واحدة، ففي ذكرى البعثة النبوية يُستحب زيارة الإمام علي عليه السلام وهناك زيارة مخصوصة، لأنهما نفس واحدة، وقد قال الله تعالى في كتابه الحكيم: “فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ” (آل عمران 61). فخط الإمام علي عليه السلام هو استمرار لخط الرسول، والولاية هي استمرار لخط الرسالة، وأهل بيت النبي عليهم السلام هم استمرار للمنهج النبوي، واستمرار لمنهج البعثة. عندما نقرأ كلمات أمير المؤمنين عليه السلام في وصف رسول الله صلى الله عليه وآله، نعرف شخصية الرسول ونعرف الهدف من البعثة النبوية. إن أهم ما وصفه أمير المؤمنين عليه السلام في المبعث الشريف، بأنه نعمة عظيمة، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله أخرج البشرية من الظلام إلى النور، ومن الحضيض إلى العلو، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن الجوع والخوف إلى الأمان، وإلى الازدهار وإلى الحياة السعيدة. بعد أن كانوا أذلاء وعبيدا، وكانوا يعيشون في حالة جدب. لو توقفنا قليلا عند بعثة الرسول صلى الله عليه وآله، فقد كان المجتمع جاهليا ولا يرتقي للإنسانية، نعم ربما هناك بعض القيم موجودة كالشجاعة والكرم وغير ذلك، لكن هذه القيم لم تكن قادرة على تطوير المجتمع، بل من أجل إظهارها أمام الملأ والتفاخر بها، كأن يقول أنا شجاع أو أنا كريم. إن أهم نقطة في منظومة القيم، وأساس الهرم ومنبع الشلال والماء الزلال الطاهر، هي الرحمة العظيمة التي هي أساس الأخلاق الانسانية، ولذلك يقول القرآن الكريم: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ لانفضوا من حولك” (آل عمران 159). وهذا هو الأساس الذي تنبعث منه كل القيم الأخرى ولا يمكن تجزئة قيمة عن قيمة أخرى، فلابد أن تكون هناك رحمة تؤطّر هذه القيم. أن الإمام علي عليه السلام يصف الهدف التاريخي وفلسفة التاريخ في بعثة الرسول صلى الله عليه وآله، والهدف من ذلك هو تغيير حياة البشرية، لينقلها من الظلام إلى النور، ومن الاحتراق إلى البرد، ومن الظلام الذي يخلّفه العنف إلى النور الذي تحتاجه البشرية للاستقرار والأمن، فيقول عليه السلام: (لقد درست منار الهدى)، بمعنى لم يبق أي علامة للهدى، منارة أو ضوء، (وظهرت أعلام الردى) والهلاك والموت، لذلك يشعر كل الناس اليوم بالقلق الوجودي واليأس المزمن. ورد في نهج البلاغة عن الامام علي عليه السلام مبينا حال العرب قبل البعثة النبوية الشريفة  (إِنَّ اَللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمِيناً عَلَى اَلتَّنْزِيلِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ اَلْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ، وَفِي شَرِّ دَارٍ، مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ، وَحَيَّاتٍ صُمٍّ، تَشْرَبُونَ اَلْكَدِرَ، وَتَأْكُلُونَ اَلْجَشِبَ، وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ، وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ، اَلْأَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ، وَاَلْآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ).
ان ايات من سورة العلق نزلت على النبي صلى الله عليه وآله في السابع والعشرين من شهر رجب 13 قبل الهجرة وهو يوم المبعث الشريف كما جاء في روايات أهل البيت وكان عمره الشريف 40 سنة واستمرت ينشر رسالته على مدار 23 سنة. بينما نزل القرآن بصورته الكاملة في شهر رمضان باللوح المحفوظ والبيت المعمور وهي ليلة القدر. والاية في سورة الدخان”إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَة ” (الدخان 3) تخص الإنزال الكامل في ليلة القدر. بُعث النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله بالنبوة، وكان عمره الشريف أربعين سنة، حيث تلقی النبي الأكرم محمد أول کلمات الوحي”اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأََكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ” (العلق 1-5). وكان أول من آمن بالنبي الأكرم من الرجال الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، ومن النساء زوجته ام المؤمنين خديجة عليها السلام. ثم اعلن دعوته”يَآ أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ” (المدثر 1-3). قال الرسول صلى الله عليه واله وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) كما قال الله تعالى “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” (الانبياء 107) فاساس البعثة تربية الناس على الاخلاق الحميدة فمن لا خلق له فهو بعيد عن مبادئ البعثة النبوية السمحاء، وهو القائل (إني إنما بعثت بالحنيفية السمحة) فالرسالة تطلب من يعتنقها ان يوازن بين عمل الاخرة والدنيا كما قال الله تعالى “ابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا” (القصص 77).
ورد عن  الامام الجواد عليه السلام أنه قال: (إنّ في رجب ليلة هي خير للناس مما طلعت عليه الشمس وهي ليلة سبع وعشرين منه، نُبّئ رسول الله صلى الله عليه وآله في صبيحتها، وإنّ للعامل فيها أصلحك الله من شيعتنا مثل أجر عمل ستين سنة.). ومن ادعية ليلة المبعث الشريف (اللّٰهُمَّ إنّي أسألُكَ بالتّجَلّي الأعظمِ في هذه الليلةِ مِن الشهرِ المُكَرَّم،  أن تُصَلِّيَ على محمدٍ وآلِه، وأن تَغفِرَ لنا ما أنتَ به مِنّا أعلَم.  يا مَن يَعلُم ولا نَعلَم.  اللّٰهُمَّ بارِك لنا في ليلتِنا هٰذهِ الّتي بِشَرَفِ الرّسالةِ فَضَّلتَها، وبكرامَتِكَ أَجلَلتَها، وبالمَحَلِّ الشّريفِ أحلَلتَها.  اللّٰهُمَّ فإنّا نسألُكَ بالمَبعَثِ الشريفِ والسيِّدِ اللّطيفِ والعُنصُرِ العفيف، أن تُصَلِّي على محمدٍ وآلِه، وأن تجعلَ أعمالَنا في هٰذه اللّيلِة وفي سائرِ الليالي مَقبولة، وذنوبَنا مغفورة، وحسناتِنا مشكورة، وسيّئاتِنا مستورة، وقلوبَنا بحُسنِ القولِ مسرورة، وأرزاقَنا مِن لَدُنكَ باليُسرِ مَدرورة).

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً